العدد 254 -

العدد 254- السنة الثانية والعشرون، ربيع الأول 1429هـ، الموافق آذار 2008م

مع القرآن الكريم: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين

مع القرآن الكريم:

محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين

 

قال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا، مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب 39-40].

ذكر ابن كثير في، رحمه الله، في تفسيره:

يمدح تبارك وتعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ) أي إلى خلقه، ويؤدونها بأمانة و(وَيَخْشَوْنَهُ) أي يخافونه ولا يخافون أحداً سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد من إبلاغ رسالات الله تعالى (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) أي وكفى بالله ناصراً ومعيناً؛ وسيد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام، محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب إلى جميع أنواع بني آدم، وأظهر الله تعالى كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع، فإنه قد كان النبي قبله إنما يبعث إلى قومه خاصة، وأما هو (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف 158]، ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه، رضي الله عنهم، بلغوا عنهم كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسره وعلانيته، فرضي الله عنهم وأرضاهم. ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون، فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم.

وقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ)، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد له القاسم والطيب والطاهر من خديجة (رضي الله عنها) فماتوا صغاراً. وولد له إبراهيم من مارية القبطية فمات أيضاً رضيعاً، وكان له من خديجة أربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، رضي الله عنهن أجمعين، فمات في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث، وتأخرت فاطمة (رضي الله عنها) حتى أصيبت به (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ماتت بعده لستة أشهر. وقوله تعالى: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) كقوله عز وجل: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام 124]، فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، فإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس ذلك، وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). روى الإمام أحمد عن أبي بن كعب (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وتركها فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة! فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة… وروى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً طهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون»… فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *