العدد 310-311 -

السنة السابعة والعشرون ذو القعدة وذو الحجة 1433هـ، تشرين الأول وتشرين الثاني 2012م

وجوب الحكم بما أنزل الله وحرمة موالاة الكافرين وقفة تدبر مع آيات من سورة المائدة

بسم الله الرحمن الرحيم

وجوب الحكم بما أنزل الله وحرمة موالاة الكافرين

وقفة تدبر مع آيات من سورة المائدة

برهان (أبو عامر)

إن القرآن الكريم هو نور الله في الأرض، وهو الحق المبين، وحبل الله المتين، وحجة الله على عباده إلى يوم الدين. من حكم به عدل، ومن أخذ به هدي إلى الصراط المستقيم، ونحن في هذه الصفحات نقف على آيات من كتاب الله في سورة المائدة ننظر فيها وبماذا تأمرنا، وعن ماذا تنهانا، لعلها تكون هاديا ً ودليلا ً للأمة اليوم وهي تنهض وتتحدى الكفر والظلم إلى النصر والتمكين والاستخلاف في الأرض.

إن وجوب الحكم بالإسلام قضية محكمة في الشريعة، ولم تكن محل خلاف بين المسلمين، يقول صاحب الظلال سيد قطب في مقدمته على سورة المائدة: «نزل هذا القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لينشئ به أمة، وليقيم به دولة، ولينظم به مجتمعاً، وليربِّي به ضمائر وأخلاقا ً وعقولا ً، وليحدِّد به روابط ذلك المجتمع فيما بينه، وروابط تلك الدولة مع سائر الدول، وعلاقات تلك الأمة بشتى الأمم. حتى صرنا في ظل حكم الكفر والخيانة، قال تعالى: (  فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)

وظهر مشايخ وعلماء وجماعات تحمل اسم الإسلام وترفع الشعارات الإسلامية، جعلوا هذه الفريضة وقوام الشريعة وظهور الدين مسألة فيها نظر، وجدل، وخلاف، بل وردٌّ، بدعاوى ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، مثل تبريرات الضرورة، والمصلحة، وجمع الكلمة ووحدة الصف، ومراعاة المرحلة، ومسايرة الأعداء، وعدم إغضاب الغرب… في قائمة طويلة لا تنتهي من المعاذير. قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48).

 يقول سيد قطب في الظلال: بذلك أغلق الله سبحانه مداخل الشيطان كلها. وبخاصة ما يبدو منها خيراً وتأليفاً للقلوب وتجميعاً للصفوف، بالتساهل في شيء من شريعة الله، في مقابل إرضاء الجميع! أو في مقابل ما يسمونه وحدة الصف! إن شريعة الله أبقى وأغلى من أن يضحى بجزء منها في مقابل شيء قدَّر الله أن لا يكون!

وإنها لتعلَّةٌ باطلة إذاً، ومحاولة فاشلة، أن يحاول أحد تجميعهم على حساب شريعة الله، أو بتعبير آخر على حساب صلاح الحياة البشرية وفلاحها، فالعدول أو التعديل في شريعة الله لا يعني شيئاً إلا الفساد في الأرض، وإلا الانحراف عن المنهج الوحيد القويم، وإلا انتفاء العدالة في حياة البشر، وإلا عبودية الناس بعضهم لبعض، واتخاذ بعضهم أرباباً من دون لله… وهو شر عظيم وفساد عظيم…

إن محاولة التساهل في شيء من شريعة الله، لمثل هذا الغرض، تبدو – في ظل هذا النص الصادق الذي يبدو مصداقه في واقع الحياة البشرية في كل ناحية – محاولة سخيفة لا مبرر لها من الواقع، ولا سند لها من إرادة الله، ولا قبول لها… فكيف وبعض من يسمون أنفسهم (مسلمين) يقولون: إنه لا يجوز تطبيق الشريعة حتى لا نخسر (السائحين)؟!،أي والله، هكذا يقولون. رحمك الله يا سيد، لكن الذين يقولون هذه المقالة اليوم هم مشايخ وأعلام وأئمة ورؤساء وزعماء لحركات إسلامية! فحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وأغرب من هذا وأعجب، هو أنه بالرغم من أن الولاء لله والرسول والمؤمنين والبراءة مما سواه، هو من أصول الدين وشروط الإيمان وصفات المؤمنين قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) } إلا أننا صرنا اليوم نرى ونسمع مشايخ وعلماء وجماعات تحمل اسم الإسلام وترفع الشعارات الإسلامية يبذلون ودَّهم لنيل رضا الكفار المستعمرين من يهود وأميركيين وأوروبيين، والله سبحانه وتعالى ينادي ويقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) }. فكيف يبذل بعض المسلمين اليوم في مصر وتونس وليبيا وغيرها ودَّهم وجهدهم للأعداء الكفار من يهود وأميركيين وأوروبيين وهم يرونهم يسخرون من الإسلام، وأهله يدنسون كتاب الله ويهزؤون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستبيحون حرمات المسلمين أعراضهم ودمائهم وبلادهم؟!.

إن الواجب على القيادة والقيادة الإسلامية أولاً أن تكون كالرائد الذي لا يكذب أهله، الذي يقودهم إلى بر الأمان وإلى الخصب والماء العذب، قال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16 )}. والذي يقود الأمة إلى الخلافة دولة الحق والعدل ويخرجها من الظلم والظلام في ظل حكام الضرار وسيطرة الغرب الكافر المستعمر.

لقد كانت الثورات علامة جديدة على حياة الأمة الإسلامية بوصفها أمة إسلامية متميزة، واحدة، شاهدة، ترفض الخضوع والسيطرة. إن الترجمة الصادقة للشعار الأول والأبرز لهذه الثورات (الشعب يريد إسقاط النظام)  في جميع الثورات وتردُّده في كثير من بلاد المسلمين يدل على أن شعوب المسلمين تريد نظاماً جديداً غير هذا النظام الرأسمالي الديمقراطي، وهي تكبر الله وتصلي لله وتدعو الله، فماذا غير نظام الإسلام تريد؟! بل أكثر من هذا وَأَدَلّْ والملايين تنادي في الساحات والميادين بتطبيق الشريعة. فهل بعد كل هذا يبقى من عذر لأحدٍ في القعود عن فريضة الحكم بالإسلام والخلافة؟!

قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50 )}

إن الأمر من الله سبحانه لرسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ولنا من بعده بالحكم بالإسلام ظاهر في هذه الآيات في منطوقها، والأمر لا يحتاج إلى كثير عناء لمن يقرأ القرآن، هذا فضلاً ًعن العلماء الذين لهم نظر وفهم أبعد، واللافت للنظر أن الآيات الكريمة قد كررت الأمر بالحكم بالإسلام، قال تعالى:

( فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )، ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) ،( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ، (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ). وهي في نفس الوقت حذرت من الصوارف عن هذا الأمر الرباني، من اختلاف الناس على شريعة الإسلام. أو الميل إلى استرضاء الناس وكسب ودهم، قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً )  . وسواء أكان ذلك على حساب ترك الشريعة وحكم الإسلام جملة ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) أم كان على حساب ترك ولو بعضها، قال تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) . أي حتى وإن رفض فريق من الناس حكم الإسلام فاثبت أنت عليه (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) ؛ لأنك على الحق الذي جاءك من عند الله، ولا تلتفت إلى هؤلاء حتى ولو كثرو (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) .

يقول صاحب الظلال: ويقف الإنسان أمام هذه الفصاحة في التعبير، وهذا الحسم في التقرير، وهذا الاحتياط البالغ لكل ما قد يهجس في الخاطر من مبررات لترك شيء –ولو قليل– من هذه الشريعة في بعض الملابسات والظروف… يقف الإنسان أمام هذا كله ، فيعجب كيف ساغ لمسلم – يدعي الإسلام – أن يترك شريعة الله كلها، بدعوى الملابسات والظروف! وكيف ساغ له أن يظل يدعي الإسلام بعد هذا الترك الكلي لشريعة الله!… رحم الله صاحب الظلال سيد قطب، فماذا سيقول لهؤلاء المشايخ والعلماء وقادة الجماعات، أصحاب المناصب والألقاب، وهم يدَّعون الإمامة في الدين، ويقولون بكل هذه التبريرات ؟!.

قال تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) }. عن الحسن البصري: «من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية.» وكان طاووس إذا سأله رجل أفضلَ بين ولديه في النِّحَلْ ( العطية )  قرأ ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ )

يقول ابن كثير تعليقا ًعلى هذه الآية: «ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) أي ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء العادل في كل شيء».

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني والبخاري: «أبغض الناس إلى الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية» أورده ابن كثير في تفسيره .

فهل بعد كل هذا البيان يبقى عذر لمعتذر يترك حكم الإسلام ودولة الخلافة إلى الدولة المدنية والديمقراطية؟! يترك شرع الله ويأخذ شرع أميركا وأوروبا؟! يقول سيد قطب في الظلال معلقا ً هنا: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) }. إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص – هي حكم البشر للبشر – .

    ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحِّي شريعة الله عن حكم الحياة يستبدل بها شريعة الجاهلية وحكم الجاهلية؟  ما الذي يستطيع أن يقوله …… وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟! .

الظروف؟ الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟… ألم يكن هذا كله في علم الله وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته، وأن يسيروا على منهجه، وأن لا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟ قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة والأوضاع المتجددة والأحوال المتغلبة؟ ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد ويحذر هذا التحذير؟

يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء، ولكن المسلم أو من يدعون الإسلام، ما الذي سيقولون في هذا كله، هل يبقون على شيء من الإسلام؟ أو يبقى لهم شيء من الإسلام؟.

وبعد آيات الحكم تأتي مباشرة آيات الولاء لله والرسول والمؤمنين والتحذير من موالاة الكفار وخاصة أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

وتفسير القرآن آية آيةيحصل منه معنى، لكن الجمع بين الآيات إذا كان يتحصل منه معنى جديداً لا شك أنه أولى وأنفع. } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57){. والناظر في هذه العلاقة بين الحكم بما أنزل الله وبين الكفار وخاصة اليهود والنصارى يجد العداوة الشديدة والمكر الخبيث من أهل الكتاب خاصة، كان ذلك من يهود في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكتفوا بأنفسهم في عداوتهم وحربهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حرضوا قبائل العرب من المشركين على المسلمين، ثم دور النصارى في شن الحروب الصليبية على المسلمين، ولم يتوقف مكرهم حتى تآمروا على دولة الخلافة العثمانية يهودا ًونصارى، وجنَّدوا العملاء وجيَّشوا الجيوش في عداوة لم تتوقف حتى هدموا الخلافة الإسلامية، ومن حينها وهم يعملون على منع عودتها بكل الإجرام والوحشية، وهم في هذا لا يخفون نواياهم وأهدافهم في منع عودة الإسلام إلى الحكم والسياسة، فها هي دعوة الخلافة ودعاتها يملؤون الآفاق بين الخافقين، لكن الغرب ينكرها ويحذر من كل دعوة تتجاوب معها، ولو كانت هتاف الملايين في مصر والشام …

يقول ابن كثير «واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه إليك من الأمور، فلا تغتر بهم فإنهم كذبة كفرة خونة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله قاتلهم الله، ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض، ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك». فهل يقبل مسلم بعد هذا أن يتدخل الغرب، أميركا وأوروبا، فضلاً ًعن يهود في بلاد المسلمين؟! فكيف بمن يبادر من المسلمين لتدخلهم في قضايانا وبلادنا؟! كيف بمن يطلب من المسلمين معونتهم ومشورتهم من هؤلاء الكفار المستعمرين؟!

يقول سيد قطب في الظلال: «إن هذا القرآن يربي المسلم على أساس إخلاص ولائه لربه ورسوله وعقيدته وجماعته المسلمة، وعلى ضرورة المفاصلة الكاملة بين الصف الذي يقف فيه وكل صف آخر لا يرفع راية الله، ولا يتبع قيادة رسول الله. والولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى هي التناصر والتحالف معهم… ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم.» وهي اليوم عمالة وتبعية من بعض بني جلدتنا لهؤلاء الكفرة المستعمرين في واشنطن ولندن وباريس. ويقول: «إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر.

ولا يزال الإسلام والذين يتصفون به… يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض، ما يصدق قول الله تعالى: { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}… وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم. بل بأمره الجازم، ونهيه القاطع، وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله… إن هذه القضية في الإسلام قضية اعتقادية إيمانية. كما أنها قضية تنظيمية حركية.»

وهكذا تمضي الآيات في بيان حدود جماعة المسلمين وشعارهم، وكيف أنهم أمة واحدة من دون الناس في الولاء والنصرة للإسلام وأهله، وهم بهذا حزب الله وأولياء الله وأحباؤه، وفي مقابلهم الكفار بمللهم ودولهم وعلى رأسهم اليهود والنصارى كما هو حالهم اليوم وعلى رأسهم أميركا.

إن الأمة الإسلامية اليوم وشعوبها تنتفض وتثور على أنظمة التبعية للكفار، فإنها ترسم حدود المفاصلة مع أعدائها، فهنيئاً لمن أطاع الله وعمل بشريعته وانحاز إلى أمته في التحرر من سيطرة الغرب وإقامة دولة المسلمين الخلافة، ومن أعرض وتولى فالله حسيبه، والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *