العدد 250 -

العدد 250- السنة الثانية والعشرون، ذو القعدة 1428هـ، كانون الأول 2007م

لا حل لمشكلة دارفور إلا بالخلافة

لا حل لمشكلة دارفور إلا بالخلافة

 

يقع إقليم دارفور، أكبر أقاليم السودان، أقصى غرب السودان، وتمثل حدوده الغربية الحدود السياسية للسودان في تلك الجهة مع ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد.

وتبلغ مساحة إقليم دارفور أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع، حيث تمثل مساحته خمس مساحة السودان، وتسكنه عرقيات أفريقية وعربية؛ أهمها “الفور” التي جاءت تسمية الإقليم منها، و”الزغاوة”، و”المساليت”، وقبائل “البقارة” و”الرزيقات”.

وتنقسم القبائل في دارفور إلى قسمين هما: “القبائل المستقرة” وهي تلك القبائل الموجودة في المناطق الريفية مثل: “الفور” و”المساليت” و”الزغاوة”، و”الداجو” و”التنجر” و”التامة”، وغالبيتهم من الأفارقة، ويتكلمون لغات محلية إضافة إلى العربية، وبعضهم من العرب، والقسم الثاني هو: “القبائل الرحل” وهي تلك القبائل التي تتنقل من مكان لآخر بحسب وجود الماء والرعي، وهي قبائل وفدت للمنطقة مثل: “أبالة” و”زيلات” و”محاميد” و”مهريه” و”بني حسين” و”المعالية”، وغالبيتهم عرب يتحدثون اللغة العربية، ومنهم أيضاً أفارقة.

ويبلغ عدد سكان إقليم دارفور نحو‏6.7‏ مليون نسمة، وجميع سكانه مسلمون “سنّة”، وقد انقسم الإقليم منذ عام ‏1994‏م إلى ثلاثة أقاليم متجاورة ومختلطة الأعراق‏ وهي الغرب والشمال والجنوب.

كانت أسباب النزاعات في دارفور ترجع دائماً لأسباب طبيعية مثل الاختلاف على الرعي والأرض‏,‏ وليس لأسباب عقائدية لأن جميع سكانه مسلمون “سنّة”، وكانوا منذ دخولهم الإسلام مخلصين له‏,‏ ومن أجله حاربوا في صفوف الخلافة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى ما جعلهم عرضه لانتقام بريطانيا بعد الحرب. وشهدت دارفور التمرد تلو الآخر منذ الستينات من القرن الماضي بإيعاز من أبناء الإقليم المقيمين في الخارج، فكان هناك تمرد حركة سوني وتمرد جبهة نهضة دارفور‏,‏ وجبهة الدكتور دريج وأخيرا تمرد حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان والتحالف السوداني الديمقراطي الفيدرالي.

وفي أوائل عام ‏2003‏م دخل الصراع منعطفاً جديداً,‏ حيث قام متمردون من جيش التحرير السوداني وحركة العدل والمساواة بمهاجمة أهداف حكومية في إقليم دارفور متهمين الحكومة السودانية بالتحيز لصالح العرب ضد الأفارقة السود المساليت والفور‏.

والمدقق في هذه الأحداث الأخيرة والخطيرة والتي أدت إلى قتل ألاف المسلمين من أبناء هذا الإقليم وتشريد الملايين؛ يرى وبكل وضوح أن حقيقة ما يحدث غير الذي يُعلن، إذ إن جميع وسائل الإعلام تحاول أن تصور الصراع على أنه نزاع عرقي بين عرب وأفارقة، وهذا ديدن الكفار وأعوانهم. حيث لم يستطيعوا أن يجعلوا الصراع بين أبناء الإقليم على أساس أنه بين المسلمين والكفار كما حدث في الجنوب، وذلك لأنه لا يوجد كافر واحد في هذا الإقليم، فدارفور تسمى الولاية المسلمة، ويطلق عليها الناس ولاية القرآن لاشتهار أهلها بحفظ القرآن، لذلك جعل الكفار صورة الصراع في هذه المنطقة على أساس أنه عرقي “عرب وأفارقة”. ولكن الحقيقة غير ذلك مطلقاً. والبعض يحاول أن يصف الصراع أنه بسبب أن القبائل الرحل صاحبة المواشي الكثيرة تدخل على مزارع القبائل المستقرة فحدث ما حدث من فتن واقتتال؛ ولكن الحقيقة أيضاً مغايرة لذلك. فبالنسبة للعرقيات فهي موجودة من مئات السنين الطوال وحدث التزاوج ما بين الأفارقة والعرب منذ مئات السنيين، وهذا الأمر واضح لدى الجميع، بل إن المتقاتلين الآن الكثير منهم من يقاتل أقاربه من أهل أمه وأهل زوجته، وهذا إن دلَّ على أمر فإنما يدل على أن إثارة هذه العرقيات في هذا الوقت بالذات متقصد من قِبل جهات مغرضة، إما كافرة وإما أنها من أعوان الكفار.

وكذلك بالنسبة للرعاة وأصحاب المزارع؛ فإن الطرفين موجودان منذ مئات السنين، ولم يكن بينهم مشاكل حقيقية تؤدي إلى فتن وحروب، وإن كانت تحدث نزاعات بين الطرفين فهي نزاعات فردية بسيطة لا تتعدى الفردين فقط وتحل المشاكل بينهما بشكل سريع.

ولكن الحقيقة أن طبيعة الصراع في دارفور هو صراع دولي بين أميركا وأوروبا “بريطانيا وفرنسا وأحياناً ألمانيا”، إذ ترى أوروبا أنها لم تخرج من اتفاق نيفاشا بمكاسب، وأن نصيبها من غنيمة تمزيق السودان سيكون دارفور وشرق السودان، بالإضافة إلى تأمين الأنظمة الموالية لها في تشاد وأفريقيا الوسطى. أما أميركا فتريد أن تمزق السودان على نار هادئة تمكنها من ابتلاعه قطعة قطعة، حيث إن الذي يدعم حركات التمرد هم الأوروبيون والذي يدعم القبائل العربية “الجنجويد” هي الحكومة التابعة لأميركا. فهذا التمرد المشؤوم؛ الذي أشعل ناره وأواره الغرب الكافر، ونفخ فيه حتى أوصله إلى ما وصل إليه، كان واضحاً أنه صراع دولي بين أميركا من جهة، وأوروبا (بريطانيا وفرنسا) من جهة أخرى؛ لفرض النفوذ، والاستحواذ على الثروات في هذه المنطقة الغنية بثرواتها، حتى ولو كان الثمن قتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف من أبناء دارفور المسلمين.

بدأ مسلسل المفاوضات مع متمردي دارفور على النهج السابق مع متمردي الجنوب، حتى وصلت إلى النقطة نفسها التي وصلت إليها مفاوضات نيفاشا، حيث وقفت في ملفات تقاسم السلطة والثروة والترتيبات الأمنية، فأُسدل الستار على المهزلة بالاتفاق على فصل الجنوب بحق تقرير المصير- حق الانفصال وتوزيع الحقائب الوزارية والأموال بين الحكومة والمتمردين.

في هذه الاتفاقية الموقعة أخيراً بتاريخ (6/5/2006م) والتي يُطلق عليها اتفاقية أبوجا بين الحكومة وحركات التمرد، والتي قام برعايتها وسطاء من الاتحاد الأفريقي وإشراف مباشر من وزيرة الخارجية الأميركية؛ ما هي في حقيقتها إلا تجسيد لهذا الصراع الذي نتحدث عنه، وخطوة متسارعة في تقسيم البلاد مزقاً أخرى وتجسيد للنزاع العرقي في هذا الإقليم.

إن تحاكم هؤلاء؛ الحكومة وحركات التمرد إلى الاتحاد الأفريقي والأميركيين والأوروبيين، إنما هو تحاكم إلى الطاغوت، وردٌّ للأمر إلى غير أهله، وكل ذلك محرم شرعاً، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء60].

إن قضية دارفور هي قضية جزئية مثلها مثل باقي قضايا المسلمين؛ المتمثلة في احتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم، وإفقارهم، وإدخالهم في صراعات فيما بينهم؛ وغيرها من القضايا الجزئية التي نشأت نتيجة غياب قضية المسلمين الكلية المصيرية والتي هي تطبيق أحكام الإسلام بالعيش في ظل دولته التي تجعل السيادة للشرع. فعند رعاية شؤون المسلمين بالعدل والإحسان؛ فلن يكون هناك إحساس بالظلم والغبن، ولن يكون هناك حديثٌ عن التهميش. وعندما تحدد علاقة المسلم مع أخيه المسلم على أساس الأخوّة الإسلامية، فلن تكون هناك للعصبيات والجهويات وما يُسمى بتهتك النسيج الاجتماعي المتمثل في التمزيق على أساس هذه العصبيات، بل يكون انصهار الناس في أمة واحدة كما هي حال هذه الأمة عندما احتكمت إلى الإسلام.

فالنظرة يجب أن تكون إلى أرض دارفور على أنها أرض خراجية، رقبتها ملك لبيت مال المسلمين ومنفعتها لأهلها، يتملكها الإنسان للسكن أو للزراعة، ولا تتملكها القبائل بوصفها دوراً لها تقاتل من يدخلها عليها، إذ الأصل في المراعي أنها ملكية عامة ينتفع بها من سبق إليها.

إن السودان بلدٌ إسلامي، والقائمون على أمره الآن هم من أبناء المسلمين، فكان لزاماً عليهم أن يحلّوا مشاكلهم ومشاكل البلاد على أساس الإسلام؛ برد الأمر عند التنازع إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول الله تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء 59]، لا أن يُرد إلى أعداء الأمة من الأميركيين وأعوانهم في الداخل والخارج، كما لا يجوز شرعاً تقاسم السلطة والثروة؛ ما يؤدي إلى تفتيت البلاد، وخدمة الكافر المستعمر.فالسلطة في الإسلام لرجل يبايعه المسلمون على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليطبق فيهم الإسلام ويحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد، والثروة في الإسلام؛ إنما توزع وفق أحكامٍ شرعية جاءت في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلا حل لمشكلة دارفور أيها المسلمون إلا بالخلافة التي وعدنا بها رب العزة والتي بشرَّ بها خير البشر المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: «… ثم تكون خلافة راشدة..»، فإلى هذا ندعوكم أيها المسلمون.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال 24].

د. يحيى جبر/ أبو زكريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *