إسـلام كريموف ضـد حـزب التحـرير
1999/11/24م
المقالات
1,909 زيارة
العنوان أعلاه هو عنوان كتاب صدر حديثاً في موسكو لكاتب روسي غير مسلم، هو “فيتالي أناتوليفيش باناماريف”، يعمل في مركز الدفاع عن حقوق الإنسان “ميموريال” في آسيا الوسطى، والكتاب من الحجم الصغير يقع في82 صفحة. والذي لفت نظري وشدّ اهتمامي، أن هذا الكتاب يعد حدثاً غير مسبوق من قبل كافر هزته وأثرت فيه تلك الحرب الوحشية التي يشنها المجرم اليهودي الأصل إسلام كريموف ضد حزب التحرير وحملة الدعوة والمسلمين في أوزبيكستان. في حين نجد أن ملايين المسلمين لم يسمعوا بما يجري، وإن سمعوا لا تؤرقهم الأحداث الجسام، ولا تهز مشاعرهم المصائب والنائبات، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب ولا من بعيد، بل وكأن على قلوب أقفالها، وكأني بأسماعهم لم يلامسها حديث الحبيب المصطفى حين يقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ويتميز الكتاب بإعتماده في نقل الأمور كما هي دون تزوير ولا تحريف، على خلاف ما يجري عادة عندما يتناول الكثير من الكفار في كتاباتهم ووسائل إعلامهم الجماعات الإسلامية وحملة الدعوة، حيث تتجلى عبارات التطرف والإرهاب!! بل يجعل الحقد منهم صماً عمياناً حين يبدأ بالغليان في صدورهم، فيقلبوا الحقائق ويزوروا التاريخ: (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).
في بداية كتابه يستعرض “باناماريف” بإيجاز بالغ التعريف بحزب التحرير، كما ورد في كتب الحزب، وهذا يعد حسنة وسط حسنات هذا الكتاب، فهو حين يتكلم عن الحزب نجده يعتمد كتب الحزب ونشراته مصدراً لما يكتبه،وكذلك يعرض لنظرة الحزب للحكومات القائمة في العالم الإسلامي، على أنها غير إسلامية، وأن مشكلة المسلمين الأساسية تكمن في غياب الإسلام عن معترك الحياة، وأفول كوكب الخلافة الإسلامية، ويذكر الكاتب كذلك المراحل الثلاث التي يسير فيـهـا الـحـزب مـن أجل تحقيق غايته وإقامة الخلافة وهي عينها التي سَـنّـها الرسول صلى الله عليه وسلم في حمله للدعوة الإسلامية.
ثم بعد ذلك ينتقل بشكل مباشر ليتحدث حول حزب التحرير في أوزبيكستان، فعلى الرغم من أننا لا نتفق معه حول المعلومات التي توصل إليها ـ والتي مصدرها قوات حفظ الأمن الأوزبكية ـ والمتعلقة بالتأريخ لنشوء الحزب في أوزبيكستان، والشخصيات التي وضعت حجر الأساس لعمل الحزب هناك، على الرغم من ذلك كله فإن تلك المعلومات لم تحوِ بين ثناياها ما يسـيء إلى سـمـعـة الحزب أو يقلل من شأنه. وبين أسطر هذا الموضوع، نجده يشير إلى النشاط المكثف الذي أظهره شباب الحزب خلال فترة زمنية قصـيرة جداً، والذي تضمن ترجمة كتب الحزب ونشراته، حتى طالت يد الترجمة الكتب غير المتبناة.
وفي ص 9 ينتقل الكاتب لسرد ما أسماه “بداية الإضطهاد والتنكيل” فيذكر كيف أن القوات الحكومية الأوزبكية قد بدأت بمطاردة الشباب، ويشير إلى أول الشباب الذين اعتقلوا على أثر تلك المطاردة، وهو غلام صابر وكيف قامت الحكومة بوضع المخدرات والقنابل في بيته وسيارته، ومن ثم إتهامه بحيازتها، ووجهت إليه “تهمة” التمرد على الدستور والعمل على قلب نظام الحكم وفقاً للمادة 159 و المادة 216 التي تحظر نشاظ الجماعات والأحزاب الإسلامية التي يسمونها أصولية ومتطرفة!!
وتحت ما أسماه “شدة الاضطهاد بعد إنفجارات 16 شباط/ فبراير” التي وقعت في طشقند، ينقل الكاتب نص ما قاله كريموف في مقابلة صحفية أدلى بها لصحيفة “تركستان”، والذي يعتبره الكاتب المرة الأولى التي أظهر فيها كريموف بشكل علني عداوته لحزب التحرير، ومما قاله كريموف: “انتشرت في الكثير من البلاد الإسلامية حركات معينة، وضعت إعادة دولة الخلافة التي كانت في العصور الوسطى هدفاً لها، هؤلاء الناس يملكون قدرات هائلة جداً ذات تأثير عقائدي، بالطبع لا يمكن تحقيق هذه الغاية وإقامة هذه الدولة التي وجدت قبل 14 قرناً من الزمان، وميولهم هذه تتمثل في تسييس الدين الذي يستخدمونه من أجل الوصول إلى الحكم وإقامة دولتهم، وهؤلاء برأيهم أنه لا يجوز أن توجد حدود بين تلك البلاد التي يقطنها المسلمون، ويجب أن يحكموا بخليفة واحد، وتدار شؤون دولتهم من مركز الخلافة يتميز وينشط في هذا الإتجاه حزب التحرير، والذي يحاول أعضاؤه أن ينظموا نشاطاً سرياً في بلادنا، ويستخدمون الشباب غير الناضج وعديم الخبرة، لتحقيق مآربهم بكافة السبل والوسائل المتاحة لصياغة عقولهم بطريقة تتوافق معهم وبذلك يكونون قد حولوا هذه الجماهير الشبابية أعداءً لأمتهم، وبالطبع نحن لن نسمح لهم أن يحققوا مطامعهم”.
وفي صفحة 14 يتعرض الكاتب لإعتقال الشهيد عمر حسن علييف، فيروي أن عمر علييف “كان في اليوم الذي اعتقل فيه، أي في 15/4/99م قد عذب عذاباً شديداً حتى الموت وذلك في مركز الشرطة في مرغلان”. وكعادة الحكومات الدكتاتورية التي تلجأ إلى المغالطات، وسحب التأييد بالقوة، وإجبار الناس على البعد عن الدعوة يقول الكاتب: “في 30/4/99م عرض التلفاز النمنغاني بعض أعضاء حزب التحرير، وقد إجبروا على استنكار انتمائهم للحزب..” ويضيف: “وقد أخبرنا شهود عيان بأن على وجوه بعضهم كانت ظاهرة آثار التعذيب والضرب، والذي يؤكد أنه في أثناء التحقيق يتم استخدام الضرب والتعذيب في انتزاع الاعترافات من قبل قوات الشرطة والمخابرات في أوزبيكستان”.
و رداً على ملاحقة الحزب وشبابه على يد قوات الأمن، يقول الكاتب إن حزب التحرير شنّ “حرباً من النشرات”، ويضيف في صفحة 15: “بحسب ما توفر لدي من معلومات فإن نشرات حزب التحرير لاقت إقبالاً شديداً بين الجماهير الأوزبكية، وازداد هذا الإقبال أكثر فأكثر بعد 16/2/99م، أي بعد إعلان الحرب علنياً على الحزب من قبل السلطة”. وفي تعليقه على بعض أحداث “حرب النشرات”هذه يذكر الكاتب: “أنه في الفترة ما بين 14 ـ 16 من شهر حزيران قام الشباب بشكل علني وكفاحي بتوزيع النشرات في طشقند، في الأسواق والأحياء والبيوت وفي كل مكان حتى في صناديق البريد، وحتى إن أعضاء الحزب أوصلوا النشرات إلى مراكز الشرطة ووزارة الداخلية ومؤسسات الحكومة …” “… وعلى أثر ذلك كان قد اعتقل حوالي 200 موزع”. وبتاريخ 18/6/99م أذاعت وكالة “إنترفاكس” “أن الشرطة اعتقلت 25 طفلاً أعمارهم ما بين 9ـ12 سنة على أثر توزيع نشرات تدعو للتطرف الإسلامي ولإقصاء الرئيس كريموف عن الحكم”.
ويقول الكاتب في صفحة 16 “برأينا يمكن القول بثقة كاملة إن نشرات الحزب كانت صودرت من أقارب قارئ نزاروف ـ أحد زعماء الوهابيين ـ ووضعت عمداً في بيته لاتهامه بالانتماء لحزب التحرير” ويضيف: “… حسب معلومات جمعية حقوق الإنسان في أوزبيكستان أنه في الوقت الحالي يكفي أن تعثر قوات الأمن على نشرتين لحزب التحرير في بيت أي شخص لمحاكمته بحسب المادة 159 والقاضية بالسجن لمدة تصل إلى 19 سنة”.
وفي صفحة 19 يذكر الكاتب وقائع محاكمة 12 شاباً من شباب حزب التحرير فيقول ما نصه: “أثناء المحاكمة أنكر عشر شباب التهم الموجهة إليهم، وهي حيازة المخدرات والمتفجرات، ولكن ثلاثة أو أربعة منهم بشكل جزئي اعترفوا بما وجه إليهم من تهم 159 والمادة 216″، “… في قاعة المحكمة دعاة الخلافة ثبتوا على أفكارهم وبشكل خاص نجحوا في إثبات أن آراءهم موافقة للأصول والفروع الإسلامية، فيما يتعلق بطريقة حزب التحرير في العمل لإقامة الخلافة، وذلك في النقاش الذي دار علناً في القاعة مع اللجنة الدينية الحكـوميـة الأوزبكية”. ويضـيـف: “مـن أجل إضـعـاف الروح المـعـنـويـة للمتهمين تركوا وقتاً طويـلاً قبـل ذلك بـدون أن تـقـدم لهم وجبات الإفطار والغداء”.
وعن نزاهة القضاة والأحكام الصادرة بحق الشباب والتي تراوحت ما بين 9 إلى 19 سنة يقول الكاتب في صفحة 19 ما نصه: “بشكل عام لا شك أن نتائج المحاكمات كانت مقررة قبل البدء بها” وفي صفحة 20 يقول: “أن جمعيات حقوق الإنسان تستنكر بشدة القسوة غير المبررة في إصدار الأحكام على شباب حزب التحرير … وعدم مراعاة الحد الأدنى والحد الأعلى في إصدار الأحكام،وإن جميع الذين حوكموا حكم عليهم بالحد الأعلى للعقوبة”. وأما عن الكذب الذي تمارسه وزارة الداخلية فحدث ولا حرج، يقول الكاتب في صفحة 23: “إن ما تقوله الوزارة عن اعتقال 4000 عضو من حزب التحرير في طشقند فقط من أصل 8000 ـ حسب إحصائيات الوزارة ـ إن رقم المعتقلين مبالغ فيه جداً”.
وفي صفحة 25 يتحدث الكاتب عن مقتل فرهود عثمانوف ـ رحمه الله ـ تحت التعذيب على أيدي قوات الشرطة المسيرة بأمر الكافر اليهودي فيؤكد أن ما زعمته الحكومة من أن فرهود قد مات بسب “السكتة القلبية” أن هذا الإدعاء غير صحيح وأن آثار التعذيب كانت بادية عليه ووجهه كان منفخاً من آثار الضرب ويقول بأن جنازته في 26/6/99م قد تحولت إلى أنتفاضة شعبية ضد الحكومة وممارساتها التنكيلية والإضطهادية والتعسفية بحق الحزب.
ومن الجدير بالذكر أن الكاتب كمراقب للأحداث عن قرب يخلص في هذا القسم من الكتاب إلى نتيجة مفادها: “أن أحداث 14-17 من حزيران وكذلك أحداث 26 من نفس الشهر أثبتت أن نظام الحكم في أوزبيكستان فشل في تحقيق النصر في صراعه مع حزب التحرير وأن الحزب إستمر في العمل بنشاط كبير رغم ممارسات الحكومة ضده، ومن الطريف أنه حتى بعض النشطاء الإسلاميين وبالذات من الوهابيين بدأوا العمل إلى جانب الحزب في صراعه مع السلطة. “ثم يضيف الكاتب “أن أعضاء حزب التحرير في أوزبيكستان ينتمون إلى كافة طبقات الشعب الإجتماعية: العمال، الطلاب، التلاميذ، وذوي الـوجـاهـة .. وآخـرون”.
وعن نجاح الحزب يقول الكاتب في صفحة 26: “نجاح حزب التحرير في أوزبيكستان يرجع إلى أن أعضاء هذا الحزب لا يخافون مهاجمة الممارسات الهمجية للحكومة الأوزبكية بصراحة وعلنية، والتي ساوت في حجمها ممارسات ستالين ضد المسلمين في الثلاثينات”. وصدق القائل: والحق ما شهدت به الأعداء.
ويعلق الكاتب قائلاً: “الحكومة الأوزبكية أدركت أن النصر على حزب التحرير لن يتحقق فقط عن طريق الممارسات التعسفية والتنكيل والإضطهاد ..”، “لذلك في الفترة الأخيرة في أوزبيكستان تُشن حملة إعلامية دعائية واسعة وبمشاركة جهات دينية حكومية” ويضيف: “بأمر من الحكومة، يقوم الخطباء والعلماء بمحاولة إقناع الناس بأن وقت الخلافة قد عفى عليه الزمن …” ويقول: “إن مفتي أوزبيكستان قد أصدر فتوى يحرم فيها حتى مخالطة أعضاء حزب التحرير، والحديث معهم حتى لو كانوا أقارب لهم أو جيراناً!!”.
يحتوي الكتاب كذلك على ملحقات ثلاثة، في الملحق (1) وتحت عنوان “حزب التحرير: أسئلة وإجابـات” ينقل الكاتـب مجـمـوعـة أسئلة مترجمة من اللغة الإنجليزية.
وفي الملحق (2) من صفحة 33 إلى صفحة 55 يستعرض الكاتب كافة نشرات الحزب التي صدرت في أوزبيكستان بدءاً من 3 آذار 99م ولغاية 3 تموز 1999م.
وأما في الملحق (3) من صفحة 56 إلى صفحة 82 نجد الكاتب يعرج على ذكر 112 عضواً من أعضاء الحزب كمثال على الذين حوكموا، فيـذكـر تهـمـهـم ومدة محكوميتهم وعلى أساس أي مـادة حـوكـمـوا.
ومؤخراً، في 20/10/1999، أصدرت منظمة «مراقبة حقوق الإنسان» تقريراً عن أوزبيكستان تحت عنوان: «الطرد التمييزي للطلبة المسلمين»، جاء فيه «إن المدارس والجامعات في جميع أنحاء أوزبيكستان توصد أبوابها أمام المسلمين الملتحين والفتيات المحجبات»، وتناول التقرير «السياسة الصارمة التي تنتهجها الحكومة، والتي تقوم على عدم إبداء أي قدر من التسامح مع الطالبات المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب، والطلبة المسلمين الذين يطلقون لحاهم. فقد عمد المسؤولون الحكوميون إلى فصل هؤلاء الطلبة من المدارس والجامعات باستهانة وجفاء، وكان أكثر المفصولين من البنات والفتيات» وفي بعض الحالات، اشترك المسؤولون في الجامعة مع أفراد أجهزة أمن الدولة في تخويف الطالبات المسلمات اللاتي أصررن على ارتدائهن الزي الإسلامي، وفي مضايقتهن هن وأسرهن، وتوعدت وزارة أمن الدولة بعض الطلبة والطالبات بالفصل، وحذرت آباءهم من فصلهم هم الآخرين من وظائفهم. وقد زعمت الحكومة الأوزبيكية أن الزي الديني الذي يرتديه الطلبة يشير إلى أنهم يسعون إلى إقامة دولة إسلامية. وأفادت أنه منذ أواخر عام 1997، اعتقلت قوات الشرطة والأمن الآلاف من المسلمين الذين لا يلتزمون بصيغة الإسلام التي تقرها الحكومة، أو لا يترددون على المساجد المعتمدة من قبلها، وقامت الشرطة بتلفيق الأدلة للمشتبه بهم، والتعدي بالضرب على المعتقلين، وأصدر القضاة، في أعقاب محاكمات فادحة الجور، غضوا فيها الطرف عن تجاوزات أفراد الشرطة، أحكام الإدانة ضد المتهمين استناداً إلى معتقداتهم الدينية، ما يمثل شكلاً من أشكال التمييز الديني. وفي الشهر الماضي، أفرجت الحكومة الأوزبيكية عن خمسة مسيحيين سجنوا بسبب معتقداتهم الدينية، ولم تفرج عن أي من المعتقلين المسلمين.
أما نحن، ومن قربٍ من الأحداث، لا بد لنا أن نشهد لهؤلاء الأبطال الذين تعملقوا في وقتٍ تقزم فيه الرجال، وثبتوا وصبروا على دينهم ومبدئهم، في زمنٍ نافق وداجى وحابى فيه الكثيرون من علماء السلاطين ومن حذا حذوهم، ولا بد أن نشهد لهم بما شهد به مولاهم الذي تحابوا فيه (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلاً). وإن ما نراه بأم أعيننا من ثبات هؤلاء المؤمنين من الأعاجم على دين محمد صلى الله عليه وسلم لَـيذكرنا ببلال وسلمان وصهيب، وليبعث فينا الأمل والثقة بأن النصر آتٍ، والفرج قريب .
أبو إسلام (كييف)
1999-11-24