العدد 246-247 -

العددان 246-247، السنة الواحدة والعشرون، رجب وشعبان 1428هـ، الموافق آب وأيلول 2007م

شجرة الإسلام الطيبة

شجرة الإسلام الطيبة

 

عبد القادر الحجازي – بلاد الحرمين

قال تعالى: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) إبراهيم 24-25.

الكلمة الطيبة هنا هي ( لا إله إلا الله ) والشجرة الطيبة هي النخلة، وإن النخلة هي شجرة تشبه المسلم كما ورد في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجمار نخلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها ، أخبروني ما هي ؟ فوقع الناس في شجر البوادي ، فوقع في نفسي إنها النخلة، فأردت أن أقول هي النخلة، ثم نظرت، فإذا أنا أصغر القوم فسكت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي النخلة، فذكرت ذلك لعمر فقال : لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا”.

إذا فالبيان الإلهي يشبه عقيدة الإسلام ( لا إله إلا الله) بالنخلة والنخلة بالمسلم. فإذا أردنا أن نفهم ماذا تعني (لا إله إلا الله) نقية صافية بالمعنى القرآني الذي أراده الله سبحانه ، فما علينا لا أن نتفكر ونتدبر ذلك الشبه العجيب الذي ما ضربه الله لنا إلا لزيادة الإفهام وجلاء الذهن من الوهم والخيال.

(لا إله إلا الله) كشجرة طيبة

عندما يشبه الله سبحانه عقيدة (لا إله إلا الله) بالنخلة، فإنه يذكر لنا أربعة أوجه للشبه:

  • طيبة

  • أصلها ثابت

  • فرعها في السماء

  • تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها

هذه الأوصاف الأربعة هي أوصاف للمسلم ولعقيدة الإسلام؛ لذا وحتى نفهم المعنى في الموصوف فقد قدم لنا الله الصفة المحسة المشاهدةن والتي هنا هي النخلة؛ كي نقبل عليها فنتفحصها ونخبرها ثم نضع ما توصلنا إليه من صفات على طاولة البحث والتأمل ، وبعد هذا نسقط هذه الصفات على الموصوف (لا إله إلا الله) وعندها تتضح لنا المعاني الجلية التي أراد المولى إبرازها وجلاءها للأبصار، ولنأخذها صفة صفة.

الصفة الأولى : طيبة

والطيب في الشجر يكون في أربعة أمور:

  • الطيب في المنظر والشكل والصورة

  • الطيب في الرائحة

  • الطيب في الثمرة

  • الطيب في المنفعة

يقول الإمام الرازي : ” ويجب حمل طيبة على مجموع هذه الوجوه لأن باجتماعها يحصل كمال الطيب “.

  • الطيب في المنظر والشكل والصورة:

إن نظرة متدبرة لشكل النخلة وصورتها لتريك فيها أربع صفات:

  • تشابك أليافها وتماسك أواصرها

  • إذا مالت مالت جميعا.

  • لها رأس واحد ومنه يخرج الثمر.

  • إذا قطع رأسها يبست وماتت بخلاف بقية الأشجار فإنها تتفرغ غصونها من جوانبها.

لو أخذنا هذه الصفات ثم أسقطناها على أمة ( لا إله إلا الله) فلن نحتاج إلى كثير عناء لندرك التوافق الوثيق بينها وبين شكل الأمة الإسلامية الذي تتبدى فيه اللحمة والتكاتف بين أبنائه كتكاتف ألياف النخلة، وكذلك الوحدة الفكرية الشعورية بين المسلمين، وقد سطر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الوصف في عهدة المدينة ، فقال كما في السيرة النبوية لابن هشام: ” المسلمون أمة واحدة من دون الناس، وإن سلمهم واحدة، يجير عليهم أدناهم ، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس”.

وقال: ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” ( صحيح مسلم) ، وإذا مالت الأمة في مصاب فإنها تميل جميعا: ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. ثم شبك بين أصابعه”( صحيح بخاري).

أما فيما يتعلق بصفات المؤمن من حيث المنظر والمقابلة بينه وبين النخلة ، فإن الطيب في المؤمن بين في قلبه وقالبه قال صلى الله عليه وسلم: ” إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة ، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود” ( رواه الترمذي والبزاز) ولعل من لطائف التشبيه بين طبيعة المؤمن والنخلة هو أن مادة شجر النخل لا تنفع ولا تستعمل للإحراق، فهي ليست كأخشاب بقية الأشجار ، وكذلك المؤمن فإنه محرم على نار جهنم بحول الله.

وأيضا أمة الإسلام لها رأس واحدة كالنخلة قال صلى الله عليه وسلم: ” إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما ” ( صحيح مسلم).

أما أنه إذا قطع رأسها ذبلت وماتت ، فنظرة إلى واقع أمتنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، بعدما قطع رأسها ، وهو ولي الأمر الخليفة الحاكم بنظام الإسلام، كيف أنها ذبلت اقتصاديا وعلميا واجتماعيا… حتى غدا أبناؤها كالأيتام على مأدبة اللئام.

  • الطيب في الرائحة:

إن الرائحة الطيبة هي ذلك النفح الذي يصيبك من بعيد، فإن كان كذلك فإن استقراءك للمجتمع الإسلامي هو استقراء لمجتمع تفوح منه رائحة الخلق السامي والعدل وسمو الغاية، تلك الرائحة التي عطرت العقول والقلوب ففتحتها دون أن تصلها الجيوش وتسل السيوف ، ولعل إندونيسيا أكبر شاهد على أكبر بلد إسلامي فتحته سهام الرحمة ومكارم الأخلاق، حتى شهد البعيد قبل القريب والعدو قبل الصديق بأن التاريخ لم يشهد أرحم من الفاتح المسلم.

  • الطيب في الثمرة:

يقول ابن القيم في زادالمعاد عن النخلة ” وثمرها يؤكل رطبا ويابسا، وهو غذاء ودواء وحلوى وشراب وفاكهة،وجذوعها للآت والأواني ، ومن ليفها الحبال ومن نواها علف للإبل”

وقد ورد في الأثر فيما يرويه الغزنوي ” مثل المؤمن كالنخلة، إن صاحبته نفعك، وإن جالسته نفعك،وإن شاورته نفعك، كالنخلة كل شيء منها ينتفع به”

وإن ثمرات الأمة الإسلامية في شتى المجالات أكثر من أن تحصى لذا فإنني سأقتطف من كل روض ثمرة واحدة .

  • على الصعيد السياسي:

ققد استطاع نظام الإسلام إبان الفتح  الإسلامي أن يصهر تحت لواء (لا إله إلا الله) أعقد المتناقضات الفكرية والعرقية والدينية، فدان الجميع لله، وإذا بهم كل فكري شعوري، يصف وول ديورانت ذلك الانصهار العظيم في كتابه قصة الحضارة فيقول: ” آمن السكان بالدين الجديد، وأخلصوا له إخلاصا أنساهم آلهتهم التي عبدوها آلاف السنين، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب وتملك خيالهم وصاغها، وبعث فيهم آمالا تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها” هذا كله في الوقت الذي فشل فيه الغرب في تذويب القوميات لتصبح الشعوب الغربية كيانا واحدا. ثم ها هو القرن العشرون يشهد حربين مدمرتين كانت النزعات القومية في أوروبا من أهم أسبابها.

  • على الصعيد الاقتصادي:

يروي لنا التاريخ الذي ظللته (لا إله إلا الله) أوضاعا من المعيشة قلما شهد الإنسان مثيلها، فالطب مكفول للجميع مجانا، حتى إن البيمارستان الذي أنشأه السلطان نور الدين في دمشق عام 1160 ظل ثلاثة قرون يعالج المرضى ويمدهم بالدواء مجانا . ويقول المؤرخون إن نيرانه ظلت مشتعلة 267 سنة.

  • على صعيد العلوم:

شهدت البلاد ازدهارا لم يكن لواحدة من الدول القائمة آنذاك؛ ولا القائمة اليوم، أن تحلم به ، حتى إن الغرب نفسه ليشهد بأن البنيان العلمي الذي توصل إليه اليوم قام بغالبيته بدعامة النظريات والمنجزات التي حققها العالم الإسلامي إبان نهضته، هذا ما قررته المستشرقة زيغريد هوبكة في كتابها فهرسة قصة الحضارة. هذا والخير باق، يقول صلى الله عليه وسلم: ” مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره” (رواه الدراقطني).

  • الطيب في المنفعة:

ومن أهم منافع الشجرة هي ظلالها وظلال أمة (لا إله إلا الله) قد انتشرت، وتفيأها أهل المشرق والمغرب من الصين وإندونيسيا والهند، إلى فارس والشام وجزيرة العرب ومصر، إلى مراكش والأندلس كلهم استظلوا بأمنها وأمانها، فغدا المؤمن آمنا في سربه ، مستعصما معتزا بدينه، لا يخشى أي غزو تبشيري أو عسكري؛ لأنه حتما سيتحطم على أسوار دولة الإسلام المجيدة… بل إن بعض الدول غير الإسلامية كانت تلجأ إلى سلطان المسلمين عله يظلها بظل دولته ويكنفها بكنفه، وهذا ملك فرنسا فرنسوا الأول حين أسر في معركة بافيا عام 1525م أرسلت والدته مبعوثها جون فرانجيباني ليكلم السلطان سليمان القانوني الذي سارع إلى إجابته وإعادة ملك فرنسا، هكذا دون أي مقابل مادي أو سياسي.

الصفة الثانية: أصلها ثابت:

فكما أن أصل النخلة ثابت في الأرض مكي قوي، كذلك فإن عقيدة الإسلام هي أصل مقطوع به جازم يقيني، يتخذها المسلم قاعدة فكرية تعين له وجهة نظره في الحياة، وتحدد له الأحكام والمفاهيم الحقيقية لكل شيء فلا يضل ولا يشقى، ومنها ينبثق المنهج السوي للسلوك في الحياة تقوده (لا إله إلا الله) إلى كل خير؛ فهي إذاً قاعدته الفكرية وقيادته الفكرية التي تشكل له سفينة نجاته في حياته ومآله. ذكر الإمام القرطبي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن مثل الإيمان كمثل شجرة ثابته، الصلاة أصلها، والزكاة فروعها، والصيام أغصانها، والتأذي في الله نباتها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن محارم الله ثمرتها).

وكذلك فإن عقيدة (لا إله إلا الله) تغور في تربة النفس كما يغور أصل النخلة في الأرض وتتغلغل في ثناياها: لأن الفطرة البشرية تتقبلها بقبول حس وتنبتها النبات الحسن فهي توافقها، لا كمثل الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض لا تتقبلها فطرة الإنسان ولا تمد لها جذورًا، ففطرة الإنسان تلفظ كل غرس غير غرس التوحيد. قال تعالى: ( فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الروم 30)

يقول الإمام الرازي: (أصلها ثابت أي آمن من الانقطاع ومن الزوال والفناء) وكذلك عقيدة الإسلام آمنة باقية بإذن الله، لا تزول بفضل الله وتمكينه للخلص من عباده الذين يذودون عن عقيدتهم وعن دينهم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البيهقي: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين). فبثبات ذلك الأصل استطاع المسلمون أن يحدثو ذلك الانقلاب الشامل في جزيرة العرب، ثم انطلقوا إلى العالم ليواجهوا أممًا كلها ألقت سلاحها مقبلة على الإسلام الذي انهارت أمامه كل الحضارات، ولم يصمد أمام قوة أصله وصلابة مبدئه فكر ولا دين.

الصفة الثالثة: فرعها في السماء:

وإذا كان الأصل ثابتًا فلا بد للفرع أن يعلو في السماء، وإذا علا الفرع في السماء فإنه سيكون بعيدًا عن عفونات الأرض وقاذوراتها؛ لذا فإن ثماره ستخرج نقية طيبة، وما ارتفاع الفروع في شجرة الإسلام إلا كناية عن العزة والسمو الذي رفلت به حضارة الإسلام ولم يزُل إلا بزوال حكم (لا إله إلا الله) عنها، قال تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا) (فاطر 10)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والتمكين في الأرض) كما أن فرع شجرة الإسلام سيبقى بإذن الله حتى آخر الأيام، فقد ورد في أحاديث الدجال عن رجل مسلم يتصدى للدجال ويواجهه ويقول له: أنت المسيح الدجال الذي حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فهذا دليل على أن الإسلام سيحمله أهله حتى آخر الأيام قبيل قيام الساعة بحول الله.

الصفة الرابعة: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها:

فكما أن النخلة لا تعرى من الورق، ويأكل الناس من ثمرها على مدار السنة، فكذلك الإسلام أكله دائم وظله، فلا يعجز عن إمداد المسلم بالموقف والرأي اللازم في كل حدث من الأحداث، والإسلام لم يزل اليوم يؤتي أكله في شبابه الذين يستلهمونمنه الزاد لرحلة التغيير، ثم إن البيان القرآني يؤكد على أن الثمرة الطيبة ما كانت طيبة إلا لأنها من عند الله، أما ما عند غيره فجثة فوق الأرض. وأيضًا فإن  في الآية لطيفة عظيمة وهي أن الثمرة لا تخرج إلا بإذن ربها فالنتيجة من كل جهد هي عليه سبحانه، وما على المسلمين إلا الزرع والحرث بصدق وتوكل عليه سبحانه، (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) (آل عمران 126).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *