العدد 62 -

السنة السادسة، ذو الحجة 1412هـ، حزيران 1992م

رصاصة في الرأسُ في نوفاكاسابَا

39 جثة هامدة لرجال اعدموا برصاصة في الرأس ملقاة على الأرض عند مدخل قرية نوافاكاسابا التي يسكنها المسلمون في شمال شرق البوسنة والهرسك، هذا هو المشهد الذي طالع صحافيا من “وكالة الصحافة الفرنسية” زارها في عطلة نهاية الأسبوع بعدما أمضى أكثر من 30 ساعة لقطع مسافة الـ 150 كيلومتراً الفاصلة بين سارييفو وحدود صربيا.

نوفاكاسابا التي كانت نقطة صغيرة على الخريطة وجيباً إسلامياً معزولاً على الطريق الإستراتيجية المؤدية إلى “المناطق الصربية” في البوسنة والهرسك لم تعد سوى قرية أشباح “أخمدت فيها الفتنة”.

الصحافي كان مع زميلين فرنسيين وقد انطلق الثلاثة من سوكولاتش على هضبة رومانيا العالية المشرفة على ساراييفوا والتي فيها منشآت عسكرية كبيرة. وبعد توقفهم عند عشرات من حواجز القوات الصربية وصلوا السبت الماضي إلى قرية ميليتيشي الصغيرة الواقعة على مسافة نحو 30 كيلومتراً من حدود صربيا. وكما فعلوا في كل مكان قبل ذلك سألوا عن حال الطريق، فأجابهم أحد أفراد الميليشيا ضاحكاً”الطريق آمنة ولكن لا تقلقوا سوف تشاهدون بعض الجثث على الطريق”.

وما أن قطعوا بضعة كيلومترات حتى وجدوا لوحة تحمل اسم قرية نوفاكاسابا مشطوبة بخط أحمر عريض ساروا بضع مئات من الأمتار وقبل اقترابهم من أول منازل القرية شاهدوا كومة الجثث تسد الطريق أمامهم كلياً تقريباً 13 جثة أخرى تتناثر في حقل على حافة الطريق، رجال من مختلف الأعمار جميعهم بملابس مدنية رثة مثل بدلات العمل الزرق أو القمصان.

أحدهم سقط على وجهه ويداه على عينيه كأنه كان يريد تجنب رؤية الموت الآتي وآخر على النقيض سقط على ظهره ويدان مرفوعتان إلى السماء كأنه يطلب الرحمة جميع القتلى اعدموا برصاصة في الرأس لكن جثثهم لا تحمل أي أثر للتمثيل بها.

القرية التي لا يبدو فيها أي أثر لمعارك تبدو شبه مهجورة وباب دكانها الوحيد مفتوح على مصراعيه لكن رفوفه فارغة تماماً.

عند المدخل الآخر للقرية امرأة عجوز بسروالها الواسع تتيه وسط حديقة صغيرة عجوز أخرى تقترب وعيناها محمرتان من البكاء، فيما زوجها جالس بحذر عند مدخل منزله.

إنها تعرف أن الجثث موجودة هناك عند مدخل القرية ولكنها لا تتجرأ على الذهاب لمشاهدتها تقول وهي شبة مجنونة من شدة الرعب أنها للاجئين مسلمين حاولوا الهرب بأوتوبيس قبل ثلاثة أيام، لكنهم وقعوا بين يدي أفراد الميليشيا الصربية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *