العدد 199 -

السنة السابعة عشرة – شعبان 1424هـ – تشرين الأول 2003م

ميزان القوى

ميزان القوى

كلما طرح الحل الشرعي لقضايا المسلمين، تجد فريقاً من الناس اليائسين يقولون: إن ميزان القوى ليس في مصلحتنا، ولذلك لا سبيل لنا لتنفيذ هذا الحل. فعندما يطرح الحل الصحيح لمشكلة فلسطين، وهو إزالة سلطان الكفار عنها، بتجييش الجيوش، ودكّ الحصون، يقول الحكام وأتباعهم: إن ميزان القوى في المنطقة والعالم ليس في صالحنا، ولذلك لا يمكن تنفيذ هذا الحل. وعندما يطرح الحل الصحيح، لمشكلة كشمير، ووجوب إرجاعها لسلطان المسلمين، تسمع الكلام نفسه، من الحكام وأتباعهم، وعندما يقال إن اللَّه حرم أن يكون للأميركان، وغيرهم من الكفار، سلطان فوق أرض المسلمين، فلا بد من إزالة قواعدهم وجيوشهم من بلادنا، عندها تسمع النغمة نفسها: ميزان القوى!!

لا أريد هنا أن أخاطب الحكام ولا أتباعهم، فهؤلاء أبَوا إلا الانحياز للكفار، واللحوق بهم، وتمهيد السبل لهم ليجثموا على صدر هذه الأمة، بل خطابي هذا لمن انطلت عليهم حيلة ميزان القوى هذه. إن هذه العبارة صارت ذريعة لكل سكوت، وعذراً لكل تخاذل، ومخدراً عن كل حركةٍ منتجة. هل يشكّ أحدٌ أننا – المسلمين – أصبحنا هدفاً لكل طامع، ومسرحاً لكل لاعب، هل يشكّ أحدٌ اليوم، أن الوضع العالمي صار لسان حاله (أينما وجدت مسلماً فاذبح واغتصب وعذب، فلن يحاسبك أحد، ولن يجرد ضدك جيش، ولن تقذف باليورانيوم المنضب، وأينما وجدت أرضاً للمسلمين فخذها، واطرد أهلها، وأهلكْ حرثها ونسلها، فهي أرضٌ مستباحة، ليس لها حامٍ ولا صاحب).

لماذا لا نفعل شيئاً؟ بسبب ميزان القوى، لماذا لا ندفع عن أنفسنا؟ بسبب ميزان القوى، لماذا لا نحمي أعراضنا؟ بسبب ميزان القوى، لماذا لا نحفظ ثرواتنا؟ بسبب ميزان القوى، لماذا هدم مخيم جنين، على رؤوس أهله. بسبب ميزان القوى، لماذا اغتصبت المسلمات في البوسنة، تحت سمعنا وبصرنا؟ بسبب ميزان القوى، لماذا وطئ الكفار أرض المسلمين في العراق، وبلدان الخليج الأخرى؟ بسبب ميزان القوى، لماذا يُسرق نفطنا في وضح النهار؟ بسبب ميزان القوى، لماذا نقبل أن نموت جوعاً، ونحن أغنى أمم الأرض. بسبب ميزان القوى، لماذا نستورد كل آلاتنا وسلاحنا من أعدائنا؟ بسبب ميزان القوى، لماذا أصبح ينظر للمسلمين في الغرب، كأنهم شياه جرب؟. بسبب ميزان القوى، لماذا نعطي اليهود صك طابو في فلسطين؟ بسبب ميزان القوى، لماذا نعطي دولةً للنصارى في السودان؟ بسبب ميزان القوى، لماذا نعلن الخرطوم عاصمةً علمانية؟ بسبب ميزان القوى، لماذا نعمل على تغيير مناهجنا، فندرس أبناءنا الكفر بعينه؟ بسبب ميزان القوى، وأخيراً لماذا نحن أمةٌ ذليلة، ليس لنا موقع حقيقي على خارطة العالم؟ بسبب ميزان القوى.

عرف الداء إذاً: ميزان القوى. وإذا عرف الداء عرف الدواء: الدواء هو تغيير ميزان القوى. أيما مسلم يهتم بأمر المسلمين، يجب أن يكون همه تغيير ميزان القوى. إن العمل على تغيير ميزان القوى، هو عملٌ على حل كل مشاكل المسلمين دفعة واحدة، فميزان القوى هو سبب البلايا كلها. إن القضية بسيطة: سبب مشاكل المسلمين في علاقتهم بالعالم هو اختلال ميزان القوى، الحل واضح: تغيير ميزان القوى. ولا يجوز أن يخطر بالبال أن ميزان القوى يتغير من تلقاء نفسه، فلا بد ممن يغيره، فإذا تركنا الأمور حولنا تحدث وتتطور، دون عملٍ فاعلٍ منا، فإن ميزان القوى سيزيد ثقلاً لأعدائنا، وسيقلً وزننا فيه، أم ترى نستفيق غداً، فنجد أنفسنا أقوياء هكذا دون شيء، ونجد ميزان القوى قد اعتدل لصالحنا. إن هذا يخالف سنن الحياة، وطبائع الأشياء. وعلى ذلك، فعلى كل مسلم يقول لا إله اللَّه أن يشتغل في هذا الأمر، أمر تغيير ميزان القوى لصالح المسلمين، وعدم الاشتغال بهذا الأمر معناه البقاء تحت سلطان الكفار، وهذا معصية، معناه البقاء أذلاء وهذا معصية، ومعناه بقاء جمهرة المسلمين فقراء، لا يجدون ما يسدّ رمقهم، وهذا معصية كما يعني أن نورث أبناءنا حملاً ثقيلاً من التبعية للكافر، وهذا معصية، ومعناه أن نظل ننتظر حتى يدخل سلطان الكافر بيت كل واحدٍ منا، وأن ينتهك عرض كل واحدٍ منا، لا سمح اللَّه، وهذه معصية، ومعناه أن لا نحمل الإسلام إلى العالم، ولا نطبقه في بلادنا، وهذه معصية. فنحن إذاً أمام خيارين اثنين: سكوت يسمح للكفار بأن يزدادوا قوة، ويحكموا قبضتهم على كل بقعة من بقاع المسلمين، أو عمل يغير ميزان القوى. بقاؤنا أذلاء، أو عمل في تغيير ميزان القوى. بقاؤنا غارقين في المعصية، أو عمل في تغيير ميزان القوى.

فما ظنك إذاً بمن يعمل في الأمة، أو يدعي أنه قائدها، ولا يعمل شيئاً بشأن ميزان القوى؟ ما ظنك بتنظيمٍ أو حركة أو حزب يعمل في الأمة، ولا يفعل شيئاً لتغيير ميزان القوى؟ الأنكى من هذا، ما ظنك بحركةٍ سياسية ليس عندها برنامج لتغيير ميزان القوى، وليس عندها تصور لكيفية تغيير ميزان القوى؟ وليس من عملها ولا يخطر ببالها التفكير بتغيير ميزان القوى؟ فإذا كانت الحركة السياسية لا تعمل في قضية القضايا شيئاً، فماذا تفعل إذاً؟ ولا يظنن أحد أن قول أحد أنه يعمل في تغيير ميزان القوى، وقيامه ببعض الأعمال أمراً كافياً. فمن يعمل في تغيير ميزان القوى، يجب عليه أن يعلن هذا للأمة، وأن يبيّن لها كيف سيغير ميزان القوى، بعياراتٍ دقيقة محكمة، لا بعبارات فضفاضة، يمكن أن يندرج تحتها كل شيء ولا شيء، ليس هذا فحسب، بل يجب عليه أن يدعو الأمة أن تعمل معه في هذا التغيير، فالمهمة عظيمة، تحتاج جهد كل المخلصين، فهي فرضٌ من رب العالمين. والحمد اللّه القائل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة/3] فطريقة تغيير ميزان القوى موجودة في الإسلام، وهي حكمٌ شرعي وليست إبداعاً بشرياً. فما على المسلمين جميعاً، إلا أن يركزوا جهدهم على هذه القضية، ويتكتلوا من أجلها، فهذا العمل لا يمكن أن يتمّ فردياً. وعليهم أن يبحثوا عن التكتل الصحيح، الذي يملك فكراً وتصوراً واضحاً دقيقاً لحل هذه المشكلة، وأن يعملوا معه، وعليهم أن يراعوا أن الإسلام غير ناقص، وأن اللَّه أكمله، وأن حل المشكلة هذه هو حكم شرعي كالصلاة والصوم، فاسألوا، أيها المسلمون، الحركات التي تعمل في أوساطكم، اسألوها عن برنامجها وخطتها لتغيير ميزان القوى، ولا تكتفوا بأجوبة عامة، بل اطلبوا التفصيل، ولا تكتفوا بجوابٍ يعطيه فلان، أو جوابٍ يعطيه علان، بل يجب أن يكون هذا البرنامج مسطراً ومثبتاً في أدبيات الحركة، لأنها تدعو الناس إليه، وما لم تسطر الحركة في أدبياتها أو منشوراتها. كيفية عملها على تغيير ميزان القوى، فهي ليست جادة، او ليس عندها وضوح في هذا الأمر، فلا عذر لأحد، وليس هناك مسلم معفى من هذا الأمر، والزمن يمر والكفار يخططون ويرسمون، والفارق في الميزان يزداد ويكبر: يجرنا الحكام إلى الخلف، والكفار يسيرون للأمام. فلنتخذ القرار الآن، أن نشتغل في تغيير ميزان القوى، ولا يحقرن أحدٌ نفسه. أليس الذين يصنعون الدول، ويهدمونها، ويغيرون تاريخ الأمم رجالٌ مثلنا، إن هؤلاء يختلفون عن بقية الناس في شيء واحد: مستوى التفكير. هؤلاء فكروا على مستوى بناء الدول فبنوها، وصناعة التاريخ فصنعوه. أما نحن فإننا نفوقهم في أمرٍ واحد، تميز به الصحابة الكرام عن عظماء عصرهم: أننا مسلمون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *