العدد 264 -

العدد 264- السنة الثالثة والعشرون، محرم 1430هـ، الموافق كانون الثاني 2009م

مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

مقتطفات من كتاب  التيسير  في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

 

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ).

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه العالم في أصول الفقه أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشته حفظه الله:

يبين الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:

  1. بعد أن بيّن الله سبحانه فيما سبق أن الذين أوتوا الكتاب يعرفون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يعرفون أبناءهم، فهو الموصوف عندهم بصفته ونعته وأنه يصلي للقبلتين، ومع ذلك كتموا ما علموه (الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة/آية146 بعد ذلك بيّن الله سبحانه في هذه الآيات عاقبة الذين يكتمون ما أنزل الله من الآيات الواضحة الدالة على أمر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والآيات الهادية إلى وجوب اتّباعه (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّ ذلك مسطور عند أهل الكتاب في كتبهم، أولئك الكاتمون يستحقون اللعنة من الله ومن الذين يَتَأَتّى منهم اللعن على الكاتمين وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين.

وهذا وإن ورد في سياق موضوع الكاتمين من أهل الكتاب، إلا أن اللفظ عام، وبالتالي فهو عامّ في كلّ من يكتم علماً عنده من الله فهو آثم إثماً عظيماً، وكتم العلم حرام حرمة شديدة بقرينة (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) وكما ورد في الحديث: “من كتم علماً ألجمه الله بلجام من النار”[1] للدلالة على العاقبة الوخيمة لأولئك، والتي هي نار جهنم.

ثم إن الله سبحانه لم يستثنِ من ذلك إلا الذين قاموا بأمور ثلاثة: تابوا إلى الله توبة صادقة عن الكتمان، وأصلحوا ما ترتب على كتمانهم للحق من حقوق للناس أو تضليل في أحكام الشرع، ثم بينوا ما كتموه في موضعه بإظهاره على الملأ، ومن ثمّ يتوب الله عليهم فهو سبحانه التواب الرحيم.

  1. وفي الآية التالية يبين الله سبحانه مصير الكفار الذين يموتون على الكفر، فهم في لعنة أبدية من الله والملائكة والناس أجمعين.

وموضوع اللعن في هذه الآية ليس هو نفسه في الآية السابقة، فتلك في الدنيا ولذلك يلعنهم الله والملائكة والمؤمنون «الذين يُعْتَدُّ بلعنهم من الناس». وأما هذه الآية فإن اللعن لهم في الآخرة حيث يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون، أي ليس المؤمنون فحسب يلعنونهم بل كلّ الناس حتى الكفار يلعن بعضهم بعضاً (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) الأعراف/آية38 وهكذا فالآية الأولى تفيد لَعْنَهم أحياء، وهذه تفيد لَعْنَهم أمواتاً.

ويبين الله سبحانه أن أولئك الميتين على الكفر خالدون في جهنم ملعونون أبداً، لا يخفف عنهم العذاب ولا يؤجلون ليعتذروا، بل لا تقبل منهم حجة ولا هم يُمهلون.

  1. بعد أن ذكر الله سبحانه في الآيات السابقة كتمان أهل الكتاب لنبوة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرغم من أنها مسطورة في الكتب المنـزلة عليهم وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأقام الحجة عليهم بثبوت نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بيّن سبحانه في الآية الأخيرة أنه الإله الواحد الأحد المستحق للعبودية والألوهية.

(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) الواو للعطف والجملة معطوفة على (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) عطف القصة على القصة، والجامع في العطف أن الأولى مسوقة لإثبات نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه لإثبات وحدانيته تعالى.

والمعنى أن إلهكم الحق أي الذي يستحق عبادتكم هو واحد في ألوهيته، فتكرار (إِلَهٌ) لإفادة وصف الله سبحانه بوصفين في هذه الآية:

– استحقاق العبادة من إضافة إله إلى ضمير المخاطبين (إِلَهُكُمْ).

– ووحدة الألوهية من ذكر (إِلَهٌ وَاحِدٌ) (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) تأكيد وتقرير لوحدانية الله – جلّ ثناؤه – وذكرها، أي (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) بعد (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) لإزالة ما يتوهم من أن هناك إلهاً غير إلهكم، فأفادت الآية الكريمة أنَّ إلهكم الذي يستحق عبادتكم هو واحد في ألوهيته، وهو الله الذي لا إله في الوجود غيره، وهو ربكم ورب العالمين، وهو سبحانه (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) الذي يعم برحمته في الدنيا المؤمن والكافر، ويخص برحمته في الآخرة المؤمنين.

(الرَّحْمَنُ) فَعْلان من رحم، وهو الذي وسعت رحمته كلّ شيء أي الممتلئ رحمة مثل غضبان من غضب الممتلئ غضباً.

(الرَّحِيمُ) كثير الرحمة، ولكن في الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم؛ لأن في الرحيم زيادة واحدة (من رحم) أي الياء، وفي الرحمن زيادتان أي الألف والنون، والزيادة في المبنى (اللفظ) تدلّ على الزيادة في المعنى.

1 أخرج أبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): “من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار“. ولفظ الحديث في المتن أخرجه ابن ماجه: 261، أحمد: 2/499، 508

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *