العدد 93 -

السنة الثامنة – شعبان 1415هـ -كانون الثاني1995م

هل من طاعة للحاكم الذي يحكم بأنظمة الكفر؟

قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) هذه الآية الكريمة بيّنت أن ولّي الأمر الذي له طاعة هو منّا، أي مسلم. أما الحاكم الغير المسلم فطاعته غير واجبة شرعاً، ولكنها جائزة ما دامت لا توقع في معصية الله. وهذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل. والمسألة التي دعت إلى طرح هذا الموضوع هي: الآن توجد حالة حرب فعلية بين روسيا وفريق من المسلمين هم أهل بلاد الشيشان. وبما أن المسلمين أمة واحدة مهما تعدَّدت قومياتهم ومواطنهم فإن المسلمين جميعاً الآن في حالة حرب فعلية مع روسيا، والاعتداء الروسي على الشيشان هو اعتداء على الأمة الإسلامية برُمّتها.

الأمة الإسلامية هذه ممزقة الآن إلى بضع وخمسين دويلة، وحكام هذه الدويلات لا يقاتلون إلى جانب الشيشان، ولا يسمحون للمتطوعين بالذهاب للقتال مع إخوانهم ولا يسمحون بإرسال السلاح والمال والمؤن. فهل يطيع المسلم هؤلاء الحكام في مثل هذا الأمر؟

وللإجابة نقول: الحاكم المسلم الذي يحكم بشريعة الإسلام (أي خليفة المسلمين) طاعته واجبة إلا إذا أمر بمعصية فإنه لا يطاع بالمعصية ويطاع بغيرها. وقد وردت نصوص كثيرة في ذلك.

الحاكم غير المسلم (الكافر) طاعته غير واجبه، بل هي جائزة فيما ليس فيه معصية لله، وذلك مثل حكام فرنسا وألمانيا وأميركا والصين… الخ. ولكنْ هناك فرق بين المسلم المواطن في تلك البلاد والمسلم الأجنبي الذي دخل إليها بأمان (أي تأشيرة دخول أو فيزا). فالمسلم الذي يدخل دار الكفر ويقيم فيها بموجب تأشيرة دخول يكون قد أخذ أماناً من حكومة تلك الدار وأعطاها أمانا.. وهذا الأمان هو عهد ويجب على المسلم الوفاء بعهده. وهذا يُلزِم المسلم أن يتقيد بقوانين ذلك البلد حسب العهد في تأشيرة الدخول.

وبناء على هذا فإن المسلم الفرنسي أو الإنجليزي أو الروسي أو الصيني أو الأميركي… الخ مطلوب منه أن يساعد إخوانه الشيشان، وغيرهم من المسلمين في العالم حيث يلزم دون أن يكترث بقوانين بلده أو سياسة حكام بلده لأنه غير مُلزَمْ بطاعة شيء من ذلك. أما المسلم الذي يقيم هناك بموجب عهد أمان (تأشيرة الدخول) فليس له مخالفة عهده. أي إن المسلم الفرنسي مثلاً، مطلوب منه شرعاً أن يقوم داخل فرنسا بأعمال ضغط على سفارة فرنسا بموجب تأشيرة دخول ليس له ذلك شرعاً. وإذا دخل المسلم الفرنسي مثلاً إلى بلد آخر بدون تأشيرة دخول فله أن يمارس من الضغط ما يحق له ممارسته في بلده. أما إذا دخل بلداً بتأشيرة دخول فعليه أن يلتزم بعهده.

الحكام في البلاد الإسلامية يزعمون أنهم مسلمون ولكنهم يطبقون أنظمة كفر وبضع أنظمة إسلامية. هؤلاء طاعتهم غير واجبة شرعاً. ويجب على المسلمين العمل الدائب على خلعهم وهدم أنظمتهم غير الإسلامي كي يقيموا الدولة الإسلامية على أنقاضهم. وريثما يتم ذلك يجوز طاعتهم فيما ليس فيه معصية لله.

أما إذا ورد نص شرعي على وجوب طاعتهم في مسألة معينة فإننا نلتزم بطاعتهم في تلك المسألة. فمثلاً جاء نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب القتال معهم (تحت إمْرتهم) فصار المسلم ملزماً بذلك. ونحن ذكرنا هذه المسألة بالذات لأن لها مساساً بموضوعنا هذا.

أما النص فهو قوله صلى الله عليه وسلم: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير بَرّاً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر». هذا الحديث رواه أبو داود وأبو يعلي. قال بعض المحققين إن هذا الحديث ضعيف، وعله ضعفه أنه منقطع، إذ هو مروي من مكحول عن أبي هريرة، ومكحول لم يسمع من أبي هريرة لأن مكحولاً من تابعي التابعين وأبو هريرة من الصحابة. ولكن الانقطاع في هذه الحالة لا يُسْقِط الحديث، لأن مكحولاً ثقة ضابط نبيه وليس مغفلاً. ولو كان مغفّلاً لكان الانقطاع عنده عله قادحة فعلاً. وهناك أحاديث أخرى بمعناه. فصار الحديث معتبراً في الاستدلال.

الحديث يوجب القتال مع الأمراء حتى لو كانوا فجرة، أما إذا كانوا كفرة فليس القتال واجباً معهم، فهل حكام المسلمين الآن فجرة فقط، أو وصلوا إلى حد الكفر؟

هم يزعمون أنهم مسلمون، وهناك قرائن ترجح أنهم (أو أنّ أكثرهم) كفرة، من هذه القرائن أنهم يتركون كتاب الله وسنّة رسوله ويشرعون أنظمة وقوانين من غيرها دون إكراه من أحد، أي هم يفضلون شرائع الناس على شرع الله. ولكن بما أن تكفير الناس يحتاج إلى قطع ويقين ولا يكفي فيه غلبة الظن والترجيح، وبما أن هؤلاء الحكام لهم شبهة أن يكونوا مسلمين، فنحن مطلوب منا شرعاً أن نعاملهم على أنهم مسلمون فجرة. وعلى ذلك فالجهاد معهم واجب، بحسب هذا الحديث، حين يأمرون بقتال الكفار. أما إذا أمروا بقتال فتنة بين المسلمين فهذا معصية لا تجوز طاعتهم فيه. وكذلك إذا أمروا بوقف القتال نهائياً فإن عملهم معصية لا تجوز طاعتهم فيه. وذلك مثل تنازلهم عن فلسطين لليهود وتوقيع الصلح معهم.

هؤلاء الحكام إذا قاموا هم بتنظيم أمر القتال لمساعدة الشيشان (وغيرهم من المسلمين) فيجب أن نكون تحت إمرتهم. أما إذا قال هؤلاء الحكام: (جمهورية الشيشان جزء من روسيا،ولا يحق لنا بموجب القانون الدولي مساعدتهم لأن هذا تدخلاً في الشؤون الداخلية لروسيا). إذا قال الحكام مثل هذا القول فإن طاعتهم غير واجبة، وعلى المسلمين أن يسعوا بطريقتهم الخاصة إلى نصرة إخوانهم.

وتتفرع عن مسألة القتال مسألة إعطاء الأمان. فمثلاً توجد في تركيا سفارة روسية ومكاتب ومصالح روسية. وهذه معها أمان من الحكومة التركية، فما مدى إلزامية هذا الأمان للمسلم التركي؟ هل يحلّ له شرعاً أن يقوم بأعمال ضد هذه المصالح الروسية التي معها أمان من حكومته؟

إنه يرجح على فهمنا أنه لا يجوز للمسلم التركي، مثلاً، أن يقوم بأعمال ضد المصالح الروسية في تركيان لأنها عندها أمان من حاكم تركيا، وإعطاء أمان لرسل العدو أو لبعض مصالح العدو ليس معصية. وبما أن طاعة الحاكم الفاجر واجبة على المسلم في شأن القتال، وبما أن مسألة الأمان هي فرع من مسألة القتال فإنه لا يجوز شرعاً للمسلم التركي أن ينقض عهد الأمان الذي أعطته حكومته. وإذا دخل هذا المسلم التركي إلى اليونان، مثلاً، خلسةً، أو دخل العراق خلسةً، فإنه يجوز له شرعاً أن يعمل هناك ضد المصالح الروسية لأنه لم يدخل بموجب عهد (تأشيرة دخول).

والمفروض في حكومات البلاد الإسلامية أن تطرد السفارات والمصالح الروسية من باب الضغط على روسيا، وأن تنظم الدعم العسكري والسياسي والإعلامي للمسلمين المظلومين.

قال تعالى: (وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ)

صدر كتاب «الوعي» 3:

الدعوة إلى الإسلام

تأليف: أحمد المحمود

عن دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان – ص.ب 135190

كان هذا الكتاب قد تمّ نشره في مجلة «الوعي» على حلقات خلال السنوات الأربع الماضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *