مجتمعاتنا المضطربة اليوم هي حاضنة الخلافة الراشدة الثانية
2007/10/25م
المقالات
1,543 زيارة
مجتمعاتنا المضطربة اليوم
هي حاضنة الخلافة الراشدة الثانية
إن المجتمع الأكثر قابلية للتغيير والأكثر استيعاباً للحركة الجماعية الإسلامية التي لها قوة التاثير في بناء المجتمع على أساس العقيدة الإسلامية وتأسيس دولته هو المجتمع المضطرب فكرياً وسياسياً واقتصادياً، العاجّ بالنـزاعات الدموية والمتناقضات الكثيرة بسبب غياب المبدأ الصحيح عن التطبيق في واقع المجتمع وحياة أفراده، أو بسبب عدم اهتداء الأمة لهذا المبدأالصحيح رغم وجوده في تراثها التشريعي والثقافي والتاريخي، ولكنها في غفلة عنه، وعن فكرته وطريقته، أو في غفلة عن ربطهما معاً.
وكلما زاد عدم الاستقرار زادت فرصتها في النجاح في إحداث التغيير لقدرتها على معالجة مشاكل المجتمع بالمبدأ الصحيح الذي تحمله وتعمل لتطبيقه، ولقدرتها على قيادة الناس بهذا المبدأ الصحيح بإفهامه للناس وبإثارة روح الامتعاض فيهم، وحثهم على التغيير كلما جد من الحاكم أوالنظام القائم ما يمس هذا المبدأ.
وعندما نربط هذا بتاريخ الدعوة الإسلامية والمجتمعات التي احتضنتها أو تجمدت أمامها منذ بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في مجتمع مكة المستقر الذي تحجرامام الدعوة، ثم هجرته لمجتمع يثرب المضطرب الذي احتضن الدعوة والدولة، ثم إلى المجتمعات الإسلامية المضطربة منذ هدم الدولة وحتى يومنا هذا، نجد في هذا التاريخ أن المجتمع عندما يكون أكثر استقراراً والأمن فيه متوفراً، والحقوق الطبيعية للإنسان محققة، بفعل استقرار السيادة والاقتصاد، كمجتمع مكة الذي كان مستقراً كما وصفه الله تعالى قي قوله: (لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ، إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش] يؤدي ذلك مما أدى لتجمده أمام قدرة الدعوة الإسلامية على إحداث التغيير، فمكة آمنه يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ، فحرمة الكعبة وفرت الأمن لها وجعلت قريش تتخذ عرفاً بين العرب أن لاتمنع منه أحداً لا زائراً ولا حاجاً ولا خائفاً مستأمناً (وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ورحلة الشتاء لليمن والصيف إلى الشام وموسم الحج وزيارات العرب للكعبة من أجل التقرب للأصنام وفرت لها الثروة الطائلة رغم قلة خيراتها (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ). والسيادة بلا منازع لقريش أكبر القبائل العربية، كل هذا جعل مجتمع مكة لا يتجاوب مع الدعوة ولم تؤثر فيه التأثير الذي يؤدي للتغيير، لحرص سادته على الزعامة والسيادة وأن لا يخسروا الجاه والمال بين العرب، وهذا ما يفهم من قول أبي جهل للعباس وهما مشركان في مكة، حيث قال العباس: يا معشر قريش خلوا بين الرجل وبين الناس، فإن أبت العرب ارتحتم وإن انتصر فعزه لكم، فقام أبو جهل غاضباً وقال: أجننت؟ وأموالنا وتجارتنا. وهذا ما حدا بالرسول الكريم أن يفكر في مجتمع آخر أكثر استعداداً لقبول الدعوة واحتضانها.
وعليه نجد أنه بمجرد أن عرض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه على ستة أفراد من الخزرج جاءوا للحج بدأ مجتمع يثرب المضطرب في احتضان الدعوة الإسلامية حتى ارتكزت فيه وتمكنت من تغييره من مجتمع كافر إلى مجتمع إسلامي، رغم أنها بدأت وانطلقت في مجتمع مكة. ومن عوامل الاضطراب التي ساعدت على احتضان الإسلام في مجتمع المدينة ما يلي:
1- التنازع على السيادة: فالسيادة فيه متنازع عليهاابتداءً بين قبائل يهود (السكان الأقدم) وبين الأوس والخزرج القادمين بعدهم من اليمن بعد خراب سد مأرب، ولعدم قدرة يهود على حسم الصراع لصالحهم، قاموا بمؤامرة خفية لتقسيم مجتمع المدينة إلى حلفين، الأوس في حلف والخزرج في حلف آخر، وقسموا هم أنفسهم فيه بين الأوس والخزرج حتى ينجحوا في إشعال وإدارة الصراع والحروب بينهم متى أرادوا.
وسبب النـزاع أن يهود في الحقيقة هم عبرانيون، لكنهم بعد خروجهم إلى الحجاز اصطبغوا بالصبغة العربية في الزى واللغة والحضارة، حتى صارت أسماؤهم وأسماء قبائلهم عربية، وقامت بينهم علاقة مصاهرة، إلا أنهم احتفظوا بعصبيتهم الجنسية، ولم يندمجوا في العرب قطعاً، بل كانوا يفتخرون بجنسيتهم اليهودية، وكانوا يحتقرون العرب احتقاراً بالغاً، وكانوا يرون أن أموال العرب مباحة لهم، يأكلونها كيف شاءوا، كما وصفهم الله تعالى في قوله: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران 75]. إن هذا الصراع الذي كان يديره يهود بكيد خفي وكانوا أصحاب دسائس ومؤامرات لم تكن تشعربه القبائل العربية، فلا تزال في حروب دامية متواصلة، تؤجج يهود نيرانها كلما رأتها تقارب على الخمود والانطفاء، واشتعلت الحروب الطاحنة واستمرت قرابة مائة وعشرين عاماً بدأت بين الأوس والخزرج وحلفائهم من يهود بحرب (سمير) وانتهت بحرب (بعاث) قبل الهجرة بخمس سنوات، وما بين هاتين الحربين نشبت أكثر من عشرة حروب، وكان ليهود دور في إثارتها وإذكائها، وكانت بعاث آخرها وأشدها، وقد استعد لها كل من الأوس والخزرج أكثر من شهرين بسبب الأحقاد المتراكمة، وتحالف فيها الأوس مع بني قريظة وبني النضير، بينما تحالف الخزرجيون مع بني قينقاع ومزينة وأشجع وحالفهم عبد الله بن أبي بن سلول، والتقى الطرفان في منطقة تسمى بعاث، واقتتلوا قتالاً شديداً، وقتل عدد كبير من كبارهم وسادتهم ورجالهم حتى صرخ رجل من الأوس (يامعشر الأوس انسحبوا ولا تهلكوا إخوانكم، فجوارهم خير من جوار الثعالب) ويقصد يهود الماكرين.
2- التنازع على عوامل الثروة والاقتصاد: اضطربت الحياة الاقتصادية بسبب خوف يهود من منافسة النـزلاء الجدد (الأوس والخزرج) لهم في الأرض والمياه والاقتصاد بعد أن تحسنت أحوالهم؛ لأن يهود في بادئ الأمر كانوا بحاجة إليهم لحاجتهم إلى الأيدي العاملة لاستثمارالأراضي، فسمحوا لهم بالنـزول قريباً منهم لاستخدامهم في ظروف عمل قاسية، وبمرور الزمن تحسنت أحوالهم، فبدأ يهود يخافون منهم، فتداعى عقلاء الطرفين إلى عقد معاهدة لمدة من الزمن، يلتزمان فيها بالتعايش والدفاع عن يثرب. وخلال هذه المعاهدة استفاد الأوس والخزرج وازداد عددهم ونمت ثرواتهم، فغدر بهم يهود وقتلوا عدداً منهم وسيطروا عليهم، وبقي الأوس والخزرج تحت سيطرتهم إلى أن ظهر فيهم مالك بن العجلان الذي استنجد بأبناء عمومته الغساسنة في الشام، فأرسلوا له جيشاً كسر شوكة يهود وأعادهم إلى الوفاق، وعاشوا فترة أخرى حياةً متوازنة، وفي هذه المرحلة من الوفاق تحرك أبناء الأوس والخزرج ثانية خارج الحزام الذي كانوا محتبسين فيه، وبنوا المنازل في سائر أنحاء (يثرب)، وتوسعوا في المزارع وصار لكل بطن من بطونهم مواقع كثيرة، حينئذ خطط يهود لاستعادة سلطتهم عليهم بطريقة جديدة ترتكز على التفريق بينهم وضرب بعضهم ببعض، فأعادوا التحالف معهم وجعلوا كل قبيلة منهم تحالف واحدة من القبيلتين الأوس والخزرج تمهيداً لإيقاع الفتنة بينهم، فكان لهم ما أرادوا.
3- انتشار الربا والقروض الربوية: انتشر الربا والقروض الربوية في يثرب بسبب يهود، واضطربت الأوضاع الاقتصادية أيضاً بسبب الحروب التي أشعلها يهود في يثرب، حيث كانوا أكالين للربا يزودون العرب بقروض ربوية ثقيلة حتى لا يحجموا عن الحرب لعسر النفقة فيبقوا متقاتلين. وكانوا يقرضون شيوخ العرب وساداتهم المال بالربا، ليكتسب هؤلاء الرؤساء مدائح من الشعراء، وسمعة بين الناس بعد إنفاقها من غير جدوى ولا طائلة على الشعراء وفي الكرم، ثم كانوا يرتهنون أرض هؤلاء الرؤساء وزروعهم وحوائطهم بدل القروض، ثم لا يلبثون إلا أعواماً حتى يتملكونها. وبهذا العمل كانوا يحصلون على منفعتين، كانوا يحافظون على كيانهم اليهودي، ويكسبون ثروات طائلة من الربا على حساب ثروة العرب وممتلكاتهم.
وعندما نحاول ربط قدرة الدعوة على التغيير في مجتمع يثرب، وعدم قدرتها على التغيير في مجتمع مكة، نجد أن استقرار مجتمع مكة وحرص الأفراد قبل السادة فيه على بقاء أوضاعه جعل مجتمع مكة يتجمد أمام الدعوة. بينما وجود الاضطرابات وعدم الاستقرار في مجتمع يثرب جعل الأفراد قبل السادة أكثر حرصاً على الخروج من هذه الأوضاع والتفكير بالتغيير، وهذا ما جعل من مجتمع يثرب أكثر صلاحية من مجتمع مكة في احتضان الدعوة ونصرتها.
إن الذي يُنعم النظر اليوم في مجتمعاتنا التي نعيش فيها يرى أنها تتشابه مع مجتمع يثرب في كثير من الصفات التي تؤشر على وجود عدم الاستقرار والاضطرابات، وعند مقارنتها بمجتمع يثرب نجد أنها لاتختلف كثيراً عنه في ذلك، بل نجد أن مكونات المجتمع الآن وهي الناس والعلاقات الدائمة أي وحدة الأنظمة والأفكار والمشاعر تتشابه في حالها مع حال مكونات مجتمع يثرب، وهي مهيأة للتغيير كما كان مجتمع يثرب في جميع مكوناته مهيأ للتغيير واحتضان الإسلام؛ وذلك للعوامل التالية:
1- فالناس وهم العنصر الأساسي في تكوين المجتمع مهيأون اليوم للإقدام على ما أقدمت عليه الأوس والخزرج من نصرة الدعوة الإسلامية وإقامة الدولة؛ لأن حالهم من الاختلاف والتنازع والاقتتال لا يختلف كثيراً عن حال الأوس والخزرج عندما فعلوا ذلك، ولأن الإسلام الذي هو دينهم أصبحوا ينظرون إليه نظرة الأوس والخزرج عندما دخلت فيه وهي نظرة المخلص لهم من الشقاء. كما أدركوا الآن إدراك الأوس والخزرج سابقاً عندما بايعوا على الحرب والقتال لحماية الدولة آنذاك، أن دولة الإسلام وخلافته هي المنقذة الوحيدة لهم مما هم فيه من نزاعات دامية، سواء بين أبناء الشعب الواحد كما هي حال العراق وفلسطين، أو بين شعب وآخر كما هي النـزاعات على الحدود في مناطق النـزاع الملتهبة كالسعودية واليمن أو الكويت والعراق، أو بين الشعب وحكومته المسيرة من الاستعمار كما هي الحال في الصومال وأفغانستان، أو بينها وبين الاستعمار نفسه كما هي الحال في العراق وأفغانستان وفلسطين أيضاً، وأحياناً كثيرة أصبح القطر الواحد ساحة صراع بين أطراف متعددة.
والملاحظ أن هذه الاضطرابات الجارية التي نشأت مع ضعفت الخلافة الإسلامية، وقويت واتسعت بعد هدمها، قدعجزت أنظمة الحكم المختلفة ونظرياتها في الحكم والأفكار والمبادئ غيرالإسلامية المطروحة مع الحركات التي نشأت واندثرت أو تنشأ الآن من أن تضع حداً لاتساعها وعدم توقفها. لدليل على أن هذه الاضطرابات لا يضع لها حداً إلا الخلافة الراشدة الثانية التي بدأ فجرها يبزغ من خلال الظلام.
2- العلاقات الدائمة بين الناس في مجتمعاتنا اليوم والمتمثلة في وحدة النظم والأفكار والمشاعر، غير موحدة اليوم ومتنازع عليها بشكل واضح لا لبس فيه، ولا يختلف حالها عن العلاقات الدائمة غير الموحدة التي كانت تسود مجتمع يثرب قبل الهجرة. فالتنازع الظاهر اليوم بين الشعوب والأحزاب والحركات على السيادة وتطبيق أفكارها المتباينة يشبه التنازع بين الأوس والخزرج ويهود على السيادة، وإن اختلفت أشكال النـزاعين لكن جوهرهما واحد، وليهود في كلا النـزاعين دور بارز في إثارته وإدارته والعمل على استمراره بكل الوسائل. وما دور (إسرائيل) في المنطقة إلا خير شاهد.
ومن مظاهر عدم الوحدة واختلاف الأنظمة والأفكار والمشاعر ما حصل للبلاد الإسلامية، فقد تم تقسيمها إلى كيانات زرع في قلبها كيان يهود، كما زرع له عملاء فيها، وجعل لكل كيان سيادةً واستقلالاً وحاكماً وعلماً وجيشاً وولاءً ومواطنةً… إلخ، تختلف عن الكيان الآخر، ورسخ المفاهيم التي تحول دون عودة هذه البلاد للوحدة والاندماج كجسد واحد مثل مفهوم الوطن والاستقلال والسيادة وحق تقرير المصير، ولكن الأمة أصبحت تدرك مدى خطورة هذه المفاهيم على وحدتها وعلى دينها، وأخذت تلفظ هذه الأفكار وتتحرك لتغيير هذه الأوضاع، فأصبحنا نرى غالبية الناس تنادي بالإسلام وتحارب هذه الأفكار. حتى اندثر مؤيدوها بسبب فشلها وبعدها عن الصحة، وبسبب المصائب التي جلبتها على شعوب العالم الإسلامي، وهذا يشبه إلى حد بعيد تطلع الأوس والخزرج للإسلام ليحل لهم مشاكلهم ويوحدهم بعد الاختلاف والشقاق الذي عاشوه.
3- كما أن الاختلاف الفكري الظاهر اليوم في المجتمعات الإسلامية ليشبه في أصله الاختلافات الفكرية بين يهود أهل الكتاب وبين العرب أهل الشرك وعبادة الأصنام في ذلك الوقت، والتي قامت على أساس فرق تسد، فقد نجح الكفر اليوم في بث أفكار ومفاهيم غريبة عن هذه الأمة زادت من شقائها وحالت دون وحدة الفكر والعقيدة التي كانت تتمتع بها في ظل خلافة الإسلام، وقد بدأ بافكارالجامعة الإسلامية والجامعة العربية وأيهما افضل للمسلمين لصرف نظر المسلمين عن التفكير بالعمل لاعادة الخلافة موحدة الدين والأمة، ثم بأفكار التحرر الوطني وحق تقرير المصير والاستقلال لتحريرها من الظلم السياسي الذي لحق بهم في أيام ضعف الخلافة وحتى لا يفكروا بإصلاحها وعدم التفريط فيها، ثم لدعم وتركيز كيانات سايكس بيكو التي أوجدها، وأردفها بالفكر القومي ودعم دعاة الوحدة القومية كبديل عن الوحدة الإسلامية لإشباع شوق ورغبة الأمة للوحدة على أساس الإسلام بينما هي في الحقيقة لتكريس الفرقة وللحيلولة دون وحدة الشعوب الإسلامية، العربية وغير العربية من جهة أخرى.
4- كما أن المشاعر المتناقضة في مجتمع يثرب من الكراهية والحقد والتدابر بين يهود والعرب، حتى بين يهود أنفسهم كما جاء في كتاب الله عندما كانوا يتقاتلون مع حلفائهم ثم يفادون أنفسهم بعد الاقتتال. في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [البقرة 84-85] ثم يعود يهود لمفاداة أسراهم كما جاء في قوله تعالى: (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة 85] وهكذا في حروب وشقاء لتشبه إلى حد بعيد اختلاف المشاعر وتناقضها اليوم بين الفئات المتصارعة على الساحة الإسلامية.
وخلاصة القول إن ما يحدث من هزات عنيفة سواء سياسية أم اقتصادية أم فكرية في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم هو بسبب غياب الإسلام عن واقع الحياة والمجتمع وبفعل الاستعمار، ورغم خطورتها على الأمة وتضررها من ذلك إلا أن الحيوية دبت في الأمة بفعل هذه الهزات والاضطرابات العنيفة، وأوجدت إحساساً مشتركاً في الأمة، وهذا الإحساس المشترك أدى إلى عملية فكرية أنتجت قضايا، هذه القضايا مصحوبة ببراهينها من جراء البحث في الأسباب والمسببات لهذه الهزات، والوسائل القريبة والبعيدة التي تخرج الأمة منها. فنتج عنها الفكر الصحيح المتصل بالمنطق الذي يبرهن على صحة هذه القضايا، وبدوام هذه العملية الفكرية اتسع الأمر إلى أبعد من القضايا الإقليمية والوطنية التي كرسها الاستعمار، إلى ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، وتاريخ الأمم والشعوب وأفكارها ووسائل نهضتها والمقارنات والمفاضلات في ذلك، حتى اهتدت الأمة الى المبدأ الصحيح بفكرته وطريقته واستعدادها للعمل على تطبيقه ونصرته بالغالي والنفيس، والالتفاف حول الحركة الجماعية المؤثرة التي أرشدت الأمة على المبدأ الصحيح عندما حملته ونشرته وضحت من أجله. وتأكد بذلك لدى الأمة حقيقة عودة الخلافة الراشدة الثانية التي وعد بها رسولها الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: «ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة ثم سكت» (رواه أحمد).
وإني لأرى أهل النصرة والمنعة اليوم وسواد الأمة الإسلامية معهم تلهج ألسنتهم بالبيعة وتقول لمن تبايعه خليفة للمسلمين ما قالته الخزرج: «إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى ان يجمعهم الله بك، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك».
أبو إبراهيم – فلسطين
2007-10-25