العدد 248 -

العدد 248- السنة الثانية والعشرون، رمضان 1428هـ، الموفق تشرين الأول 2007م

الناطق الرسمي لحزب التحرير في السودان: إقامة الخلافة فرض وليس حلماً، وتطبيق الإسلام ليس مستحيلاً

الناطق الرسمي لحزب التحرير في السودان:

إقامة الخلافة فرض وليس حلماً، وتطبيق الإسلام ليس مستحيلاً

 

نشرت صحيفة «آخر لحظة» السودانية في عددها الصادر يوم الاثنين من آخر رجب من العام 1428هـ الموافق 13/8/2007م مقالاً للأستاذ مؤمن الغالي بعنوان «أحلام حزب التحرير» وصف فيه شباب الحزب بأنهم مخلصون، متدفقون حيوية، متفانون، ولكنه وصف نفسه بأنه بعيد عنهم بعد القطب الشمالي عن القطب الجنوبي؛ لأنه كما يقول: «إيماني لا يمر عبر أحد أو حزب أو جماعة»، ووصف أن «السعي إلى الخلافة سعي مستحيل» لذلك هو غير مقتنع. وعجب من قول الحزب إن الخلافة هدمها الكفار؛ لأن الذي هدمها، بحسب رأيه، هم المسلمون أنفسهم. ومما ينصح الحزب فيه قوله: «خليكم عاقلين… لا تشطحوا بالأماني كثيراً وأنتم تنشدون دولة إسلامية واحدة… تطمس الفواصل بين الدول… قولوا لنا مثلاً طبقوا الإسلام في أنفسكم وأهليكم… بعيداً عن إسلام الدولة». هذا وقد رد مكتب الناطق الرسمي لحزب التحرير في السودان على الأخ الكريم، والوعي تنشر بدورها هذا الرد علّه يُذهب لدى الكاتب وغيره حديث النفس التي تستثقل التكاليف وتحب إنجاز أعظم التكاليف بأيسر الأعمال، وهذا ما يخالف دعوة الرسل والأنبياء. وعلى الله قصد السبيل. ومما جاء في الرد:

الأستاذ/ مؤمن الغالي،

اطلعنا على مقالتكم، وقد وجدنا فيها نقداً لدعوة حزب التحرير، ونقول مستعينين بالله رداً على هذه المقالة:

أولاً: لقد وصفت حملة الدعوة من شباب حزب التحرير بأنهم مخلصون وأنهم في حيوية متدفقة ومثابرة ومجاهدة وأنهم متفانون، نشكر لك أخانا مؤمن ذلك الوصف، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ولا نخفي عليكم تقديرنا وإعجابنا لاختياركم الكلمات الجزلة والقوية في التعبير عن آرائكم والتي نود أن تكون منبثقة ومبنية على العقيدة الإسلامية، ونسأل الله سبحانه أن يوفقك وإيانا لطاعته وأن يرفعنا وأمتنا وأن نكون من أهل السعادة.

ثانياً: لا بد من تثبيت مسألة تتعلق بنا في هذه الحياة الدنيا، وهي أننا بوصفنا مسلمين، لا بد لنا من أساس لحياتنا! وهذا الأساس هو الإسلام، فلا يكون قول أو عمل إلا على هذا الأساس، وهذا الأساس قد نظم لنا علاقتنا بالله سبحانه، وعلاقتنا بأنفسنا، وعلاقتنا بغيرنا من بني الإنسان، والإسلام يؤخذ بقوة الدليل من الأدلة الشرعية، نعم هذا منهج الحياة الذي اختاره لنا رب العالمين سبحانه، وهو جل وعلا سيحاسبنا على أساس الالتزام بهذا المبدأ، فإن سرنا به فلنا الجنة، وإن خالفناه (والعياذ بالله) فهو العذاب. هذه المسألة الأصل ألا تغيب عنا في كل قضايانا وحكمنا على الأفعال والأشياء.

ثالثاً: وردفي المقالة (أنا لست معهم لا من قريب ولا من بعيد… ابتعد عن أطروحاتهم ومشروعهم بُعد القطب الشمالي من الجنوبي… لا يمر إيماني عبر أي أحد أو حزب أو جماعة..) رداً على ذلك، نعلم أننا مسلمون، والذي يجمعنا هو العقيدة الإسلامية، ونحن لا نبتعد إلا عن ما أمرنا الشرع أن نبتعد عنه، وهو الحرام أو الدعوة إليه. وإذا اختلفنا في شيء لم يأمرنا الإسلام أن نبتعد عن بعضنا البعض بعد المشرقين، بل أمرنا أن نرد ما اختلفنا فيه إلى الله ورسوله. والخلافة حكمها فرض مثلها مثل الصلاة والصيام وهي من أعلى الأحكام وجوباً على الأمة قال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة 49]، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من خلع يداً من طاعة لقي اللّه يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):  «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، وقد قال فقهاء الأمة في ذلك أقوالاً كثيرة أذكر منها : «شمس الدين الرملي» الذي كان يُلقب بالشافعي الصغير قال: «الصحابة الكرام قدّموا تنصيب الخليفة على دفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)»، وكذلك الإمام ابن تيمية قال: «يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا الدنيا إلا بها»، وقال الإمام القرطبي: «قوام المسلمين بتنصيب خليفة، وهو ركن من أركان الدين لا ينكره إلا الأصم حيث كان عن الشريعة أصم».

وديننا يوجب علينا العمل في حزب! يأمرنا أن نعمل للدعوة إلى إقامة الإسلام وحفظه في جماعة قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران 104]، أما ما يشاهد من البعض من النفور من العمل في حزب (جماعة) تعمل لإقامة الإسلام، فمرده إلى الواقع السيئ الذي آلت إليه الأحزاب التي لا تقوم على أساس الإسلام، والتي لا تعمل من أجل الأمة بل من أجل مصالحها الشخصية على النمط الديمقراطي، والواقع لا يُجعل أساساً للحكم به، بل الإسلام يؤخذ من الدليل وليس من أفعال الناس، فكون العمل في حزب حلال أم حرام يؤخذ من الدليل وليس من سلوك الناس.

رابعاً: ورد في المقالة (السعي إلى الخلافة سعي مستحيل… يراهنون على وعد لن تراه أعينهم مطلقاً… في ظل هذا العالم الذي صار حكراً مطلقاً وملكاً مشاعاً للكفار..) هذا الكلام (الاستحالة) غير صحيح على الإطلاق؛ وذلك لأن الخلافة فرض من فروض الإسلام، والإسلام لا يفرض مستحيلاً قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا) [البقرة 286]، والدولة الإسلامية التي أسسها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأت عام 622م وهدمت سنة1924م أي استمرت 1302 عاماً، وهذه الدولة لم تكن خيالاً، بل ملأت الخلافة جنبات التاريخ بنهضتها وفضلها وعزها، أما الاستحالة فهي تكون لما هو خارج نواميس الطبيعة (المعجزة)، ولكن إقامة دولة لا تحتاج إلى معجزة بل إلى عمل دؤوب تلبساً بالحكم الشرعي، وكم من دولة في التاريخ قد هدمت، وكم من دولة قد أنشئت. أما الوعد فإن صدقه يكون من صدق من وعد، أو بمعنى آخر بقطعية الأساس الذي انبنى عليه هذا الوعد، والذي وعد بأن دولة الخلافة ستقوم من جديد هو الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام. أما القول بسيطرة الكفار على العالم، فهو صحيح، ولذلك نعمل لتحرير الأمة الإسلامية والعالم أجمع من سيطرة النظام الرأسمالي الكافر، وإقامة نظام الإسلام مكانه حتى يعم نوره كل الدنيا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللّه بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين يعز عزيزاً ويذل ذليلاً، عزاً يعز اللّه به الإسلام، وذلاً يذل اللّه به الكفر».

خامساً: ورد كذلك القول: (نعم هذا رأيكم ولن يقنع تلميذاً في مدرسة الأساس، ناهيك عن مجلس الأمن ودول عدم الانحياز والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، ولن نكتب حرفاً واحداً عن أميركا.. أو روسيا…) نقول رداً على هذه العبارات: إن أي مبدأ يعمل على تغيير مبدأ آخر مسيطر لا يبحث عن إرضاء ذلك المبدأ، بل يعمل على هدمه وإقصائه حتى لا يسيطر على الحياة، فبالتالي نحن لا ننتظر رضا الأميركيين أو الروس أو من والاهم، ولا نبحث عن رضا مجلس الأمن ولا غيره، بل نرجو ونلتمس رضا الرحمن وحده. أما الأمة كأمة فهي مقتنعة تماماً بوجوب الخلافة ولا تنكرها، بل تتوق لقيامها تحقيقاً لوعد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). ولنتأكد أن النصر قادم ولو لم نتلبس بواجب العمل لإقامتها. وكذلك يتصور ألا يتركونا عند إقامة الدولة!، بل يحاربوننا، وهذا طبعهم!، كما حاربوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أقامها، بل هم اليوم يحاربوننا، وسيواصلون حربهم عند قيامها وعودتها، وهذا يعني أن الخلافة ستثبت في حروبها مع الكافر تحقيقاً للوعد، فضلاً عن نصر الله تعالى للمؤمنين.

سادساً: ورد كذلك (نقول متى عشنا من غير الإسلام؟ نحن نعيش على وفي رياض الإسلام… أعجب منكم وأنتم تقولون إن الخلافة هدمها الكفار… أبداً… تالله وحاشا… لقد هدمها المسلمون… الذي هدم الخلافة هم الثوار الذين رأوا كيف أن الخلافة قد أورثت الأمة الذل والضعف والهوان…) نقول رداً على ذلك: لقد علمنا أن الإسلام هو النظام الذي ينظم للإنسان علاقته بالله سبحانه (العقيدة والعبادات)، وعلاقته بنفسه (المطعومات والملبوسات والأخلاق)، وعلاقته بغيره من بني الإنسان (كالحكم والمعاملات والزواج والميراث والقضاء…)، وأحكام الإسلام هذه التي تنظم كل شؤون الحياة لا تكون إلا بوجود دولة تجعلها كاملة، وكما قال ابن تيمية رحمه الله (وجود الخليفة يعني وجود تسعة أعشار الإسلام)، وإذا نظرنا إلى واقعنا نجد كما ذكر في المقال أن الكفار يتحكمون في العالم، ومنه العالم الإسلامي فلا بد من طرد المستعمرين المتحكمين هؤلاء، وهذا الطرد (الجهاد) من أعلى أحكام الإسلام، وهو غير مطبق اليوم، ولنعلم أن الكفار المتسلطين الذين ذُكِروا ليس لديهم كبير مشكلة مع دفن الموتى بالطريقة الإسلامية، أو الصلاة أو الاستيقاظ والنوم بالذكر، إنما مشكلتهم أن تكون أحكام الإسلام هي المتحكمة في العلاقات بين الناس سواء في النظام الاقتصادي، أم الاجتماعي أم سياسة التعليم أم نظام الحكم، وبالتالي السياسة الداخلية والخارجية ونظام القضاء؛ ولذلك هم يعملون للحيلولة دوننا والعودة لهذه الأحكام. ونظامه الرأسمالي هو المطبق اليوم في شتى مناحي الحياة. ففي الناحية الاقتصادية مثلاً نجد أن الأنظمة في العالم الإسلامي أنظمة جباية وليست للرعاية، بل أموالها تأخذها من موارد محرمة كضريبة القيمة المضافة، وعند الإنفاق أيضاً تنفق على غير ما حدده الشرع، أما الأحكام الأخرى كالعبادات فليست مجال النقاش، وهم يسمونها حرية شخصية.

أما الحديث عمن هدمها فليس بكبير مشكلة! ولكن المهم كيف هُدِمَ ذلك الفرض؟ كيف هدمت هذه الدولة؟ فقد هدمت الخلافة بعمل منظم استغرق سنوات من العمل الدؤوب! ومن أهم هذه الأعمال بث فكرة القومية المدمرة التي مزقت الأمة، وكذلك إدخال المفاهيم الرأسمالية العلمانية عن طريق الغزو التبشيري، فقد كانت مجمل الأعمال تنصب على إضعاف المسلمين في فهم الإسلام (وهو مكمن القوة)، وعندما قامت الحرب العالمية الأولى -نسبة لتركز المفاهيم الغربية- وقف بعض أبناء المسلمين العرب مع الاستعمار الإنجليزي وهدموا دولتهم مع الكافر المستعمر بأيديهم، وعلى غرار ذلك قام الإنجليز باستعمار العالم الإسلامي، وأُدخِل اليهودُ إلى فلسطين، واستعبد الرأسماليون الأمة الاسلامية، فارضين وجهة نظرهم في الحياة، مثل فصل الدين عن السياسة (أي فصل الإسلام عن الحكم  وبالتالي عن الحياة)، وكذلك ركزوا فكرة القومية والوطنية كرابط بين المسلمين بدل الإسلام وكذلك القبلية البغيضة، وفكرة نسبية الحق، والحل الوسط، وغيرها من الأفكار للحيلولة دوننا والإسلام.

أما القول إن الخلافة قد أورثت الأمة الضعف والذلّ والهوان، فإن الإسلام لا يفرض حكماً فيه ذل أو هوان على المسلمين ولا تورث أحكامه إلا العزة قال تعالى: (طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى) [طه 1-2]، والخلافة فرض، وما عاشت أمة في عزة بنظام حكم مثل أمتنا في ظل الخلافة، فنحن على مرّ التاريخ كان أهل البلاد التي نفتحها يكنّون لنا احتراماً ويدخلون في دين الله أفواجاً بدءاً بالعرب وانتهاءًَ بالبوسنة، بل من العجيب كانت بعض البلدان الأوروبية تطلب من المسلمين أن يأتوا لحكمهم بالإسلام، كما فعل ملك بريطانيا جون لاكلاند عام 1213م (كما نشرت صحيفة الصنداى تايمز في عددها الصادر بتاريخ 22/10/1978، حيث أرسل ذلك الملك إلى الأمير محمد الناصر والي المغرب يطلب إليه أن يأتي ويحكم بريطانيا، وأنه “جون لاكلاند” سيتنازل طواعية وعن طيب خاطر، عن مكانته ومملكته، وأنه سيدين بدين الإسلام. ولو استجاب ذلك الأمير في المغرب لكان أغلب أهل بريطانيا مسلمين اليوم، نعم هكذا كانت العزة. بل عندما عاد أمير البحار خير الدين بربروس من مهمته في تطهير البحر المتوسط والمحيط الأطلسي من القراصنة، بعد أن طلب ملوك أوروبا من خليفة المسلمين سليمان الأول تطهير البحار من القراصنة، حطّ ذلك الأمير بجيشه في ميناء (كاليه) الفرنسي فاستقبلهم ملك فرنسا، وأمر باستضافة الجيش على نفقة المملكة الفرنسية لمدة شهر كامل، وكذلك أمر كنائس كاليه أن تنكّس الصليب لكيلا  يؤذوا مشاعر المسلمين. وبعد رجوع الأمير ظافراً طلب ملوك أوروبا من خليفة المسلمين أن يعيرهم علم الدولة الإسلامية حتى يجعلوه على سواري سفنهم كي تهابهم القراصنة فلا يهددوا تجارتهم، هؤلاء الملوك لقبوا خليفة المسلمين سليمان الأول (بالعظيم) وكذلك شعوب أوروبا، أما المسلمون فقد لقبوه (بالقانوني)، وقد عقد ذلك الخليفة مع بعض ملوك أوروبا ومنهم فرنسيس ملك فرنسا اتفاقية (الامتيازات الأجنبية)، والتي استمرت لمدة أربعة قرون، ونقضت مع إزالة الخلافة! نعم هكذا كانت العزة. أما بغياب الخلافة فكانت الذلة -لا بوجودها-  فها هي فلسطين والعراق والشيشان وكشمير والصومال وأفغانستان في يد المستعمرين الكفار، وها هي الأنفس تقتل والأعراض تنتهك والأموال تسلب وكل ذلك يحدث نهاراً جهاراً ولا (معتصم) يجيب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإمام جنة يُقاتل من ورائه ويُتقى به».

سابعاً: ورد في المقالة (“وخليكم عاقلين”… لا تشطحوا بالأماني كثيراً وأنتم تنشدون دولة إسلامية واحدة… تطمس الفواصل بين الدول… قولوا لنا مثلاً طبقوا الإسلام في أنفسكم وأهليكم… بعيداً عن إسلام الدولة…). إن القول بالشطح بالأماني بدولة واحدة، هذا ليس شطحاً بل هو عين العقل الذي تسنده عقيدة الإسلام التي جعلت أمتنا أمةً واحدة قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء 92]، أما هذه الحدود فهي من صنع العدو نفسه للحيلولة دوننا والوحدة من جديد، ولكن وعد الله قائم، والأمة تتوق لقيام الدولة التي تجمعهم في ظل الإسلام. والأصل ألا نركن لما وضعه المستعمر، فهناك فرق بين المبدئية والواقعية، الإسلام أمرنا أن نغير الواقع الفاسد إلى الإسلام، لا أن نتكيف مع الواقع ولو كان لا يُجعَلُ الإسلام فيه أساساً، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تَكُونُوا إِمّعةً تَقُولُونَ إِن أَحْسَنَ النّاسُ أَحْسَنّا، وإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وإِنْ أسَاءُوا فَلاَ تَظْلمُوا».

أما القول بأن ندعو أمتنا بأن تلتزم بالإسلام في نفوس أفرادها وأهاليها، بعيداً عن إسلام الدولة،فأن تأمرنا بأن ندعو أنفسنا وغيرنا وأهلينا بالالتزام بالإسلام، هذا من المعروف الذي أمرنا به الإسلام، ولكن أن نبعد عن الدعوة لإسلام الدولة(ربط الدين بالحياة)، هو أمر بترك ما بعث من أجله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء 105]. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمه أبي طالب عندما نقل له تضجر كفار قريش من دعوة الإسلام: (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه).  وظهور الإسلام هو أن يكون للإسلام الغلبة والنصـرة على كـل الأديـان قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة 33]. والله نسأل أن يعيد للأمة عزتها بعودة الخلافة العائدة قريباً بإذن الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *