العدد 266 -

العدد 266- السنة الثالثة والعشرون، ربيع الأول 1430هـ، الموافق آذار 2009م

(حرية التعبير) أو (حرية الرأي) « غطاء غربي لمهاجمة الإسلام »

(حرية التعبير) أو (حرية الرأي)

« غطاء غربي لمهاجمة الإسلام »

 

أبو إسلام – فلسطين

في الثامن عشر من كانون أول/ ديسمبر 2008م، أعلن ما يسمى مجلس الحقوق المدنية والسياسية، التابع للأمم المتحدة، قراره النهائي والخاص برفض المجلس لإدخال أية تشريعات جديدة للحد من ظاهرة التشهير بالأديان، التي أثارتها الحملة الأخيرة من الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، على المستوى الدولي. وذلك رداً على الطلبات الرسمية التي رفعت للمجلس من قبل منظمات حقوقية دولية مناهضة لإطلاق العنان لحرية التعبير ولفكرة التشهير بالأديان وخاصة الإسلام.

ولكن قبل الخوض في الأبعاد السياسية والفكرية، لقرار مجلس الحقوق المدنية التابع للأمم المتحدة، وبالتالي الوقوف على طبيعة الجدل العالمي الذي ترافق مع حملة الرسوم الأخيرة في حينه، بين من يسمى أنصار حرية التعبير من جهة، والمناهضين لفكرة التشهير بالأديان من جهة ثانية، كان لابد من التأكيد في البداية، على أن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها الدول الأوروبية، تحمل بمجموعها العداء الشديد للإسلام والمسلمين. ولقد كانت الدول الأوروبية في القديم، في نزعتها الحاقدة، للقضاء على الإسلام والدولة الإسلامية قد اتخذت من أسلوب مهاجمة الإسلام وتشويه أحكامه، عاملاً مساعداً في غزوها الثقافي في بلاد المسلمين. في الوقت الذي تعلي فيه من شأن أفكار الغرب وحضارته. ولكن على الرغم من نجاح تلك الدول، في مسعاها الهادف إلى هدم كيان الدولة الإسلامية، إلا أنك تجد هذه الدول، إلى يومنا الحاضر، والحقد يأكل كبدها، جراء فشلها المؤكد في مساعيها الحثيثة للقضاء على الإسلام، كمقدمة لهدم وتمزيق كيان الأمة الإسلامية. ذلك إن هذه الدول تعلم، بأن الإسلام ممثلاً بأحكامه وعقيدته، يشكل الطاقة الفكرية والروحية، التي تمد كيان الأمة الإسلامية بأسباب البقاء والحياة. من أجل ذلك نجد أن هذه الدول بزعامة أميركا اليوم، تكاد تصل الليل بالنهار، من أجل القضاء على الإسلام، خشية أن تقوم للإسلام والمسلمين قائمة، تطيح بعرش الحضارة الغربية، وتجعل من العالم العلماني الرأسمالي، المهددين بالسقوط والانهيار، أثراً بعد عين.

وعليه فقد أثارت حملة الرسوم الأخيرة، والتي انطلقت من معقل الكفر أوروبا، مظاهر من الغضب والسخط في مناطق المسلمين، وفي العديد من مناطق العالم، واكبها موجة من الجدل على المستويين الدولي والإقليمي، فيما بين العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، التي بدورها انقسمت فيما بينها بين مؤيد لحملة التشهير هذه، تحت ستار حرية التعبير الغربية، ومناهض لهذه الحملة بدعوى حظر القانون الدولي لمثل هذا النهج من الإساءة والتشهير بالأديان. ومنها الإسلام على وجه الخصوص.

وكان هذا الاختلاف أو هذا الجدل بين أنصار حرية التعبير والمناهضين للحملة الأخيرة قد اندلع بسبب اللبس والغموض الذي يكتنف تفسير المادتين 19-20، من ما يسمى بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تم التصديق عليه في الأمم المتحدة، من قبل أغلب دول العالم بما فيها الدول العربية، وهو بهذه المصادقة يعتبر معاهدة إلزامية وذات قوة قضائية حتى للنظم الداخلية لتلك الدول.

ومن هذا المنطلق يؤكد أنصار حرية التعبير بأن للإنسان الحق المطلق في نقد الأديان ودون مضايقة بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي الذي ينص على الآتي «لكل إنسان حق في اعتناق آرائه دون مضايقة، ولكل إنسان حق في حرية التعبير». ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في أي قالب أو وسيلة يختارها. ولا يجوز تقييد هذا الحق بحسب الفقرة الثالثة من هذه المادة. إلا لأسباب محددة بنص القانون.

بينما يرى التيار المناهض لحملة التشهير الأخيرة عدم شرعية نقد الأديان والتشهير بحقها، استناداً إلى المادة 20 من نفس العهد السابق. التي تنص على الآتي (يحظر القانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف). وعليه فإننا نقول بأن هذا الجدل لا طائل تحته، وهو يكشف لنا بجلاء التناقض البين بين هاتين المادتين، وأن المادة 20من هذا العهد لا تعدو كونها للاستهلاك فقط عندما ما يتعلق الأمر بمهاجمة الإسلام وشن حملات التشهير والتشويه ضده.هذا فضلاً عن أن القانون الدولي لا يخرج عن كونه أداة لخدمة مصالح الدول الكبرى.

وهذا الاستنتاج الذي ذهبنا إليه يؤكده التقرير النهائي الصادر عن مجلس الحقوق المدنية والسياسية بالأمم المتحدة في 18/12/2008م، على لسان مقرره الخاص (جيثو مويجاي) حيث قال: «إن حرية التعبير لا يمكن أن تقيد من أجل حماية المعتقدات الدينية، بل لأجل حماية حقوق أخرى للإنسان». وقال كذلك: «إن التشريعات الحالية الخاصة بالكراهية العرقية الدينية كافية، ولذلك فإنه ليس من الضروري ترسيخ التشهير بالأديان كمفهوم جديد».

وبهذا التقرير الذي أعلنه (جيثو مويجاي) تكون الأمم المتحدة قد حسمت ذلك الجدل الدولي حول العلاقة ما بين حرية التعبير، وفكرة التشهير بالأديان، وهو ولا ريب انحياز واضح من جانب الأمم المتحدة والدول الكبرى، لصالح حرية التعبير التي يتشدق الغرب الكافر بمضامينها الساقطة.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية، قد كشفت النقاب في أيلول 2008م، عن فحوى ديباجة التقرير السنوي المتعلق بأوضاع الحرية الدينية في العالم، تطرقت من خلاله إلى فكرة التشهير بالأديان، وعن تحفظها الشديد حيال تحديد مفهوم جديد يحظر بموجبه التشهير بالأديان.

حيث تضمن هذا التقرير على ما يلي «يُستخدم مفهوم التشهير بالأديان من جانب بعض الحكومات لتبرير أعمالها التي تقضي بصورة انتقائية على المعارضة المدنية، والتي توقف انتقاد الهيكليات السياسية، وتقيد الخطاب الديني لجماعات الأقليات، إن إدخال مفهوم التشهير الجديد، يؤدي في الواقع إلى تصدير قوانين الكفر الموجودة في العديد من دول منظمة المؤتمر الإسلامي إلى المستوى الدولي. وفي حين أن الولايات المتحدة لا تشجع الأعمال التي تسيء إلى تقاليد دينية معينة، بما في ذلك الإسلام، فإنها تعتبر -أي الولايات المتحدة- أن مفهوم التشهير بالأديان يتناقض مع حرية الدين وحرية التعبير».

وبهذا التقرير لوزارة الخارجية الأميركية نعتقد بأن صورة الأحداث ومقاصد الغرب الكافر بزعامة أميركا من خلال استغلال حادثة الرسوم الأخيرة قد باتت واضحة جلية لعامة المسلمين. تلك المقاصد والأهداف الغربية تقوم في جوهرها على تثبيت وتسويق مفهوم الحريات العامة، ومنها حرية الرأي أو حرية التعبير، كنهج ثابت للمجتمع الدولي العلماني، ليشمل العالم ومنه العالم الإسلامي، بقصد ضرب الإسلام وتحطيم كيان الأمة الإسلامية، عبر هذه المفاهيم الساقطة. وهذا المستوى من الكيد للإسلام، كان واضحاً من خلال التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية آنف الذكر، حيث تتضمن عبارة «إن إدخال مفهوم التشهير الجديد، يؤدي في الواقع إلى تصدير قوانين الكفر الموجودة في العديد من دول منظمة المؤتمر الإسلامي إلى المستوى الدولي». وهذا يعني بأن الولايات المتحدة، تعي تماماً على ما هم عليه المسلمون، من تمسكهم بعقيدتهم وبقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من بدل دينه فاقتلوه» لأنه لا حريات بالمعنى الغربي في الإسلام. ومن هذا الباب نجدها -أي أميركا- ترفض هي الأخرى، تقييد حرية التعبير بأي شكل من أشكال التقييد، خوفاً من أن تستغل بعض دول المؤتمر الإسلامي، -على حد تعبيرها-، قانون التشهير بالأديان في حال تبنيه، إلى تثبيت فكرة ملاحقة أو قتل الكفرة المرتدين على المستوى الدولي، وبالتالي تحول هذا القانون إلى عُرف دولي، يقف حائلاً أمام مهاجمة الإسلام.

وبعد هذا البيان لحادثة الرسوم الأخيرة، نأتي إلى الجانب الأهم، وهو مناقضة الحريات العامة الغربية، ومنها حرية الرأي أو حرية التعبير، للإسلام وللعقيدة الإسلامية. إذ إن حرية التعبير هذه، تعني -كما يريدها الغرب الكافر في حملته الأخيرة- السماح للعملاء والمنافقين والفجار، وأعداء الإسلام في العالم أجمع، بالدعوة الصريحة تحت ستار حرية التعبير،- لتقويض الإسلام، وتحطيم كيان الأمة الإسلامية، وتمزيقها إلى قوميات ووطنيات، وطوائف وأقليات، وما إلى ذلك من دعوات مشبوهة، دعا الإسلام لنبذها، حين وصفها رسولنا وقدوتنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنها «منتنة».

ولذلك فإن الغرب الكافر يولي عناية خاصة لحرية التعبير هذه، ويعمل من غير كلل على تسويق فكرتها ومفهومها في صفوف المسلمين.بسبب اعتقاده الخاطئ من أن نقد الأديان والمجتمعات الدينية يؤدي بالضرورة إلى تحول تلك المجتمعات إلى مجتمعات ديمقراطية؟؟، ومع أن هذا التصور لحال المجتمعات من حيث مقومات تحولها باطل من أساسه، والمقام لا يتسع لبحثه، إلا أن هذا الغرب العلماني الكافر، قد ورث هذا المفهوم عن المجتمعات الإنسانية، من تحول أوروبا نحو العلمانية، بعد عزل الكنيسة النصرانية عن الحياة، بفضل الانطلاقة التي وفرتها حرية التعبير للشعوب الأوروبية، كما يتوهم.

    ومن الجدير لفت النظر إليه، ما يعتقده بعض المسلمين من أن حرية التعبير، مقتصرة في معناها على محاسبة الحكام والتصدي لهم بالقول ونحوه، وهذا ما يجعل لحرية التعبير، من جاذبية عند بعض المسلمين نتيجة لعيشهم في دول قمعية استبدادية تحول دون الناس من أن يقولوا برأيهم إذا كان يخالف رأي الحاكم، حتى لو كان هذا الرأي مستمداً من الإسلام، فهذا الفهم الضيق لحرية التعبير ليس دقيقاً، إذ إن حرية التعبير في الغرب لا تقتصر على ما يتصل منها بمحاسبة الحكام فحسب، أو انتقادات السياسيين وغيرهم، وإنما تتعداه لتشمل كذلك، حرية الجهر بالكفر، والدعوة لأية فكرة حتى لو كانت تتناقض مع العقيدة الإسلامية، أو تخالف الأحكام الشرعية المنبثقة عنها، كالدعوة والدعاية لما حرم الله من ربا وخمر وزنا وحقوق المرأة، ولكل ما من شأنه أن يهدم القيم الإنسانية التي أمر الله بالتمسك بها وصيانتها. ذلك أن محاسبة الحاكم في الإسلام، إنما تكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس بحرية التعبير ذات المفهوم الغربي الكافر.

     صحيح أن الإسلام أباح للمسلم أن يقول برأيه في كل شيء وكل أمر، ولكنه قيّده بأن يكون رأيه هذا منبثقاً عن العقيدة الإسلامية أو مبنياً عليها، وضمن ما أباح الإسلام الخوض فيه، وضمن حدود الشرع. بل إن الإسلام أوجب على المسلم أن يقول برأيه ويحاسب الحاكم إذا ظلم أو قال أو أمر بما يغضب الله سبحانه وتعالى، بل وجعل عمله هذا في مستوى الجهاد في سبيل الله حيث يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله”.

وعلى هذا الأساس فإنه لا يجوز للمسلمين بأن يقبلوا بما يدعو إليه الغرب الكافر من حرية رأي وحرية اعتقاد ونحوها من الحريات الساقطة المنحلة التي تحولت المجتمعات الغربية بفضلها -إن جاز التعبير- إلى مستويات بهيمية يندى لها الجبين، ويربأ المسلم بنفسه الحديث عنها؛ ولذلك فإنه لا يجوز بحال، أخذ هذه المفاهيم الغربية من قبل المسلمين، خصوصاً وأن القصد الأول من أخذها، هو ما يرنو إليه الكفار والدول الكافرة، لهدم كيان الأمة الإسلامية والقضاء على الإسلام. بل يجب على المسلمين أن ينبذوا هذه المفاهيم الغربية نبذاً كلياً، ومنها حرية التعبير، إذ هي كفر، وأفكار كفر، ولا تمت للإسلام بأية صلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *