العدد 43 -

السنة الرابعة – ربيع الثاني 1411هـ، تشرين الثاني 1990م

الإمام جُنّة

سعيد الخطيب

كثيرةٌ هي النكبات التي نزلت بالأمة الإسلامية،وكثيرةٌ هي المذابحُ والمجازرُ التي تَعرَّض لها المسلمون في مختلف أصقاع الأرض… في فلسطين، في لبنان، في أفغانستان، في أذربيجان، في سيريلانكا، في بورما، في الفلبين، في الهند، في أرتيريا، وفي إيران والعراق وفي… الخ، ودائماً تكون اليدُ الجزَّراةُ المجرمة إما يهوديَّة وإما صليبية وإما وثنية وإما ملحدة وأحياناً تكون يداً مسلمة أو أنها تدَّعي الإسلام وتكونُ مدركةً لما تقوم به (يد عميلة مأجورة) أو تكون جاهلة مغرراً بها، وعلى أية حال فالمصيبة واقعة في كلتا الحالتين (كما في الحرب الإيرانية العراقية).

ولعلَّ من أعظم النكبات التي أصيب بها المسلمون هي نكبة إقصاء الإسلام عن واقع حياتهم السياسية (أي أن حياتهم لم تعد تُساس بالإسلام) أو بمعنى آخر، هدم الدولة الإسلامية وعلمنة الواقع الجديد للدولة، بل للدويلات الهزيلة التي ولدت في أعقاب هدم الخلافة الإسلامية أوائل عام 1924 بعد انتصار دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.

والنكبةُ الثانية التي حلَّت بالمسلمين والتي كانت نتيجةً للنكبة الأولى، هي أن استُقدم اليهود إلى فلسطين بمباركة ومعاونة دول الغرب وعلى رأسها بريطانيا الكافرة وأنشأوا هناك دولة لهم (أيار 1948) بعد أن قتلوا مَنْ قتلوا وهجَّروا من هجروا من أهل فلسطين، لتكون وظيفة هذه الدولة تحقيق مصالح اليهود ومصالح الغرب المستعمر الكافر، وللحفاظ على منقطة المشرق الإسلامية ممزقة، لأن في ذلك ضمانة ضد أن تعود فتتوحد على العقيدة الإسلامية وذلك هو الخطر الأدهى الذي يهدد الغرب ومصالحه أيّما تهديد.

واليوم وأمام ظاهرة المجازر المتكررة التي يتعرض لها أبناءُ الإسلام من أهل فلسطين وغيرهم (مجزرة وادي عربة في فلسطين في شهر أيار الماضي، مجزرة كشمير في الهند منذ عدة شهور، مجازر متعددة في سيريلانكا في آب الماضي، مجزرة الحرم القدسي في فلسطين 8 تشرين أول… الخ)، أمام هذه الظاهرة المؤلمة التي تجرحُ أعماق كلّ مسلم مخلص لله ولرسوله، ما هو الموقف الصحيح والسليم الواجب اتخاذه من قبلنا نحن المسلمين حتى نضع حداً حقيقياً لهذه الأعمال الوحشية البربرية وحتى تعاد الحقوق إلى أصحابها والحقائق إلى نصابها والأمور إلى سياقها الأصيل الذي ارتضاه الله سبحانه لنا؟؟؟

إنّ جواباً صحيحاً عن هذا التساؤل لا بد وأن يستند إلى أحكام الإسلام ومفاهيمه وتشريعاته، فما من مشكلة حصلت أو تحصل الآن أو قد تحصل في المستقبل العاجل أو الآجل إلا ولها حلٌّ منبثق من مصادر التشريع الإسلامي، وظاهرة المجازر هذه، ودماء المسلمين المراقة، المستباحة، المهانة، ما كان كل هذا يحصل لو أن هناك دولة إسلامية عليها إمام واحد (خليفة)، تحرس الثغور وتنصف المظلوم وتذود عن المسلمين، وتنشر رسالة ربّ العالمين وعليه فإنها حقيقة واضحة صارخة، بأنّ الحل الجذري لكل الأزمات التي نعاني، ولكل المجازر التي نتعرض لها كمسلمين يتمثل في إعادتنا للإسلام اعتباره، وذلك في تنظيم شؤوننا وفي تسيير أمورنا وفي قيادة حياتنا بكل تفاصيلها وحيثياتها… إنه الحل الأوحد وما دونه هراء وخواء وهباء ومضيعة للوقت، بل ما دون هذا الحل يعد تآمراً ومشاركة في إطالة زمن الذلة والهوان والمجازر العاصف فينا منذ سرنا في واد وكان أسلافنا، عزنا، حياتنا، كرامتنا، في واد آخر. إنّ الاعتصامات في مراكز الصليب الأحمر، أو الإضرابات ليست هي بالأساليب الصحيحة التي نعالج بها ما نعاني من مجازر بحق أهلنا المسلمين في فلسطين وغيرها، بل إنّ هذه الأساليب لتعد ظاهرة تقهقرية وألهيات تؤخر ولا تقدم وتنفس حماسة الأمة في أعمال فارغة، وتحرف الناس عن الطريق الصحيح، وتصرفهم عن العمل المجدي الفعال الذي هو إعادة الخلافة وطرد النفوذ الأجنبي وتوحيد بلاد المسلمين. فعلينا أن الإسلام اعتقاداً وقولاً وعملاً في جميع مناحي الحياة وأن نجعله القائم وحده على شؤوننا والمسير وحده لأمورنا وعندها يولد الفجر ويرفرف بيرق الحق وينقرض أوان الذلة وينال المجرمون الظالمون القصاص العدل، ويفرح المؤمنون بنصر الله¨

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *