العدد 249 -

العدد 249- السنة الثانية والعشرون، شوال 1428هـ، الموافق تشرين الثاني 2007م

الأزمة السياسية في لبنان والحل الجذري لها

الأزمة السياسية في لبنان والحل الجذري لها

 

منذر عبدالله – لبنان

لقد كان القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن سنة 2004م بدفع فرنسي، البوابة التي دخل معها الصراع على لبنان بين فرنسا وأمريكا مرحة جديدة، حيث دعا القرار إلى خروج القوات الأجنبية من لبنان وعارض التمديد للحود ودعا إلى انتخابات رئاسية حرة في لبنان وحل المليشيات ونزع سلاحها. وكان القرار ضد الوجود والنفوذ السوري في لبنان، والذي يمثل السياسة الأمريكية في البلد. وقد عملت أميركا على التخفيف من حدة القرار، حيث كان مشروعه الفرنسي ينص على الخروج السوري من لبنان، فحولته أميركا إلى الدعوة لخروج القوات الأجنبية من لبنان. جاء القرار في الوقت الذي بدأت تتراجع فيه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مع إخفاقها في العراق، الأمر الذي حفز الأوروبيين على التحرك لاسترداد أماكن نفوذهم أو تعزيزه فيها. والذي ساعد الأوروبيين على النجاح نسبيا في لبنان، هو أن علاقة النظام السوري بالإدارة الأمريكية في ذلك الوقت لم تكن جيدة، بل كان هناك بعض التوتر وعدم الثقة بين الطرفين، بسبب السياسة التي اتبعها المحافظون الجدد في التعامل مع عملائهم. إذ لم يعد من المقبول وفق السياسة الجديدة أن يتذرع العملاء بألاوضاع الداخلية أو الإقليمية ليتهربوا من تنفيذ بعض الأوامر، فقد جعل بوش من كرزاي أو على الأقل من مشرف مثالا للعملاء الذين يرضى عنهم.

لم يكن من المتوقع أن يحدث القرار 1559 تغييرا كبيرا على الساحة اللبنانية، إذ رغم أن فرنسا تمكنت من استصداره بعد تعديلات أميركية أضعفته إلا أنها لا تملك آلية لفرضه وتطبيقه، الأمر الذي جعل النظام السوري يتجاهله، وبالتالي لا يفكر بالخروج من لبنان ولا بالرجوع عن التمديد للحود ويستمر بتسليح حزب الله. كانت فرنسا تراهن على الوقت، وعلى تنامي قوة عملائها وعملاء بريطانيا على الساحة اللبنانية، وكانت تتوقع أن تؤدي الانتخابات النيابية اللبنانية سنة 2005م إلى نجاح كبير لعملائها، الأمر الذي سيساعدها على تكثيف الضغط على النفوذ الأمريكي في لبنان المتمثل بالوجود السوري وحلفائه.

ومع اقتراب موعد الانتخابات بداية سنة 2005م واشتداد التوتر السياسي، جاء اغتيال رفيق الحريري ليشكل زلزالا كبيرا وليدفع بالصراع إلى ذروته. وقد شكل هذا الاغتيال فرصة ذهبية لفرنسا وعملائها في لبنان، الذين سارعوا إلى اتهام سوريا بالوقوف وراء الاغتيال، الأمر الذي أدى إلى فورة في الشارع، سارعت فرنسا وجماعتها إلى استثماره وتحويله إلى قوة ضاغطة باتجاه تنفيذ مشروعها، بتنفيذ أهم مسألة بالقرار 1559 والمتمثلة بالخروج السوري من لبنان.

وقد جرت الانتخابات النيابية سنة 2005م في هذه الأجواء، فحققت فرنسا مكسبا جديدا تمثل في فوز عملائها بالأكثرية النيابية. وبعد أن شكلت الأكثرية الحكومة بمشاركة حزب الله وأمل، وجهت قوى 14 آذار ضغطها باتجاه لحود ساعية لإسقاطه من رئاسة الجمهورية، لأنها تعلم أن بقائه في السلطة سيحول دون تمكنها من إحكام قبضتها على السلطة وأجهزتها الأمنية وسيعيق تنفيذ مشروعها الذي أطلقت عليه ثورة الأرز. ولكنها لم تتمكن من ذلك رغم أنها وجهت إليه ضربة قوية تمثلت بعزل مجموعة من أهم رجالاته في السلطة، بتهمة علاقتهم باغتيال الحريري. جاء القرار الدولي بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال الحريري، ومن ثم المحكمة الدولية، ليكون أداة فعالة بيد فرنسا وجماعتها ضد النظام السوري وحلفائه في لبنان.

ورغم هذه النجاحات على أكثر من صعيد، إلا أن مشروع 14 آذار والتمدد الفرنسي وصل إلى طريق مسدود. فرغم خروج النظام السوري من لبنان، فإنه خلف وراءه مجموعة من العملاء والحلفاء، في السلطة وخارجها، استطاعوا أن يقفوا في وجه النفوذ الفرنسي، ويحولوا دون إكمال المشروع.

فقد أعاق لحود توسع نفوذ 14 آذار في الدولة. كما حاولت قوى 14 آذار المضي قدما في تنفيذ القرار 1559، وبالتحديد الجانب الذي يتحدث عن نزع سلاح الميليشيات، وطالبت حزب الله بالتخلي عن سلاحه واعتبرته سلاح ميليشيا يجب نزعه. إلا أن تلك المحاولات قد فشلت، سواء في لقاءات الحوار أو التشاور التي عقدها نبيه بري بين طرفي النزاع في البلد. إلى أن جاءت حرب تموز والعدوان الإسرائيلي على لبنان بعد خطف حزب الله لجنديين إسرائيليين، وكان الهدف الإسرائيلي واضحا من هذه الحرب، وهو تنفيذ ما لم تتمكن قوى 14 آذار من تنفيذه في القرار 1559 والمتمثل بنزع سلاح حزب الله بوصفه قوة تقف بوجه بسط نفوذ فرنسا وسيطرتها على لبنان، من خلال مشروع 14 آذار.

ولم تخف قوى 14 آذار رغبتها بأن تؤدي الحرب إلى نزع سلاح حزب الله. وجاءت تصريحات البعض من  14آذار، لتشكل غطاء لعدوان يهود انسجاما مع الموقف الأوروبي والسعودي. ولكن يهود فشلوا فشلا ذريعا بتحقيق هدفهم من الحرب بل وجدوا أنفسهم قد تورطوا في الحرب ولا يستطيعون الخروج منها. إلى أن صدر القرار 1701، الذي أنهى الحرب ووسع صلاحيات اليونيفيل وزاد عددها إلى  15000 عنصر، وعملت أميركا على عدم اشتراط القرار تسليم سلاح حزب الله، وهذا ما صرح به جون بولتون. وكان طموح فرنسا كبيرا، فلم يكن يقتصر على أخذ لبنان من أميركا، بل ذهبت إلى العمل على إسقاط النظام السوري نفسه وقد استمرت هذه السياسة الفرنسية الأوروبية حتى وقت قريب. ويبدو أن فرنسا تراجعت مرحليا عن مقاطعة النظام السوري وعزله وإسقاطه، خاصة بعد أن عملت الإدارة الأميركية على إخراجه من عزلته إذ أشركته في مؤتمر بغداد وبعدها في شرم الشيخ، ومن ثم لقاء المعلم برايس، والزيارات التي سبقتها وتلتها للسياسيين الأمريكيين إلى دمشق، وكن من بينهم رئيسة مجلس النواب الأمريكية.

خرج حزب الله من الحرب قويا، فأعلن أن بعض قوى 14 آذار قد تآمر عليه في الحرب، وأعلن هو وحركة أمل انسحابهما من الحكومة، وطالب بحكومة وحدة وطنية يكون له ولحلفائه الثلث الضامن فيها، ولكن الأكثرية رفضت ذلك على اعتبار أن الهدف من ذلك هو الحيلولة دون إقرار المحكمة الدولية داخل الحكومة. ثم دعت المعارضة إلى اعتصامات في نهاية العام الماضي لإسقاط الحكومة ولكنها لم تنجح رغم ما نظمته من اعتصامات كبيرة في وسط بيروت، إذ إن شبح الانجرار إلى حرب أهلية مذهبية، خفض سقف تحركات المعارضة، ولم تفلح حتى في إجبار الاكثرية على القبول بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وها قد مرت سنة تقريبا على اعتصام المعارضة ي وسط بيروت، وجاء موعد الاستحقاق الرئاسي ولم تتمكن المعارضة من تحقيق أهدافها، إلا أن هذه التحركات للمعارضة وما رافقها من اغتيالات وعمليات تفجير أدت إلى شل الأكثرية والبلد كله. وحتى فترة قصيرة قبل دخول موعد الاستحقاق الرئاسي، كانت المعارضة تصر على أنها لن تسمح بإجراء انتخابات رئاسية، إن لم يسبقها تشكيل حكومة جديدة يكون لها الثلث المعطل فيها، الأمر الذي رفضته الأكثرية على اعتبار انها لا تثق بنوايا المعارضة، واتهمتها بأنها ربما تريد تشكيل حكومة لها فيها الثلث المعطل، دون أن تسهل انتخابات رئاسة الجمهورية، فلا يتم انتخاب رئيس، فتنتقل صلاحياته إلى حكومة يكون للمعارضة فيها الثلث المعطل. واستمر هذا الإصرار من المعارضة على اشتراط تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل انتخابات الرئاسة، إلى أن عاد السفير الأمريكي فلتمان إلى بيروت من زيارة له إلى واشنطن، والتقى مباشرة بعد عودته بنبيه بري لمدة ساعة ونصف، فخرج بري بعد هذا اللقاء بأيام ليعلن من بعلبك مبادرته الجديدة التي تتنازل فيها المعارضة عن شرطها أن يسبق انتخابات الرئاسة تشكيل حكومة جديدة، شرط أن تتخلى الأكثرية عن فكرة انتخاب رئيس بالنصف زائدا واحدا. فأعلنت الولايات المتحدة تأييدها للمبادرة، وجاء ذلك على لسان فلتمان وعلى لسان مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية.

وكان جنبلاط قبل هذه المبادرة حذر جماعة 14 آذار من أي تسوية، وعد من يسير في ذلك بأنه خائن يجب أ، يعدم سياسيا.

أما موقف 14 آذار من المبادرة فجاء باردا، بل رافضا للمبادرة. إذ رفضت التخلي عن حقها انتخاب الرئيس بالنصف زائدا واحدا كما تدعو مبادرة بري، واكتفت بالدعوة إلى الحوار، دون شروط مسبقة، الأمر الذي اعتبره بري بمثابة ورقة نعوة لمبادرته، وحذر من الشر المستطير، إذا لم يحصل التوافق على رئيس الجمهورية.

ثم حصل تحول في موقف جنبلاط بعد مبادرة بري لإدراكه بأن اميركا تقف وراءها بقوة، إذ أعلن أنه لا يوافق على التسوية ولكنه لن يعطلها. ففي ظل هذا الموقف الرافض من قوى 14 آذار لمبادرة بري، وما رافقه من تصريحات فرنسية وأوروبية تعرب عن تأييدها لحق الأكثرية انتخاب رئيس بالنصف زائدا واحدا، وكان من ضمنها تصريح كوشنير في زيارته الأخيرة لبيروت، رغم أنه كان صرح سابقا بأنه يؤيد انتخاب رئيس توافقي، في ظل هذه الأجواء وهذا الموقف الرافض من قوى الأكثرية لمبادرة بري، وبعد أ، بدا أن قوى الأكثرية تراهن على الوقت، وعلى احتمال حصول متغيرات في المنطقة تأتي لصالحها وتغير موازين القوى، جاء اغتيال النائب روبير غانم وكأنه الرد على هذا الموقف الرافض من قوى 14 آذار لمبادرة بري، وليكون رسالة واضحة لها بوجوب تغيير هذا الموقف الرافض للتسوية.

قد يقال إن اغتيال غانم جاء لنسف المبادرة، بعد أن بدا احتمال نجاحها، أي أن هناك طرفا لا يريد حصول تسوية، فسعى إلى الاغتيال لنسف أي إمكانية للتوافق، قد يقال هذا، ولكن المهم أ، جواب قوى 14 آذار لم يكن إيجابيا على مبادرة بري، بل كان رافضا لها. وبما أن الأولوية لقوى الأكثرية هي لانتخاب رئيس من صفوفها كي تتمكن من إكمال مشروعها، فإنها سارعت بعد اغتيال ربير غانم إلى الطلب من مجلس الأمن تأمين حماية دولية للاستحقاق الرئاسي، إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسي الذي ترأس بلاده مجلس الأمن، أنه تلقى طلبا من بعض الأطراف اللبنانية لتوفير حماية دولية للنواب، لإتمام الاستحقاق الرئاسي، وقال: ” نحن نفكر في ذلك ونعمل على تنفيذه في ضوء رئاستنا لمجلس الأمن في الشهر الحالي”. إن هذا التوجه إلى مجلس الأمن، عبر فرنسا من قبل الأكثرية لتأمين حماية دولية، ليس ردة فعل على اغتيال غانم، بل هو يعبر عن استراتيجية لدى هذه القوى في تحقيق أهدافها، إذ إن مشروعها الذي تعمل لتنفيذه يواجه تحديات داخلية وإقليمية كبيرة، وهي لن تتمكن من استكمال مشروعها بإمكانياتها الذاتية. فرغم أنها تملك الأكثرية، إلا أنها شبه مشلولة ومعطلة، لأن الرئاسة ليست بيدها، بل إن لحود يقف عقبة في طريقها، وهي لا تملك سلطة على الأجهزة الأمنية باستثناء قوى الأمن الداخلي، بل إن الجيش رفض طلب الحكومة بمنع بعض تحركات المعارضة، واختار أن يأخذ موقف المحايد في هذا الصراع الداخلي. ومما يؤكد هذا ما صرح به جعجع بعد اغتيال غانم بأن بعض الأجهزة الأمنية مخترقة، في إشارة منه إلى احتمال تورط بعضها بما يجري من اغتيالات. ولو نظرنا إلى أهم ما أنجزته قوى 14 آذار بدءا بخروج الجيش السوري من لبنان، إلى نشر الجيش اللبناني في الجنوب، وعزل لحود دوليا، وتشديد الحصار على دخول السلاح إلى حزب الله، وإقرار المحكمة الدولية، نرى أنها جميعها تمت بقرارات دولية من 1559 إلى 1701 إلى القرار 1757. بل إن بعض أطراف الأكثرية راهن على عدوان يهود في حرب تموز للتخلص من حزب الله وسلاحه.

إلا أن المحاولة الفرنسية هذه المرة لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن ينقل الأكثرية إلى مرحلة جديدة تفرض معها الرئيس الذي تريد لتكمل بذلك تنفيذ ما تبقى من مشروعها لم تنجح، وذلك بسبب معارضة أ/يركا لهذه الخطوة، الموقف الذي عبر عنه أيضا وزير الخارجية المصري، بتصريح له من نيويورك أعلن فيه رفضه لفكرة الحماية الدولية، رغم أنه أشار إلى أن الاغتيالات ستستمر ولن تتوقف، وأن الجيش اللبناني هو من يتولى الأمن. ولم تتمكن فرنسا إلا من استصدار بيان من مجلس الأ/ن يدعو إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها دون أي تدخل خارجي.

وبما أن أميركا تريد إفشال هذا التوجه لقوى الأكثرية، فقد عملت على أن يخرج الجيش منتصرا من معركة البارد، ليبدو قويا قادرا على حفظ الأمن وضمان الاستقرار، وكان لسوريا دور في إنهاء المعارك في البارد شرط أ، يعلن قائد الجيش بعض المواقف الإيجابية من سوريا.

وقد أعلن بالأمس أن الجيش الأميركي، استأنف جسره الجوي المفتوح إلى لبنان، حيث وصلت إلى القاعدة الجوية في مطار بيروت، منتصف ليل السبت الأحد طائرتان عسكريتان محملتان بالعتاد والذخائر للجيش اللبناني، ويبدو أ، لهذا علاقة أيضا بالتوجه الأميركي لإيصال العماد ميشال سليمان إلى الرئاسة، الأمر الذي جعل بعض قوى 14 آذار، تهاجم العماد سليمان على خلفية اتصاله بسوريا، لإحراقه والحيلولة دون وصوله إلى الرئاسة. ثم عادت وأعلنت بأن هذه المواقف شخصية ولا تمثلها.

إن قوى الأكثرية تعتبر بأن وصول مرشح منها إلى الرئاسة هو الضمانة لإكمال مشروعها وتنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي، والقضاء على ما تبقى من نفوذ للنظام السوري ومن ورائه أميركا، ولتطبيق القرارات الدولية وعلى رأسها المحكمة الدولية. إلا أن إخفاقها بالحصول على قرار دولي جديد يوفر لها الحماية الدولية في محاولتها الأخيرة بعد اغتيال غانم، وإدراكها بأن انتخاب رئيس منها دون توافق وبالنصف زائدا واحدا، سيؤدي إلى انقسام كبيير، أكبر مما هو حاصل اليوم، قد يؤدي إلى تشكيل حكومة ثانية وتنصيب رئيس ثان، ما يدخل البلد في مرحلة خطيرة تنسف ما تبقى من أمن واستقرار، تؤدي إلى خسارة الأكثرية ما أنجزته حتى الآن.

من المرجح أن إدراك قوى 14 آذار لهذه الأمور سيدفعها للقبول بالتسوية أو بالرئيس التوافقي. كما يبدو أن الزيارة التي سيقوم بها كل من جنبلاط والحريري لواشنطن في هذه الأيام هي محاولة أخيرة من الأكثرية لتغيير أو تليين الموقف الأميركي الذي تجسده المعارضة ويتمثل بمبادرة بري، حيث قال الحريري في آخر اجتماع للأكثرية في قريطم موجها كلامه لفرقائه من الأكثرية: ” سأذهب إلى الرياض وواشنطن لأرى ما سيقدمه الأميركيون لنا”.

إن الخلاف بين 8 آذار و 14 آذار ليس خلافا شكليا ولا دستوريا، وليس خلافا على الأرقام ولا النسب، وليس على الأشخاص، وهو ليس خلافا محليا، مذهبيا أو طائفيا، بل هو امتداد لصراع دولي، بين أميركا التي كانت تمسك بالورقة اللبنانية بقوة من خلال النظام السوري وكيلها في لبنان، وبين فرنسا وبريطانيا وأوروبا عموما، التي عملت على استغلال التورط الأميركي في العراق وانشغال الإدارة الأميركية بذلك الملف، من أجل العودة إلى الساحة اللبنانية ومحاولة طرد النفوذ الأميركي من لبنان، بإخراج الجيش السوري منه، والتخلص من نفوذ سوريا فيه، والمتمثل بحلفائها وعملائها.

رغم هذا التعارض والتناقض بين هذين المشروعين اللذين تمثلهما الأكثرية والمعارضة، إلا أنه لا مجال أمامهما ف يالوقت الراهن سوى الحلول الوسط والتسوية في موضوع الرئاسة، إذ لا مصلحة لكلا الطرفين بالذهاب إلى الفوضى، ولا تستطيع جهة أن تحسم الصراع لصالحها. ولكن هذا لن يكون حلا جذريا للمشكلة اللبنانية، بل هو لن يكون أكثر من هدنة إلى أن تأتي ظروف أخرى، تعمل الأطراف على استغلالها لستعر الصراع من جديد.

وإن ما يرجح حصول تسوية على الئاسة والحكومة – في حال لم تطرأ أي تطورات كبيرة في المنطقة – ما صدر من تصريحات ومواقف من قوى الأكثرية مؤخرا، حيث قال سعد الحريري: ” إن رغبتنا بالوفاق هي رغبة صادقة، تنبع من إرادة لدينا ولدى جميع حلفائنا بوصول رئيس للجمهورية نرى فيه مشروعا لتقدم لبنان ووحدة اللبنانيين “. وقال أيضا في مناسبة أخرى: ” إن الشرط الأول للاستقرار السياسي اللازم لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد ولنمو بات واضحا للجميع وهو انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري تمنع مشروع عودة الوصاية من باب الفراغ والفوضى” وقال: ” هذا هو الهدف الذي نعمل جميعا من أجله، وهذا هو معنى كل ما تشاهدونه من اتصالات سياسية ومشاورات وحوارات”.

أما جنبلاط فإنه رغم توجيهه نداء يائسا للدول الكبرى بتأمين حماية دولية وغطاء للأكثرية لانتخاب الرئيس بالنصف زائدا واحدا، إلا أنه نقل عنه على لسان أنور خليل الذي زاره مبعوثا من بري أن قال له: ” إذا حصلت تسوية من خارج ما أراه مناسبا لن أكون عقبة”. وجاء كلام لجعجع في هذا الإطار حيث قال: إن خيارنا الأول هو التوافق”.

وقد ذكر أن الفاتيكان أبلغ المعنيين أنه مع رئيس توافقي. وهذا أيضا ما يدعو له البطريرك صفير، بقوله إن الرئيس يجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وقوله، عندما سئل عن العماد ميشال سليمان والحاجة إلى تعديل الدستور، إنه يؤيد ذلك إن كان فيه إنقاذ للبنان.

وقد صدر عن بري بعد لقائه الحريري يوم السبت الماضي ما يؤكد هذا التوجه أيضا، حيث وصف لقاءه معه بأنه كان إيجابيا للغاية، وقال إن المرحلة الأولى من الحوار – وهي البحث في المباديء والأسس – قد أنجزت، وأنهم على وشك الدخول بالمرحلة الثانية وهي تحديد الأسماء. ثم إن عدم عقد جلسة انتخاب الرئيس في 25 أيلول وإرجاءها إلى 23 من تشرين الأول كان بتوافق مع الأكثرية.

ما نقل بأ، وزير الخارجية السعودي وجه رسالة للإدارة الأميركية، يدعو فيها إلى تأجيل الموتمر الدولي المفترض عقده وسط شهر تشرين الثاني لهذا العام والمتعلق بالقضية الفلسطينية، إلى نهاية شهر كانون الأول، ليتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وتشكيل الحكومة.

وكان قد حصل لقاء في نييورك بين متكي وفيصل أعلنا فيه التزامهما العمل على إيجاد تسوية في لبنان.

إن هذه التسوية إن حصلت فإنها لن تقود إلى الاستقرار وانتهاء الصراع. بل لن تكون أكثر من تسوية مؤقتة، إذ ما زالت البلاد مفتوحة على الصراع الدولي، يتنافس على النفوذ فيها الأميركي والفرنسي والإنكليزي وغيرهم، وما دامت الأ/ة فاقدة لوعيها وإدراكها ولهويتها، تسير على عمى وراء العملاء الفاسدين الذين يقودونها إلى المهالك ونار الفتن، والذين لا هم لهم سوى تأمين مصالحهم الخاصة، ومصالح أسيادهم أولياء نعمتهم، لاذين يدينون لهم بالولاء، فإن الحال لن يتحسن بل سيزداد سوءا. وما يجري في العراق على يد الأميركيين وعملائهم ودعوة الكونغرس الأخيرة لتقسيمه خير شاهد على ما نقول،وهو عبرى لأولي الألباب والعقول.

إ، لبنان جزء من العالم الإسلامي الذي فقد توازنه بعد هدم الدولة العثمانية التي كانت تمثل الخلافة الإسلامية، على يد الإنكليز وعملائهم، وبعدها تحولت البلاد الإسلامية نتيجة الفراغ الناتج عن سقوط الخلافة إلى ساحة تتصارع عليها دول الكفر، تثير فيها الحروب والفتن من أجل الوصول إلى مصالحها، وتمعن في تمزيق هذه الأمة حتى لا تقوم لها قائمة. وستبقى هذه المنطقة على هذا الحال المزري من التبعية والضياع والخوف وعدم الاستقرار، حتى تدرك الأمة قضيتها، فتقف على قدميها، وتنهض وتنفض الغبار عنها، فتأخذ دين ربها كاملا، فتقيم دولته وتطبق نظامه، وعندها تعود خير أمة أخرجت للناس، فتحمل مبدأها قيادة فكرية إلى البشرية، لتخرجها من الظلمات إلى النور، وتخلصها من الشقاء الذي تعيش فيه.

إن الحل لمشكلة لبنان الذي لم يعرف استقرارا منذ ولد تحت الاختلال الفرنسي، يكون بعودته جزءا من الكل، وبإدراك أهله أ، الحل يبدأ بقطع يد الأجنبي وبمنعه من العبث بأمن البلاد والعباد وبنبذ عملائه، وأن يدركوا أن الأمل الوحيد في عيشة كريمة، يكون بظل نظام الإسلام وعودة دولته. لذلك فإننا ندعوهم ليكونوا جزءا من هذا المشروع ففيه خلاصهم، وخلاص البشرية، التي اكتوت بنار الرأسمالية المتوحشة التي لا ترحم أحدا. وإ، مقارنة بسيطة بين ما هي عليه الحال الآن في لبنان والمنطقة من اضطراب وصراعات وخوف وعدم استقرار، مع ما كانت عليه حال هذه البلاد ومنها لبنان في ظل حكم الإسلام وسلطان دولته حتى في أيامها الأخيرة عندما كانت تسمى الرجل المريض، لتري كم كان حالها أفضل بكثير مما وصلت إليه الآن، وما يمكن أن تصل إليه الأمور إذا استمرت على هذا المنوال. وإن بيان المطارنة الموارنة الأخير يشير إلى هذه المسألة في إطار كلامه على ما وصل إليه سوء الحال في البلد، حيث يقول ” حينئذ سيعود الناس يرددون ما قيل يوما في تاريخ لبنان، حتى في العهد العثماني الذي حكم سلاطينه هذا الوطن طوال أربعمائة سنة، هنيئا لمن له مرقد عنزة في لبنان” ونحن نقول هنيئا لمن له مرقد عنزة في دولة الخلافة.

( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة 50

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *