العدد 150 -

السنة الثالثة عشرة – رجب 1420هـ – تشرين الثاني 1999م

هل بإمكان إسـرائيل تطـوير أسـلحـة بيولوجيـة عرقيـة ؟

نشرت العديد من الصحف العالمية والعربية، نقلاً عن صحيفة «الصنداي تايمز» البريطانية خبراً مفاده أن علماء إسرائيليين في المعهد البيولوجي الإسرائيلي في “نس تسيونا”، يعملون على توظيف الاكتشافات العلمية في مجال البيولوجيا الجزئية من أجل تطوير أسلحة بيولوجية قادرة على إصابة أشخاص حسب أصولهم العرقية، بحيث تكون هذه الأسلحة مخصصة للفتك بالعرب دون غيرهم على سبيل المثال، وتتجه بحوث الإسرائيليين، كما أوردت الصحيفة، إلى استخدام فيروسات وبكتيريا مهندسة جينياً لكي تصبح قادرة على التعرف والالتصاق بأنواع معينة من المستقبلات البروتينية الموجودة بشكل طبيعي على أغشية الخلايا البشرية، ومن ثم الفتك بهذه الخلايا. وفي ختام مقالتها، أوردت «الصنداي تايمز» تعليقاً لمسؤول بريطاني لم يصرح عن اسمه، لكنه وصف نفسه بالمتخصص في مجال الدفاعات البيولوجية، جاء فيه: «بأن تطوير إسرائيل لمثل هذه الأسلحة يعتبر أمراً ممكناً من الناحية النظرية».

قبل الخوض في المسألة من ناحيتها العملية، للحكم على إمكانية نجاحها أو فشلها، لا بد من التنويه إلى أن فكرة تطوير أسلحة بيولوجية عرقية هي ليست ابتكاراً إسرائيلياً، بل إن هذا المجال قد تم التطرق إليه بشكل نظري من قِبل الدكتور السويدي كارل لارسون، في مقالة نشرها عام 1970 في عدد تشرين الثاني من مجلة “Military Review” التابعة للجيش الأمريكي وكانت المقالة تحت عنوان «الأسلحة العرقية». أي منذ 29 سنة أو ربما أكثر من ذلك، لكن المعوقات العملية لتطبيقه جعلته أمراً مستحيلاً.

                بالنسبة للأساس العلمي لعملية التعرف التي تقوم بها هذه الميكروبات للمستقبلات البروتينية البشرية، فإن العملية تشبه إلى حد كبير مسألة الخصوصية الحاصلة بين المفتاح والقفل. فالفيروس، على سبيل المثال، كالمفتاح المُزَيف يبحث عن قفل مناسب له، هذا القفل قد يكون في كثير من الأحيان أحد البروتينات البشرية الموجودة على أغشية خلايا معينة، كخلايا الدم البيضاء مثلاً، ويعمل هذا المستقبل في الوضع الطبيعي على التقاط إشارات حيوية، إما من خلايا مجاورة أو من خلايا عضو بعيد. أما في حالة التقاء الفيروس بهذا المستقبل ذي الشكل المناسب، فإن الفيروس يقوم بعملية خداع للمستقبل البروتيني، ليستخدمه كوسيلة للدخول إلى الخلية أو تمرير رسالة فتاكة، لتكون النتيجة في النهاية إما قتل الخلية، أو تحويلها إلى خلية معطوبة.

                أما بخصوص قدرة هذه الميكروبات على التأثير في خلايا شخص دون آخر، فالقضية نابعة من كون المُورِثات البشرية (الجينات) هي مصدر المعلومات المسؤول عن إنتاج البروتينات، بما فيها المستقبلات التي تكلمنا عنها سابقاً، والعديد من هذه الجينات الموروثة عن الآباء والأجداد تتميز باحتوائها على اختلافات جزئية بين شخص وآخر. بعض هذه الاختلافات يؤدي إلى إنتاج أشكال مختلفة من المستقبلات البروتينية، الأمر الذي سيجعل عملية التعرف والالتصاق التي يقوم بها الفيروس تعتمد بشكل كبير على شكل المستقبِل الذي يحمله الشخص. في الواقع هناك عدة أمثلة لجينات بشرية يختلف تركيبها من شخص لآخر، هذه الاختلافات أمكنها أن تفسر في بعض الحالات قابلية أشخاص معينين للإصابة بمرض ناتج عن ميكروب محدد. وقد يكون الأمر معكوساً كوجود أشخاص يحملون تراكيب جينية معينة تجعل أجسامهم قادرة على مقاومة نوع معين من الميكروبات.

                بعد هذا العرض المبسط للآلية العلمية، قد يبدو أن تطوير فيروسات أو بكتيريا مهندسة جينياً تكون قادرة على الفتك بكل من يهدد أمن إسرائيل أمْـر هينٌ. إلا أن الأمر يعتبر شبه مستحيل من الناحية العملية للأسباب التالية:

                أولاً: من الناحية البيولوجية لا يمكن رسم حدود فاصلة بين التراكيب الجينية المختلفة، فالقضية أعقد بكثير من أن توصف وكأن هنالك لونين فقط: الأبيض والأسود، ويفصل بينهما حدّ واضح المعالم. أضف إلى ذلك أن آلية حصول العدوى في الأفراد تختلف بشكلٍ كبير عن تلك الحاصلة في أنبوب الاختبار، والتي تستخدم فيها عادة خلايا بشرية معزولة عن بيئتها الطبيعية. فالعدوى في الأفراد عملية معقدة وشائكة تتداخل فيها العديد من العوامل البيولوجية التي تشكل أجهزة الجسم المختلفة، والتي لا يمكن الحصول على صورة واضحة المعالم عن دور كل واحد منها، ما يجعل الجزم بفاعلية السلاح البيولوجي ضد العرب مثلاً، دون التأثير على اليهود، أمراً صعباً للغاية.

                ثانياً: القول بالإمكانية النظرية لتطوير مثل هذه الأسلحة ضد العرب أو المسلمين لا يستند إلى أرضية صلبة، بل هو قول مطاطي أريد به التضليل وبث الرعب من باب الحرب النفسية. فمثل هذا القول صحيح في حالة شبه مستحيلة يكون فيها العرق المراد إبادته متجانساً ومميزاً عن غيره من الأعراق من ناحية المورثات الجينية. وهذا يستلزم تحقق شرطين أساسين، أولهما: أن يحمل جميع أفراد هذا العرق صيغة مميزة ومتطابقة من الجين المسؤول عن إنتاج المستقبِل الذي سيتم التعرف عليه من قبل الميكروب. أما الشرط الثاني: فيجب أن تكون الأعراق الأخرى بما فيها اليهود خالية تماماً من هذه الصيغة المميزة، حتى لا يكونوا عرضة للإصابة بالميكروب نفسه. إن تحقق هذين الشرطين في الواقع يعتبر أمراً مستحيلاً، لأن الكلام يدور حول شعوب دائمة الحركة والتغير والتزاوج في ما بينها، ما يؤدي إلى عدم صفاء الأعراق، والاختلاف وعدم تطابق في التراكيب الجينية. والاختلاف الشديد في التراكيب الجينية للمسلمين الذي يعيشون في منطقة الشرق الوسط أمر يقره علماء الوراثة اليهود. ففي عام 1994 نشرت المجلة الأميركية للوراثة البشرية بحثاً لفريق من العلماء الإسرائيليين جاء فيه ما يلي: «إن تحديد الأصول العرقية للعرب الذين يقطنون في إسرائيل يعتبر في حد ذاته أمراً معقداً، فبعضهم يرجع إلى أصول يهودية بقيت في الأراضي المقدسة بعد الهدم الثاني للهيكل، آخرون منهم وصلوا إلى الأرض المقدسة كجزء من موجات الهجرة العديدة التي حصلت عبر العصور، سواء منهم من جاء من شبه الجزيرة العربية أو من القارة الأوروبية مع الغزوات الصليبية أو الأجزاء المختلفة للشواطئ المتوسطية أو حتى من أواسط آسيا».

                ثالثاً: إن أكثر العوامل تعقيداً في الموضوع هو عامل الشبه والتداخل الكبيرين في التراكيب الجينية بين اليهود الشرقيين سواء الذين جاءوا من دول عربية أو من آسيا الوسطى وبين المسلمين العرب أو غير العرب. ففي العديد من الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات دولية صرح العلماء الإسرائيليون بأن هناك تشابهاً كبيراً في التراكيب الجينية بين اليهود الشرقيين والمسلمين في الشرق الأوسط كونهم ينحدرون من أصل سامي واحد. وهذا ما يجعل الشروع في تطوير هذه الأسلحة نوعاً مرعباً من أنواع المخاطرات العسكرية.

                رابعاً: إذا كان الكلام عن سلاح موجه ضد كل من يشكل خطراً على أمن إسرائيل فلا بد من الإجابة على السؤال: من هم الذين يشكلون خطراً على إسرائيل؟ ومن ثم دراسة تراكيبهم الجينية لمعرفة ما إذا كانوا عرقاً واحداً صافياً متطابقاً ومميزا عن غيره من الأعراق، الحالة التي إن وجدت فعلاً أمكن عند ذلك التفكير بجدوى سلاح جرثومي عرقي. للإجابة على السؤال المطروح آنفاً، فإن المسلمين على اختلاف أعراقهم هم العدو الذي يشكل خطراً حقيقياً على أمن إسرائيل، واليهود يعلمون ذلك علم اليقين كما جاء على لسان قادتهم مراراً وتكرارا. ولا بد من التذكير هنا بأن مراكز الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية تعكف الان على دراسة ما يُسمى بـِ (ساحة القتال المستقبلية). وقد حدد وزير خارجية إسرائيل السابق أرئيل شارون هذه الساحة بشكل غير مباشر عندما تكلم عن الدائرة الاستراتيجية للمخاطر والمصالح الإسرائيلية فقال: «إنها تمتد من الباكستان شرقاً إلى المغرب غرباً، ومن جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالاً إلى جنوب افريقيا والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر جنوبا». بعد معرفة هذه الحقيقة، أصبح من المجزوم به قطعاً أن فكرة تطوير سلاح عنصري للقضاء على الأمة الإسلامية بما تحويه من خليط معقد جداً من الأعراق يعتبر أمراً في غاية السخف والسذاجة، وأن إطلاقه ما كان إلا من باب الحرب النفسية. فليس لإسرائيل ولا لغيرها قِبَل بأمة تعهد الله بحفظ مبدئها، أمة توحدت على عقيدة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» يرددها المسلمون الايغور في الصين والبشتون والشيشان والطاجيك والأوزبك والجاويون والمالاويون والبنجابيون والعرب والفرس والكرد والترك والبربر وقبائل الولوف والفولاني والطوراق والهوسة والماور ومسلمو شرق وأواسط غرب افريقيا ومسلمو البلقان، زد على ذلك الملايين التي دخلت وتدخل في الإسلام يومياً من أهل أوروبا وأميركا، إلى غير ذلك من الأعراق التي لا يُحيطها عد ولا حصر، والعالم بأسره يشهد اليوم صحوة هذه الأمة وعودتها لفهم دينها، وسعيها لإقامة الخلافة الراشدة، وتحرير أرضها المحتلة، وتوحيد بلادها الممزقة. ونبشر أعداء هذه الأمة الكريمة أن ما ينفقونه للكيد لهذه الأمة ولدينها، سينقلب عليهم حسرة وندامة، وستكون الغلبة عليهم لهذه الأمة الكريمة.  قال تعالى: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) صدق الله العظيم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *