العدد 93 -

السنة الثامنة – شعبان 1415هـ -كانون الثاني1995م

اتجاه الرأي العام في العالم الإسلامي

بقلم: د. ماهر عبد الجواد – بخارست – رومانيا

إن المدقق في واقع الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي اليوم، يدرك أن حملة الدعوة الإسلامية قد نجحوا بحمد الله تعالى وتوفيقه في إيجاد الرأي العام المنبثق عن وعي عام عند الأمة على الإسلام. إلا أن عملية تغيير المجتمع في بلاد المسلمين وتحويله إلى مجتمع إسلامي تقتضي من حملة الدعوة مباشرة القيام بما من شأنه أن يحدث الانقلاب الشعوري إلى جانب الانقلاب الفكري الذي تمكنوا من إحداثه في المجتمع بهدف التمكن من تحقيق الانقلاب السياسي بشكل طبيعي وحتمي بإذن الله.

وذلك لأن الانقلاب الفكري الذي يشهده العالم الإسلامي منذ أوساط السبعينات لا ينتظر أن ينتج عنه الانقلاب الشعوري بشكل طبيعي أو آلي في ظل الظروف والأوضاع غير الطبيعية المفروضة على المجتمع في العالم الإسلامي. وبالتالي فإن الانقلاب السياسي الذي يهدف إليه حملة الدعوة لن يتأتى تحقيقه بطريقه الطبيعي.

لذلك فإن الرأي العام المنبثق عن وعي عام لم ينتج عنه أو معه حتى الآن تبني الأمة الإسلامية كلها بوصفها أمة قضية الإسلام المصيرية، كما لم ينتج عنه أو معه كذلك انقياد الأمة لحملة الدعوة نحو تحقيق هذه القضية المصيرية.

إن انقياد الأمة لحملة الدعوة لتحقيق قضية الإسلام المصيرية يقتضي أن يكون الإسلام بوصفه عقيدة ينبثق عنها نظام يعالج جميع مشاكل الحياة مرتبطاً وممتزجاً بالطاقة الحيوية التي تتحرك في مجموع الأمة فتدفعها لطلب الإشباع، فتقوم الأمة، بوصفها أمة بالتحرك بالقول أو العمل من أجل تحقيق الإشباع على الوجه الذي يقتضيه الإسلام ما يعني بالضرورة التحرك للقيام بالأعمال التي تتحقق بها عودة الإسلام مطبقاً في واقع الحياة والمجتمع والدولة.

هذه المقدمة كان لا بد منها عند الحديث عن واقع ما وصلت إليه الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي اليوم، لأن الهدف من دراسة الواقع إنما هو من أجل تحديد نوع العمل الموصل لتحقيق الغاية، فمن أجل الوصول إلى نتائج يجب أن تتبع القاعدة العملية، وهي أن يكون العمل مبنيّاً على الفكر الناتج عن الحس بالواقع. ويكون من أجل غاية معينة. وبما أن الخطط والأساليب يقررها نوع العمل، من هنا كان نوع العمل وكانت الخطط والأساليب متغيرة تبعاً لغير الواقع والغاية.

لذلك فإن إدراك الواقع وتحديد الغاية مسألة هامة وضرورية لتحديد نوع العمل ولرسم الخطط والأساليب.

«إن الرأي العالم المنبثق عن وعي عام له مدلول لا بد من الوعي عليه، لأنها مسألة اختلط على الكثير من الناس أمرها، وتصوره البعض أنه عمل عام وليس رأياً عاماً، أي انضباط بالإسلام من قبل مجموع الناس، والحقيقة أن معنى هذا القول أن تلمس الأمة بمجموعها ضرورة الاحتكام إلى الإسلام ضرورة لا تدفعهم إليها عاطفة عاصفة أو رغبة آنية ملحة وإنما يدفعهم إدراكهم بأن حياتهم وولائهم يجب أن يكون للإسلام وحده، وهو أمرٌ لا يعني بالضرورة أن يباشر الناس تطبيق الأحكام الشرعية على أنفسهم، وإنما معناه أن يوجد الولاء للإسلام لا لغيره، وهذا لا يظهر أثره ملموساً في الحياة العملية إلا في التطبيق.

أمّا ما هي الدلائل والمؤشرات والوقائع الملموسة التي تدل بمجموعها على أن مدلول هذا الرأي العام المنبثق عن وعي عام قد تحقق وجوده فعلاً في الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي اليوم فهي كما يلي:

1- الأمة الإسلامية في جميع المعمورة أصبح عندها تطلع إلى الإسلام كنظام يعالج جميع مشاكل الحياة.

فالمسلمون في جميع البلاد الإسلامية بل في جميع العالم، يتطلعون لعودة الخلافة، وعودة الإسلام غلى الحكم والدولة.

وهذه الوقائع والأحداث البارزة التي تدل على ذلك أتمّ دلالة، موقف الأمة الإسلامية كلها من الثورة التي رفعت شعار التغيير على أساس الإسلام في إيران سنة 79. وموقفها من الاستفتاء الذي أجري على الدستور في مصر سنة 80، وموقفها من الانتخابات النيابية في كل من الأردن سنة 89 والجزائر سنة 90.

كما وأن هذه الوقائع تدل على أن الأمة الإسلامية بمجموعها باتت تدرك أن الكيانات السياسية المفروضة عليها لا تمت إلى الإسلام بصلة.

ووجه الدلالة في ذلك هو أن هذه الوقائع والأحداث التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر تمثل أحداثاً تتعلق بالتغيير الفكري والسياسي لواقع الحياة والمجتمع والدولة. وقد كان الإسلام هو شعار هذا التغيير.

إن موقف الأمة من هذه الوقائع والأحداث يختلف في فهم دلالته عن موقفها من وقائع وأحداث أخرى تمسّ  غريزة التديّن عند المسلمين مثل الرسول صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك من الوقائع والأحداث التي تمسّ مشاعر الأمة فتدفعها لاتخاذ موقف.

لذلك نستطيع أن نقول بأن عقيدة فصل الدين عن الحياة لم تعد لها السيطرة على أذهان المسلمين، ولم تعد تتحكم في نظرة المسلمين إلى ما يجب أن يكون عليه واقع حياتهم ومجتمعهم ودولتهم.

2- العقيدة الإسلامية أصبحت عند المسلمين أساساً للتشريع ومقياساً للأفكار.

ومن المؤشرات التي تدل على ذلك أن عملية ترويج وتسويق تشريعات الكفر وأفكاره في بلاد المسلمين لا يُكتب لها النجاح إذا لم تصبغ بصبغة إسلامية، وإذا لم تُروِّج لها عمائم إسلامية باعت دينها بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.

فالديمقراطية مثلاً لا يُرَوَّجُ لها «الآن» في بلاد المسلمين على اعتبار أنها تعني: أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولا أنها تعني أن المشرع هو الإنسان وليس الله تعالى.

وإنما يُروَّج لها على اعتبار أنها تعني رفع الأحكام القمعية التي تفرضها أنظمة الحكم البوليسي التي تتحكم في رقاب المسلمين وعلى اعتبار أنها هي الشورى.

وعلى ذلك فإن الدعاية لترويج وتسويق الديمقراطية في بلاد المسلمين إنما تكون للّفظ دون المعنى الحقيقي الذي تدل عليه.

وبالتالي فإن قبول المسلمين للديمقراطية إن وجد فهو قبولٌ لِلّفظ المقترن بالمدلول الإسلامية ليس غير.

لقد سار الغزو الفكري والثقافي الغربي لبلاد المسلمين في مراحل ثلاث:

الأولى: بدأت مع انتكاس الأمة من حالة النهوض ودخولها في حالة الانحطاط. في هذه المرحلة لجأ الغرب الكافر إلى سبغ أفكاره وتشريعاته بصبغة إسلامية حتى يجد لها قبولاً لدى المسلمين، وذلك لأن المسلمين كانوا ما يزالون يتمسكون بالإسلام وينظرون إليه كعقيدة ينبثق عنها نظام يعالج جميع مشاكل الحياة.

الثانية: بدأت مع وصول المسلمين إلى الخضيض في التأخر الفكر والانحطاط السياسي. في هذه المرحلة كان الغرب الكافر قد شكك المسلمين في صلاحية شريعتهم لمواكبة العصر، وزيّن لهم ما جاء به من حضارة. وبذلك سيطرت أفكار الغرب ومفاهيمه عن الحياة سيطرة كاملة.

الثالثة: بدأت مع ظهور ملامح التغيير في اتجاه الرأي العام نتيجة للانقلاب الفكري الذي يشهده المجتمع في العالم الإسلامي.

في هذه المرحلة اضطر الغرب الكافر إلى الرجوع لنفس الأسلوب الذي بدأ به في غزوه للعالم الإسلامي فكرياً وثقافياً. وبذلك يكون قد انتهى إلى حيث بدأ. إلا أنه في هذه المرحلة سينتهي إلى حيث لا يبدأ بإذن الله، ففي المرحلة الأولى كان المسلمون في حالة انتكاس، أمّا الآن فإن المسلمين يواجهون هذا الغزو وهم سائرون بطريق تصاعدي نحو الرقي والنهوض.

لذلك فإن تصدي حَمَلَة الدعوة لهذا التراجع الغربي في ساحة الصراع لا يكون عن طريق فصل المصطلحات الغربية الكافرة عن المدلول الإسلامي فحسب، بل ويكون عن طريق تحميل الأمة الإسلامية كلها، وبوصفها أمة، مسؤولية خوص هذا الصراع ضد الكفر وأنظمته وأفكاره، حتى يتم تطهير بلاد المسلمين من كل سيطرة أو نفوذ للغرب الكافر عليها.

3- المجتمع في العالم الإسلامي كله مجتمع واحد، والعقيدة الإسلامية هي الرابط الجامع لأبناء الأمة الإسلامية الواحدة.

في ظل أجواء الانحطاط التي كانت تسيطر على الأمة الإسلامية، تمكّن الغرب الكافر من تقطيع روابط الأخوّة الإسلامية بين الشعوب المسلمة فحلت محلها روابط القومية أي روابط العصبية القبلية، وتمكن كذلك من تقطيع هذه الأخوّة الإسلامية في القطر الواحد، فضلاً عن الشعب الواحد، فحلت محلها روابط الأرض المسماة بالوطنية.

ومع نجاح حملة الدعوة في إحداث الانقلاب الفكري كخطوة على طريق النهوض بالمجتمع في العالم الإسلامي برز للعيان أن هذا المجتمع هو في الحقيقة مجتمع واحد على الرغم من استمرار وجود الكيانات السياسية التي قام الغرب الكافر بتشييدها في بلاد المسلمين لترسيخ التجزئة والانفصال بين الشعوب المسلمة على الأسس الإقليمية والقومية.

الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه «أميركا والفرصة التاريخية» الصادر في سنة 1992 يلفت نظر الغرب مؤكداً على هذه الحقيقة بقوله: «هناك عنصران مشتركان فقط في العالم الإسلامي: الدين الإسلامي، ومشاكل الاضطراب السياسي، والإسلام ليس ديناً فقط بل هو أيضاً الأساس لحضارة كبرى، ونحن نتحدث عن العالم الإسلامية ككيان واحد ليس لأن هنالك مركزاً سياسياً يوجه سياسته بل لأن الشعوب التي يتكون منها تتشارك في تيارات سياسية وثقافية مصدرها الحضارة الإسلامية. فالتحركات السياسية في مختلف بلاد العالم الإسلامي تجري وفقاً لإيقاع واحد بصرف النظر عن الفوارق بين هذه البلاد. هذه الوحدة في المعتقد وفي السياسة تغذي تضامناً غير متين ولكنه حقيقي: عندما يقع حدث خطير في جزء من العالم الإسلامي يسمع له صدى أكيد في بقية الأجزاء».

في سنة 79 تطلّعت أنظار المسلمين في كل مكان إلى حيث الثورة التي رفعت شعار التغيير على أساس الإسلام، لقد اعتبر المسلمون جميعاً هذا الحدث أنه بداية التغيير، بداية الخلاص من أنظمة الكفر المفروضة عليهم. لقد تطلع المسلمون إلى الثورة إلى حيث يرون رايات الجهاد القادمة لتحرير فلسطين من رجس اليهود.

فيما هو الرابط الذي يربط بين إيران وما يحدث في إيران وبين المسلمين جميعاً وما ينتظره المسلمون أن يحدث في بلادهم نتيجة لما يحدث في إيران؟ هل هي القومية أو هي الوطنية أو هو الإسلام الذي جعل من أمته أمة واحدة من دون الناس؟

وفي سنة 90 وقفت الأمة الإسلامية كلها إلى جانب أهل العراق في الحرب المجرمة التي شنتها الدول الغربية الكافرة بزعامة أميركا عدوّة الإسلام والمسلمين.

نعم إن الأمة الإسلامية لم تتحرك تلك الحركة الفاعلة التي تتحقق النصرة الفعلية لأهل العراق، وذلك بسبب الظروف والأوضاع غير الطبيعية المفروضة على المنطقة، وبسبب واقع النظام البعثي الحاكم في العراق وكيفية إدارته لمجريات أحداث هذه الحزب. لذلك كان لا بد من تسليط الضوء على بعض جوانب موقف الأمة الإسلامية من هذه الحرب من أجل إدراك حقيقة هذا الموقف:

أ- مظاهرات التأييد العارمة التي اجتاحت البلدان الإسلامية، لا فرق بين البلاد العربية وغير الغربية كلها في ذلك سواء. مطالبةُ الحكومات في البلاد الإسلامية بدخول الحرب وإعلان الجهاد كان هو المحرك الرئيسي لهذه المظاهرات. لقد حث ذلك في بنغلادش وفي تركيا وفي إيران تماماً كما حدث في مصر والأردن والمغرب وبقية أجزاء العالم الإسلامي.

ب- المؤتمرات والندوات والخطب والمحاضرات كلها كانت تطالب الأنظمة بالتحرك الفعلي لدخول الحرب وإعلان الجهاد.

جـ- مئات الآلاف من المتطوعين من أبناء هذه الأمة الكريمة كانوا قد أعلنوا استعدادهم الفوري للقيام بعمليات استشهادية ضد الغزاة الغربيين.

د- تقديم المعونات بكافة أشكالها وبكل الوسائل والطرق المتاحة للعراق وأهل العراق.

لقد كشفت هذه الحرب أن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة وأنها بحق أمة الجهاد والاستشهاد في سبيل الله. وبذلك تكون قد كشفت عن كون الأمة الإسلامية أمة كبرى وفيها القدرة الذاتية على استعادة مجدها وعودتها دولة كبرى يحسب لها كل حساب في الميزان الدولي وفي رسم سياسة العالم والتأثير في أحداثه.

ففي الوقت الذي كانت فيه الشعوب الغربية تطالب دولها بوقف هذه الحرب تحت شعار أن «النفط لا يساوي الدم»، كانت شعوب العالم الإسلامية قد خرجت في الشوارع لتعلن لحكامها وللعالم أنها «أمة الجهاد». فلمن توهب العزة والحياة في ساحة الصراع الدولي وفي ساحات الموت، لطلاب الموت أم لطلاب الحياة؟

الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كان يدرك تماماً حقيقة ما عليه المجتمع في العالم الإسلامي، لذلك عمل بمختلف الوسائل والأساليب لعزل العراق عن ارتباطه بعالمه الإسلامي:

أ- قيام الرئيس بوش شخصياً بتنبيه المسلمين وتذكيرهم بأن صدام حسين بعثي وليس بمسلم.

ب- الفتاوى التي أصدرها علماء سلاطين أميركا في المنطقة بهدف كشف الغطاء الإسلامي عن النظام البعثي الحاكم في العراق.

جـ- إشراك بعض الجيوش من أبناء المسلمين في هذه الحرب إلى جانب أميركا وحلفائها.

د- الحرص على بقاء إسرائيل في موقف الحياد بشتى الوسائل والأساليب.

4- الإسلام هو التيار السياسي الجارف في المجتمع والذي يدلل على هذه الحقيقة ثلاثة أمور بارزة في المجتمع:

أ- لقد سقط من اعتبار الأمة كافة الحركات والأحزاب السياسية التي تقوم على غير أساس الإسلام، وذلك كنتيجة طبيعية لسقوط الأفكار التي تقوم عليها، فلم يعد لهذه الحركات أي وزن فكري أو سياسي في حياة الأمة.

ب- جميع الحركات الإسلامية جعلت غايتها العمل لإقامة الخلافة الإسلامية، مما يدل على أن العمل للإسلام أصبح يعني العمل لإعادة دولة الإسلام.

ج- الإسلام هو التيار السياسي الوحيد الذي يشكل مصدر خطر حقيقي ومباشر على جميع أنظمة الحكم القائمة في العالم الإسلامي.

5- القادة السياسيون، بل الأجراء الموظفون في المجتمع في العالم الإسلامية سقطوا بالجملة من اعتبار الأمة.

فلم يعد في منطقة العالم الإسلامي قيادة واحدة تثق بها الأمة، أو تعقد عليها أملاً أو ترجو منها خيراً. فالأمة الإسلامية والمنطقة في العالم الإسلامي تعيش في «فراغ قيادي» وهذا الفراغ القيادي الذي تعيشه المنطقة هام وضروري إلا أنه خطر في الوقت نفسه.

6- الانقلاب الفكري الذي يشهده العالم الإسلامي يُحدث تأثيراً في الساحة الدولية.

وقد ظهر هذا التأثير في ناحيتين:

1- إعلان الغرب الكافر على لسان قادته ومفكريه بأن الإسلام قد أصبح هو العدوّ رقم واحد، فالغرب الكافر ينظر للإسلام، كحضارة وكدولة تقوم على أساسه، مصدر خطر حقيقي عليه وعلى حضارته ونظام حياته.

2- على ضوء إدراك الغرب الكافر لحقيقة الواقع الذي أصبحت عليه الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي، قام برسم سياسته ووضع خططه وأساليبه لمواجهة هذا المد الإسلامي المتنامي على النحو التالي:

أ- الاحتلال العسكري لمنظمة الخليج والمياه المحيطة بالمنطقة. وهذا الاحتلال ليس وليد ساعته، وليس هو بسبب احتلال العراق للكويت، وإنما هو مخطط له منذ السبعينات، وهو ما يعرف بمبدأ كارتر عام 1977. وما احتلال العراق للكويت إلا الحجة والذريعة لا غير.

ب- وضع الخطط الأمنية التي تهدف إلى ما يلي:

1- تقوية وسائل السيطرة والتسلط الغربي على بلاد الإسلام.

2- الحيلولة دون أي تحرك إسلامي في المنطقة.

3- إضعاف المنطقة اقتصادياً وعسكرياً.

ج- التسريع في عقد معاهدات الاستسلام بين الدول العربية والكيان اليهودي في فلسطين.

لقد باشرت أميركا زعيمة الكفر بفرض السلام كقضية على أهل المنقطة على أثر حرب الخليج والنتائج التي انتهت عليها:

1- بالمقارنة بين الواقع الذي كان والواقع الذي سيكون فإن هذا هو الوقت ليس الأنسب فحسب بل هو حقاً «الفرصة الأخيرة» لانتزاع الاعتراف من أهل المنطقة بحق دولة يهود في العيش بسلام في هذا المحيط الإسلامي.

2- على أثر الهزة العنيفة التي أصابت المسلمين بهزيمة العراق، سقطت كل القضايا التي اصطنعها الغرب الكافر لاشغال الأمة بها عن قضيتها المصيرية، فكان لا بد من فرض قضايا جديدة لإبقاء الأمة في دوامة القضايا التي تشغلها عن قضية الإسلام المصيرية، فكان «السلام» وكانت «الديمقراطية».

د- صبغ التشريعات الغربية الكافرة بصبغة إسلامية وإظهار الحكومات والدول بمظهر الدول المتمسكة بالإسلام. الغرب الكافر بزعامة أميركا إذا تبع هذا الأسلوب فإنه يحقق ما يلي:

1- تمييع المجتمع من ناحية الإسلام ليسهل عليه إخراج الإسلام منه.

2- تمييع قضية المسلمين المصيرية عن طريق نماذج الحكم الإسلامي المشوه.

3- السيطرة الكاملة على المنطقة ككل في جو من الاستقرار السياسي.

هـ- إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين في كل مكان وبمختلف الوسائل والأساليب.

ومن أشكال هذه الحرب المعلنة ملاحقته لحملة الدعوة الإسلامية بهدف القضاء عليهم بعد أن أطلق عليهم أسماء عدة كالأصوليين، والإسلاميين، والمتطرفين، وذلك لتضليل الأمة عن حقيقة هذا الصراع من أنه ليس موجهاً ضدها بوصفها أمة الإسلامية ولا هو ضد الإسلام بل هو ضد فئة أو فئات إرهابية حتى تبقى الأمة خارج ساحة الصراع.

هذا هو واقع ما عليه الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي اليوم: رأي عام منبثق عن وعي عام عند الأمة على الإسلام، قد تكوّن من هذا الوعي العالم توحيد هدف الأمة كما توحدت عقيدتها ووجهة نظرها في الحياة.

ومن الجدير إعادة التأكيد عليه هنا، أي عند الحديث عن «الرأي العالم» أنه ليس عملاً عاماً بل «رأياً عاماً» لذلك لا يجوز أن ينصرف ذهن المراقب المتبع لاتجاه الرأي العام إلى الأعمال التي تقوم بها الأمة أو إلى الأعمال التي كان يجب أن تقوم بها الأمة.

فالرأي المنبثق عن وعي لا يعني بالضرورة أن يدفع صاحبه إلى حمله أو حتى إلى التقيد به، ألا ترون بأن كثيراً من الواعين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف! لذلك لا يسأل هنا أنه ما دام الرأي العام المنبثق عن وعي عام قد تحقق وجوده فعلاً في الأمة والمجتمع فلماذا لا تتحرك الأمة لإسقاط أنظمة الكفر المفروضة عليها وإقامة دولة الخلافة على أنقاضها، ولماذا لا تتحرك الأمة وهي تشاهد حكامها يسارعون في عقد معاهدات الاستسلام والتنازل عن فلسطين لأعداء الله اليهود؟

نعم لا يُسأل عن ذلك لأن تلبس الأمة بالقيام بالأعمال التي تؤدي إلى حدوث الانقلاب السياسي في المجتمع إنما يكون عندما تتبنّى الأمة قضية الإسلام المصيرية قضية مصيرية لها. فموضوع «الرأي العام» غير موضوع «تبني قضية الإسلام المصيرية» وغير موضوع «انقياد الأمة لحَمَلَة الدعوة نحو تحقيق قضية الإسلام المصيرية» فالموضوع الأول يتعلق بالرأي والثاني يتعلق بالتلبس بالقيام بالعمل، كما أن أعمال حمل الدعوة التي تؤدي إلى إيجاد الرأي تختلف عن الأعمال التي تؤدي إلى احتضان هذه الرأي وإلى الانقياد لحملة هذا الرأي، وزيادة في الاطمئنان إلى أن هذا الرأي العام منبثق عن وعي عام وليس عن ثورة مشاعرية اجتاحت الأمة. أذكر هنا بعض الملاحظات التي تشير إلى ذلك:

1- إن الطريق الذي سلكه حَمَلَة الدعوة لإحداث هذا التغيير في المجتمع هو الاشتغال بإيجاد الوعي العام قبل الرأي العام وبالفكر قبل المشاعر.

2- إن هذا الرأي العام يسير خطىًّ تصاعدية باتجاه الإسلام منذ أواسط السبعينات وحتى اليوم، فلو كان ناتجاً عن ثورة مشاعرية أو رغبة آنية ملحة لكان قد تعرض للتراجع والانتكاس نتيجة لهبوب عوامل الإحباط والتيئيس، ونتيجة لمحاولات تشويه الإسلام وإفراغه من مضمونه عن طريق نماذج الحكم الإسلامي المشوه التي ابتدعتها أميركا في المنطقة. إلا أن ذلك لم يحدث بفضل الله، على الرغم من عظم وخطورة الأحداث التي عصفت بالأمة والمنطقة، وعلى الرغم من استمرار أميركا في السير في صناعة هذه النماذج الإسلامية المشبوهة. مع كل ذلك فالمد الإسلامي آخذ بالنمو والتعاظم، وتيار الإسلام هو التيار السياسي الوحيد الذي له تأثير حقيقي وفاعل على أنظمة المجتمع في العالم الإسلامي.

3- إن الأمة الإسلامية لم تتخلَ عن مشاعر الإسلام الروحية مطلقاً منذ أن بدأت بالهبوط إلى هوة الانحطاط، أي منذ القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) وإلى يومنا هذا. إلا أن الأمة كانت قد فقدت ثقتها بأفكار الإسلام وأحكامه. أي فقدت ثقتها بصلاحية الإسلام لأن يكون نظام حياتها، وبالتالي فإن أفكار الإسلام وأحكامه لم تعد لها مشاعر عند الأمة، أما المشاعر الروحية الكهنوتية فقد احتفظت بها الأمة ولم تفقدها، لأنها لم تفقد ثقتها بروحانية العقيدة الإسلامية. ومع احتفاظها بهذه المشاعر إلا أنه لم ينتج عنها في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الأمة رأي عام للإسلام، بل أن الرأي العام الذي كان يسود جميع أوساط الأمة لا فرق بين الأوساط السياسية ولا بين الأوساط الشعبية ولا بين أوساط المتعلمين وأوساط المتدينين، ولا بين الشباب والشيوخ فكلهم كان فصل الدين عن الدولة عندهم رأياً عاما وعرفاً عاماً. مما يدل على أن هذا الرأي العام الإسلامي الذي بدأ بالتشكل منذ أوساط السبعينات ليس ناتجاً عن هذه المشاعر.

وهنا لا بد من إعادة التأكيد على أن عملية تغيير المجتمع الحالي إلى مجتمع إسلامي تقتضي إحداث الانقلاب الشعوري إلى جانب الانقلاب الفكري. والانقلابُ الشعوري يعني العمل لإيجاد مشاعر عند الأمة لأفكار الإسلام وأحكامه التي أعيدت إليها ثقتها بها، أي مشاعر للإسلام بوصفه عقيدة ينبثق عنها نظام يعالج جميع مشاكل الحياة، فالمطلوب إحداث احتراق في الشعور والفكر الذي يؤدي إلى الانفجار. وهذه المشاعر المطلوب إيجادها ليست هي المشاعر الروحية الكهنوتية.

4- أمّا مسألة وعي الأمة على جزئيات الإسلام فهذا غير ممكن التحقيق، وذلك لأن «الرأي العام» لا يتكون إلا من النظرة إلى «المصالح العامة» وليس من النظرة إلى المصالح الخاصة أو الجزئية. ويتكون من هذا الوعي العام على الإسلام توحيد الأفكار والآراء والمعتقدات عند الأمة توحيداً جماعياً، على وجه يؤدي إلى توحيد هدف الأمة بإقامة الخلافة وحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، وتوحيد عقيدتها بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة، وببعث الحيوية فيها، وتوحيد وجهة نظرها في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان، والحلال والحرام.

ومما يؤكد ذلك أن الرأي العام المنبثق عن وعي عام على الإسلام كان قد تحقق وجوده في المدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أن وعي أهل المدينة على جزئيات الإسلام لم يكن متحققاً.

لذلك كان على حملة الدعوة الإسلامية على هذا الصعيد أن يستمروا في توعية جماهير المسلمين بأفكار الإسلام وأحكامه لزيادة الوعي العام عند الأمة على أحكام الإسلام وأنظمته، على أن يكون ذلك عملاً من أعمال ربط هذه الأفكار والأحكام بالطاقة الحيوية التي تتحرك في مجموعة الأمة، حتى يتشكل من هذا الربط مشاعر لهذه الأفكار والأحكام. تكون الدافع المباشر لتحرك الأمة بمجموعها للقيام بالأعمال التي تعيد الإسلام مطبقاً في واقع الحياة والمجتمع والدولة، وهذه هي قضية الإسلام المصيرية.

أمّا ما هي كيفية إحداث الانقلاب الشعوري الذي يؤدي إلى تبني الدولة لقضية الإسلام المصيرية فسوق نتناولها في مقال آخر بإذن الله تعالى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *