العدد 113 -

السنة العاشرة – جمادى الثانية 1417هـ – تشرين الثاني 1996م

أضواء على اتفاق «أوسلو»

أضواء على اتفاق «أوسلو»

 

            كتب د. إدوار سعيد معقّباً على مقال نشر في مجلة «نيويوركر» الأسبوعية الأميركية في 14/10/96. كاتبة المقال هي كوني بروك. يقول د. سعيد عن بروك: « يبدو أن بروك صهيونية من مؤيدي حزب العمل» ويضيف: «وهي تقدم على امتداد مقالها مثالاً تلو الآخر على الطريقة التي عامل بها بيريز محاوريه الفلسطينيين مستخدماً الغش والضغط بفجاجة، ليترك لهم في النهاية خريطة مرقعة مثيرة للشفقة تتألف من مناطق صغيرة للحكم الذاتي لا تمثل، حسب قولها، سوى حوالي 3 في المائة من الأرض».

فيما يلي مقتطفات من د. إدوار سعيد:

 

تُبلغنا بروك أنه حسب مساعدي عرفات من المحتمل أن الزعيم الفلسطيني لم يقرأ الاتفاقات أبداً، معتمداً على مساعديه (الذين أعطوه «صورة وردية» عن مضامينها) أو اكتفى بقراءة سريعة لعناوينها. وأبلغ أبو مازن بروك أنه على امتداد أشهر عدة بعد احتفال التوقيع في واشنطن لم يدرك عرفات أنه لن يحصل على دولة بل مجرد حكم ذاتي. بالإضافة إلى ذلك، كان عرفات يتدخل في صورة منتظمة في المفاوضات، ما سهّل على الإسرائيليين أن ينتزعوا منه تنازلات كان أعضاء وفده قد رفضوها بالفعل. ولعب النروجيون دوراً مفيداً في هذا الصدد، ولا بد لي أن أقول إنهم تصرفوا، حسب مقال بروك، بصورة ملتوية ومراوغة، وعلى نحو منحاز بشكل غير معقول لإسرائيل.

           كانت خطة إسرائيل، كما صاغها بيريز، تقضي بـ «إعادة صنع» عرفات و«تحويله» إلى شريك للإسرائيليين كي يستطيع أن يقدم لهم تنازلات غير مقبولة تاريخياً ويبقى كأداة لتنفيذ خططهم. وقبل أن تبدأ المفاوضات بصورة جدية، كان محامٍ إسرائيلي – أميركي لديه خبرة عالمية تمتد سنين أعد صيغة الاتفاق في 16 مسودة. لكن الفلسطينيين، من جانبهم، لم يكونوا قد أعدوا شيئاً. وتصف بروك ضعف استعدادهم المثير للشفقة، وتعدد الزعامات الفردية الذي كانوا ضحية له، على حساب شعبهم بالطبع.

           إذا أخذنا الأزمة الحالية في الاعتبار، يبدو واضحاً تماماً أن قدراً كبيراً من المسؤولية عن الفظاعات التي يعانيها الشعب الفلسطيني حالياً على أيدي إسرائيل يتحمله المفاوضون، وعلى رأسهم السيد عرفات. هذه القيادة أنتجت تلك الخريطة الشنيعة ذات «البانتوستانات» الكثيرة. وافقوا على المستوطنات، ولم يتهيأوا، وكذبوا (تقول بروك إن عرفات «كذب دائماً»)، وقبلوا الخطة من دون جداول زمنية ونسب مئوية حقيقية، وقدموا التنازلات، وتواطأوا عملياً مع الإسرائيليين لطرح ما كان في الواقع سلاماً زائفاً لم يحصل فيه الفلسطينيون عل شيء سوى نظام الحكم الذاتي والامتيازات المشكوك فيها بإدارة الشؤون البلدية. وبقيت السلطة الفعلية في أيدي الإسرائيليين: السيادة، المداخل والمخارج، الأمن، القدس، المستوطنات، الطرق، المياه، 97 في المئة من الضفة الغربية.

            وتبين الحقائق أنه ليس لدى إسرائيل والولايات المتحدة أدنى رغبة في تشجيع عملية سلام تضمن للفلسطينيين تقرير المصير أو الحصول على دولة مستقلة. هذه هي الحقائق الجلية، كما سيؤكدها فوراً مجرد تفحص بسيط لترتيبات السلام المختلفة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. انتهى زمن الأوهام والأكاذيب. لقد أريقت دماء الفلسطينيين من أجل قضية عقيمة تتعلق باتفاق صمم على وجه التحديد لإبقاء الفلسطينيين تحت الهيمنة الدائمة للإسرائيليين. نحن لم نؤذ الإسرائيليين، ولم نهزمهم في أي شيء: لماذا نتوقع إذاً أن يحترمونا أو لماذا نوهم أنفسنا بالاعتقاد، كما يظل العقل الفلسطيني الرسمي يأمل، بأنهم سيعطونا شيئاً؟ إن الاعتماد على الولايات المتحدة للحصول على أي شيء أكثر من انتزاع مزيد من التنازلات منا هو، حسب رأيي، وهم تام. يجب أن نتعلم العيش في واقع نخلقه بجهودنا الذاتية، ويجب أن نكف عن انتظار منقذٍ خارجي ليظهر ويصلح كل شيء من أجلنا منقذ في الولايات المتحدة أو فرنسا أو روسيا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *