العدد 43 -

السنة الرابعة – ربيع الثاني 1411هـ، تشرين الثاني 1990م

رسالة إلى كل مسلم في بلاد الاغتراب

هذه الرسالة أرسلها كاتبها إلى صديق له مسافر من البلاد الإسلامية إلى بلاد الكفار، وهو يحذّره السقوط في الفتنة في تلك البلاد، سواء كانت الفتنة في سلوكه وأخلاقه، أو في عقيدته وأفكاره، أو في انبهاره وانخداعه بما عند الكفار.

وقد وصلت إلى ا«الوعي» نسخة من هذه الرسالة فرأت أن تنشرها لتعمّ فائدتها عدداً أكبر من المسلمين، فهي تهم كل مسلم سواء كان في بلاد الكفار أم في بلاد المسلمين.

أيها الأخ العزيز! في هذه الحياة أشياء كثيرة لا يعرف حقيقتها وقيمتها إلا القليلون من الناس؛ نتأمل في هذه الدنيا فنجد فيها الكثير الكثير من الملذات والمسرات: نجد فيها التآلف والمحبة ونجد فيها الوفاء والإخلاص، ونجد فيها الجمال والمال، ولكن لا بد من إدراك كل هذه الأمور على حقيقتها: فمهما تآلف اثنان وتحابا وتآخا فلا بد لهما من التفرق، ومهما عاش الإنسان سعيداً فلا بد أن يفارقهم، ومهما جمع من المال فلا بد أن يتركه وراء ظهره ويمضي وحيداً عارياً معدماً لملاقاة ربه حيث يقول له الله سبحانه: ]وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ[ نعم أيها الأخ الصادق، هذه هي رحلتنا في هذه الدنيا، مهما سافرنا ومهما جمعنا ومهما ابتعدنا ومهما تفرقنا فإنا لله، وإنا إليه راجعون، ولا بد أن نقف بين يديه عراة كما ولدتنا أمنا فرادى لا صديق لنا ولا معين ولا حميم ولا أب ولا أم ولا أخ ولا مال، لا بد أن يأتي اليوم الذي نترك فيه كل شيء وراء ظهورنا لنعود إلى الله! عندها فقط سندرك حقائق الأشياء، وسنعرف أن الكثير من الأشياء التي كنا نحسبها عظيمة ومهمة وتستحق منها الجهد والتضحية سنجدها تافهة وحقيرة، وسنعرف أنها لم تكن تستحق منا كل هذا الاهتمام. وكذلك سنعرف أن أموراً كثيرة كنا نحسبها هينةٍ وصغيرة وكنا لا نلقي لها بالاً ونمر عليها مروراً ولا نقف عندها إلا في أوقات فراغنا، ولكنا سنجدها يوم القيامة عظيمة وخطيرة وسنعرف أنها كانت تستحق منا التضحية بالغلي والنفيس ]وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ[.

نعم أيها الأخ العزيز! قد بخطر ببال الواحد منا أن ينظر إلى ما حرم الله، وقد لا يرى في النظرة هذا الأمر الخطير، وقد يخطر في باله أن يخالف حكماً ـ يراه بسيطاً ـ من أحكام الله، وقد يتردد في قراراته، كل هذا في هذه الدنيا، ولكنه حين تنتهي رحلته ويعود إلى دار الإقامة الدائمة إلى دار القرار، ويقف بين يدي ربه العظيم شاخص البصر، مرتجف القلب، مضطرب الأعصاب، متصبب العرق، عندها سيبدأ يقيس الأمور على وجهها الصحيح ـ ولات حين قياس ـ عندها سيعرف وسيتأكد أن الموت كان أهون عليه من المعصية، وأن عذاب الدنيا بكل ما فيها من غربة وجوع وحرمان كان أقل بكثير من عذاب الله الذي أخف ما عنده جمرتان تحت القدمين يغلي منهما الدماغ.

أيها الأخ العزيز! لا تحزن لأنك سافرت، ولا تتضايق من الاغتراب، لأن الحقيقة التي لا بد من معرفتها أننا جميعاً مسافرون مغتربون، سواء كنا في بلاد الشام أم في قبرص أم في الحجاز أم في أوستراليا، أينما كنا في هذه الأرض فإننا مغتربون! هذه هي الحقيقة، فالأرض أيها الصديق ليست وطننا، والإنسان لم يخلق عليها ولن يبقى فيها، لقد خلقنا هناك في الملأ الأعلى حيث خلق الله آدم في تلك الجنية التي بدأت فيها حياة الإنسان وجرى ما جرى مما تعرفه، فخرجنا من موطننا الأصلي وهبطنا إلى هذه الأرض لنقيم إقامة مؤقتة ثم نعود تاركين هذه الأرض بكل ما فيها وبكل ما جمعناه فيها، نعود إلى الوطن الحقيقي إلى دار البقاء، وهناك إما أن تبيض وجوهنا، ونقف بكل فخر واعتزاز ونقول أمام الملأ «ها نحن قد عدنا مفلحين رابحين، عرفنا أننا مغتربون وأننا عابروا سبيل فعشنا دنيانا على أساس أننا لله وأننا إليه راجعون، ولم نخلد إلى الأرض ولم نطمئن بالحياة الدنيا ولم نعشق دار الغربة ولم نعش لها، بل صحبنا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلقة بالمحل الأعلى وأدركنا أن سفرنا قصير وعودتنا قريبة»، وإما أن تسود وجوهنا ونقف أذلة مهطعين ناكسي رؤوسنا خائبين خاسرين فاشلين فيقال لنا: «نسيناكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا». نعوذ بالله من ذلك. هناك إما أن نحظى بالسعادة الحقيقية الدائمة في ظل رضوان الله وفي جناته الفسيحة الرحبة متحابين سعداء لاعبين كما يحلو لنا دون أن نخشى ضياع الوقت أو فوات قطار العمر، وإما أن تحيق بنا التعاسة الحقيقية، والشقاء والعذاب الذي لم يخطر ببال إنسان في جحيم الغضب الإلهي مما لا أستطيع أن أصوّر لك ما فيه.

نعم أيها الأخ الحبيب! هذه هي الدنيا في حقيقتها رحلة قصيرة واغتراب مؤقت وبلاد أجنبية دخلناه بتأشيرة دخول إسمها الولادة، ولا نشعر إلا وقد خرجنا منها بتأشيرة خروج إسمها الموت حيث نصحو بعدها ونرى الحقائق كما هي، ونعرف أن الدنيا لم تكن إلا كابوساً أو حلماً عشناه لبضع ساعات قليلة وأن الآخرة هي اليقظة وهي الواقع وهي الحياة ]قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ @ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ @ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ @ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ[.

نعم أيها الأخ الحبيب! نصيحتي إليك ووصيتي الوحيدة لك أن لا تغرق في هذا الكابوس الدنيوي وأن تبقى مفتح العينين كما نعرفك، ليس مشكلة أن تفشل في سفرك أو أن تنجح ـ وأسأل الله أن يوفقك ـ ولكن هذا ليس مشكلة، المشكلة الكبرى أن تفشل في سفرك الأكبر، أن تفشل في امتحان الموت والحياة، أن تعود إلى ربك مفلساً خاسراً، هذه هي المصيبة الكبرى أيها الأخ الحبيب. ليس مشكلة أن نبتعد عن بعضنا في هذه الدنيا، وليس مشكلة أن نتفرق ولا نتلاقى على هذه الأرض المؤقتة المحدودة، المشكلة الحقيقية أن نتفرق في وطننا الأصلي في دار الإقامة الخالدة، المشكلة الحقيقية أن لا نتلاقى في جنة الله ورضوانه، حيث اللقاء الذي لا فراق بعده، وحيث السعادة التي لا شقاء يهددها، وحيث الفرح الذي لا نكد فيه… فهل نلتقي هناك؟! هل يرحمنا الله ويجمعنا هناك. هل نكون من مستحقي الرحمة والرضوان؟! نسأل الله سبحانه أن نكون كذلك ]وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[.

قد أعاهدك يا أخي أن أبذل جهدي في العمل لإظهار دين الله وإعادة الخلافة الراشدة، عز الإسلام وملاءة فخر المسلمين، وقد تعاهدني أنت على ذلك، ولكن من منا سيرى الآخر إن كان سيفي بعهده أم لا؟ قد أرسل لك بأنني ثابت على دعوة الله وعلى طريق رسول الله لن أحيد عنه قيد شعرة، وقد ترسل لي انك ثابت لن تحيد أبداً، ولكن العلاقة أيها الصديق ليس بيني وبينك، ولكنها بيننا وبين الله، فعلينا أن نعاهد الله قبل أن نتعاهد، وعلينا أن نبايع الله قبل أن نتبايع، فهو وحده الذي يرانا أينما كنا وهو وحده الذي خلقنا ويعلم ما توسوس به نفوسنا وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو سبحانه القائل لنا: ]أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ إنه البصير الرقيب الذي يرانا أينما كنا، فهل نعمل ما نشاء والله البصير لا تخفي عليه خافية؟ ومن يجرؤ على معصية الله إلا من سفه نفسه؟ لا يا رب لن نعمل ما نشاء… لن نعمل إلا ما ترضاه منا، فكن معنا يا بصير… وأعنَّا على ذكرك وشكرك وطاعتك وحسن عبادتك حتى لا نُلقى في النار وحتى نأتي آمنين مطمئنين يوم القيامة، اللهم آمين..

أخي العزيز! ليست الطريق إلى الجنة مفروشة بالأزهار والورود، فالجنة كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة بالمكاره، وإبليس لعنه الله يعمل ليلاً ونهاراً، وهو غالباً لا يأتيك وأنت قائم بين يدي الله تصلي، ولكنه يأتيك حين تكون متردداً بين المعصية والطاعة، هنا يأتي إبليس ليصور لك لذة الحرام ويزينه في عينك، ويحاول أن يخفي عليك نتيجته يوم القيامة ويبعدك عن التفكير في ذلك، فيجعلك تعجز عن الموارنة الحقيقية بين لذة المعصية في الدنيا وبين عذابها في الآخرة؛ فعندما تجد نفسك معجبة بحرام مائلة إليه، في هذه اللحظة، لا تترك لنفسك هواها وأجبرها على أن ترى الحقيقة، ففي الحرام من الحسرة والعذاب والألم والندامة أكثر بكثير مما فيه من اللذة الفنية الزائلة التي ستنتهي فور الانتهاء من ارتكاب الحرام، ولا يبقى بعدها إلا الندم في الدنيا والحسرة والعذاب في الآخرة إلا من رحم الله سبحانه.

واعلم أيها الأخ الطيب أن الانحراف عن الطريق يبدأ يسيراً بسيطاً ثم يظل الإنسان يتجه بعيداً حتى يصل انحرافه إلى درجة يصعب معها تدارك الأمور، ويصبح من العسير عليه أن يرجع إلى صوابه، فإن وجدت نفي نفسك ميلاً، إلى القعود عن دعوة الله أو إلى أي معصية مهما كانت صغيرة وهيّنة فاعلم أنها بداية الطريق إلى شقاء فظيع في الدنيا والآخرة، واعلم أن إبليس قد بدأ يستدرجك لتخطو أو خطوة في خطه ثم تعقبها خطوات ولا يدعك حتى يصل بك إلى قعر جهنم وبئس المصير. فتدارك أمرك من الخطوة الأولى وامنع نفسك من الخروج عن منهج الله، واحملها على الحق حملاً وأطُرْها على طريق رسول الله أطراً «فوالذي نفس محمد بيده لموتة في طاعة خير من حياة في معصية».

واعلم أن للإيمان حلاوة ولذة تفوق كل الحلاوات والملذات، وكلما ازداد الإنسان تقرباً من ربه كلما ازداد إقباله على الطاعات، وكلما ازدادت حلاوة الإيمان في نفسه كلما ازداد جوعه ونهمه لمزيد من التقوى، وهكذا حتى تنتهي به حلاوة الإيمان إلى رضوان الله وإلى جنة عرضها كعرض السماوات والأرض فأقبل على الله وتعرف عليه في الرخاء والشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنك لن تأخذ من رزقك إلا ما كتب لك، فلا تعصي الله الرزاق طمعاً في رزقه.

أخي العزيز! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».

مهما تباعدت بيننا الأمكنة ومهما طالت المسافات، فإن كلاً منا يتجه في صلاته إلى نفس القبلة التي يتجه إليها الآخر، وإن كلاً منا يحمل هموم نفس الأمة التي يحمل الآخر همومها، فإن باعد بيننا المكان فقد قرب بيننا الإيمان، وإن تفرقت الأجساد فقد تلاقت الأرواح، وستبقى وحدة العقيدة ووحدة التفكير ووحدة القضية والهم هي الرابط المتين الذي تتكسر أمامه كل الحواجز وتقصر دونه كل المسافات.

ونأتي الآن إلى الحديث عن قضيتنا، عن أمتنا، عن هم المسلمين الذي يجمعنا:

أخي العزيز! إعلم أنك تنتمي إلى خير أمة أخرجت للناس، فالأمة الإسلامية هي خير الأمم على وجه الأرض، وهي الأمة الوحيدة الصالحة لقيادة البشرية، لأنها الأمة الوحيدة التي تعرض وظيفة الإنسان في الأرض، فالله سبحانه يقول: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ والأمة الإسلامية ـ مهما أصابها من تخلف ومهما تأخرت عن ركب الأمم ـ تبقى هي الأمة الوحيدة التي تعبد الله في أرضه، وكل الأمم الأخرى أمم مشركة كافرة أضاعت طريقها فغرقت في ظلمات قاتمة من الجاهلية وفي دنس مقرف من البهيمية، فهي تعيش في ظلام دامس مهما حاولت أن تخدعنا بأنوار الكهرباء والتكنولوجيا، وهي أمم نجسة مهما حاولت أن تتطهر بالسبيرتو والكولونيا فالنور الوحيد والطهر الفردي هو أن تؤمن هذه الأمم بالله وأن تدخل في دين الإسلام لتصير جزءاً من الأمة الإسلامية المشرقة الطاهرة، وبغير هذا ستبقى أمماً نجسة كافرة، مهما بدا منها من أدب رفيع ومن أخلاق كريمة ومن تقدم صناعي ]إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[.

ولكن هل يعني هذا أن نتكبر على الناس وأن نرد إحسانهم بالإساءة؟ كلا فالمسلم أولى الناس بالأخلاق الكريمة لأن أخلاقه قائمة على طلبه لمرضاة الله وليست قائمة على نفع قريب أو سمعة زائلة، والله سبحانه لم يحملنا الإسلام كي نتعالى به على الناس، وإنما أخرجنا الله إلى الناس لمهمة عظيمة ضخمة هائلة، ولكنها يسيرة على من يسرها الله عليه ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[ فنحن نريد أن نخرجهم من المنكر الذي يعيشون به حياتهم إلى المعروف الذي أمر الله الإنسان أن يعيش على أساسه، فلا تتكبر يا أخي على أهل قبرص أو غيرهم ممن قد تلتقي بهم في أسفارك، ولكن إياك أن تحترم شعباً أكثر من احترامك لأمتك، وإياك أن تتأثر بأفكار شعب أو تقاليده، والعم دائماً أنك أنت الأعلى ما دمت مؤمناً وهم كافرون والله سبحانه يقول لنا: ]وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ فالمؤمنون هم خير الناس وأعلى الناس، والكفار هم شر الناس وأدنى الناس ]إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا[، ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[ فالكفار هم شر الدواب مهما كانت أخلاقهم رفيعة ومعاملتهم حسنة ما داموا متلبسين بكفرهم، ونحن إن نظرنا إليهم فإنما ننظر إليهم بعين الشفقة كما ينظر الطبيب إلى مريضه وهو يتمنى له الشفاء، ونحن كذلك ننظر إليهم فنرى مدى ضلالهم وضياعهم، فالذي لم يفهم الحياة ولم يفهم معنى وجوده فيها ولم يعرف نفسه كيف أتى وإلى أين مصيره هو إنسان غارق في الضلال المبين مهما اخترع وتقدم في صناعاته. فانظر إليهم بعين الشفقة وتمنَّ لهم من كل قلبك الهداية وحاول جهدك أن ترفعهم من دركات شر الدواب إلى درجات خير البرية. وإياك ثم إياك أن تنظر إليهم بوماً بعين التلميذ الذي ينظر إلى أستاذه بعين التبجيل والاحترام، فهؤلاء الضالون المساكين لا يمكن أن يكونوا أساتذة أو موجهين للمسلم البصير الفاهم لأهم حقيقة يهتدي إليها الإنسان وهي حقيقة: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله» هذا المسلم هو الذي يجب أن يوجه الناس وهو الذي يجب أن ينقذهم من براثن الشيطان وهو الذي يجب أن يؤثر في غيره دون أن يتأثر بهم ولو شيئاً قليلاً.

أخي العزيز! بعض المسلمين  يسافر إلى بلاد الكفار ليعمل فيها ويعود إلى بلده بالمال الذي يضمن له عيشاً مستقراً، ولكن مما يثير الحزن والشفقة معاً أن هؤلاء لا يكتفون بملء جيوبهم بالمال فحسب، بل يعودون وقد ملأوا صدورهم أيضاً بالاحترام للأجنبي الكافر وبالاحتقار لأبناء أمتهم، بل وقد ملأوا رؤوسهم أيضاً بالأفكار الدخيلة الغربية والمفاهيم السقيمة المغلوطة فيكون قد أخذ المال من الأجنبي الكافر، ولكن الأجنبي قد سرق منه بالمقابل فكره وشعوره وشخصيته، وأعاده إلى بلاده كالببغاء يردد ما لقنه من أفكار دون وعي أو إدراك، ويتشدق بما حفظه من ألفاظ الحرية والوطنية والديمقراطية والاشتراكية دون معرفة بمدلولاتها، فيبدو ـ وقد مسخ الكافر شخصيته ـ كالطفل الذي يتعلم الكلام، وهذا ما يجعلك تضحك منهم وتبكي عليهم في آن واحد.

أيها الأخ العزيز! عش دائماً مع أمتك أينما كنت، واحمل قضيتها حيثما ذهبت.. لا ننكر أن أمتنا قد تخلفت، وأنها قد خضعت لعدوها بسبب حكامها العملاء الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، فأبعدوا الإسلام عن حياتنا وخدموا مصالح أعدائنا بلد أن يخدموا مصالحنا وطاردوا كل مخلص يرفض العمالة يأبى إلا أن يعيش في ظل نظام الإسلام، مما جعل شباب الأمة مضطرين إلى الهجرة من بلادهم، وليس السبب في هذا هو فقر بلادنا، فبلادنا هي أغنى البلاد بما حباها الله من ثروات بترولية ومعدنية وزراعية وغير ذلك، ولكن الحكام المجرمين سرقوا هذه الثروات وباعوها بثمن بخس ليحفظوا بها عروشهم، وتركوا أمتنا تعاني بؤس الحرمان، وتركوا شبابنا يتجرع مرارة السفر والاغتراب، ورغم كل هذا يا أخي فبشائر النصر بدأت تظهر رغم أنوف أولئك الحكام، ونور الخلافة يكاد يخطف أبصارهم، ووعي الأمة يكاد يسقط قلوبهم، فتراهم ينظرون إلى الأمة تدور أعينهم نظر المغشي عليه من الموت، فأينما ولوا وجوههم وجدوا إسلاماً يتحرك، حتى لم يجدوا أمامهم إلا أن يركبوا الموجة التي كادت أن تأتي على عروشهم، فراحوا يتسترون بالإسلام ويختبئون وراءه ولكن أنى لهم التخفي، فعوراتهم أصبحت مكشوفة بشكل لا يمكن سترها، وروائحهم النتنة الخبيثة قد انتشرت بشكل لا يمكن أن يغطيها تعطرهم بالإسلام، فالعد العكسي للانفجار الكبير قد بدأ، حيث ستنكس كل العروش وستهوى كل التيجان وستسقط كل الأنظمة ولن يبقى إلا العرض الذي تصنعه الأمة لمن تبايعه على تطبيق الإسلام في حياتها وحمله معها إلى العالم، فابشر أيها الأخ العزيز فنصر الله قريب بإذنه تعالى، والأمة ستعود تحمل الإسلام إلى العالم، ستعود تحمله جهاداً وفتحاً وعدلاً ونوراً ورحمة تقود به النسا لتخرجهم من الظلمات إلى النور ]وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[.

أيها الأخ العزيز! إن نصر الله آت لا ريب فيه، ولكن علينا نحن أيضاً أن ننتصر من الآن، فانتصر حالاً يا أخي… انتصر بأن لا تخجل يوماً بإسلامك، ولا تتردد في إعلان انتسابك لأمتك أينما كنت، ولا تتلجلج في بيان ما عليه الآخرون من زيف وضلال بحجة احترام مشاعرهم، فالكافر هو الذي يجب أن يخجل بكفره أمام المسلم، واحترام مشاعر الآخرين لا يكون بتركهم يتخبطون في دياجير الجهل والكفر دون أن ننير لهم درب الهدى والحق، واعلم أننا قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، واعلم أنك حامل حق مؤتمن عليه فواجبك أن تصونه وتحميه وتؤديه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك: «أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك» فكن مسلماً كما يرضى لك الله ورسوله ]وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ[.

وأخيراً أعود فأقول لك يا أخي الحبيب: لا تغفل لحطة عن الله فإن من نسي الله أنساه نفسه، ولا تنسَ أنك ستموت وستلقى الله فيحاسبك على كل لحظة عشتها كيف عشتها ]وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[ فالكتاب الذي عند ربي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، واعلم أن قاعدة الموازنة بين الدنيا والآخرة في هذه الحياة هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة أكبر همه جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له».

أسأل الله سبحانه أن يجمعنا في هذه الدنيا متعانقين مستبشرين فرحين بنصره العزيز المؤزر وأن يجمعنا في الآخرة إخواناً على سرر متقابلين متسامرين فرحين بما آتانا من جنات ونعيم ورضوان منه أكبر إن الله على ما يشاء قدير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته¨

أخوك محمد أبو وائل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيتها الصديقة العزيزة «الوعي».

إنني من الناس الواثقين بأن راية الخلافة سوف تعود وعلى أيدينا بإذن الله العلي القدير.

وأود في هذه الرسالة نقل يقيني إلى كل المسلمين في أرجاء الأرض أن الإسلام سوف يعود على يديْ شباب مؤمنين بالله حقَّ الإيمان، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون من أن يقطع رزقهم من حاكم كافر، ولا يهابون الموت، ويطلبون الشهادة في سبيله صدورهم مليئة بمخافة الله، لا مخافة الناس. يطالبون بأعلى أصواتهم «سحقاً لفسقة الكافرين، ونِعْمَ أجرُ العاملين».

وأردد مع قول الشاعر يوسف إبراهيم من قصيدته التي تهز القلوب «الكوكب الأفل» يرثي فيها الخلافة الإسلامية:

وكتائب التحرير دائبة والجهادِ      الظافر المنصور في دربِ الخلودْ

وتعود رايات الخلافة والجهاد       ودولةُ الإسلام شامخة تعود

وها هو ذا الجيل الجديد يحاول أن يرفض واقع الذل والخزي الذي ذاقه آباؤهم من قبلهم ثبتنا الله وإياكم على الطريق.

أخوكم في الله حسَّان عبد الله.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *