العدد 106 - 107 -

السنة العاشرة – رمضان وشوال 1416هـ – شباط وأذار 1996م

مباحث اقتصادية: حُكم فوائد البنوك

بقلم: محمد خالد

طبيعة عمل البنوك التجارية

عند النظر في واقع البنوك التجارية نجد أنها عبارة عن مؤسسات قائمة لتقديم خدمات مالية متعددة أهمها الإقراض والاستقراض. وهي تقوم بدور أساسي في السوق النقدية حسب النظم المالية القائمة، بل إن البنوك التجارية هي قوام هذه السوق، ذلك أن البنوك تجذب إليها الأموال الفائضة عن الحاجة كودائع نقدية أو قروض، مقابل نسبة معينة تدفعها للمودع أو المقرض وتلبي البنوك بهذا الفائض النقدي حاجة البعض الآخر ممن قصرت إمكانياتهم النقدية عن تلبية حاجاتهم، سواء أكانت هذه الحاجة لاستهلاكهم الشخصي أم كانت من أجل القيام بعمليات استثمارية، مقابل نسبة معينة يدفعها المستقرض للبنك تكون عادة أكبر من النسبة التي يدفعها البنك للمودع. والفرق بين النسبتين هو ما يشكل عادة أحد المصادر الرئيسية لدخل البنك، بل قد يكون المصدر الرئيسي للدخل عند بعض البنوك، وتسمى هذه بالفائدة، فائدة الإقراض أو فائدة الاستقراض، ويقال لها سعر استعمال النقد مع مرور الزمن. وبعبارة أخرى يتلخص دور البنك باستقراض العملة إقراضها بأسعار معينة تحدد بناءاً على العرض والطلب على النقد إذا ما ترك السوق المالي حراً.

العلاقة بين البنوك والعملاء

إن باب البنك مفتوح لمن يملك نقداً يودعه فيه بل ويساوم في سعر الفائدة الذي يعرض عليه. كما إن بابه مفتوح لمن يريد أن يستقرض لاستهلاكه الشخصي أو لإنشاء مشروع استثماري وتكون العلاقة في حالة الإيداع بين المودع والبنك وفي حالة الاستقراض بين المستقرض والبنك، هكذا تكون العلاقة من الجهة العملية والقانونية ولا علاقة عادة بين المستقرض والمودع، بل البنك هو المسؤول مسؤولية كاملة عن الأموال المودعة عنده، كما يتحمل مخاطرة إقراضه لهذه الأموال فيما إذا عجز المستقرض عن السداد.

والافتراض أن البنك مجرد وسيط بين المودع والمستقرض، يأخذ عمولة مقابل وساطته، افتراض غير صحيح ومخالف للواقع كما بينا آنفاً، فلا يوجد صفقة تمت بين المودع والمستقرض ولا مشروع مشتركاً لهما. ذلك أن المودع في البنك لا يبحث واقعاً مع البنك أوجه الاستثمار، ولا سلطان له على تصرف البنك في ماله الذي أودعه عنده، ولا يتقاسم مع البنك الربح والخسارة بل كل همه هو النسبة التي سيعطيها البنك له مقابل إيداع ماله لديه. كذلك الحال مع المستقرض، فلا يشاركه البنك فيما يزمع إنشاءه من مشاريع، ولا يتقاسم معه الأرباح والخسائر، وما البيانات التي يطلبها البنك أحياناً إلا لتوثيق دينه والاطمئنان على أنه سيرد إليه المال مع فوائده، وعند توفر الكفيل الملائم للمستقرض، المقبول من البنك، قد لا يكترث البنك بهذه البيانات سواء أكانت دراسات جدوى أم غيرها، وقد لا يستوفي البحث عن المستقرض وقد لا تهمه كفاءته وقدراته على إدارة أعماله ولا حاجته للمال أو عدمها، بقدر ما يهمه توفر أسباب السداد عنده، كما لا سلطة قانونية للبنك على المستقرض إلا إذا عجز أو امتنع عن السداد فعندها يتقدم البنك للقضاء لتحصيل أمواله وإن رأى أن عليه التدخل في إدارة أعمال المستقرض بوضع يده عليها، فإنه يتقدم بطلبه هذا للقضاء، وهذا ليس مشاركة بل لضمان حصوله على أمواله، حيث لم يتمكن من الحصول عليها بطريق آخر. على أنه بقراءة العقد – إن جاز التعبير – اللازم لفتح حساب دائن أو مدين مع البنك لا نجد فيه كلمة مضاربة ولا كلمة مشاركة، بل هو اتفاق بين طرفين على الإقراض أو الاستقراض. ناهيك عن بحث حقوق الشركة في الإسلام وشروطها.

أما ما يلمس من بروز دور البنوك أحياناً في المشاريع الضخمة، كإنشاء المجمعات التجارية والسكنية والفنادق والمنتجعات، وأعمال التنقيب، وشراء أسهم الشركات وغيرها، فذلك تنويع في أوجه تشغيل الأموال وتَعْمَدُ إليها البنوك الضخمة التي تتوفر لديها سيولة نقدية كبيرة، ذلك لضمان استغلال الأموال المودعة لديها لجني أرباح أعلى مما إذا أقرضتها مباشرة، وخاصة أن المبالغ المطلوبة لمثل هذه المشاريع غالباً ما تكون كبيرة، فحتى تضمن البنوك حسن استعمال أموالها تشارك مباشرة في مثل هذه المشاريع ضامنة بذلك تشغيل أموالها فيما يدر عليها أرباحاً أعلى من سعر الفائدة، سواء أكانت هذه المشاريع ضامنة بذلك تشغيل أموالها فيما يدر عليها أرباحاً أعلى من سعر الفائدة، سواء أكانت هذه المشاريع إنشاء تجمعات سكنية وتأجيرها أم إنشاء ناد للقمار وإدارته، فهذا شأن البنك وحده. ففي مثل هذه الأوجه من الاستثمار، وإن كان لا يقوم بها إلا بعض البنوك أو بعض المجموعات البنكية، وفي غيرها مما تقوم به البنوك، لا علاقة أبداً للمودع في هذه البنوك بهذه المشاريع وإن كانت أموال جزءاً من تلك الأموال المستثمرة فيها ذلك أن البنك قام بمطلق إرادته بإنشاء مشاريع أو المشاركة بمشاريع معينة ترجع لاختياره هو، لا وكيلاً عن المودعين، بل من تلقاء نفسه، وبمحض إرادته، ودون إلزام، فله مطلق الصلاحية في التصرف بهذه الأموال كما يريد، وله أن يكدسها في خزائنه إن شاء أو أن يقرضها بفائدة أعلى أو أقل مما يُعطى للمودع، وله أن يقيم بها مسجداً أو ينشئ بها نادياً للقمار، فلا حق لأحد عليه ما بقي ملتزماً بدفع الفوائد المتفق عليها بينه وبين المودعين، وَحَفظَ لهم رؤوس أموالهم.

مما سبق يتبين لنا أن البنوك التجارية تقوم بصفة أساسية بالأعمال التالية:

أولاً: خدمات مالية متنوعة، تضمن لكل من يودع مدخراته لديها، أن تدفع له فائدة معينة على هذه المدخرات مقابل كل فترة زمنية محددة تبقى فيها هذه المدخرات لدى البنوك.

ثانياً: تعطي البنوك أموالاً لمن هو بحاجة إليها – بعد التأكد من توفر أسباب القدرة على السداد – شريطة التزامه بدفع فائدة زمنية محددة تبقى فيها هذه الأموال في حوزته.

وهذا الواقع يبين أنه لا مجال للشك في أن المعاملتين السابقتين هما رباً شرعاً وحرام بنص القرآن والسنة. فقد وقعت فيهما الزيادة مقابل الأجل، ولا ضرورة للإكثار من القول فالأمر أوضح من أن يناقش فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *