العدد 92 -

السنة الثامنة – رجب 1415هـ -كانون الأول 1994م

بين التشبه بالكفار والاستفادة منهم

في مثل هذا الوقت من كل عام، أي رأس السنة الميلادية، يمارس النصارى بعض الشعائر الدينية وبعض العادات. وينغمس بعض المسلمين في هذه الشعائر والعادات.

وقد وردت النصوص في الشرع الإسلامي بالنهي عن التشبه بالكفار، جميع الكفار وليس النصارى فقط. ونحن حين نستعمل كلمة (الكفار) لا نستعملها كشتيمة بل لوصف واقع الحال، إذ أن كل مَن ليس بمسلم هو كافر.

من هذه النصوص قوله عليه وآله الصلاة والسلام: «ليس منّا من تشبّه بغيرنا» [رواه الترمذي]، وقوله: «ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم» [رواه أبو داود وأحمد]، وقوله: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» [رواه البخاري ومسلم]، وقوله: «جُزّوا الشوارب واعفوا اللحى وخالفوا المجوس» [رواه مسلم وأحمد].

ولا بد أن نعلم أن التشبه المحرّم مقيدٌ بالأمور المتعلقة بكفر الكفار وليس مطلقاً. إذ يوجد عند الكفار أمور خاصة بهم، وهي متعلقة بمعتقداتهم أو بشعائرهم الدينية، أو اتخذوها شعارات لهم تميزهم عن غيرهم. وهذه لا يجوز للمسلم أن يعملها. ومن هذا عيد ميلاد المسيح عليه السلام فهو من الشعائر الدينية عند النصارى فلا يجوز للمسلم أن يعتبره عيداً ولا أن يحتفل فيه لا بتعطيل أعماله، ولا بتزيين متجره أو بيته، ولا بشراء ألعاب فيه لأولاده، ولا باتخاذ شجرة ميلاد أو زيادة الأنوار الكهربائية أو تبادل الهدايا أو التبريكات أو ما شاكل ذلك. وكذلك لا يجوز للمسلم أن يسمى ابنه جورج أو حنا أو ما شاكل ذلك من الأسماء الخاصة بغير المسلمين، ولا يجوز للمسلمة أن تلبس لباس الراهبات وإن كان ساتراً للعورة، ولا يجوز للرجل المسلم أن يلبس لباس الخوري، لأن هذا اللباس خاص، ويميز أهل أديان بذاتهم.

هناك عند الكفار أمور غير متعلقة بمعتقداتهم أو جهة نظرهم في الحياة، وليست متعلقة بشعائرهم الدينية، وليست شعاراً خاصاً بهم يميزهم عن غيرهم. هذه الأمور لا مانع عند المسلم أن يأخذها عنهم ما دامت لا تتعارض مع دينه. فمثلاً، لا بأس إذا تعلم المسلمون العلوم التجريبية والرياضيات والصناعات والطب وما شاكلها من غير المسلمين. وهذا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم» [رواه مسلم]. ومثلاً، لا بأس إذا استفاد المسلمون من بعض الترتيبات أو الأنظمة الإدارية المعمول بها عند الكفار مثل تنظيم شؤون السير والمطارات والسجلات والمحفوظات والاتصالات، وقد سبق لسيدنا عمر أن اقتبس الدواوين عن الفرس. وقد اقر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التعامل بالنقود الفارسية والرومانية، وأقرّ أن يتعلم المسلمون الكتابة من أسرى بدر. وهذه الأمور تدخل تحت قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).

لقد سقط بعض المسلمين حتى صاروا يقلدون الكفار بأمور الفسق والانحطاط. فيشربون الخمور، ويحيون السهرات الماجنة ويرخصون أعراضهم، ويلعبون القمار ليعرفوا حظهم في السنة الجديدة من قلة عقولهم. وهناك من يلجأ إلى التنجيم والأبراج لمعرفة مستقبل العام الجديد. إن هذا كله انحطاط خلقي وانحطاط عقلي ¨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *