المرأة وتولي الحكم
1995/09/30م
المقالات
2,094 زيارة
بقلم: الدكتور توفيق مصطفى
تتردد هذه الأيام على ألسنة بعض الناس الذين يدعون العمل للإسلام تصريحات وأقوال عن عمل المرأة وحقوقها وذلك تأثراً منهم بما يدور في الغرب ويتردد عن المرأة وحقوقها وعملها، والطعن على الإسلام لأنه يحرم على المرأة أعمالاً معينة فصدرت أقوال هؤلاء دفاعاً عن الإسلام وجعلوا الإسلام متهماً فأخذوا يدافعون عنه دفاعاً خالفوا فيه الإسلام وأحكامه، وكان الأجدر بهم أن يوضحوا أفكار الإسلام وأحكامه وأنظمته على حقيقتها ويهاجموا أفكار الكفر وحضارته وأنظمته ويبينوا فسادها وعوارها. فالإسلام هو الحق وهو الصحيح ولا صحيح غيره، والإسلام هو دائماً في مركز القوة وفي دور المهاجم ولا يجوز أن يكون في مكان المُهَاجم حتى ينبري أبناؤه للدفاع عنه فالإسلام يعلوا ولا يعلى عليه، فالإسلام هو الحق وهو الوحي الذي جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم لمعالجة مشاكل الإنسان جميعها بوصفه إنساناً له غرائز وحاجات عضوية بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وبغض النظر عن جنسه وشكله ولغته ولونه.
إذن فهو الحق وهو نظام الله عز وجل الذي خلق البشر، وهو وحده الذي يعلم حقيقة الإنسان ومشاكله والحلول الصحيحة لهذه المشاكل ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). صدق الله العظيم.
ولذلك لا بد من البحث في الأحكام الشرعية بغض النظر عما يدور من حولنا، فالعالم تتحكم فيه الحضارة الغربية فحسب، وهي عدوة للإسلام، وأصحابها لا ينفكون عن مهاجمة الإسلام وحضارته خوفاً من عودة الإسلام، فإنه البديل الوحيد لهذه الحضارة الظاهر فسادها.
ولو نظر هؤلاء نظرة فاحصة لما عليه حضارة الغرب لوجدوا أن هذه الحضارة التي تتبجح بالحديث عن المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل هي التي تحتقر المرأة وتحط من قيمتها وتجعلها سلعة رخيصة تباع وتشترى، وتجعلها ملح تلذذ للرجل تظهر مفاتنها لتثير غريزة الرجل لإشباعها، فأدى ذلك إلى الإباحية والشذوذ وخراب المجتمعات عندهم. والنقاش كان يدور في الغرب وحتى عهد قريب حول كون المرأة بشراً أم لا وهل لها روح أم لا ولا تزال توجد أندية في أكثر دول الغرب تقدماً مثل بريطانيا تمنع النساء من عضويتها وحتى دخولها وعندما كانت مارجريت تاتشر رئيسة لوزراء بريطانيا فإن بعض النوادي هناك كانت تمنعها من دخولها لأنها خاصة بالرجال ومحرمة على النساء.
ومنذ عشرات السنين يدعي الغرب مساواة المرأة بالرجل وحتى اليوم لم يحصل ذلك رغم أنهم سنوا القوانين لذلك. وقد أخرجت الحضارة الغربية المرأة من بيتها وعملها الأصلي الذي هو أم وربة بيت فأفسدت عليها طبيعتها، وحطمت الأسرة وكثر الطلاق وعزف الناس عن الزواج، وكثر الزنا، وأولاد الحرام، حتى غدا الزنا مشكلة مستفحلة، وأصبح الشذوذ ظاهرة عامة يمارس من أكثرية، فلم يعد لديهم أمراً مستغرباً أو يطلق لفظ الشاذ.
هذه الحضارة الظاهرة الفساد أصبحت تؤثر على المسلمين تأثيراً يبعدهم عن بحث الإسلام، ونشر أفكاره وتطبيق أحكامه، مع أن الإسلام هو النظام الصحيح الذي جاء من عند رب العالمين وهو الذي أعطى الإنسان حقه كاملاً، سواء كان رجلاً أو امرأة. فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من نفس واحدة وجعل منها زوجها وجعل من نسلهما رجالاً ونساءً، وقد خاطب الله عز وجل الإنسان بوصفه إنساناً وأنزل إليه الأحكام وفرض عليه الفرائض والواجبات ونهاه عن القيام ببعض الأعمال بوصفه إنساناً، فكان لا بد من الرجوع إلى أحكام الإسلام حتى يدرك منها ما يحق للمرأة أن تعمله وما لا يحق لها. والله سبحانه وتعالى يقول: ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، وقال: ( يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)، وقال تعالى: ( قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) فالخطاب هو للإنسان والإنسان هو رجل أو امرأة. فالإسلام ينظر إلى الإنسان رجلاً كان أو امرأة بأنه إنسان، فيه الغرائز، والمشاعر، والميول، وفيه العقل. وقد جعل الإسلام التعاون بين المرأة والرجل في شؤون الحياة، وفي علاقات الناس بعضهم مع بعض أمراً ثابتاً في جميع المعاملات. فالكل عباد الله، والكل متضامن للخير ولتقوى الله وعبادته. وكذلك جعل الأعمال التي يقوم بها الإنسان بوصفه إنساناً واحدة لكل منهما.
أما الأعمال التي يقوم بها الذكر بوصفه ذكراً مع وصف الإنسانية، وتقوم بها الأنثى بوصفها أنثى مع وصف الإنسانية، فإن الشرع قد فرق بينهما فيها، ونوعها بالنسبة لكل منهما، سواء من حيث الوجوب أو الحرمة أو الكراهة أو الندب أو الإباحة. ومن المحرمات على المرأة تولي الحكم فقد جعله الله للرجال دون النساء، فلا يجوز أن تتسلم المرأة أي منصب متعلق بالحكم فلا يجوز أن تكون خليفة أو معاوناً للتفويض أو والياً، وذلك لما وري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدت الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، وقال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فارس ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة». وهذا صريح في النهي عن تولي المرأة الحكم في ذم الذين يولون أمرهم للنساء. وولي الأمر، هو الحاكم. فإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بنفي الفلاح عمن يولون امرأة الحكم هو نهي عن توليها إذ هو من صيغ الطلب وكون هذا الإخبار جاء بالذم لمن يولون أمرهم امرأة حيث نفى الفلاح عنهم فإنه يكون قرينة على النهي الجازم فيكون تولي المرأة الحكم حراماً. أما غير الحم فيجوز أن تتولاه المرأة. لأن موضوع الحديث ولاية بنت كسرى ملكاً فهو خاص بموضوع الحكم الذي جرى عليه الحديث، ولا يشمل غير موضوعه. ولذلك يجوز للمرأة أن تعين في وظائف الدولة لأنها ليست من الحكم. وتدخل في باب الإجارة ويجوز لها أن تتولى القضاء (عدا قضاء المظالم) لأن القاضي ليس حاكماً وإنما هو يفصل الخصومات بين الناس. ويخبر المتخاصمين بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قد ولى الشفاء – امرأة من قومه – السوق أي قاضي الحسبة الذي يحكم على المخالفات جميعها. وتولي هذه الأعمال لا يجوز فصله بأية حال عن بقية الأحكام الشرعية الأخرى كحرمة الخلوة، ومنع الاختلاط، وحرمة التبرج، والتقيد باللباس الشرعي، وغير ذلك من الأحكام.
وقد ورد في تفسير الإمام القرطبي الجامع لأحكام القرآن الجزء الأول صفحة 270 في شروط الخليفة:
السابع: أن يكون ذكراً واجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إماماً. وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتها فيه. ولذا كان من البديهيات لدى المسلمين رجالاً ونساءً كون المرأة لا تتولى رئاسة الدولة، ولذا فإن ما يثار حول هذا الأمر لا يكشف إلا تأثراً بالغرب، وبالواقع الأليم الذي تعيشه الأمة.
هذا وعلى المسلم أن يدرك أن الشرع جعل المرأة أُماً وربة بيت، فجاءها بأحكام تتعلق بالحمل والولادة، وأحكام تتعلق بالرضاع، وأحكام تتعلق بالحضانة، وأحكام تتعلق بالعدة. ولم يجعل للرجل شيئاً من ذلك، لأن هذه أحكام تتعلق بالأنثى بوصفها أنثى، فألقى عليها مسؤولية الطفل من حمل، وولادة، وإرضاع، وحضانة. فكانت هذه المسؤولية أهم أعمالها وأعظم مسؤولياتها. ومن هنا يمكن القول أن العمل الأصلي للمرأة هو أنها أُم وربة بيت، لأن في هذا العمل بقاء النوع الإنساني، ولأنها اختصت به دون الرجل.
قال تعالى: ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)، وقال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
1995-09-30