العدد 248 -

العدد 248- السنة الثانية والعشرون، رمضان 1428هـ، الموفق تشرين الأول 2007م

المسلمون بين الخوف والإرهاب

المسلمون بين الخوف والإرهاب

 

نرى ونسمع عن كثير من أمراض الهوس العقلي التي تستحوذ على الإنسان وتمنعه من التقدم، مثل مرض الخوف من المرتفعات والأماكن المغلقة والظلال والعناكب، كما إننا نرى ونسمع عن كثير من المسلمين العازفين عن الاهتمام والإقدام على الأمور السياسية خوفاً من قمع حكوماتهم.

الخوف هو مظهر من مظاهر غريزة البقاء، فهو يظهر بوضوح عندما يتعرض الإنسان لخطر يهدد حياته. لكن كباقي الغرائز إذا تركت دون تنظيم عقلي فإنها تصبح مرضاً يسيطر على الإنسان ويمنعه من التقدم والاستمرار.

إلا أن الخوف له مفهوم معين في الإسلام، فقد حررّنا الله عز وجل من الخوف عندما بين لنا أن الحياة والموت هما بيده وحده، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً) [آل عمران 145] ومهما فعل الإنسان للهروب من الموت فإنه لن يستطيع (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء 78]. كما وبين الله لنا أن الرزق من عنده ولا وجود لمسبباته في الدنيا (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) [الروم 37]، (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الأنعام 151].

وكان بناءً على ذلك أن طَلبَ اللهُ من الإنسان الإقدام على أوامره دونما خوف، فأمر الله المسلمين الإقدام بشجاعة على القتال في سبيله (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الأنفال 15-16] كما وعد الله الذين يقاتلون في سبيله ويقتلون أنهم لن يلاقوا الموت أبداً بل الحياة الخالدة بالجنة (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران 169] وأمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحاكم الظالم.

وأظهر الله الخوف كعمل من أعمال الشيطان (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران 175] وإن من أحد أسباب خروج آدم عليه السلام وزوجه من الجنة هو الخوف من الموت (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف 20] ورأينا إزورار سرير القائد الثالث (عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه)) في معركة مؤتة في الجنة؛ وذلك لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرنا أنه تأخر هنيهة عن الإقدام للقتال، وبعد أن استدرك وأيقن ما وعد الله له بالشهادة، وأنه لن يلاقي الجنة بلا الموت، دخل وقاتل وقتل ولحق بأصحابه فيها. وما ذل المسلمون وهانوا على الناس اليوم  إلا بعد أن استحبوا الحياة على الموت كما أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذن يجب على المسلمين الخروج من دائرة الخوف إلى دائرة التخويف والإرهاب لأنهم أمروا بإرهاب عدوهم (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال 60]، وما نصر المسلمين على الروم إلا بتحقيق الرعب في نفوسهم كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نصر في معركة الروم «نصرت بالرعب». فالرعب عقاب من الله للكافرين وسبب فشلهم (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال 12]، (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) [آل عمران 151].

أما المؤمنون حقاً فقد وعدهم الله بالأمن (الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام 82]، (لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء 103].

فإذا علمنا أنه لا إله إلا الله، وأنَّه بيده الرزق والنصر، والحياة والموت، والحساب والعقاب، والجنة والنار، فلا نخاف إلا منه، بل إن الخوف الذي يجب أن ينمو ويستقيم في قلوبنا هو الخوف من الله وحده لنتقي عقابه (وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [النحل 51]، (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد21] فالتخويف من الله واجب على المسلمين (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام 51].

وما عبادتنا لله إلا خوفاً وطمعاً منه (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة 16].

فالخوف من الله يتأصل في نفس الإنسان عندما يعلم أن لأعماله عواقب، وأن الله هو الوحيد القادر على النفع والضر، وأن غيره لا يقدر أن ينفع أو يضر. فقد قال إبراهيم لقومه الذين أشركوا بالله (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنعام]، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام17].

فحتى الشيطان يعلم بقدرة الله، وأنه له عاقبة الأمور (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال48].

فهذه دعوة لشحذ الهمم والإقدام على الله دونما أن ننتظر عواقب لأفعالنا إلا منه سبحانه وتعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *