العدد 246-247 -

العددان 246-247، السنة الواحدة والعشرون، رجب وشعبان 1428هـ، الموافق آب وأيلول 2007م

بين عزمات العاملين وهمم المستبشرين ومكر الماكرين وتثبيط المثبطين

بين عزمات العاملين وهمم المستبشرين

ومكر الماكرين وتثبيط المثبطين

 

يقول الحق تبارك وتعالى: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور55 ، ويقول جل جلاله: ( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) المجادلة 20-21.

إن الناظر إلى الأمة الإسلامية يرى أن الحقد الصهيوصليبي بشرقه وغربه قد نهد إليها من كل رابية ، وتنادى لها من كل فج عميق، ووبش أوباشه ، وأنشب أظفاره، وأنفذ أنيابه غائرة في جسد هذه الأمة يبث سمومه.

كما ويسمع من مشايخ القصور والفضائيات وأقرانهم عبارات مثل: ” الخلافة خرافة” ، ” الخلافة فتنة” ، ” الخلافة أمنية”، ” الخلافة ستقوم في القمر”، ” نحن اليوم لا نستطيع مواجهة الغرب”، ” الحكام أولياء أمورنا وتجب طاعتهم”، وغيرها من عبارات انهزامية وانبطاحية واستسلامية.

وإن النفس لتراود صاحبها فتقول: هل لهذا الدين من قيام بعد أن سقطت رايته بسقوط دولته؟ هل لهذا الدين من رجال ينصرونه من أمثال الأولين؟ هل لهذه الأمة من أكتاف تعلو عليها من جديد بعد أن أوصلها حكامها وأذنابهم إلى مؤخرة الركب وذيل الأمم؟

يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم … يا جمع الذين يمسكون بالكتاب… يا أبناء صلاح الدين ومحمد الفاتح… يا أحفاد الفاروق وعبد الله بن حذافة السهمي… يا خلف عبادة بن الصامت وأنس بن النضر… أيها الأخوة في الله.

إن الدين (لم ولا ولن ) يقوم إلا على أكتاف أولي العزمات من الرجال، ولا يقوم على أكتاف المترخصين والمترفين الذين رضوا أن يكونوا مع الخوالف ، ولا على أكتاف أقرانهم من المثبطين المستهزئين بقيامه من جديد، ولا على أكتاف النائمين المتقاعسين.

هيهات هيهات أن يقوم الدين العظيم على أكتاف أولئك ، فالدين العظيم لا يقوم إلا على أكتاف العظماء من الرجال، والمسؤولية التي تصدعت خشية من حملها السماوات والأرض لا يمكن أن يقوم بها إلا أهلها، فكيف تنهض أمة المجد والسؤدد والسلطان والعظمة على أكتاف صغيرة مترخصة، وعزائم وضيعة ذات أفق ضيق؟! فهذا والله محال.

كيف سيقوم الإسلام الأشم دون أكتاف كالجبال الرواسي وعزمات كعزمات أنس بن النضر وأبي أيوب الأنصاري وسمية أم عمار؟!

فهذا هو جدكم أنس بن النضر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لم يشهد معركة بدر أم العزمات يقول: ” لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع” ، فشهد أحدا وقاتل حتى وجد بجسده وهو ميت بضع وثمانون طعنة وضربة، حتى إن جسده مزق مزقا فلم يعرفه أحد إلا أخته.

إنها همم تغلي في الصدور، فتحول الشيوخ إلى شباب؛ فهذا ورقة بن نوفل وقد وهن عظمه وانحنى ظهره وابيض شعره، هذا الشيخ الهرم يقول لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم : ” لئن يدركني يومك لأنصرك نصرا مؤزرا”.

ويقول هذا الشيخ وكان كثير السؤال عن الرسول الكريم:

لججت وكنت في الذكرى لجوجا ******* لهم طالما بعث النئيجا

ووصف من خديجة بعد وصف **** فقد طال انتظاري ياخديجة

بطن المكتين على رجائي ******** حديتك أن أرى منه خروجا

بأن محمدا سيسود فينا ********* ويخصم من يكون له حجيجا

ويظهر في البلاد ضياء نور ******* يقيم به البرية أن تموجا

فيلقي من يحاربه خسارا ********* ويلقي من يسالمه فلوجا

فيا ليتني إذا ما كنت ذاكم ****** شهدت وكنت أولهم ولوجا

فإن يبقوا وأبق تكن أمور ****** يضج الكافرون لها ضجيجا

وإن أهلك فكل فتى سيلقى ******** من الأقدار متلفة خروجا

هذا الشيخ يتحدى الدنيا من أجل نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم بل ويتمنى أن يكون أول الناس ولوجا في دين الإسلام، ويعلن التحدي سافرا لجميع المشركين، وأنه ستكون أمور عظيمة منه في نصرة الحق والدفاع عن الرسول الكريم.

وهذه سجية جدكم سيف الله المسلول يتمنى وأي أمنية ” ما كان في الأرض ليلة أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية المجاهدين أغير فيها على العدو، وإنها أحب إلي من ليلة تهدى إلى بيتي فيها عروس أنا لها محب وأبشر فيه بغلام”.

هؤلاء هم أجدادنا السابقون الأولون الذين أصبحوا ملء سمع الدنيا وبصرها يتلون: ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصره) الأنفال 26.

يا أتباع محمد الذي صارع بمفاهيم الإسلام أفكار الجاهلية حتى اجتثها، وكافح سياسات صناديد قريش المحرفة إلى أن نصره الله بالأوس والخزرج، فاستبدلها بالسياسة الربانية العادلة عندما أسس دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة.

اعلموا إخوتي ، عمني الله وإياكم بمغفرته ورحمته ونصره، إنه لا يصلح هذا الدين إلا بما صلح به أوله . ولن يصلح ويعلو إلا على أكتاف عظيمة مثل أكتاف مصعب بن عمير ومعاذ بن جبل وسعد بن معاذ، التي يهتز عرش الرحمن لموتها.

إنها همم وعزائم تغلي في صدور أصحابها غليان الماء في القدر تستحث صاحبها على عظائم الأمور صباح مساء ، تهمس في روع الزمان:

أنا إن عشت لست أعدم قوتا **** وإذا مت لست أحرم قبرا

همتي همة الملوك ونفسي **** نفس حر ترى المذلة كفرا

عزائم شامخة كالجبل الأشم، أهل لحمل دين الله وإظهاره في الأرض من جديد. أكتاف تعلمت كما تعلم أسلافها في دار الأرقم بن أبي الأرقم، تعلمت أن تبيع الأنفس التي تموت غدا بأنفس لا تموت أبدا، تعلمت صناعة الرجال لتجيد قيادة الركب،فهي أهل إن قبضت على خطام الناقة أن تعود بها إلى الذرى، إلى العلياء والسؤدد والرفعة والأنفة، إلى قيادة البشرية وإنقاذها من ضيق وجور وظلام الدنيا، إلى سعة وعدل وضياء الدنيا والآخرة.

أيها الإخوة في الله ، يا أبناء أمة الخير: لقد أنجب الإسلام الأشم على مر الزمان من هذه الصفوة من العزائم أمثال القعقاع بن عمرو التميمي وقتيبة بن مسلم الباهلي وسعيد ابن جبير وعبد الرحمن الغافقي، فقد خرج هؤلاء من أصلاب أولئك.

وإن أرحام سليلات الخنساء وخولة بنت الأزور وصفية بنت عبد المطلب وسمية أم عمار قادرة بحول الله أن تلد، لا بل أنجبت والحمد لله ، عزائم وقادة تتوهج توهج النجم، فتحرق بنارها كل كفر وفسوق، وتمزق بلظاها كل مخططات وعروض الحكام المجرمين.

عزائم وقادة كأني بها شموع تذوب شيئا فشيئا لتضيء بنورها وضيائها طريق الأمة الداجي نحو العزة والكرامة والعلياء.

إنهم ثلة تمسك بالكتاب وبه تعمل… إنهم أولو بقية من أولي النهى ينهون عن الفساد في الأرض ، ويدفعون عذاب الله أن يقع، ويسيرون بالأمة إلى أن يصبح سلوكها وفق أمر ربها، وتأتلف قلوب أبنائها عن قريب في ظلال دولة الخلافة الراشدة الثانية على نهج النبوة.

فهذه سجون حكام الجور تعج بجثثهم ليس لشيء إلا لأنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فعذبوا فماتوا على ما ماتت عليه سمية أم عمار، فهم بإذن الله مع حمزة بن عبدالمطلب.

وهذه هي فلوجة المآذن ، وكشمير التضحيات، وشيشان الخير، وجنين الشهادة…. وغيرها هبت فيها جحافل المجاهدين لتلقن وتعلم الحقد الصليبي ” الجديد والقديم” أنها قد خرجت من أصلاب أولئك الرجال الذين مرغوا أنوف أجدادهم في الوحل ، أمثال صلاح الدين وعبد الرحمن الغافقي وغيرهم، وأنها بحول الله مقسمة أن تذلهم كما ذل أجدادهم بالأمس.

وها هو أحد إخوانكم تلميذ عبدالله بن حذافة السهمي، يرافع عن نفسه في محاكم أدعياء الحرية والحارة ” الأتاتوركية” ، وذلك بعد أن اعتقل بسبب العمل في حزب سياسي يعمل لإعادة الخلافة الإسلامية.

اسمعوا ماذا يقول:” أقسم بالله الذي بيده أنفاسي التي أحملها أمانة ، لو أن لي أرواحا بعدد شعر جسمي وأتيت إلى هذه الدنيا بعدد هذه الأرواح، لكنت في كل مرة عضوا في هذا الحزب، اقتداء بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم صراعا فكريا وكفاحا سياسيا لإقامة الخلافة التي هي الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الإسلامية”.

هذا أخوكم يتمنى أن يكون له أرواح ليزهقها في العمل لإعادة خلافتكم، فماذا أنتم صانعون؟

وهذه تلميذة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه تخطو بثبات السابقين الأولين على طريق رسولها لإظهار دين الحق بإقامة الخلافة الإسلامية.

كانت هذه الأخت قد اعتقلت وهي حامل ، بتهمة الانتماء والعمل مع تكتل محظور يعمل على قلب نظام الحكم هناك وإقامة الخلافة الإسلامية، فوضعت هذه الأخت مولودها في السجن، أخذوا طفلها من خدرها، وبعد أيام وإمعانا في تعذيبها ومحاولة لثنيها عن طريقتها، وضعوا سماعة الهاتف على أذنها وفي المقابل كان صوت رضيعها مستغيثا يريد أن يرضع من ضرعها، فأغريت بضمها إلى طفلها إن هي تخلت عن حزبها وأنكرته، فكان الجواب ما تعلمت في حلقات الأرقم بن أبي الأرقم: ” لو أن لابني مائة نفس وخرجت نفسا نفسا ما تركت هذا الحزب وهذه الطريق، ولا تركت الدعوة إلى إعزاز دين الله في الأرض بإقامة الخلافة الإسلامية”.

إنها عزمات أم فقدت رضيعها في سبيل إقامة خلافتكم. فماذا تنتظرون؟

أسألكم بالذي يحول بين المرء وقلبه ما هو عذركم أيها الرجال في التقاعس عن العمل لإقامة الخلافة، يا رجال ، هذه أخت الرجال، فأين الرجال؟!

نعم هذا ما يحتاجه الإسلام، رجال أرادوا فحققوا، وقالوا فسددوا، وعملوا فأخلصوا، وجاهدوا في الله حق جهاده فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجال أولو عزمات تقاسي أهوالا تشيب لها النواصي، وأحوالا تزيل الجبال الرواسي، تخوض الغمار، تركب التيار ، لا ترجو عند الصباح مساء ولا عند المساء صباحا.

همم ذات غاية وأي غاية، إنها مرضاة الله تعالى بإظهار دينه في الأرض من جديد.

يا أحفاد أسامة بن زيد وعقبة بن نافع وعاصم بن ثابت، أيها الإخوة في الله:

اعلموا أن الذين راهنوا على سرمدة غياب هذه الأمة العظيمة من الحكام الأنذال وأسيادهم الصهيوصليبيين قد اقترفوا إثما عظيما، واختبأوا حقدا وغيظا، وأعمت الضغائن أبصارهم، وخانتهم ذاكرة الأيام، وجهلوا أو تجاهلوا نفاسة وأصالة معدن هذه الأمة الكريمة.

إن هذا الإسلام لا يقيم ويعلي رايته المثبطون المترفون المستهزئون بقيامه من جديد.

لا يعيد أمة الإسلام إلى الصدارة وقيادة البشرية من جديد من رضي عنهم عبيد الكفار من حكام الخسة والنذالة في العالم الإسلامي.

فهذه عزائم وهمم أصابها داء الترف والترخص والاستسلام والهوان والانبطاحية، أو ضيق الأفق ومرض اليأس الذي أوصل بعضهم إلى الاستهزاء بوعد الله وبشرى رسوله، بقيام هذا الدين من جديد وحمه للأرض بأسرها.

وإن هذه النفوس مريضة واجب علاجها، حتى وإن ادعت أنها من ورثة الأنبياء.

فهي ما انفكت تبث في أوصال أمة المستحيل العجز والهزيمة والخنوع واليأس مدعية أنه تعلمها.

فهي والله الذي لا إله إلا هو، إن أدركت أو لم تدرك ن ما هي إلا رأس الحربة التي أنفذها الكفار الحاقدون في خاصرة هذه الأمة للحيلولة دون أن تضع مولودها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

وما فتات هذه النفوس تداهن وتتملق الحكام وتقرهم وتسكت عنهم ( فهم أولياء أمورنا كما يزعمون) ، وكأنهم أقاموا دين الله فينا!!، فها نحن في العراق وفلسطين نتفيأ ظلال حكام الجور!!… اولئك هم علماء آخر الزمان، يجب الأخذ على أيديهم قبل غيرهم أولئك علماء السوء فاحذروهم.

أيها الأخوة في الله ، ألم يأن لكم أن تتبينوا معسكركم وفسطاطكم؟ ألم يأن لكم أن تتبينوا أولياءكم وقادتكم؟

بلى والله قد آن، آن أن تدركوا حقيقة أن لا إسلام بال عناء وتعب، لا إسلام بلا سجون، لا إسلام بلا مقاصل الجلادين الطغاة، لا إسلام بلا دماء واضطهاد، ليس هناك إسلام يرضى عنه الحكام عبيد النصارى واليهود، فإن وجدت ما تستبه أنه كذلك فاعلم أنه نفاق ودجل ورياء وتشويه، فلا مناصة من المعركة الملتهبة بين العدل والظلم… بن الظلام والنور…. بين أهل الظل وأهل الحرور.

فإما أن تكون أخي في فسطاط النور من أولياء الله العالمين العاملين لإظهار دينه في الأرض كلها، وإما أن تكون في فسطاط الظلام مع آل بوش وآل سلول وآل أبي لهب من الحكام المحدثين… وهؤلاء وقود النار في الآخرة أعاذنا الله وإياك منها.

اما أن تنحني أمام حملات الكفر الصهيوصليبيي المتتالية ، فالمحراب لا يستقبل من ينحني لغير الله.

أما أن خشيت مقاصل الجلادين، فالله لم يخلق للإنسان إلا قلبا واحدا لا يتسع لخوفين: فإما خوف من الخالق . أو خوف من المخلوق.

اعلم أخا الإسلام أن القافلة التي تسير باتجاه الخلافة ملقية خلفها أشواك المثبطين، وجماجم اليائسين المستهزئين، ومقاصل الحكام المجرمين، ودساتير الكفار العلمانيين، إنها بحول الله وقدرته توشك أن تصل إلى ما قد انطلقت من أجله. فحذار أخي في الله أن تفوتك القافلة، حذار أن تصل القافلة إلى غايتها وأنت نائم متقاعس تتسمع لهؤلاء المثبطين الانبطاحيين.

أخي في الله ، إن الغاية جليلة وإن الفجر الذي طال انتظاره يوشك أن يأذن بانبلاج بعد ليل داج، وإن الفرج والنصر لا يأتيان إلا بعد الشدة والبلاء والزلزلة والاستيئاس، فكن صابرا مصابرا خائضا غمار الشدائد، ولا يلفتنك عن غايتك شفار تشحذ عليك بالمكر، ولا أنوف تعطس عليك بالكير، ولا استهزاء المستهزئين وتثبيط المثبطين.

إخوة الإسلام، سابقوا إلى الرفعة والأنفة والعلياء والعظمة التي كان يعيشها أجدادكم في ظلال الخلافة الإسلامية.

أعملوا جادين هادفين بعزائم لا تلين لها قناة لإقامة دولتكم دولة الخلافة الراشدة الثانية على نهج النبوة وإظهار دينكم على الدين كله، قال تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف ، وقال تعالى ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) سبأ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *