العدد 126 -

السنة الحادية عشرة – رجب 1418 – تشرين الثاني 1997م

التقوى هي البِرّ

التقوى هي البِرّ

بسم اللـه الرحمن الرحيم

قـال  الله  تـعـالـى: (… ولـيـسَ  البِرُّ  بأن  تـأتـوا الـبـيـوتَ  مـن  ظُـهـورها  ولـكـنَّ   البِرَّ  مـن  اتّـقـىقا وأتـوا  الـبـيـوتَ  مـن  أبـوبـهـا ج  واتـقـوا  الله   لـعـلـكم   تُــفـْلِــحـون ) [سورة البقرة 189].

جاء في الصحيحين عن البراء – رضي اللـه عنه – قال: كان الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت، فجاء رجل منهم فدخل من قبل بابه، فكأنه عير بذلك. فنزلت (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها…).

الشاهد المهم في الآية ترتيب الكلام. ينتظر الإنسان حين يسمع قوله تعالى: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها، أن تكون تتمة الآية مباشرة: ولكن البر أن تأتوا البيوت من أبوابها. ولكن الخالق يريد أن يعلمنا أن البر ليس اتباع ما يراه الإنسان بعقله بِراً. ولكن البر أولاً وأخيراً هو تقوى اللـه، أي مخافة اللـه وطاعته. هذا هو جوهر الإسلام وحقيقته الخالصة: اختبار الإنسان في طاعة اللـه.

هذا ما يعجز عن فهمه كثير من علماء المسلمين اليوم الذين يحوِّرون هذا الجوهر الناصع للإسلام ليجعلوه متمثلاً في المصلحة والمنفعة محاكاةً للغرب وتأثراً به، مع أن كثيراً من آيات القرآن تؤكد على هذه الحقيقة صراحة واعتباراً. فهذا إبراهيم عليه السلام يؤمر أن يذبح ولده. فيمتثل الأب والابن مطيعين. أين المصلحة في ذلك؟ ليس في ذلك إلا الفساد الظاهر، لكن البر من اتقى وليس من تبع هواه. وحينئذٍ تتجلى المنافع الدنيوية للائتمار بأمر اللـه. بعد أن يسلم المؤمن لأمر اللـه ويمتثل له، تظهر له المنفعة الحقيقة لأمر اللـه كما حصل مع إبراهيم عليه السلام: (وفديناه بذبحٍ عظيمٍ). وقد لا تظهر هذه المنفعة عاجلاً، وقد لا تظهر أبداً، ومع كل ذلك يبقى البر من اتقى.

وكذلك قلْ عن قصة نبي اللـه موسى مع الخضر عليهما السلام التي رويت في سورة الكهف. وحدث عن القوم اليهود الذين احتالوا على شرع اللـه ليصطادوا يوم السبت وقد حرِّم عليهم. أين المنفعة في تحريم الصيد يوم السبت وحيتانهم لا تأتيهم إلا يوم يسبتون.

لا شك أنه ما من موعظة وحكمة تستخلص من هذه الآيات، إلا أن اللـه تعالى مبتلينا بأوامر ونواهٍ قد لا نفهم نفعها لنا، ومع ذلك علينا أن نكون أبراراً بأن نتبع هذه الأوامر ونمتنع عن هذه النواهي ولا نخشى إلا اللـه ولا نلتفت إلا إلى طاعة اللـه ليكون هذا هو محور أعمالنا في هذه الحياة.

هذه القـصـص آيات بينات جليات لمن أراد أن يبحث عن البر الـحـقـيـقـي بـعـيـداً عـن بهارج الغرب وزخارفه.

إذاً ليس تفصيل الحكم مهماً بقدر أصل الـحـكـم الذي يريد اللـه أن يـجـعـلـه في قلب كل مسلم، وهو أن البر من اتقى. ولذلك قدم ذكر هذه الـحـقـيـقة الإيمانية الجوهرية على الإجابة عن المسألة الفرعية.

يجب علينا نحن حملة الدعوة (نسأل اللـه أن نكون من مخلصيهم) أن نفهم هذه الحقيقة ونعيها وعياً تاماً وأن نحشد لها الأدلة والشواهد من كتاب اللـه وسنة رسوله (وما أكثرها) وهي أن اللـه مبتلينا في هذه الدنيا بأوامره ونواهيه. فإما أن نصبر ونطيعه، فيجزينا بما صبرنا جنةً وحريراً، وإما أن نتمرد ونداور كما فعلت يهود للتملص من تبعة هذه الأوامر والنواهي، فيجزينا سلاسلَ وأغلالاً وسعيراً، نعوذ باللـه من ذلك.

نسأل اللـه أن يجعلنا ممن يفهمون البر ويتبعونه ويحرصون عليه، وأن يجعلنا ممن يتقون اللـه ويراقبونه في أعمالهم صغيرها وكبيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *