العدد 250 -

العدد 250- السنة الثانية والعشرون، ذو القعدة 1428هـ، كانون الأول 2007م

اعتذار

اعتذار

 

ذكر الخطيب وغيره عنه أن عضد الدولة بعث محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم، فلما انتهى إليه إذا هو لا يدخل عليه أحد إلا من باب قصير كهيئة الراكع، ففهم الباقلاني أن مراده ” أن ينحني الداخل عليه له كهيئة الراكع لله عز وجل”، فدار إسته إلى الملك ودخل الباب بظهره يمشي إليه القهقرى، فلما وصل إليه انفتل فسلم عليه، فعرف الملك ذكاءه ومكانه من العلم والفهم، فعظمه‏.‏ ويقال‏:‏ إن الملك أحضر بين يديه آلة الطرب المسماة بالأرغل، ليستفز عقله بها، فلما سمعها الباقلاني خاف على نفسه أن يظهر منه حركة ناقصة بحضرة الملك، فجعل لا يألو جهداً أن جرح رجله حتى خرج منها الدم الكثير، فاشتغل بالألم عن الطرب، ولم يظهر عليه شيء من النقص والخفة، فعجب الملك من ذلك، ثم إن الملك استكشف الأمر فإذا هو قد جرح نفسه بما أشغله عن الطرب، فتحقق الملك وفور همته وعلو عزيمته، فإن هذه الآلة لا يسمعها أحد إلا طرب شاء أم أبى. (البداية والنهاية/11 لابن كثير)

استميحك عذرا يا ابن الطيب الباقلاني… ولله درك ما أروعك

آه على زمان بات حكامنا ينحنون ويركعون ويسجدون بل ويقبّلون أقدام أعداء الأمة!!

عذراً رباه… عذراً.

اللهم إني اعتذر إليك من نفسي، فكم من ميت قضى نحبه وانقضى أجله، وغُيّب في صدع من الأرض وقد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب، مرتهناً بعمله فقيراً إلى ما قدّم غنياً عما ترك, ومع ذلك لا اعتبرنا ولا اتعظنا.

اللهم إني اعتذر إليك من رجال ما هم برجال, حكموا فظلمونا, ملكوا فبغوا علينا, ضربوا فأوجعونا, قتلوا فسفكو دماءنا, ضحكوا فبكينا, شبعوا فجعنا, سعدوا فشقينا, ضربوا فأذلوا كرامتنا…

اللهم إني اعتذر إليك من علماء استُفتوا فأفتوا بشرع الملك لا بشرع الله, وعرفوا الحق فخرسوا, وعلموا فما عملوا…

اللهم إني اعتذر إليك من جندٍ وفرسانٍ وضباط جيوشٍ حوصروا فما فُكّوا, وقوتلوا فما قاتلوا, وقُتلوا فما قَتلوا, وانتهكت أعراضهم فما ثأروا, واغتصبت نساؤهم فما ثاروا, واحتلت بلادهم فما حرروا, واستنصروا فما نصروا.

اللهم إني أعتذر إليك من أناس ذكروا فما ذكروا، ووعظوا فلم يتعظوا، واستهين بهم فهانوا، أمروا بالمعروف فأعرضوا، ونُهوا عن المنكر فما انتهوا. هم بالدنيا ملتهون وعن الآخرة معرضون…

اللهم إني أعتذر إليك من رجال حملوا الدعوة فحملتهم, ركضوا للدنيا فضلتهم, علموا بالحق فما صدعوا, طُلبوا للدعوة فما لبّوا.

اعتذر إليك ربي من قلب لا يخشع, وأذن لا تسمع, وعين لا تدمع, ولسان لا يصدع.

عبد الرحمن المقدسي – بيت المقدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *