العدد 250 -

العدد 250- السنة الثانية والعشرون، ذو القعدة 1428هـ، كانون الأول 2007م

مع القرآن الكريم: علاقة العبودية بالحاكمية (2)

مع القرآن الكريم

علاقة العبودية بالحاكمية (2)

 

إننا نرى بين العبودية والحاكمية في آيات القرآن أواصر من القربى، ووشائج من الشبه، واقترانهما في الذكر كثيراً يعطي هذا الانطباع، ومن ذلك ما يلي:

أولاً: بالعبودية والحاكمية يتحقق التوحيد ويقوم الدين:

قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 40] يعني: «ما الحكم الحق في الربوبية والعقائد والعبادات والمعاملات إلا لله وحده يوحيه لمن اصطفاه من رسله، لا يمكن لبشر أن يحكم فيه برأيه وهواه، ولا بعقله واستدلاله ولا باجتهاده واستحسانه، فهذه القاعدة هي أساس دين الله تعالى على ألسنة جميع رسله لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة».

يقول سيد قطب، رحمه الله: «لقد رسم يوسف عليه السلام بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل معالم هذا الدين، وكل مقومات هذه العقيدة، كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزاً شديداً… إن الطاغوت لا يقوم في الأرض إلا مدعياً أخص خصائص الألوهية، وهي الربوبية، أي حق تعبيد الناس لأمره وشرعه، ودينونتهم لفكره وقانونه. وهو إذ يزاول هذا في عالم الواقع، يدعيه -ولو لم ينطق بلسانه- فالعمل دليل أقوى من القول، وإن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة الخالصة عن قلوب الناس، فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس فعلاً أن الحكم لله وحده، لأن العبادة لا تكون  إلا لله وحده، والخضوع للحكم عبادة، بل هي أصل مدلول العبادة».

ثانياً: لتحقيق العبودية والحاكمية نزل الكتاب:

قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(2)أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر 2-3]. وقال سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) [النساء 105] فكما أن تحقيق العبودية غاية من إنزال الكتاب فكذلك تطبيق الحاكمية غاية من إنزاله، وكما أن العبادة لا تكون إلا عن وحي منـزل، فكذلك لا ينبغي أن يحكم إلا بشرع منـزل، أو بما له أصل في شرع منـزل.

وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد 25] فالكتاب والميزان هما: ما نُقل صدقاً، وما شُرع عدلاً لإقامة الناس على شريعة الحق اتباعاً للرسل، فمن أبى فقد جُعل الحديد رادعاً لكل معاند بعد قيام الحجة قتلاً بالسيف.

[يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *