العدد 146 -

السنة الثالثة عشرة – ربيع الأول 1420 هـ – تموز 1999م

مَوْلِدُ النُور

تحل علينا في شهر ربيع الأول ذكرى ولادة سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم، وبهذه المناسبة، أوقفنا سياق   السيرة النبوية الشريفة، في هذا العدد لنذكّر بمولد خاتم الأنبياء والمرسلين. يقول تعالى:   (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير  ) ، ويقول جلّ وعلا: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «… فأخرجت من بين أبوي، فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح: من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نسباً، وخيركم أباً» رواه البيهقي في الدلائل عن أنس. ويقول المصطفى   صلى الله عليه وسلم: «… أنا أكرم ولد آدم على ربي» ويقول عليه الصلاة والسلام: «أنا دعوة أبي إبراهيم». فالرسول   صلى الله عليه وسلم، اصطفاه ربه خياراً من خيار، فجده لأبيه عبد المطلب سيد قريش، وجدّه لأمه وهب بن عبد مناف بن       زهرة، سيد بني زهرة نسباً وشرفاً، وأمه آمنة بنت وهب، «وهي يومئذٍ أفضل امرأة في قريش      نسباً وموضعاً» كما يروي ابن إسحاق. فهذه هي العائلة التي ولد فيها رسول الله   صلى الله عليه وسلم. وكان صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، وكان يقول عليه السلام: «أنا أعربكم، أنا من قريش، ولساني لسان بني سعد           بن بكر» إشارة إلى مرضعته حليمة السعدية، وكان  صلى الله عليه وسلم يقول: «أوتيت جوامع الكلم». فهذا أيضاً  سر بلاغته وفصاحته. ثم لم يكن له صلى الله عليه وسلم حظ من قليل أو كثير مما كان ينعم به شبان مكة قبل البعثة، فكان مطهراً من الدنس، وكان مشهوداً له بالصدق والأمانة، فسمّي الصادق الأمين. وحبَّب الله إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده، وكان   صلى الله عليه وسلم يعتكف في غار حراء من كل سنة شهراً، حيث يطلّ على الكعبة، وحين يقضي اعتكافه، كان يطوف بالكعبة قبل أن يرجع إلى بيته. قال ابن إسحاق: «حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته. من السنة  التي بعثه الله تعالى فيها، وذلك الشهر شهر رمضان، خرج رسول الله   صلى الله عليه وسلم إلى حراء…، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله  تعالى» فكانت البعثة وكانت الرسالة الخاتمة.

مَوْلِدُ النُور

الفجرُ أقبلَ بعدَ طُولِ ليالِ
أمُ القرى شَهِدَتْ ولادةَ أحمدٍ
وملائكُ الرحمنِ حولَ نبيِّهِ
والكـونُ صــاحَ مـهـنِّـئـاً ومردِّداً:
«بشراكِ آمنةُ، الوجودُ سيهتدي
«بشراكِ يا دنيا، خيول محمّدٍ
الفيلُ والجيشُ العظيم تَبَدَّدَا
صنمٌ لِمَوْلِدِهِ أُزيلَ، وفي غدٍ
مِن ظُلمةِ الغارِ انتزَعْتَ مشاعلاً
كُنْتَ اليتيمَ فعزَّ أيتامُ الورى
كنتَ الفقيرَ فجئْتَ تَمْسَحُ دَمْعَهُ
دستورُ حقٍّ فوقَ كلَّ ضلالةٍ
الفجرُ أقبلَ والشموسُ تلألأتْ

واليومَ تَهْتِفُ بي جراحي في أسىً:
«قد مُزِّقَ المَجْدُ الذي أَطْرَبْتَنَا
«ظُلْمٌ على ظُلْمٍ ودربٌ مُوحِشٌ
«تَتناثرُ الألغامُ في أوساطِه
«أين المسيرُ، ومِنْ دمي مستنقعٌ؟

ماذا أقولُ وجُرحُ أندلسٍ معي
ماذا أقولُ وتعتريني حرقةٌ
ماذا أقولُ، نساءُ بُسْنَةَ مُرِّغَتْ
كِشْميُر يا بغدادُ مثلَكِ تشتكي
جَسدي يئنُّ، تقطّعَتْ أشلاؤُهُ
«أواهُ». هلْ «أواهُ» تشفي كُرْبتي؟
هلْ تُوقِظُ الأحياءَ في أجسادِهم
والزاحفينَ إلى العدوِّ تفاوُضاً

مالُ اليتيمِ على موائِدِ سارقٍ
مالُ الفقيرِ ضرائبٌ موفورةٌ
يا سيّدَ الذكرى وهذي حالنا
ونُنَمِّقُ الخُطَبَ البليغةَ شَهْوَةً
أصنامُ «إبليسَ» التي حطّمْتَهَا
عادتْ بثوبٍ عسكريٍ مَرّةً
عادَتْ بمنْ جَعلوا هواهُم شِرْعةً
عادَتْ بمنْ جَعلوا الفتاوى سلعةً

أَستوقِفُ الذكرى لتَبْعَثَ نُورَها
وتُعيدَ في الأذهانِ صَوْتَ مُحمَّدٍ
وتُعيدَ منْ بدرٍ صدى أبطالِها
يا فَتْحَ مكَّةَ لنْ تَظَلَّ روايةً
سنعودُ جُنْدَ عقيدةٍ وضّاءةٍ
سنعودُ نَحْكُمُ بالكتابِ ونعتلي
سنعودُ راياتٍ تُعانِقُ مُصْحَفي
سنعودُ زحفاً تحت ظلِّ خلافةٍ
سنعودُ فَلْتَصْحُ النفوسُ لِدِينها
الفجرُ عادَ وليسَ فجراً كاذباً
الفجرُ عادَ فأبشِرِي يا أُمَّتي

 

ودَنا أوانُ تحطُّمِ الأغلالِ
في ظِلِّ كعبةِ رَبِّهِ المُتعالي
حَفُّوهُ بالبَرَكاتِ والإِجْلالِ
«بشراكِ مكّةُ بالوليدِ الغالي»
منْ ثَغْرِهِ ويفُكُّ قَيْدَ ضَلالِ»
ستدكُّ سورَ حقيقةٍ وخيالِ»
وفُلولُ أبرهةٍ كعَصْفٍ بالِ
يَسري على الباقي قرارُ زَوالِ
للسالِكيَن على مَدى الأجيالِ
بشريعةٍ عَزَّتْ عن الأمثالِ
وُتعيدُ بهجَتَهُ بِدينِ كمالِ
وعقيدةٌ هيَ فوقَ كُلِّ مقالِ
نوراً تَنَاثَرَ في الفضاءِ العالي.

طُوِيَ الزمانُ ولاتَ حِينَ مَنالِ»
بِخِصالهِ وغدا طريحَ رِمالِ.»
قدْ حُفَّ بالأشواكِ والأوحالِ»
تعوي الذئابُ، وجوفُ كلٍّ خالِ»
أينَ المسيرُ؟ ألا تُجيبُ سؤالي؟»

وتَصُبُّ فوقَ الجُرحِ سُوْدُ نِصالِ
قدْ أضرَمَتْها القُدْسُ في أوصالي
أعراضُهُنَّ وعُدْنَ بالأحمالِ
فَتَكوا بكوسوفا، فأينَ التالي؟
والدمعُ أزجُرُهُ وليسَ يُبالي
هلْ تُنقِذُ القتلى منَ الآجالِ؟
والنائميَن على فراشِ الوالي؟
والهانئينَ بلَذَّةِ الإذلالِ؟

أَمِنَ العواقِبَ في ضحىً وليالِ
ولِمَنْ ستُرْفَعُ يا جباةَ المالِ؟
نَقْتَاتُ بالأشعارِ والأزجالِ
ونقولُ: «نَصْرُ اللهِ في إقبالِ»
عادَتْ ولكنْ في دماءِ رجالِ
وثيابِ ناطورٍ بلا عِرْزَال*
في مجلسِ التمثيلِ والتمثالِ
تُعطى لقاءَ الجاهِ والأموالِ!

فتفجِّرَ الإيمانَ في الأبطالِ
عَزْماً يلوحُ ببارِقِ الآمالِ
صوتٌ لحمزةَ، غضبةٌ لبلالِ
تُحكى قُبَيلَ النومِ للأطفالِ
تسمو بكونٍٍ ضَجَّ بالأثقالِ
قِمَمُ الدُنى، بِئْسَتْ سفوحُ جبالِ
وسيوفَ حقٍٍ تهتدي بهلالِ
في فَتْحِ غَرْبٍ كافرٍ وشَمالِ
ولتَمْضِ قافلةُ الهدى في الحالِ
لا … لنْ تَضِنَّ الشمسُ بالإعجالِ.
هذا أوانُ تَحَطُّمِ الأغلالِ.

أيمن القادري

              *الناطور بلا العرزال كناية عن الحاكم وولاة الأمور عامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *