العدد 276 -

العدد 276 – السنة الرابعة والعشرون، محرم 1431هـ، الموافق كانون الثاني 2010م

مع القرآن الكريم: الإنفاق في سبيل الله

مع القرآن الكريم:

الإنفاق في سبيل الله

 

(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

جاء في كتاب «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه العالم في أصول الفقه أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة (حفظه الله تعالى وسدد خطاه):

جعل الله سبحانه هذه السورة العظيمة [سورة البقرة] جامعة لأنواع كثيرة من الخير، فذكر سبحانه المؤمنين والكافرين والمنافقين، ثم ذكر يهود وتحريفهم كتبهم واختلافهم على أنبيائهم وقتل بعضهم أنبياءهم وجدلهم بالباطل ومؤامراتهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين.

فذكر العقيدة وبعض متعلقاتها ليكون المؤمن راسخ الإيمان واعياً على كيد الكفر وأهله.

ثم ذكر الله سبحانه بعد ذلك أنواعاً من الأحكام الشرعية المبنية على العقيدة الإسلامية، فذكر البيت وبناء إبراهيم وإسماعيل له ثم تحويل القبلة إليه وكذلك الحج إليه، وذكر سبحانه الصوم والجهاد وعدداً من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالدعوة للإسلام واحتدام الصراع بين الحق والباطل واختلاف الناس على رسلهم، وثقل البلاء الذي يلقاه المؤمن والصبر على الأذى في سبيل الله ومن ثم النصر والفتح القريب.

كل ذلك ليستقيم أمر المسلم في إيمانه وفي أفعاله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا يضره من خالفه: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك(البخاري ومسلم).

وفي هذا السياق – بيان عدد من الأحكام الشرعية بعد أن ذكر الله سبحانه سابقاً العقيدة الإسلامية – جاء هذا السؤال والجواب في هذه الآية الكريمة وتساؤلات تبعته حول عدد من الأحكام الشرعية المبينة في هذه السورة العظيمة.

فقد سأل عمرو بن الجموح (رضي الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه ابن عباس (رضي الله عنهما) عن النفقة من ماله، وكان شيخاً كبيراً ذا مالٍ كثيٍر فقال: يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا؟ فنـزلت الآية الكريمة والتي تبين ما يلي:

  1. يظهر من الآية أن السؤال كان عن الأموال التي تُنفَق ولكن الله سبحانه أجاب عن (المُنفَق) بشكل عام (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي من الحلال الطيب، ثم بين سبحانه مَن الذين لهم الأولوية في الإنفاق عليهم (فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). وفي هذا دلالة على أن النفقة لا يعتد بها ولا تقبل إلا إن وقعت موقعها أي للذي يستحقها.

  2. أن الآية في الصدقة المندوبة وليست في الفريضة (الزكاة) وذلك بقرينة (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) فقد جعل الله الإنفاق متوقفاً على المنفِقين فلم يقل سبحانه (أنفقوا خيراً لكذا وكذا) وعندها كان احتمال الفرض وارداً، ولكنها هنا (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ) أي إن أنفقتم فليكن من خير وليكن للوالدين والأقربين … الآية.

وهذا يعني أن الإنفاق متوقف على المنفقين، وحيث إن النفقة – الصدقة – قربة إلى الله فيكون الإنفاق هنا مندوباً.

وتؤكد هذا خاتمة الآية الكريمة (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) و(مَا) هنا كذلك شرطية، فالنفقة متوقفة على المنفق ولذلك فإن القول بنسخها بآية الزكاة غير وارد فهذه في الصدقة المندوبة وآية الزكاة في الفريضة.

  1. تبين الآية الأولويات في الصدقة، فالأولى أن تكون في الوالدين والأرحام والأقارب أي الأدنى فالأدنى: «إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بآبائكم ثم الأقرب فالأقرب» (ابن ماجه، أحمد) «سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي، ذاك حق واجب ورحم موصولة» أي ذوي الأرحام (أبو داود، الترمذي، الدر المنثور). «وأتى رجل النبي (صلى الله عليه آله وسلم) فقال: إن لي ديناراً. قال: أنفقه على نفسك. قال: إن لي دينارين. فقال: أنفقهما على أهلك. قال: إن لي ثلاثة. قال: أنفقها على خادمك. قال: إن لي أربعة. قال: أنفقها على والديك. فقال: إن لي خمسة. قال: أنفقها على قرابتك. فقال: إن لي ستة. فقال: أنفقها في سبيل الله تعالى» (أحمد، ابن حبان، البيهقي). وكما جاء في الحديث: «الصدقة على الفقير صدقة، وهي على الرحم صلة وصدقة» (أحمد، النسائي، ابن ماجه). ثم بعد الوالدين والأقربين للمحتاجين والأولى اليتيم وهو من كان صغيراً وفاقداً للأب، ثم المساكين والفقراء من غير اليتامى، ثم الذي انقطع به السبيل، وهكذا فالإنفاق في الأولى فالأولى أفضل مما سواه والله سبحانه لا يضيع عنده مثقال ذرة من خير فكلّ نفقة من مال حلال طيب بإخلاص لله توضع في موضعها أي لمستحقيها مهما صغرت، يتقبلها الله بقبول حسن ويعلمها سبحانه على أي حال أنفقت (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *