العدد 132 -

السنة الثانية عشرة – محرم 1418هـ – أيار 1998م

إعجاز القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

إعجاز القرآن

قال الله تعالى: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء:88].

وقال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [يونس:38].

وقال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) [هود:13].

وقال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:23].

تَحدِّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للمشركين بالقرآن لم يكن من أول بعثته، بل في وقت متأخر. سورة الإسراء نزلت في حوالي السنة العاشرة من البعثة النبوية، وفيها جاء التحدي الأول، كما هو نص الآية رقم 88 الواردة أعلاه. ثم جاء التحدي بعشر سور، وجاء بسورة واحدة. كل ذلك حصل في مكة قُبيل الهجرة إلى المدينة. ثم جاء التحدي بسورة واحدة كما في سورة البقرة التي هي أول سورة نزلت بعد الهجرة إلى المدينة.

لقد تحداهم صلى الله عليه وسلم أن يأتوا بمثل سورة، وهذا ينطبق على أية سورة ولو كانت أقصر سورة. وقد عجزوا فعلاً عن الإتيان بمثل سورة من سور القرآن. والدليل على عجزهم هو أنهم كانوا في أشد الحاجة للإتيان بمثله أو مثل سورة منه كي يحموا آلهتهم ومعتقداتهم. ولكنهم بدل ذلك لجأوا إلى وسائل المنع والقمع والتعذيب. والدليل الأوضح أيضاً على عجزهم وإحساسهم وإقرارهم بهذا العجز هو أنهم أسلموا في نهاية الأمر وحَسُن إسلامهم، واستماتوا في نصرة الدين والجهاد في سبيل نشره. ولو كان في نفوسهم أدنى ريب لما أسلموا، ولو افترض أحد أنهم أسلموا خوفاً أو طمعاً لما كان حسن إسلامهم.

هذا التحدي قائم إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها. والعرب في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الجنّ يتفوّقون على الإنس في البلاغة والفصاحة، فجاء التحدي يقول لهم: استعينوا بمن شئتم من إنس أو جن. وأكّد لهم أنهم عاجزون وقت التحدي وسيستمر هذا العجز إلى أبد الآبدين، إذ قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) وهذه معجزة من نوع آخر، وهي أنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن المستقبل بكل ثقة، وكان هذا الخبر صادقاً ويقينياً على مر العصور.

هذا الإعجاز في القرآن هو لأمر ذاتي في القرآن نفسه: في فصاحته وبلاغته وارتفاعه إلى درجة مدهشة من الوضوح والقوة والجمال.

وقد أخطأ بعض المفسرين، مثل الرازي، حين نسبوا عجز البشر إلى أمر خارج عن القرآن سَمَّوْه (الصَّـرْفة) أي أن هناك صارفاً من الله صرفهم عن  معارضة القرآن ومحاولة الإتيان بمثل سورة منه، مع شدة حاجتهم إلى ذلك.

ويَرِدُ سؤال هنا: ما هو القَدْر المعجز من القرآن؟ والجواب هو أن القرآن نفسه نصّ على التحدي بسورة. وجاءت اجتهادات الأئمة لتقيس ما كان من القرآن في حجم سورة فهو معجز. فقال الزمخشري في الكشاف عند تفسير الآية (23) من سورة البقرة: “والسورة: الطائفة من القرآن المترجمة (أي المسماة مثل الفاتحة والإخلاص) التي أقلها ثلاث آيات”. فهو  يعتبر أن القدر المعجز هو مقدار سورة مؤلفة من ثلاث آيات. أما الباقلاني فيأخذ بقول أبي الحسن الأشعري: “إن أقل ما يُعْجز عنه من القرآن السورة قصيرة كانت أو طويلة أو ما كان بقدرها. قال فإذا كانت الآية بقدر حروف سورة وإن كانت سورة الكوثر كذلك معجز”.

أما الجويني فإنه اعتبر في الإرشاد أن شطر آية قد يكون معجزاً.

والحق أنه متى وقع الخلاف والاجتهاد في المسألة فإنها تنزل عن مرتبة اليقين. والإعجاز لا بد أن يكون يقيناً وليس موضع خلاف. فالقدر المتيقن منه هو السورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *