العدد 102 -

السنة التاسعة – جمادى الأولى 1416هـ – تشرين الأول 1995م

الصبر عند الابتلاء

(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).

إن الذين يشتاقون إلى الجنة ويعملون لنوال رضوان الله لا يد أن يكونوا من الصادقين الصابرين، لا يرهبهم بطش الطغاة ولا ظلم الظالمين، ثابتين على الحق لا يضعفون مهما اشتد الظلمة في ملاحقتهم ومضايقتهم في عيشهم وترويعهم في مساكنهم، ولا يخشون إلا الله ولا يزيدهم اجتماع الكفر عليهم إلا صلابة وقوة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).

إن الرسل وأصحابهم قد ابتلوا في سبيل الله فصبروا ونصروا وهكذا سنة الله أن يأتي النصر بعد النصر، عن عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟؟، قال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض حفرة، فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه لا يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».

ولقد أتم الله دينه ونصر رسوله وصحبه، وكذلك سننصر بإذن الله ما دمنا نسير سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ونخلص في حملة دعوة الإسلام، ونصبر على الأذى في سبيل الله (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

إن الصبر لأمر عظيم وهو ليس العيش الذليل والرضا به أو السكوت على ظلم الظالم وعدم الإنكار عليه بل هو تحمل الأذى بالغاً ما بلغ لتغيير منكر أو قول كلمة حق، لإعلاء كلمة الله فهي العليا وإزهاق كلمة الباطل فهي السفلى. هذا الصبر لا يقوى عليه إلا المؤمنون المخلصون الأتقياء الذين يتقربون إلى الله بالفرائض والنوافل، والذين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله. فلنحرص أن نكون منهم على الدوام في المنشط والمكره، وفي السراء والضراء، فيجعل الله لنا النصر وتعود الخلافة الراشدة التي وعدنا الله سبحانه وبشرنا بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ويومها تضاء الدنيا بنور الإسلام من جديد، ويخزي الله الذين كفروا والمنافقين ويشفي صدور قوم مؤمنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *