العدد 62 -

السنة السادسة، ذو الحجة 1412هـ، حزيران 1992م

أحداث يوغسلافيا ووضع المسلمين فيها

يوغسلافيا من مناطق البلقان، وقد أنشئت دولة ملكية بعد الحرب العالمية الأولى، وبقيت ملكية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما تولى الشيوعيون الحكم فيها بقيادة تيتو، فأصبحت دولة شيوعية اتحادية مكونة من ست جمهوريات في اتحاد فدرالي، برئاسة تيتو. وهذه الجمهوريات هي: جمهورية الصرب، وهي أكبرها، وجمهورية كرواتيا، وجمهورية البوسنة – الهرسك، وجمهورية سلوفينيا، وجمهورية الجبل الأسود، وجمهورية مقدونيا.

ويعيش في هذه الجمهوريات خليط من القوميات والأديان والمذاهب، ففيها قومية الصرب وهي أكبرها، وقومية الكروات، وقومية السلاف، والألبان وفيها الإسلام، والأرثوذكسية وهي مذهب الصرب، والكاثوليكية وهي مذهب الكروات والسلاف.

ويتركز المسلمون في أكثر من جمهورية، وأكثر ما يتركزون في جمهورية البوسنة – الهرسك ويكوّنون أكثر من 45% من سكانها، بينما يكوّن الصرب ثلاث سكانها، والكروات 17% من السكان. وتعبر البوسنة – الهرسك رمزاً للتعايش بين القوميات والأديان والمذاهب، إذ يختلط الجميع فيها ويتمازجون في العاصمة سراييفو وفي جميع المدن والقرى دون تفريق أو تمييز، ويبلغ مجموع السكان فيها 4.2 مليون نسمة.

كما يوجد المسلمون في جمهورية “مقدونيا” وهي جمهورية صغيرة ويكوّن المسلمون الغالبية العظمى فيها. كما يوجدون في مقاطعة “كوسوفو” ومقاطعة “ساندزاك” وتقعان جنوب جمهورية الصرب وتابعتان لها، ويبلغ المسلمون فيهما 90% من السكان وكوسوفو تتمتع بالحكم الذاتي، غير أن حكومة الصرب جردتها من حكمها الذاتي في آذار سنة 91 وجعلتها تحت حكم بلغراد المباشر. وكذلك يوجد المسلمون في مقاطعة “سنجق” وجميع سكانها مسلمون وهي تابعة لجمهورية الجبل الأسود وهي جمهورية صغيرة لا يصل سكانها إلى المليون نسمة.

لقد كان لأحداث أوروبا الشرقية، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الشيوعية كنظام حكم فيهما اثر كبير على يوغسلافيا، سواء كدولة اتحادية، أو كنظام حكم شيوعي، فانتهت كدولة اتحادية، وكدولة حزب شيوعي، فتفككت وأعلنت أربع جمهوريات من جمهورياتها الست الاستقلال، والانفصال عن دولة الاتحاد. فأعلنت كرواتيا في حزيران سنة 91 استقلالها وانفصالها عن الاتحاد، ثم لحقتها سلوفينيا، ومقدونيا، وقبل انتهاء عام 91 كان البوسنة – الهرسك قد أعلنت استقلالها وانفصالها كذلك، وقد طلبت هذه الجمهوريات المنسحبة من دولة الاتحاد اليوغسلافي من الدول الأوروبية، ومن أميركا، ودول العالم الأخرى الاعتراف بها كدول مستقلة، كما طلبت الانضمام إلى الأمم المتحدة، وإلى مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي. ولم يبق في دولة الاتحاد اليوغسلافي إلا جمهورية الصرب وهي الجمهورية الكبرى إذ يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، وجمهورية الجبل الأسود وهي من الجمهوريات الصغيرة التي يصل عدد سكانها إلى المليون نسمة.

وقد قررت المجموعة الأوروبية في 15/01/92 الاعتراف بجمهوريتي كرواتيا وسلوفينيا، وأجلت الاعتراف بجمهورية البوسنة – الهرسك إلى ما بعد حصول استفتاء شعبي فيها يؤيد الاستقلال، كما أجلت الاعتراف بمقدونيا لأن اليونان قد اعترضت على الاعتراف بها قبل أن تغير اسمها، لأن احتفاظها باسمها يوحي بأنها طامعة بالتوسع على حساب اليونان في حدوده الشمالية. وقد جاء اعتراف المجموعة الأوروبية بكرواتيا وسلوفينيا الضربة المميتة لدولة الاتحاد اليوغسلافية وقد رفضت جمهورية الصرب انفصال الجمهوريات الأربع عن الاتحاد، كما أدانت المجموعة الأوروبية لاعترافها بجمهوريتي كرواتيا وسلوفينيا، كما أن الأقلية الصربية الموجودة في كرواتيا قد رفضت استقلال كرواتيا وانفصالها عن دولة الاتحاد، وهددت بأنها ستفصل مناطقها الموجودة في كرواتيا، وستعمل على ضمها إلى جمهورية الصرب، الجمهورية الأم لتعود إلى دولة الاتحاد.

وقد ترتب على إعلان جمهورية كرواتيا الانفصال عن دولة الاتحاد اليوغسلافي قيام حرب أهلية بين الأقلية الصربية ومعها الجيش الاتحادي وبين الكروات في جمهورية كرواتيا، مما أوقع من بداية هذه الحرب في حزيران من العام الماضي حتى الآن عدة آلاف من القتلى، وعشرات الآلاف من الجرحى، وتشريد مئات الآلاف من السكان، فضلاً عن التدمير والتهديم الفظيع الذي تسبب فيه القتال. وقد تمكنت الأقلية الصربية في كرواتيا مع الجيش الاتحادي في هذا القتال من السيطرة على معظم المناطق التي يعيش فيها الصرب، وأصبحوا بذلك يسيطرون على ثلث الأراضي الكرواتية.

وقد برز على الصراع في يوغسلافيا بين القوميات استخدام الدين، فالصرب أرثوذكس والكروات كاثوليك، والعداء بينهما قديم، وقد زاد إبان الحرب العالمية الأولى إذ أن الكروات كان منهم نازيون مع هتلر، وقد قاموا بمذبحة فظيعة وشرسة للصرب الأرثوذكس أثناء الحرب، وفي هذا الصراع الدائر اليوم فإن الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية تدعم كرواتيا وسلوفينيا – حيث غالبية سكانهما كاثوليك- وتبذل نشاطاً كبيراً من أجل كسب الدعم لهما والاعتراف بهما دولياً، وكذلك فإن الدول الأوروبية، وتغلب عليها الكتلكة، فإنها تميل لجانب كرواتيا وسلوفينيا بينما الكنيسة الأرثوذكسية وروسيا، وهي أرثوذكسية، فإنهما تقفان بجانب الصرب، وتعملان على دعمهم.

والتدخلات الخارجية في يوغسلافيا قديمة، فمن أيام الحرب الباردة كانت تدخلات أميركا موجودة في يوغسلافيا، وكانت تدعم تيتو ضد الاتحاد السوفياتي، وقد استمر التدخل بعد موت تيتو، وحصول الاختلافات بين الجمهوريات على شكلها، وعلى الرئاسة فيها. وبعد أن تفكك الاتحاد السوفياتي، وبدأ التفكك في دولة الاتحاد اليوغسلافي شجعته أميركا لأنه سيكون له أثر في إيقاد الصراعات القومية في أوروبا مما سيشغل أوروبا بهذه الصراعات، وبنفسها، لذلك فإن أميركا تركت المجال للمجموعة الاقتصادية الأوروبية لكي تتدخل في يوغسلافيا، وتعمل على إيقاف الخصومات، والحرب الأهلية التي ترتبت على تفكيك الاتحاد فيها، في الوقت الذي تعمل فيه على زيادة حدة الصراع، وعدم إنجاح الدولة الأوروبية من إنهائه حتى تبقى أوروبا مشغولة بالقضايا الأوروبية، ولا تتفرغ للعمل من أجل الوقوف أمام أميركا لتنهي تفردها في العالم.

وبالفعل بادرت المجموعة الاقتصادية الأوروبية بالتدخل منذ أن ابتدأ القتال بين الصرب والكروات غير أنهم لم يتمكنوا من النجاح في إنهائه مما دفع مجلس الأمن لأن يتدخل، ويقرر مشروعاً للسلام بين الصرب والكروات قائماً على جعل كل مناطق القتال منزوعة السلاح، مع إرسال قوات دولية إلى هذه المناطق لإيقاف القتال وإنهائه. ومجرد قرار مجلس الأمن لمشروع السلام، وإرسال قوات دولية يعني فشل المجموعة الأوروبية، وإخفاقها في مساعيها، وأن أميركا هي التي بيدها زمام المبادرة، لأن مجلس الأمن هو أداة من أدواتها.

هذا بالنسبة لكرواتيا أما بالنسبة للبوسنة – الهرسك فقد كانت أعلنت استقلالها العام الماضي، وطلبت من المجموعة الأوروبية في نهاية العام أن تعترف بها في منتصف شره كانون الثاني 92 بالتزامن مع اعترافها بكرواتيا وسلوفينيا. غير أن المجموعة الأوروبية وضعت شروطاً للاعتراف بالبوسنة – الهرسك. بينها احترام حقوق الإنسان. والأقليات القومية، ورفض مبدأ تغيير الحدود بالقوة بين الجمهوريات، كما اشترطت تنظيم استفتاء شعبي حول سيادة جمهورية البوسنة – الهرسك.

وفي 10/01/92 أعلنت الأقلية الصربية في جمهورية البوسنة – الهرسك الاستقلال عن جمهورية البوسنة – الهرسك، وتشكيل جمهوريتها الرافضة للخروج من الاتحاد اليوغسلافي، وطلبت الانضمام إلى ما تبقى من الاتحاد بعد خروج الجمهوريات الأربع منه.

وقد قرر برلمان البوسنة – الهرسك إجراء الاستفتاء في 29/02/92، وجرى الاستفتاء بالفصل، وشارك فيه المسلمون والكروات، ورفضت الأقلية الصربية الاشتراك فيه. وقد صوت 63% من السكان على الاستقلال. وبذلك تكون الأغلبية قد صوتت على الاستقلال، وخروج جمهورية البوسنة – الهرسك من الاتحاد اليوغسلافي، غير أن الأقلية الصربية لم تعترف بهذا الاستفتاء ولا بنتيجته، ورفضت استقلال جمهورية البوسنة – الهرسك عن الاتحاد، لأنه يعزلهم عن جمهورية الصرب المجاورة. وقد هددوا أنه في حال إصرار المسلمين والكرواتيين على الاستقلال فإنهم سيعلنون الانفصال والالتحاق بما تبقي من الاتحاد اليوغسلافي بقيادة وطنهم الأم جمهورية الصرب، ويدّعون أن 65% من أراضي جمهورية البوسنة – الهرسك هي لهم.

وقد حذر زعيمهم المجموعة الاقتصادية الأوروبية من الاعتراف باستقلال البوسنة – الهرسك قائلاً لهم: «إذا أصرت المجموعة على الاعتراف فلن يستطيع أحد منع وقوع الحرب الأهلية».

وفي 06/04/92 وافق وزراء خارجية المجموعة الأوروبية على الاعتراف باستقلال البوسنة – الهرسك، وقد أدانت الأقلية الصربية في البوسنة هذا الاعتراف، كما أدانته حكومة جمهورية الصرب.

وكان زعماء المسلمين والكروات والصرب في البوسنة – الهرسك قد اجتمعوا في لشبونه بدعوة من المجموعة الأوروبية في مؤتمر بإشراف الحكومة البرتغالية، وقد جرى الاتفاق بينهم على مشروع قدمته المجموعة الأوروبية ينص على أن تبقى البوسنة – الهرسك ضمن حدودها الحالية، وأن يتم فيها تشكيل ثلاثة أقسام قومية اتحادية: إسلامية، وصربية، وكرواتية تتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي في دولة واحدة، على أن تستمر المفاوضات بين الأطراف الثلاثة لإيجاد حل نهائي للمشكلة ورغم هذا الاتفاق بين الأطراف الثلاثة على هذا المشروع فإنهم اختلفوا في تفسيره، فالصرب فهموا بأنه يتيح لهم أن يقيموا كنتوناً صربياً يتمتع بالاستقلال في شؤونه الاقتصادية والأمنية والدفاعية مقدمة لضمه إلى الاتحاد، إذا أصرّ المسلمون والكروات على الاستقلال، وفهم منه المسلمون والكروات أن الأقسام هي كنتونات فدرالية في دولة واحدة يحافظ على حدودها، وتكون مستقلة عن الاتحاد، لأنهم يريدون أن يتخلصوا مما يعتبرونه سيطرة القومية الصربية على القوميات الأخرى في يوغسلافيا، وتحل المشاكل العالقة فيها بالطرق السلمية، وتتعايش فيها كافة القوميات والثقافات والأديان، وتقام فيها علاقات متوازنة بين السلطة المركزية، والسلطات المحلية.

وفي 15/3 نشر الصرب في البوسنة – خريطة تتناول الطبيعة السكانية لهذه الجمهورية، تجعل 64% من أراضي البوسنة للصرب، مع أن عددهم لا يتجاوز ثلث عدد سكان الجمهورية، التي يبلغ عدد سكانها 4.3 مليون نسمة، عدد الصرب منهم 1.4 مليون نسمة، بينما عدد المسلمين يزيد عن المليونين. وحجة الصرب أنهم يسكنون القرى والأرياف، لذا كانت مساحة انتشارهم واسعة وكبيرة، في حين أن المسلمين والكروات يعيشون في المدن، لذا يحتلون مساحة قليلة من الأراضي، وكون الخريطة تتعلق بمناطق الانتشار، فهذا يعني أنها لا تلتزم النسبة العددية للسكان. وقد أدى نشر هذه الخريطة إلى إشعال حرب باردة بين القوميات الرئيسية الثلاث، قبل أن تشتعل بينهم الحرب الحقيقية فعلاً بشكل قوي، لأن هذه الخارجة تجعل للصرب ثلثي أراضي البوسنة.

ويسود أوساط المسلمين حذر شديد إزاء نظام الكانتونات بخشيتهم من اتخاذ الصرب ذلك ذريعة لتقسيم البوسنة إلى ثلاث مناطق، كخطوة ممهدة للانفصال النهائي عن جمهورية البوسنة، والانضمام إلى جمهورية الصرب، خاصة بعد أن نشر الصرب خريطتهم.

ورداً على اعتراف المجموعة الأوروبية باستقلال البوسنة بعد إجراء الاستفتاء الشعبي قدم ممثلاً الصرب في مجلس رئاسة جمهورية البوسنة استقالتهما، كما انسحب الأعضاء الصرب من كل مؤسسات جمهورية البوسنة – الهرسك، وكان الصرب في خطوة سابقة أعلنوا دستوراً خاصاً بمناطقهم، وانتخبوا برلماناً وحكومة. وبدأوا بتنفيذ تهديداتهم باتخاذ إجراءات استقلالية مضادة، في الوقت الذي فشلت فيه لجنة الأحزاب للأطراف الثلاثة: المسلمة، والصربية، والكرواتية، والجيش، والمراقبين الأوروبيين في تحقيق وقف النار بعد أن ازدادت حدة القتال بين الصرب والجيش الاتحادي من جهة، وبين المسلمين والكروات من جهة أخرى.

وكانت الأقلية الصربية في البوسنة – الهرسك بعد أن أعلنت جمهورية البوسنة انفصالها عن الاتحاد، وطلبت من المجموعة الأوروبية الاعتراف بها كانت هذه الأقلية بدأت بإقامة الحواجز والمتاريس حول مناطقهم في العاصمة سراييفو، وفي غيرها من الأماكن، وبدأت تشتبك مع المسلمين والكروات في مناوشات أولاً أدت إلى وقع بعض القتلى والجرحى، ثم ما لبثت أن أخذت في التصاعد حتى زادت حدةً بعد حصول الاستفتاء، واعتراف المجموعة الأوروبية باستقلال البوسنة – الهرسك، حتى عم القتال جميع أنحاء البوسنة، وزاد عدد القتلى والجرحى والمهجرين، وقد اشتد التدمير والتخريب بالرغم من كثرة اتفاقات وقف إطلاق النار والهدن بين قادة الأطراف الثلاثة المتقاتلة والمراقبين الدوليين. وقد أخذت الأقلية الصربية بمساعدة الجيش الاتحادي في الإسراع للسيطرة على مزيد من الأراضي لضمها إلى الكانتون الذي أقاموه، حتى أصبحوا يسيطرون على أكثر من 45% من أراضي البوسنة، كما سيطروا على أكثر من نصف العاصمة سراييفو، وهم ينقضون على كل اتفاق هدنة أو إيقاف نار بعد الانتهاء من توقيعه حيث يتمموا سيطرتهم على 65% من أراضي البوسنة، وهي المساحة التي حدودها في خارطتهم.

وبالرغم من أن المسلمين والكروات في البوسنة كان بينهما حلف، ويقفون صفاً واحداً أمام الأقلية الصربية والجيش الاتحادي، ويقاتلونهما معاً إلا أنه ترددت إشاعات عن وجود اتفاق سري منذ العام الماضي بين رئيسي جمهورية الصرب والرئيس الكرواتي في شأن تقاسم البوسنة – الهرسك بين جمهوريتيهما.

وفي 6/5 أعلن زعيم الصرب في البوسنة في تصريح بثه التلفزيون النمساوي، ونشرته وسائل الإعلام في بلغراد “أنه اجتمع أخيراً مع ممثل الكروات في البوسنة في مدينة غراتس النمساوية، وانه اتفق معه على التقسيم القومي لجمهورية البوسنة، إلى وحدات مستقلة، كما اتفق معه على وقف النار بين الصرب والكروات، فإن صح هذا فإنه يكون ضربة للخلف بين المسلمين والكروات، وخيانة من الكروات للمسلمين، كما أنه ضارٌ بموقف المسلمين المتمسك بوحدة البوسنة – الهرسك، بعد اتفاق الصرب والكروات على تقسيمها، كما أنه سيكون للصرب مكاسب التي كسبوها على الأرض، والتي حققوها خلال القتال الحالي الشرس، إذ اجتاحوا بمساعدة الجيش الاتحادي عشرات المدن والقرى المسلمة، وألحقوا بها دماراً واسعاً، وشردوا وهجروا مئات الألوف من أهلها. والذي يزيد في خطورتها على المسلمين أن هذا الاتفاق بين الصرب والكروات جاء بتواطؤ من بعض أطراف المجموعة الأوروبية، وأن المحادثات أدت إليه بمعزل عن المسلمين، وجاء بدعوة من الوسيط الأوروبي خوسيه كويتلييرو.

ونقلت صحيفة “بولوتيكا” الصادرة في بلغراد من مصادر قريبة من القيادتين الصربية والكرواتية تقريراً ذكرت فيه، “أنهما ستعرضان على المسلمين السيطرة على أراض لا تتجاوز 20% من مساحة البوسنة، مع أنهم يمثلون أكثر من 45% من عدد سكانها” في مقابل تخصيص 25% من مساحة الجمهورية بالكروات مع أنهم يمثلون 17% من عدد سكانها، ويخصص للصرب 55% من الأرض مع أنه لا يزيدون عن ثلاث سكان البوسنة” وكانت الخريطة المقدمة من المجموعة الأوروبية مع مشروعها للأطراف الثلاثة في البوسنة تعطي للصرب 50% من أراضي البوسنة، بالرغم من أن المجموعة الأوروبية تدرك أنهم لا يزيدون عن ثلث السكان.

وهذا يُري مقدار تواطؤ الكفار ضد المسلمين، ومدى عدائهم لهم، فعلى أثر الصفقة بين الصرب والكروات خفت حدة القتال بينهما، وصار القتال في غالبة بين الصرب والمسلمين، وقد حصل تغير “مفاجئ” في القتال بعد الاتفاق، إذ قام الكروات بمقاتلة المسلمين على ثكنة عسكرية كان قد أخلاها الجيش الاتحادي.

ومع اشتداد القتال وتكثيف هجمات الصرب على العاصمة سراييفو وغيرها من المدن والقرى الإسلامية، وعلى كثرة ما أوقعت هذه الهجمات من قتل وتدمير وتشريد للمسلمين، حتى طال التدمير أكثر من نصف العاصمة، ومع كثرة نداءات الاستغاثة من المسلمين للعامل أجمع، مع كل ذلك فإن أميركا مدعية المحافظة على حقوق الإنسان، وعلى الأمن والسلام لم تتحرك، ولم تأمر مجلس الأمن باتخاذ عقوبات ضد جمهورية الصرب، وبإرسال قوات دولية لحماية العاصمة سراييفو وغيرها من المدن والقرى الإسلامية من هجمات الصرب عليها، كما عملت بالنسبة لكرواتيا، بل إن عميلها بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة أعلن أن مجلس الأمن لا يقدر أن يرسل قوات دولية إلى البوسنة، لشدة خطورة الوضع فيها، كما أن مبعوثه إلى البوسنة فانس صرح أثناء زيارته للبوسنة قائلاً: «إن قرار الأمم المتحدة هو إرسال مراقبين دوليين، وليس إرسال قوات دولية كما حصل في كرواتيا» وحتى إن بطرس غالي «طلب من العاملين في القوات الدولية المرسلة إلى كرواتيا والموجودين في العاصمة سراييفو أن يتركوا سراييفو وأن ينتقلوا إلى بلغراد» كما أن المجموعة الأوروبية قد سحبت مراقبيها من سراييفو.

وقد ذهبت استغاثات المسلمين في البوسنة وغيرها لأميركا ولمجلس الأمن وللدول الأوروبية أدراج الرياح حتى هذه الساعة، ولا زالت الهجمات الصربية الشرسة تتوالى على العاصمة سراييفو وعلى غيرها من المدن والقرى الإسلامية، بالرغم من الاتفاقات والهدن العديدة التي عقدتها المجموعة الأوروبية بين المسلمين وبين الصرب والجيش الاتحادي. والصرب عند أميركا ليس العراق، وأميركا تريد زيادة اشتعال الصراعات في أوروبا، وأن تكون يوغسلافيا قنبلة عنقودية تتوزع انفجاراتها بشكل متلاحق على أماكن متعددة في أوروبا تتواجد فيها قوميات ومذاهب وأديان، حتى تبقى أوروبا منشغلة بها، ومصروفة عن العمل الذي يوحدها للوقوف في وجه أميركا، حتى تبقى أميركا وحدها هي المتفردة في العالم.

واستغاثة مسلمي البوسنة – الهرسك لم تجد صدى مؤثراً عند المسلمين ولا عند الكفار، لأن الكفار يتخذون من أحداث يوغسلافيا ذرائع لتدخلاتهم وتحقيق مصالحهم، ولأن المسلمين في العالم وإن تجاوز عددهم المليار لكنه لا راعي لهم يجمعهم ويوحد شملهم، ويحميهم من أعدائهم، ويحفظ لهم حقوقهم ومصالحهم، ويفرض وجودهم السياسي على الدنيا بأجمعها، ويجعل لهم وجوداً مؤثراً في الموقف الدولي، وفي القرارات الدولية، والسياسة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *