العدد 146 -

السنة الثالثة عشرة – ربيع الأول 1420 هـ – تموز 1999م

بمناسبة مؤتمر: « أولويات الدعوة الإسلامية في لبنان »

بقلم: محمود عبد الكريم حسن

تاريخ 6/6/1999 عقد في كلية الدعوة الإسلامية في بيروت مؤتمر تحت عنوان «أولويات الدعوة الإسلامية في لبنان» ألقيت فيه بعض الكلمات وحصلت فيها بعض التعقيبات القصيرة من أحد الحاضرين. وفيما يلي مقال يتناول بعض ما ألقي من كلمات، وهو ليس تفصيلاً لكل مجريات المؤتمر ولا تعليقاً عليها، وإنما هو تعليق على بعض الأفكار أو الطروحات في أيامنا هذه، وقد رشحت في هذا المؤتمر.

كيف يتوقع أن ينتصر من كان شريكاً لعدوِّه على نفسه؟

    كيف ننهض بأمتنا مما هي فيه من تردٍّ فكري وتخلف مدني وخضوع سياسي وثقافي وعسكري واقتصادي للعدو الكافر، ونحن نجترُّ مفاهيم اليأس والهزيمة، ونحاول إقناع الأمة بأن عليها أن تستسلم، وأن الاستسلام أهون من الهلاك؟

    نعم، إن بعض من يسمى (دعاة) وللأسف يفعلون هذا دَرَوْا أم لم يدروا!

    وقبل أن أتابع، وكي لا يقع القارئ فريسة اليأس، أقول: إن هذا حال بعض من يُسَمّى (دعاة) وليس حال الدعاة أو كلهم، وهو ليس حال الأمة. ولذلك فهذا الخطاب هو أساساً لهؤلاء وأمثالهم.       والدين النصيحة. (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).

    من البدهيات أن الكافر المستعمر قد هدم الخلافة ومزّق البلاد، وجعل فيها وطنيات وقوميات، وألقم عملاءه قضايا ومعالجات لا تمت إلى الإسلام بصلة.

    وعندما نجد من (الدعاة) من يصر على أن الدعوة الإسلامية في لبنان غيرها في سوريا أو أفغانستان، بل ويذهب إلى القول حرفياً: هناك تَدَيُّن لبناني وتدين سوري وتدين أفغاني … ثم يدعو إلى التركيز على هذه التقسيمات ويدعو صراحة إلى التفريق بين المناهج، مناهج الدعوة في كل بلد، أفلا  يدرك هذا الأخ أنه يكرِّس ويحاول أن يضفي الشرعية على ما فعله الكافر بأمتنا وببلادنا!

    وإذا تنبَّه الأخ إلى أن الأمة تعيش صحوة إسلامية، وتعيش أيضاً كوارث تذكرها بالله وتعيدها  إلى دينها، وتنبه المسلمين إلى أن كل ما يحل بهم في كل مكان: من فلسطين إلى لبنان إلى العراق وأفغانستان والبوسنة وكوسوفا وغيرها ـ والحبل على الجرار إن لم يتغير الحال ـ تنبهِّهم إلى أن ما  يحل بهم إنما هو لأنهم مسلمون، على اختلاف أعراقهم وجنسياتهم، أفلا يدرك بعد ذلك أَثَرَ عَمَلِه في  خدمة الكافر الحريص على تمزيق الأمة وإضعافها وإيجاد الفرقة بينها. وبدل أن يغرس أفكار وحدة      الأمة ونبذ الأفكار والمفاهيم والسياسات الغربية، فإنه يقنع الأمة بقبول حال الانكسار والانهزام الذي آل الأمر إليه.

    إذا كانت الدعوة إسلامية، فالمسلَّم به أن مصدرها الإسلام، والإسلام هو الإسلام في كل مكان، وإذا اختلفت المشكلة يتغير حكمها سواء في لبنان أو في غيره وإذا كانت المشكلة واحدة فالحكم واحد والدعوة واحدة. وإذا كان هذا الداعية وأصحابه يتذرعون باختلاف الوقائع والمشاكل في كل بلد، فإن       هذه المشاكل تتعدد وتختلف داخل البلد الواحد وبين مدينة ومدينة وقرية وقرية، فهل سيحدثنا الأخ      الداعية حينئذٍ عن تديُّن طرابلسي وتدين بيروتي وآخر صيداوي، وربما عن تدين خاص بالمخيمات الفلسطينية وآخر للمدن وغيره للقرى. ربما يقول الأخ الداعية إنه لم يقصد هذا الذي يقال. ونكرر له  ولهم القول: قل ما تقصد، ولا تقل ما لا تقصد. ولا تتعلل بأنك تعتمد على فهم الحاضرين.

    وهل تكون الدعوة الإسلامية إلا إلى الإسلام؟ إلى الالتزام به وتطبيقه؟ قال تعالى : (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) ، وقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )@. ونعلم أن الإخوة يعرفون هذه الآيات ولذلك نسألهم: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )@.

إن الإسلام غير مُطّبَّق في لبنان ولا في غيره، والكفر مطبق و(مُشَرْعَن) في لبنان وفي غيره، والأنظمة والقوى تحمي الكفر وتروج له، وتحاول الإجهاز على ما بقي من الإسلام، والمسلمون مضطهدون ويُذبحون بلا ثمن، ووسائل الإعلام والتعليم وصناعة العقليات والنفسيات تمعن في الفسق والكفر وفي الفحش والفجور. فما هي الأولوية في الدعوة الإسلامية وكيف توزن الأمور؟

هل يضع الداعية مصلحته الشخصية أو الحركية نصب عينيه، أو يضع غايته ورؤيته أساساً ثم يستنبط منها أولوياته وأحكامه الشرعية. ويسمي ذلك اجتهاداً ونظراً ثاقباً ورأياً حصيفاً!

قال الأخ (الداعية) غفر الله لنا وله وهدانا وإياه سواء السبيل قال: إن من أولويات الدعوة في لبنان: أيَّ فهم للإسلام نتبنى في لبنان، هل الفهم الذي يدفعنا إلى أن ننعزل، أو الفهم الذي يدفعنا إلى أن  نتصادم، أو الفهم الذي يدفعنا إلى أن نذوب …؟

وكأنه لا يوجد أحكام شرعية تعالج الوقائع والمشاكل. وكأن فهم الإسلام لا يستند إلى مصادر      شرعية تلزم المسلمين جميعاً بأخذها والتسليم بها. ولكن نحن نقرر بحصافتنا وفهمنا للواقع الغاية التي نريدها، ثم نكيِّف الشرع كما نريد، أو ننتقي منه من الآراء ما يناسب غايتنا. وإن لم نجد ما ننتقيه، فلا حرج فإن فقه الواقع وفقه الموازنات كفيل بحل الأزمة!

   إن مثل هذا الفهم كافٍ أيها الأخ الفاضل ليبين المراد بالتدين اللبناني والتدين السوري وذاك    الأفغاني، ولا نحتاج بعدئذٍ إلى توضيحات ماذا قصدتَ وماذا لم تقصد. نحن إذاً ـ حسب طرحك ـ      نحدد غايتنا ثم نصنع لأنفسنا ديناً على الطلب، ولا عليكم أيها المسلمون من (المتحجرين الجامدين)،      الذين يحجرون الواسع ويميلون بكم إلى الحرج!

    نحن سنصنع التدين إذاً على مقاسنا وعلى هوانا، وإذا كان التدين متعدداً فالدين متعدد، ومصدره الواقع، ووسِّعوا على أنفسكم أيها المسلمون، والنص ليس مشكلة ولا عقدة، فثمة ما يسمى بالتأصيل  الفقهي الذي تنزاح معه النصوص بالجملة، وما لا ينزاح نقيده أو نخصصه. لقد ذكَّرنا بعض الإخوة (الدعاة) بالذي قال: عليكم الفتوى وعليَّ الدليل!

    والذين يذودون عن حياض النصوص وعن الشريعة وأحكامها، هؤلاء بنظر مبتدعة الفقه العصري ومحرفي الدين، لا يفقهون الواقع ولا علم لهم بالموازنات.

    وصدق الله العظيم حيث قال: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله).

    أصحاب هذا الفهم مَدعُوُّون وبلا تردد أن يعيدوا النظر بطروحاتهم وأن يطرحوها. وهم عندهم إيمان ويحبون الإسلام، فليكونوا عوناً لأمتهم على الشيطان ولا يكونوا عوناً للشيطان على أنفسهم وعلى الأمة. فإن مناقضة النصوص وعدم اتخاذ القرآن والسنة مصدراً، وجعلَ الواقع هو مصدر التشريع       ليس من منهج الإسلام. وهو ليس اجتهاداً يعذرون فيه، ولا يبرئ الذمة دعوى أن فلاناً عالم وقد أفتى بهذا. ونحب لهم أن يكونوا في صف الدعوة إلى الله، لا أن يكونوا في صف أعداء الإسلام. وندعوهم     كما ندعو أنفسنا إلى تدبر قوله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً @ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً )@.

    نعم، إن المنكرات بالمئات وبالآلاف، وهل يمكن أن تحل أي من هذه القضايا بما لا يرضي السلطة أو يروق لها.

    ما معنى إلغاء التعليم الديني إن كان هناك تعليم ديني أصلاً.

    ما معنى أن تناضلَ وتكافحَ لإيجاد حكم شرعي، وتؤيد وتركز الدولةَ، التي تقوم بهدم مائة بل مئات الأحكام الشرعية. ثم تعود على ما بنيت فتقتلعه من جذوره!

    ما معنى أن تناضل ضد الزواج المدني، وتهادن وتؤيد دولة تغير كل برامج التعليم لتبني عقليات المسلمين بناءً علمانياً، يهدم القيمة الروحية ويشجع القيمة المادية ويشجع الرذيلة والفساد، وتخطط لتجعل المسلمين بأنفسهم يوافقون على الزواج المدني وعلى ما هو أسوأ!

أي وطنية هذه التي ينادي بها (دعاة) تجعل المسلم كالكافر، وتجعله يقر بحكم الكافر له وتدعوه للخضوع والتسليم بقوانين الكفر والطاغوت، وترسّخ أن التدين تخلف! كيف ستثمر دعوة إلى الجهاد  وكيف سيتحقق الجهاد، بينما الدولة وكل الدول تعلن عن الخيار الأوحد وهو السلام (الاستسلام)،  وتستثمر طاقات وجهود وتضحيات المسلمين لأجل مخططاتها وغاياتها.

    كيف سنحارب الفساد ونزيله من على منابر مُراقَبة، وبوسائل إعلام فقيرة، في ظل أنظمة      تشجع الفساد وتحميه بقانونها، وتحارب الدعاة، وتجتاح بثقافة الكفر وبحضارة فصل الدين عن الحياة والتحلل من الكرامة والفضيلة والطهر، تجتاح البيوت والعقول! كيف نستطيع أن نحدد أولويات إسلامية  إذا كنّا نتخذ قانون الدولة ومحاذيرها خطاً أحمر!

    كيف نسمي ذلك أولويات إسلامية ودعوة إسلامية، ونحن نبتغي رضا السلطة الظالمة بشتى المبررات، وأما رضا الله وغضبه فنختلق له فقهاً جديداً وموازنات مصلحية نفعية!

    إن أولوية العمل الإسلامي هي إزالة العقبات التي تمنع الدعوة أو تحرفها أو تخدعها. إن       أولوية العمل الإسلامي هي إيجاد السلطة التي تحمي الإسلام ودعوته وتحظر الكفر وتحبط مشاريعه.

    إن أولوية العمل الإسلامي هي الدعوة إلى الخلافة وإلى ما يوجدها.

    إن الدعوة إلى كافة الأحكام وإلى رعاية المسلمين ومصالحهم وإلى أعمال البر ليست بديلاً عن الدعوة إلى الخلافة. وإنما يدعى إليها وتربط بالخلافة، والخطأ الكبير بل الجريمة الكبرى والخدمة      الجليلة لأعداء الأمة هي أن نقول: إن الخلافة أمر كبير فلندعه الآن جانباً. مع علمنا ولمسنا أن كل هذه الأعمال وآلاف الأحكام لا تتحقق ولا تستمر إلا بالخلافة، بسلطان للمسلمين يحميهم ويحمي دينهم. فالإسلام أُس والسلطان حارس وما لا أُسَّ له فمهدوم وما لا حارس له فضائع. وإن الله ليزع بالسلطان       ما لا يزع بالقرآن.

    وإنه لمن المؤسف أن نضطر إلى تذكير (دعاة) بما أدركته ولمسته عوام الأمة. ومن المؤسف أكثر أن يقول (دعاة) بلسان حالهم: هذا أمر كبير وبعيد لا نستطيعه. وهل إذا كنتَ لا تستطيع الآن أمراً فرضه الله، تضعه جانباً، وتكتفي بقولك إنك تحبه وتحب تحقيقه، بينما في حقيقة واقعك تجهد في مكافحته.

    هاك بعضاً من فعل النبي القدوة صلى الله عليه وسلم لنتعلم كيف نفعل حيال واجب لا نستطيعه في الحال.

    عندما دعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإسلام، وواجهه وعذبه قومه، وآذوا أصحابه،       وسدت السبل في وجهه، لم يغير شيئاً من دعوته، ولكنه أصر وصبر وخاطبهم قائلاً: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون )@ وثبت وثبَّتَ صحابته الكرام، وأمرهم بالهجرة إلى الحبشة كي لا يفتنوا، وتعرض للمقاطعة والجوع والتعذيب وغير ذلك، وخِطَّةُ ومحاولةُ قتله   صلى الله عليه وسلم كانت بُعيْد هجرته إلى المدينة، ولم يغير ولم يبدل. وإن كان أَتى في هذا الواقع بجديد فاذكروه لنا وخذوا منه، فإن      ما يأتي  به النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرع. ولكن طرحكم أيها الإخوة يقوم على قبول الفتنة، والتنازل عن كثير من الأحكام، وتجاهل النصوص ومناقضتها بمبررات الواقع أو المرحلة أو غير ذلك من الترّهات … وذلك بَدَل الصبر والتحمل والإسفار بالحق.

    أنتم يا أصحاب هذا المنهج تقبلون تحريف كثير من أحكام الشرع بتبريرات ليس لها أي أصل شرعي، بل تناقضون الأصول، فتعممون حيث لا تعميم، وتخصصون بغير مخصص، تحتجون بمصالح المسلمين، وبأن لا نترك الأمر كله للكفار، إلى ما هنالك من الحجج الواهية، لا يُعرفُ لكم، ولا تعرفون لأنفسكم، ضابطاً ولا حداً، إذ قد تَروَّضتم وتهيأتم للانفلات من النصوص. وتدخلون مع الكافرين في طروحات واتفاقات وموالاة تعينهم على الأمة وعليكم، ولن تحصلوا منهم على ود أو رضا حتى       تخرجوا من دينكم. قال تعالى: (إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة) وقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

وأنتم ـ أيها الإخوة ـ تتعامَوْن عن نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وينطبق عليكم قوله  تعالى، بل وكأنه نازل فيكم ولكم: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين @ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتيَ بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على  ما أسروا في أنفسهم نادمين )@.

    إنكم ـ أيها الإخوة ـ تريدون الوجود السهل والوصول إلى مراكز تتوهمون وتدَّعون أنكم من خلالها يمكنكم تطبيق بعض أحكام الإسلام، وتحقيق مصالح للمسلمين، لكنكم لا تحافظون على مثل هذا الوجود إلا بأقوال وأعمال ومواقف مخالفة للإسلام تبررونها بالمصالح، وتستجيرون من بعض أذى      الدنيا بنار جهنم وبغضب الله. ولا يحصِّل صاحب هذا المنهج في ظل سلطة الكفر أي مكسب أو حظ لنفسه أو حركته، إلا بمقدار ما يتنازل عن الإسلام وما يتبنى من أفكار ومفاهيم محرمة. ومن يفعل هذا  إن كان قدوةً ومثالاً فإنه مَثَلٌ سيئ للناس يعلمهم النفاق.

    وما معنى أن يصل رجل أو حركة إلى مركز أو إلى القمة بعد أن يترك مبدأه ويلقي عن عاتقه حمل دعوة يراها ثقيلة تمنعه من السير والصعود. أليست هذه وصولية وميكيافيلية واضحة!

    إن المطلوب أيها الإخوة هو وصول الإسلام وليس وصول رجال بغير إسلام.

    إن المطلوب، أيها الإخوة، هو وصول الإسلام بعقيدته وشريعته، وليس وصول جُبَب أو عمائم.

    إن المطلوب، أيها الإخوة، هو وصول وتطبيق حقيقي للإسلام، وليس وصولاً شكلياً وتطبيقاً نخادع به الجمهور ونتكاذب به فيما بيننا.

    لقد عُرِضَ المُلك على النبي صلى الله عليه وسلم فرفضه، لماذا؟ لأن المعروض كان بشرط ترك الدعوة وعدم تطبيق الإسلام. فالمطلوب وصول وتطبيق الإسلام ليس إلا. أليس في هذا الأمر ما يدعو إلى التدبر؟

    إنكم تعلمون أنكم تطبقون حرفياً مقولة: (الغاية تبرر الواسطة). فلماذا تدفنون رؤوسكم في التراب؟

إن الأمة أمتنا والبلاد بلادنا والجيوش جيوشنا والإمكانيات إمكانياتنا والأموال أموالنا، اغتصبها الكافر المستعمر ووظف عليها هؤلاء النواطير. فبدلاً من أن نعينهم على تجهيلنا وعلى القضاء على ديننا وعلينا، يجب أن ندعو الأمة إلى نبذهم ونزع ثقتها منهم وممن يؤيدهم، وأن نشحنها لتؤمن بتغييرهم، ولأن تعطي ثقتها وقيادها لمن يعمل لتحرير البلاد والعباد من كفرهم ورجسهم، ولتوحيد الأمة في دولة إسلامية واحدة تطرد الكفر وتطبق الإسلام وتحمله إلى العالم. هذه هي القضية وهذه هي الأولويات في الإسلام ولكل مسلم. وإن كنا لا نستطيع هذا الأمر في ساعة أو سنة فلنعمل له ولنجهّز له ما يلزم من إمكانيات. وإذا كان عدونا قوياً فأمتنا قوية وإمكانياتها هائلة، وعلينا كدعاة أن نوعيها على ما لديها وما عليها، لا أن نكرس تقسيمها وإضعافها وإقناعها بالعجز والاستسلام، فهذا أمر لا يفعله إلا اليائسون. والنبيصلى الله عليه وسلم لم يحقق الأمر في ساعة أو سنة، ولكنه لم يتخلَّ عن غايته ولم يبدل ولم يركن إلى الظالمين عندما سدَّت السبل في وجهه، وإنما لجأ إلى الله يستمد منه العفو والرضا وليس إلى زعماء الكفر. ولقد كان بصعوبة موقفه أولى من هؤلاء المستوزرين بالركون ولكنه لم يفعل. وبين لنا الله حرمة وجريمة      هذا الركون، قال تعالى: (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً @ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً @ إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً). ونحن مأمورون بالنهج نفسه وبالأمر نفسه. قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) وقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )@. وقال جل من قائل: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون )@. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين».

    إن الخلافة هي القضية المصيرية للأمة الإسلامية جمعاء ولا عبرة بالمكان، وأولويات الدعوة الإسلامية هي كل عمل يصب في هذه الغاية صباً حقيقياً. والأعمال والمواقف التي حرمها الله لا يصح  أن تتخذ، ولا أن يزعم أنها إنما يراد بها إيجاد الخلافة أو تطبيق الإسلام أو تحقيق المصالح. ولا خلاف عند القائلين بالمصالح والمفاسد أن ما حرمه الله فهو مفسدة، وإن رأى أحد أنه مصلحة فهو مصلحة      ملغاة شرعاً أي هو مفسدة.

    وليس لأحد أن يترخص حيث لا رخصة شرعية. (تلك حدود الله فلا تعتدوها) (والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، ولا عبرة بحصافة فلان أو موازنات علاّن. وحيثما يكون الشرع فثمة المصلحة.

    فعودوا إلى كتابكم وسنة نبيكم، أيها الإخوة، وانفضوا عنكم اليأس وآثاره، فالله أكبر وأقوى، وانصروا الله على الشيطان وأوليائه، ولا تنصروا الشيطان على أنفسكم وأمتكم، فإن تنصروا الله      ينصركم ويثبت أقدامكم، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض، ولا       تسارعوا في الكافرين والظالمين طمعاً بما يعدكم الشيطان ويمنّيكم، وخشية دائرة يوهمكم أنها تصيبكم، (إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين @ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم )   @.

    وتذكروا أيها الإخوة أن الرأي الشرعي والاجتهاد الصحيح لا بد أن يستند إلى نصوص      الشريعة ومصادرها، وأن يكون مما تحتمله النصوص وأن لا يعارضها، ولا يكفي أن يصدر القول عن عالم حتى يكون شرعياً. ولا نشترط أن يكون الرأي موافقاً لرأي معين أو منسجماً معه حتى يكون   شرعياً. ولكن لا بد أن يكون مما تحتمله النصوص الشرعية، وأن يغلب على ظن المجتهد أو الباحث الفقيه الورع، ولو كان مرجوحاً عند غيره ولذلك فإن أهواء بعض الباحثين أو (الدعاة) لن تُحمَّل      للشريعة وإن زعم أصحابها أنها اجتهاد شرعي. وليس لها صفة شرعية ما لم يكن لها دليل شرعي.

وكذلك يقال في زعم التأصيل الشرعي، فالأحكام الشرعية لا تفصّل على قياس أحد وإن كان من الدعاة. فطريقة معرفة الحكم وأخذه هي بدلالة الأدلة وقوتها. والأدلة هي القرآن والسنة وما  يرشدان إليه، وليس نظريات العلوم الإنسانية والاجتماعية، ولا توجيهات أو مقررات المنظمات والمؤتمرات الدولية، أو الحكام وأضرابهم. وليس من طريقة الإسلام أن يقرر الحكم سلفاً ثم نبحث له      عن دليل يخدمنا فنطبق حكماً في غير موضعه، أو نخصص حكماً بغير مخصص شرعي، ونتجاهل  بعض النصوص، أو نعبث بها تحميلاً وتأويلاً، ونزعم أن هذا اجتهاد شرعي وتأصيل فقهي.

وإنه لأخطر على الإسلام والمسلمين أن يُدعى إلى المنكرات وإلى ترويج المحرمات باسم  الإسلام وأن يقوم بذلك أبناء المسلمين أنفسهم من أن يقوم بذلك الكفار وأذنابهم من العلمانيين وغيرهم من المجاهرين بالكفر أو بقلة الدين.

    ولذلك فلا بد من محاربة تحريف الدين حرباً لا هوادة فيها.

          (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )@ صدق الله العظيم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *