العدد 216 -

السنة التاسعة عشرة محرم 1426هـ – شباط 2005م

المستقبل للخلافة وللعاملين عليها

المستقبل للخلافة وللعاملين عليها

كتب جان فرانسوا مايير مقالاً بعنوان: «هل يشكل حـزب التحـرير حقاً القاعدة التالية؟». الكاتب هو من سويسرا، وقد كان مسؤولاً عن مشروع بحث يتعلق ببرنامج حول «التعدد الثقافي والهوية الوطنية» في مؤسسة سويسرا الوطنية للعلوم، وعمل كمحلل في الشؤون الاستراتيجية والدولية لحكومة سويسرا الفيدرالية. وحاضر في الدراسات الدينية، وكتب ما يفوق العشرة كتب بالإضافة إلى عدة مقالات تعالج بشكل أولي التطورات الدينية في العالم المعاصر. وهو يعتبر مراقباً للاتجاهات في الدين المعاصر.

وهذا ملخص لها:

«هل سيحتل حـزب التحـرير مكان القاعدة؟» هذا هو السؤال الذي وجه في عنوان مقال، نشر في 8/9/2003 من قبل وكالة الأخبار روزبالت، لقد تم التعبير فيما سبق عن آراء ناقدة جداً للحزب الإسلامي  السياسي العالمي (HT)، ولغيره من الجماعات الإسلامية العسكرية في الاتحاد السوفياتي السابق. كما وكان هنالك محاولات لربطه -أو ربط بعض من أعضائه على الأقل- بأعمال عنف كأحداث مارس ويوليو 2004م في أوزباكستان، مع أنه تم رفضها من قبل الحزب بنفسه بشدة. وقد مورس قمع قاسٍ على أعضاء الحركة في دول آسيا الوسطى.. وهو أمر تم توثيقه من قبل وسائل الإعلام العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان.

«كذلك في الغرب ذكرت عدة مقالات منذ عام 2003 بأن حـزب التحـرير قد يشكل تهديداً جدياً. وفي واشنطن كتب أريل كوهن تقريراً نشرته مؤسسة هيراتيج “Heritage” في مايو/ أيار 2003م ذكر فيه أن على الولايات المتحدة «منع حـزب التحـرير من زعزعة استقرار آسيا الوسطى» وقال بعد أن اقتبس عدة جمل من الحـزب: «إن حـزب التحـرير يتسم بمعاداة أميركا وبالتطرف، ويدعو للإطاحة بالأنظمة الحالية بالعنف» ويقول الكاتب إن تقييم كوهن هذا يعتمد على الحدس وليس على الواقع، حيث قال: «قد يشن حـزب التحـرير عمليات إرهابية ضد أهداف للولايات المتحدة ولحلفائها، عاملاً لوحده أو بالتعاون مع جماعات إرهابية عالمية أخرى كالقاعدة، وإن سيطرة الحزب على أية دولة في آسيا الوسطى قد يوفر للحركة الإسلامية العالمية المتطرفة قاعدة جغرافية، وسهولة الوصول للخبرة والتكنولوجيا لصناعة أسلحة الدمار الشامل. يجب على الولايات المتحدة وحلفائها القيام بكل ما باستطاعتهم لتجنب مثل هذه النتيجة». ويذكر الكاتب تعليقاً على ما كتبه كوهن هذا: يبدو أن كوهن ليس على اطلاع جيد على حـزب التحـرير، وأن بحثه لا يطرح حـزب التحـرير كمنظمة إرهابية وحسب، بل ويخلق اتصالاً مصطنعاً مع موضوع ساخن آخر وهو أسلحة الدمار الشامل.

«ثم يذكر الكاتب أنه يمكن اعتبار مثل هذه التصريحات مجرد تكهنات من قبل جماعة ضغطٍ معزولة (يقصد كوهن)، ولكن لقد لقي حـزب التحـرير مؤخراً اهتماماً متزايداً، كما ولقي معارضة متزايدة من جهات متعددة، وليس فقط في آسيا الوسطى. ففي فبراير/شباط 2004م نظم مركز واشنطن مؤتمراً مغلقاً حول حـزب التحـرير، في أنقرة تركيا. ومع أنه كان هناك موافقة عامة بين المشاركين بأن حـزب التحـرير «كجماعة لم يتورط أبداً بنشاطات إرهابية» إلا أن البعض اقترحوا أنه يلعب دور «حزام حماية لولادة الإرهابيين». وبشكل مماثل كان هناك اقتراحات من ألمانيا أن حـزب التحـرير قد يلعب دور «المبشر الفكري للإرهاب».

«وفي يونيو/ حزيران 2003م قدم تقرير أعدته جماعة الأزمة الدولية (TCG) تحليلاً دقيقاً عن حـزب التحـرير في المنطقة، بناءً على بحث ميداني، واشتمل على مقابلات مع أعضاء في المنطقة، ووفقاً للكاتب: «يقول البرهان أن حـزب التحـرير بعيد عن تشكيل خطر اليوم على استقرار دول آسيا الوسطى. فليس هناك أي دليل على حيازته لقدرات عسكرية. وهناك فقط برهان محدود أنه قد يفكر بالدعوة إلى السلاح في الوضع الراهن…» ولقد اتهم بعض أعضاء حـزب التحـرير بتورطهم بأعمال عنف، ولكنه لم يرفق أي برهان مع هذه الادعاءات. وبالتأكيد ليس من الممكن القول، بدون أي شك، إن هذه الأقوال هي مجرد خيالات، ولكن على المرء أن يبقى حذراً جداً عندما يوجه ادعاءات ليس لها أصول واضحة. وبالإضافة إلى ذلك، إذا تم حقاً إثبات تورط بعض أعضاء الحزب في الإرهاب، فهذا الأمر سيمثل تطوراً مزعجاً، ولكن سيبقى من الضروري تقييم ما إذا كان تصرفهم بدافع شخصي، أو بأوامر من الحزب، كما وأن حـزب التحـرير هو حالة فريدة بالنسبة لحزب إسلامي عالمي، حيث له فروع في عدة بلاد حول العالم، من بينها دول غربية (رغم أنه قد جعل لنفسه جذوراً في الغرب دون التخطيط لذلك، بسبب اضطرار عدد متزايد من أعضائه للرحيل إلى المنفى) وإذا راقب المرء وسائل الإعلام العالمية، حول أخبار حـزب التحـرير يومياً، يبدو أنه منذ انطلاقه في فلسطين في 1952-1953، بدأ الحزب بالعمل في أماكن غير العالم العربي، والغرب، وآسيا الوسطى، فنجده في دول متنوعة كتركيا، وأذربيجان، وباكستان، وبنغلادش، وإندونيسيا. وما هو مدهش أكثر هو أن الحزب يتبع نفس الطريق والأسلوب في كل هذه الدول، ما يمثل خطوة بطولية في الحفاظ على تماسك وجوده وإيديولوجيته.

«وتجدر الإشارة إلى أن الحركة قد نشرت عدة كتب ومجلات دورية ومنشورات. وحتى الآن ليس من الممكن قراءتها جميعها، ولكن بعد دراسة مئات الصفحات من أدبيات حـزب التحـرير يصبح من الواضح أن جزءاً كبيراً من محتواه يضم متنوعات وتعليقات حول مواضيع تم تغطيتها من قبل المؤسس تقي الدين النبهاني (1909-1977). وبعض المنشورات التي أخرجت خصيصاً لمناطق مختلفة من العالم هي مجرد تطبيقات محلية لنفس المعتقدات، وتؤدي إلى استنتاجات متشابهة. وهذا يشير لنا إلى أي مدى يرى أعضاء حـزب التحـرير بأن إيديولوجيتهم مهمة، وينتظر من الأعضاء أن يتصرفوا بشكل كبير وفق لها… وليس هناك شك في أن خطاب حـزب التحـرير هو خطاب متطرف، وأن بياناته عنيفة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أننا نعيش بزمن متأثر بالإعلام، فمن الممكن الشك بأن حـزب التحـرير ينشر بيانات محرضة بهدف لفت الأنظار إليه، ونشر رسالته… وغالباً ما تزعج تصريحات وأعمال حـزب التحـرير المسلمين الآخرين الذين يحاولون ترويج صورة “ألطف” عن الإسلام في الغرب، ولكن منهج الحزب المتصلب هو من أحد مقوماته منذ بداياته. وإذا كانت حركة الإخوان  المسلمين هي حركة محافظة، فإن حـزب التحـرير هو عكسها. فهو متطرف ومكرس عمله لإعادة إحياء الخلافة، من خلال الإطاحة بالدول العربية الفاسدة. وإذا كان من الممكن وصف حركة الإخوان المسلمين بأنها عضو في المعارضة المخلصة في الأردن، داعمة للمؤسسة المالكة بحكم اتصالها مع الرسول محمد، فإن حـزب التحـرير كان صريحاً بنقده للنظام الأردني والملكي. والفرق الأساسي هو أن حـزب التحـرير يعارض بشدة منهج التدرج في تطبيق الإسلام، ويعتبره غير مقبول؛ لأنه يعطي مفهوماً خاطئاً عن الإسلام، ولأن ذلك يعني أن الله قد أرسل أمراً غير عملي، وعلى المسلمين أن يجعلوه عملياً. بالإضافة إلى أنها «نظرة خاطئة عن حقيقة التغيير السياسي» وأعضاء حـزب التحـرير هم في شوق لتذكير العالم أن الرسول قد قام بتغيير جذري قبل 1300 عاماً».

«إن هذا التطرف إلى جانب الواقع أن حـزب التحـرير يرفض بتاتاً الدول الوطنية، ويرغب بإقامة دولة إسلامية واحدة توحد كل البلدان المسلمة، وفي النهاية كل العالم، يعطيان لآراء الحزب مذاقاً خيالياً حاداً، كما يتضح في النقاشات مع أعضاء الحزب تطلعاتهم للوصول إلى عالم مثالي. فيما يعتبر أعضاء الحزب محللين للبيئة السياسية التي حولهم، ويراقبون على الدوام الأخبار من أجل فهم أعمق للتطورات في العالم. وتطبيق تحليلات الحزب عليهم. هنالك أحياناً أمل شبه أسطوري لعودة الخليفة، هذا الأمل الذي يتعارض دائماً مع الوقائع الحالية، وهذا الأمر يرتبط بأمل عميق بحلول العدل الاجتماعي».

«في جميع منشوراته، يعبر حـزب التحـرير دائماً عن الحاجة إلى الخلافة كحل لجميع مشاكل العالم الإسلامي: «اقترف المجرم اليهودي مصطفى كمال أكبر الجرائم عندما أزال نظام الخـلافة قبل 78 عاماً…» هذه إحدى الشعارات التي يضعها الحزب في أعلى صفحات مواقعه على شبكة الإنترنت: «لقد هدمت الدولة الإسلامية (الخلافة) بشكل رسمي… قبل أيام» وكل يوم أضاف واحداً على الرقم النهائي (هنالك 28956 يوماً حتى 6/6/2003م). «منذ أن هدمت بريطانيا والدول الغربية خلافتنا في 3/3/1924م، لم تشهد هذه الأمة يوماً واحداً من السعادة. يحظر على المسلمين العيش من دون خلافة؛ ولهذا يجب القيام بكل الجهود من أجل تعديل هذا الوضع غير المقبول… ويصر حـزب التحـرير على أن الإسلام «يأمر المسلمين بالكفاح السياسي ضد الحكام، ومحاسبتهم على أعمالهم» وفقاً لحديث الرسول الذي يقول: إن «أفضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان جائر». وهذا بالضبط ما يقوم به حـزب التحـرير، في بقاع مختلفة من العالم منها آسيا الوسطى. والحكومات في تلك المناطق غير مستعدة لتحمل أقل انتقاد، ناهيك عن استعدادها لتحمل النبرة القاسية للدعاية التي يروجها حـزب التحـرير ضدهم».

«ويذكر الكاتب أن حـزب التـحرير يرى أن الشريعة تسمح باستخدام السلاح لمحاربة أي حاكم في حال «أظهر الكفر البواح» وذلك إذا كانت البلد دار إسلام. وفقط إذا «وجدت إمكانية إزالة الحاكم» بينما يجب استخدام طرق أخرى في دار الكفر، حيث إن تغيير الحاكم لن ينفع البتة؛ لأنه يجب تغيير النظام نفسه».

«ولا يرى أعضاء حـزب التحـرير أنفسهم أنهم المسلمون الحقيقيون الوحيدون… ولا يصفون المسلمين العاديين بأنهم مسلمون سيئون، ولكنهم يرون أنفسهم كطليعة المصلحين في العالم الإسلامي، وفوق كل شيء، كحاملي الحل الإسلامي السياسي الكامل. وهذا يعاكس تماماً آراء بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة، والذين يبررون أعمالهم العنيفة، للحالة العامة من الارتداد عن الدين، والتي يرى أعضاؤها أنهم المسلمون الحقيقيون الوحيدون».

«ولا يشعر الحزب بالحاجة إلى الاعتذار لأي عمل اقترفه المسلمون، وهو يفضل عادة أن يأخذ الدور الهجومي وليس الدفاعي. وكمثال جيد على ذلك ظهر في مجلة الخـلافة لشهر أكتوبر/ تشرين أول 2001 عندما علق على هجمات 11 أيلول 2001. وقد حاولت الافتتاحية تقديم تحليل بدون ذكر أي عبارة تشجب الهجمات. يقول التعليق: «إن العالم الذي اعتاد على رؤية صور لقنابل أميركية تقع على الغير، شهد الآن طائرات تقع عل مبانٍ في وسط مانهاتن». وبعد أن حاول الكاتب أن يستقرئ الفهم الأميركي لهذه الأحداث، ورد فعل أميركا عليها، قاده تحليله إلى الاستنتاج بأن الحرب ضد الإرهاب هي في الواقع «حرب ضد الإسلام  والمسلمين».

«وإذا كان حـزب التحـرير يرفض أي نشاط عنيف في هذه المرحلة، ويرفض المشاركة في الانتخابات، فكيف يأمل بالوصول إلى السلطة؟ هنا يأتي دور مفهوم البحث عن النصرة كي يتمكن من الوصول إلى السلطة وتطبيق الإسلام  فبعد أن أنشأ الرسول حزباً، بدأ بالبحث عن أشخاص ليساعدوه كي يتمكن من الوصول إلى السلطة وتطبيق الإسلام. ولقد لجأ إلى نصرة الحكام الأقوياء، وقد كرر ذلك بالرغم من ردة الفعل البشعة لبعض القبائل، وأصر على طلب النصرة، وكرر ذلك مراراً، ولم يتوقف عن طلبها… وهذا الإصرار يشير بطريقة واضحة إلى أن طلب النصرة هو فرض من الله تعالى. وفي وقت الرسول، كانت القوة تكمن في القبائل القوية ورؤسائها، ولكن اليوم هذه القوة عادة تكمن في القوى العسـكرية لدى البلاد الإسلامية».

«من المؤكد أن حـزب التحـرير ليس حركة سلمية، ولكنه في هذه المرحلة غير عنيف بأعماله، بالرغم من أن خطابه متطرف؛ لأنه يرفض التسوية والحوار بين المعتقدات، معتبراً إياها «مفاهيم خطيرة».. وقراءة أدبيات حـزب التحـرير قد يشحن المرء بكراهية تجاه الغرب؛ لأنه يمثل دائماً كقامع للعالم الإسلامي، ومتآمر ضده. وحـزب التحرير يبني على مشاعر منتشرة في الأصل في المجتمعات الإسلامية».

«وبالرغم من أن هنالك براهين قليلة، تشير إلى أن قيادة حـزب التحـرير قد تغير طرقها بسبب هذه الظروف، إلا أنه من الممكن أن ينفذ صبر بعض الأعضاء في آسيا الوسطى، ويتوقفوا عن تحمل الاضطهاد الجسدي الشديد الذي يتعرضون له، وهكذا قد يشكلون جماعات منشقة أخرى، مع الاحتفاظ ببعض مبادئ وتوجهات يعلمها حـزب التحـرير، وقد تتخلى بعض هذه الجماعات المنشقة عن المنهج غير العنيف، وتشعر بالإغراء للعمل بطريقة أكثر تطرفية… وفي الواقع إنه لأمر مدهش كيف أن العديد من الإسلاميين حول العالم قد أبدوا انضباطاً كبيراً في ردود فعلهم، بالرغم من القمع القاسي والاضطهاد الذي يلقونه. والسؤال الأساسي هو: كم من القمع المتزايد سيتطلب الأمر حتى يضعف أخيراً هذا الحزب؟ قد يكون مستقبلهم بالفعل باهراً، مع أن المرء يتساءل أيضاً: هل ستفقدهم وتيرتهم المتصلبة بعض الفرص المهمة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *