العدد 89 -

السنة الثامنة ربيع الثاني 1415هـ, أيلول 1994م

واقع النظام الفيدرالي

السؤال:

هناك من يقول بأن النظام الفيدرالي هو نظام حكم يقره الإسلام. فما هو واقع هذا النظام، وما مدى قبول الإسلام به؟ [السائل من السودان ويربط بين فيدرالية السودان ومناداة د. حسن الترابي بها].

الجواب:

النظام الفيدرالي هو شكل من أشكال نظام الحكم في الحضارة الغربية. وهو في أساسه يقوم على النظام الديمقراطي.

والنظام الفدرالي اتحاد بين كياناته، يكون لكل كيان منها نوع من الاستقلال الذاتي ويكون بين دولتين أو أكثر، يكون لكل كيان منها رئيس خاص، وبرلمان خاص منتخب من أهل الولاية ولكل كيان منها قضاته وقواته وماليته الخاصة حسب ما يتم الاتفاق عليه بين هذه الكيانات من توحيد لبعض شؤونهم المتعلقة بالحكم مع احتفاظ كل واحدة منها بكيانها. والاتحاد الفدرالي أو الكونفدرالي ليس وحدة، وخاصيته الاحتفاظ بالكيان. ويحدد الدستور الاتحادي – الذي يضعه برلمان اتحادي منتخب من جميع كيانات الاتحاد – الشؤون المراد أن تتوحد بين دول الاتحاد، فقد ينص على توحيد التشريع القضائي أو على القوانين الإدارية أو على السياسية الخارجية، أو على توحيد الجيش أو الناحية الاقتصادية، وقد ينص على توحيد هذه الأمور كلها أو بعضها. فالاتفاق بين حكام الكيانات هو الذي يحدد ما يمكن أن يتضمنه الدستور الاتحادي من الشؤون التي يراد أن تتوحد بين الكيانات كثرة وقلة، ولا بد من مصادقة البرلمان الاتحادي ومن برلمانات دول الاتحاد على ما يراد الاتحاد فيه، وتمارس الدولة الاتحادية الصلاحيات التي حددها لها الدستور الاتحادي فقط، وتبقى باقي الصلاحيات لكل دولة من دول الاتحاد أن تتدخل فيها، وبذلك تبقى كل دولة كياناً متميزاً محتفظاً بذاته، وهذا يظهر أن دولة الاتحاد الفدرالي أو الكونفدرالي دولة مكونة من كيانات وليست كياناً واحداً ولا دولة وحدة واحدة.

وهذا يتناقض مع واقع الدولة الإسلامية، لأن الإسلام يفرض الوحدة بين البلاد الإسلامية، ويوجب أن تكون الدولة الإسلامية دولة واحدة، وكياناً واحداً يجمع جميع البلدان الإسلامية ويحرم أن تكون الدولة الإسلامية دولة اتحادية مكونة من كيانات للأحاديث الواردة في ذلك. فالرسول –صلى الله عليه وسلم يقول: « ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» ويقول: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» ويقول: «فوا ببيعة الأول فالأول» ويقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» كما أجمع الصحابة الكرام على أن تكون دولة المسلمين دولة واحدة وكياناً واحداً.

ودولة الخلافة تقسم إلى ولايات وتكون كل ولاية منها جزءاً من دولة الخلافة يعيّن الخليفة واليها وقضاتها وقواد الجيش فيها، ومالية جميع الولايات وقوانينها هي مالية واحدة وقوانين واحدة فلو أن ولاية من الولايات لا تنتج شيئاً ولا تغطي نفقاتها فدولة الخلافة تغطي ما تحتاج إليه هذه الولاية من نفقات ولو لم تنتج شيئاً لأن مالية الدولة كلها مالية واحدة ولو أن ولاية كبيرة الثروات تنتج ما يزيد عن حاجتها عشرات المرات فإنه لا ينفق عليها إلا بمقدار حاجتها وجميع ما تنتجه يوضع في خزينة الدولة (بيت مال المسلمين).

ولذلك فإن ولايات الدولة الإسلامية تختلف كل الاختلاف عن كيانات دولة الاتحاد الفدرالي فكيانات الاتحاد لها استقلال ذاتي وأهلها هم الذين يختارون الحكام والقضاة وقواد الجيش الخاص بالكيان. وماليتُها خاصة وقوانينها خاصة.

بينما في الدولة الإسلامية الخليفة أو من ينيبه هو الذي يعين حكام الولايات وقضاتها وقواد الجيش فيها وتكون ماليتها من مالية الدولة وقوانينها هي قوانين الدولة وليس لها أي استقلال ذاتي، وليس كياناً منفصلاً.

ولذلك فلا علاقة لنظام الاتحاد الفدرالي أو الكونفدرالي بنظام الحكم في الإسلام. والنظام الفدرالي يتناقض مع أحكام الإسلام وهو من وضع البشر، بينما نظام الحكم في الإسلام من خالق البشر. وما يضعه البشر من أنظمة وقوانين مخالفة لما أنزل الله تكون أنظمة وقوانين طاغوت، وقد حرم الله على المسلمين أن يتحاكموا إلى الطاغوت، أو أن يأخذوا من أنظمته وقوانينه وأمرهم أن يكفروا بالطاغوت وبحكمه وبأنظمته وقوانين، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا) .         

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *