العدد 198 -

السنة السابعة عشرة – رجب 1424هـ – أيلول 2003م

موقف العلماء الرسميين من أحداث السعودية وحُكم اللَّه فيه (2)

موقف العلماء الرسميين من أحداث السعودية

وحُكم اللَّه فيه  (2)

أحمد المحمودإن ما يجري الآن في السعودية، مما ذكرناه في العدد السابق يقف منه علماء السعودية ثلاثة مواقف، تعبر عن وجود ثلاث فئات من العلماء.

l فئة العلماء الرسميين، الذين يتولون وظائف دينية، والذين ربطتهم الدولة بها لتمرّر عن طريقهم الفتاوى المفصّلة على قياسها.

l فئة العلماء الصحويين، الذين يحاولون جاهدين أن يمارسوا دورهم كعلماء، بعيداً عن الحاكم، وبصورةٍ مستقلة بعيداً عن التبعية له. وعلماء هذه الفئة اهتموا بطرح أفكار الصحوة الإسلامية في العالم، أما داخل السعودية فقد كانت نظرتهم إصلاحية، وابتعدوا عن تناول الحاكم، وربط المشاكل التي تحدث للمسلمين به.

l فئة العلماء الجهاديين، الذين هالهم ما ترتكبه أميركا من مجازر بحق المسلمين، وما تكنه من عداء لدينهم، وما تقوم به من نهبٍ لخيراتهم… فأعلنوا الجهاد عليها. وعلماء هذه الفئة التقوا مع الخط الذي تبنته القاعدة، من غير أن يوجد بالضرورة ارتباط تنظيمي بها.

وسنناقش موقف كل فئة على حدة، إن شاء الله، وعلى اللَّه قصد السبيل.

ـــــــــــ

بدايةً، ولفهم حقيقة موقف كل فئة من هؤلاء العلماء، لا بدّ من إدراك العلاقة التي نشأت بين الحكم السعودي، المتمثل بمحمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية، والحركة السلفية، المتمثلة بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، مؤسس ما يعرف بالمذهب الوهابي.

إن العلاقة بين الحكم السعودي والحركة السلفية، حدّدها الاتفاق الذي أعلن سنة 1787م. أمام حشدٍ من الناس، بين ابن سعود وابن عبد الوهاب، على أن يجعلا الملك وراثة في آل سعود، ومشيخة الدين وراثة في آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وبموجب هذا الاتفاق أطلقت يد الوهابيين في النشاط الدعوي في أرجاء البلاد، وصار مذهبهم هو المذهب الرسمي، وبالتالي أنشئت الجامعات الدينية، ووضعت مناهج التعليم الديني، على أساس تعاليم المذهب السلفي الوهابي المتأثر بمذهب ابن حنبل وتلاميذه كابن تيمية وابن القيم… وفي المقابل قام آل سعود بالحكم، بحسب ما يرونه أنه يحقق مصالحهم، من غير أن يتدخل السلفيون بطريقتهم في الحكم. وهكذا سار الخطاب السياسي المتمثل ب آل سعود، والديني المتمثل ب آل الشيخ، بصورةٍ متوازية، تعبر عن شكلٍ من أشكال فصل الدين عن الدولة. مع فارق أن الفصل بين الدين والدولة بالنسبة للنصارى، هو حقيقي؛ لأن الدين النصراني، ليس فيه من حيث الأصل، أحكاماً للحياة، على خلاف الدين الإسلامي، الذي يعتبر أن الدولة جزءٌ من الدين، ومناطٌ بها تنفيذ أحكام شرعية كثيرة؛ ولكن جرت عملية توليف عجيبة اعتبر فيها أن الدولة السعودية هي دولةٌ إسلامية، وأن حاكمها ولي أمر المسلمين فيها. وهذان الاعتباران جعل علماء السلفيين لا يتدخلون في أمور الحكم، وراحوا يهتمون فقط بالمجال الذي ترك لهم، وتركوا مجال الحكم لآل سعود، وبسبب اعتبار علماء السعودية الحاكم أنه ولي الأمر، صار عندهم واجب الطاعة، ولا يجوز الخروج عليه، ومن يفعل ذلك يوصم بأنه من الخوارج، وصار يدعى لولي الأمر من على المنابر.

من هنا كان مبنى العلاقة بين الحركة السلفية والدولة السعودية، يقوم على اعتبار أن الدولة إسلامية، والحاكم فيها ولي أمر. فهل هذا الاعتبار صحيح؟ إنه لمعرفة ذلك لا بد لنا من أن نقف على واقع الحكم السعودي عند نشأته، وعلى واقعه اليوم، لأنه بناءً على إدراك هذا الواقع سيكون الحكم عليه. فإن كان إسلامياً يصبح على المسلمين واجب الطاعة له، وإن كان غير ذلك، يصبح العمل على تغييره وإقامة حكم إسلامي مكانه واجباً.

واقع الدولة السعودية عند نشأتها.

إن حكام آل سعود لم يكونوا في يومٍ من الأيام حكاماً يحكمون بالإسلام، ولا تصدر أعمالهم عن الأحكام الشرعية، ومنذ بواكير وجود هذه الدولة كانت علاقة آل سعود ببريطانيا، عدوة المسلمين، وعدوة الدولة الإسلامية الممثلة بالسلطنة العثمانية، ظاهرة لا تخفى على أحد، وكان الخروج على الدولة الإسلامية ومقاتلتها لحساب الإنكليز، والاستيلاء على الأراضي منها واضحاً.

والدولة السعودية مرّت من حيث وجودها ونشأتها بثلاث مراحل، كانت في كل مرحلة واضحة التبعية للإنكليز، وقبل أن نعرض هذه المراحل بإيجاز يجدر التنبه إلى نقطةٍ مهمة في البحث، وهو أنه إذا ظهر تدين عند حاكم سعودي، فليس معنى هذا أن الحكم صار إسلامياً؛ لأن حق اللَّه على الحاكم أن يظهر فيه التديّن والتقوى في ناحيتين: الأولى: إنه فردٌ مسلم يصلي ويزكي ويحج ويصوم ويساعد الفقراء، ويبرّ أهله، ويستشهد بالآيات والأحاديث في مختلف أمور حياته الفردية… والثانية: إنه حاكم، ويجب عليه أن يتقيد بأحكام الإسلام، في مختلف شؤون الحكم بحيث لا يصدر منه أي عمل من أعمال الحكم إلا وهو قائم على الحكم الشرعي. وعليه فإذا ظهر في السعودية حاكمٌ يبدو عليه الصلاح الفردي، فإنه يجب أن لا تختلط علينا الأمور ونعتبره حاكماً إسلامياً، إذا إن لكل شيءٍ حكمه. والتقوى كما نعلم لا تتجزأ، فمن اتقى اللَّه في خاصية نفسه من الحكام فعليه، أن يتقيه في أمته، وكان حق اللَّه عليه أن يحكم بالإسلام، وينشر دينه. أما المراحل التي مرت بها نشأة المملكة العربية السعودية فهي:

المرحلة الأولى

في عام 1740 وصل محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية التي كان يحكمها محمد بن سعود جاءها منفياً من والي عيينة العثماني بعد أن اعتبره الفقهاء مبتدعاً. وفي عام 1757م، احتل ابن سعود الذي أصبح وهابياً ولاية عيينة من الخلافة العثمانية، وشق بذلك عصا الطاعة، وخرج على الخليفة. وفي عام 1787م، فجأة، وبعد ثلاثين عاماً من خمود دعوتهما، أعلن ابن سعود وابن عبد الوهاب الاتفاق أمام جمعٍ حاشدٍ على أن يجعلا الملك وراثةً في آل سعود، ومشيخة الدين وراثة في آل الشيخ ابن عبد الوهاب. وفي عام 1788م شقّ محمد بن سعود عصا الطاعة على الخلافة العثمانية مرةً أخرى، وأشهر في وجهها السيف بدل الدعوة، واحتل الكويت بقواته المسلحة بالأسلحة الإنكليزية. وفي عام 1790 تغلّبت قواته على جيش الشريف غالب والي مكة. وفي السنوات التالية سارت جيوشه شمالاً تغزو المسلمين، بهدف احتلال بغداد من الخلافة العثمانية. وفي عام 1801م احتلّ عبد العزيز بن محمد بن سعود كربلاء. وفي عام 1803م احتلّ مكة أيام الحج وارتكب فيها الفظائع وهرب والي مكة ووالي دمشق، الذي كان أميراً للحج ممثلاً للخليفة العثماني. ثم مات عبد العزيز في نفس العام، وخلفه ابنه سعود، فبدأ عهده باحتلال المدينة المنورة، وفعل بها كفعل أبيه في مكة المكرمة، ثم هاجم النجف ودمشق. ولما استعصت عليه تجاوزها يحتل البلاد حتى بلغت سلطته حلب، وعجز جميع الولاة العثمانيين عن صدّ جيوشه المسلحة والمدرّبة من الإنكليز. ولما كان الصراع محتدماً بين الدول العظمى الكافرة، على احتلال بلاد المسلمين، واستئصال الإسلام من الدنيا، هبت فرنسا لنجدة الباب العالي، وطلبت من عميلها محمد علي، والي مصر، أن يتصدّى لعملاء الإنكليز السعوديين وحركتهم الوهابية. واستطاع محمد علي القضاء على السعوديين بين عامي 1811 – 1818، وحاصر عاصمتهم الدرعية، وألقى القبض على عبد اللَّه بن سعود، وأرسله إلى استانبول حيث أعدم بتهمة الخيانة العظمى.

هذه هي المرحلة الأولى، ويبدو فيها بشكلٍ واضحٍ علاقة آل سعود بالانكليز، وخروج آل سعود على الخلافة العثمانية، وفي عام 1792 توفي محمد بن عبد الوهاب فخلفه ابنه في المشيخة تماماً كما خلف عبد العزيز أباه محمد بن سعود، في الحكم.

المرحلة الثانية

حاول محمد علي (عميل فرنسا) أن يأخذ عسير واليمن، ليقطع طريق الإنكليز إلى الهند، ولكنه عجز عن ذلك طيلة 12 عاماً، بينما عاد تركي ابن عم عبد اللَّه (الذي أعدم) إلى الرياض، وأسّس الدولة السعودية من جديد. احتل الإنكليز عدن عام 1839م، فانقطع أمل محمد علي في احتلال البلاد، فانسحبت جيوشه، وتنازل عن الحجاز للخلافة العثمانية، وبقي في نجد وحدها. وفي عام 1849 تغلّب فيصل بن تركي على جيش محمد علي، وألجأهم إلى الانسحاب من نجد. وفي أيام عبد الرحمن بن فيصل، استطاع ابن الرشيد الوالي العثماني على نجد أن يقضي على الحكم السعودي والحركة الوهابية، وهرب عبد الرحمن إلى الكويت لاجئاً عند مبارك الصباح الخاضع للإنكليز، وهكذا تم القضاء على الحكم السعودي والحركة الوهابية مرةً ثانية.

المرحلة الثالثة

في عام 1902 عاد عبد العزيز بن عبد الرحمن من الكويت يدعمه الإنكليز، واحتلّ الرياض وأسّس الحكم السعودي للمرة الثالثة. وفي عام 1910 استطاع عبد العزيز أن يبعث جذوة الوهابية من جديد، وبينما كانت الخلافة العثمانية، على ضعفها، تحاول دفع الكفار عن بلاد المسلمين، سحبت جيوشها من البلاد الإسلامية ومن الجزيرة، لتصدّ الإيطاليين الذين غزوا ليبيا عام 1911م، ثم البلغار عام 1912م. انتهز عبد العزيز الفرصة واحتل الإحساء بإيعازٍ من حكومة الهند الإنكليزية، وكانت تابعةً لوالي بغداد العثماني. وفي الحرب العالمية الأولى، انضمّ السعوديون إلى الإنكليز للقضاء على الخلافة، ولكن آل الرشيد، وهم ولاة العثمانيين، استطاعوا دحرهم عام 1915م في معركة جربة، وقتل قائدهم الإنكليزي شكسبير، فألقى الإنكليز المهمة المنوطة بالسعوديين، بعد انكسارهم في جربة، على عاتق الشريف حسين في قتال الخليفة. وفي عام 1916م، أعلن الشريف حسين نفسه ملكاً على العرب، فغضب منه الإنكليز وأرسلوا عميلهم عبد العزيز ليقاتل الشريف حسين، فهزمه في معركة تربة قرب الطائف. وفي عام 1921م بعث الإنكليز الجاسوس فيلبي مقيماً عند آل سعود في الرياض إيذاناً بالتبعية، وليصدر له التعليمات. وكانت أولى هذه التعليمات القضاء على آل الرشيد الموالين للخلافة، فاحتل عبد العزيز بلادهم وعاصمتهم حائل وشرّدهم.

وفي عام 1924م، احتل عبد العزيز الطائف، وأعمل السيف في أهلها، ثم احتل مكة والمدينة وباقي الحجاز، وطرد الشريف حسين من الجزيرة العربية. وفي عام 1927م، أعلن عبد العزيز نفسه ملكاً على الحجاز ونجد.

هكذا كانت نشأة الدولة السعودية: ارتباط بالإنكليز على طول الخط، وخروج على الدولة الإسلامية ومقاتلتها، والعمل مع الانكليز من أجل القضاء عليها. ثم استغلال المذهب الوهابي كأداة دينية لضرب الدولة العثمانية. بينما كان هدف الوهابيين فرض مذهبهم، ومنطلقهم في ذلك الإصلاح، وطريقتهم استعمال القوة، وعلى هذا الأساس تمّ اللقاء بينهما.

فهل بعد هذا العرض التاريخي، الذي لا تدخل فيه المشاعر ولا الولاءات ولا المزايدات، ما يشير أدنى إشارة إلى أن الدولة السعودية دولةٌ إسلامية. بل على العكس من ذلك، فإن أعمالها لم تكن إلا طعناً للدولة الإسلامية، وهذا بحدّ ذاته من أكبر الكبائر. ومن العجيب أن ينعت من يخرج على الدولة السعودية أنه من الخوارج، في حين أن الدولة السعودية نفسها هي التي خرجت حقيقةً على الدولة الإسلامية التي تآمر عليها الكفار من كل حدبٍ وصوب، وعلى رأسهم الانكليز من أجل القضاء عليها.

ومهما كانت المبررات التي يمكن أن يتذرّع بها المذهب الوهابي، فإنه لا يجوز بحالٍ أن يقفوا ضد الدولة العثمانية موقفاً عسكرياً، بل كان عليهم الإصلاح بالكلمة، ولو كانت قاسية، امتثالاً لحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي رواه الحاكم «سيد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فنصحه فقتله». وكان عليهم نشر الفكر بالفكر لا بالقوة المادية، خاصة وأن خلافهم هو مع المسلمين، وأن الدولة العثمانية كانت تعتبر دولةً إسلامية، على ما فيها من سوء تطبيق. ثم إن اجتهادهم لو أدى إلى أن يقفوا ضد الدولة الإسلامية بالقوة العسكرية، فإنه لا يجوز لهم بحال أن يقفوا إلى جانب آل سعود الذين كانوا عملاء للإنكليز، أعداء الإسلام والمسلمين، في عملهم للقضاء على الدولة الإسلامية.

هذه هي الدولة السعودية منذ نشأتها، فهل يصحّ اعتبارها دولةً إسلامية؟ وهل يعتبر حاكمها ولي أمر المسلمين فيها؟ الجواب هو كلا وألف كلا.

واقع الدولة السعودية اليوم

إذا كنا لا نستطيع أن نعتبر الدولة السعودية ماضياً هي دولةٌ إسلامية، فهل نعتبرها حاضراً كذلك؟ للجواب على ذلك لا بدّ من معرفة واقع الحكم الحالي، والقوانين التي يسنّها، والأحكام التي يرعى الناس بها هل هي شرعية؟ أم أن الكثير منها قد عملت فيها عقول البشر وأهواء المشرّعين؟

l إن أول ما يجب أن يتناول في هذا الصعيد، هو شكل الحكم، هل هو شكلٌ إسلامي أم غير ذلك؟

إن شكل الحكم في السعودية ليس إسلامياً. إذ ليس في الإسلام نظام ملكي، ولا يقرّ الإسلام النظام الملكي ولا يشبه النظام الملكي. فالنظام الملكي وراثي بينما لا وراثة في نظام الإسلام. والنظام الملكي يخص الملك بامتيازات وحقوق، ويجعله فوق القانون، يتصرف بالبلاد والعباد كما يريد ويهوى، بينما نظام الإسلام لا يخصّ الخليفة بأي أحكام، أو حقوق خاصة، بل له ما لأي فردٍ من أفراد الرعية، وهو مقيد بحكم الشرع، ولا يحقّ له التصرّف بالبلاد والعباد وكأنهم ملكٌ له، كذلك لا ولاية عهد في الإسلام.

l من ناحية القضاء، السعودي أوجد ازدواجية، إذ بالإضافة إلى المحاكم الشرعية، أوجد في أجهزة الدولة ما يزيد على 30 لجنة ذات اختصاص قضائي، وتستند هذه اللجان في أحكامها لا إلى الشرع، وإنما إلى الأنظمة التي تشكلت بموجبها تلك اللجان. فعلى سبيل المثال القانون الوضعي الذي سموه (نظام الجيش العربي السعودي) الصادر في 11/11/1366هـ. وتحال إلى هذا الديوان قضايا ومحاكمات العسكريين. فقد جاء في الفصل الثامن فيه مادة 112: «ضابط الصف والجنود الذين يسرقون شيئاً من أشياء الضباط ونقودهم، ومن هم مختلطون بهم وقاطنون معهم، في محلٍ واحد، أيا كان ذلك المحل، فإذا كان من المستهلكات يكلف بدفع قيمتها المستحقة، إن سبق في عينها التلف، ويسجن من شهرٍ ونصف إلى ثلاثة أشهر». هذا وقد كانت للشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ، مفتي المملكة سابقاً، ورئيس القضاة في المحاكم الشرعية، أمثلةً مما عاناه من وجود هذه الازدواجية في القضاء، بحكم منصبه، فقد كتب خطاباً، بعثه إلى أمير الرياض، يتعلق بموضوع إنشاء غرفة تجارية، لها قوانينها الخاصة غير الشرعية، لحل الخلافات بين المتنازعين من التجار. وقد جاء في الخطاب: «انتهى إلينا نسخةٌ عنوانها «نظام المحكمة التجارية للمملكة العربية السعودية» المطبوع بمطبعة الحكومة، بمكة عام 1369 للمرة الثانية، ودرسنا قريباً نصفها فوجدنا ما فيها نظماً وضعية قانونية لا شرعية، فتحققنا بذلك أنه حيث كانت تلك الغرفة هي المرجع عند النزاع، أنه سيكون فيها محكمة، وأن الحكام غير شرعيين، بل نظاميون قانونيون، ولا ريب أن هذه مصادمة لما بعث اللَّه به رسوله (صلى الله عليه وسلم) من الشرع الذي هو وحده المتعين للحكم به بين الناس…».

وهذه اللجان، من طبيعتها أن تضع اللوائح والقوانين على غير أساس الإسلام، وهذا تشريع، ثم تفصل الخصومات الناشئة، بين المتعاملين بها، كذلك بناء على أحكام وضعية غير شرعية. وهذا أيضاً تشريع، وفي كلا الحالين تشريعٌ لغير اللَّه.

l وفي المال والاقتصاد تقوم الدولة السعودية بـ:

– شراء السندات الربوية من البنوك العالمية

– بيع السندات الربوية على البنوك المحلية

– الاقتراض بالربا الصريح من البنوك العالمية (بلغت ديون السعودية 674 مليار ريال سعودي بسبب تحمل تكاليف حرب الخليج عام 1991م)

– اعتبار البنوك الربوية مؤسسات نظامية، وحمايتها بأنظمة خاصة بها. وهذه البنوك الربوية تعمل داخل السعودية وخارجها، بأسماء مختلفة من مثل البنك السعودي البريطاني – البنك السعودي الأميركي – الفرنسي – الهولندي… وإن أية قضية خلاف لها تعلق بالربا والبنوك، تحوّل إلى مؤسسة النقد، حيث يوجد لجانٌ مختصة بهذه القضايا، فتقوم بدراستها، وإصدار الحكم عليها، طبقاً لنظام مؤسسة النقد الوضعي.

وقد تجلّى تعامل الدولة السعودية الرسمي بالربا عن طريق مشاركتها بمؤسساتٍ عربية ودولية تقوم على الربا، من مثل صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر السعودية سادس دولةٍ في العالم، من حيث حجم الحصة، ومن حيث القوة التصويتية في هذا الصندوق، إذ تبلغ حصتها ثلاثة آلاف ومائتين واثنين وأربعة من عشرة مليون وحدة سحب خاص، بما يوازي 3.5% من المجموع الكليّ لحصص المساهمين الآخرين، مما أهّلها الحصول على مقعدٍ دائمٍ، في مجلس المديرين التنفيذيين، في هذا الصندوق الربوي العالمي.

وكذلك هناك صندوق النقد العربي الذي تعتبر السعودية أكبر مساهمٍ فيه، حيث بلغ رأسمالها المكتتب 90 مليون دينار عربي حسابي، وتتقاضى الدولة السعودية من اكتتابها، رباً تتراوح قيمته 3.2%.

– ثم إن الدولة تمنع فتاوى العلماء وأقوالهم، في حكم البنوك، والتعامل معها.

– عدم محاسبة ولا معاقبة كبار مسؤولي الدولة عن حالات الرشوة والفساد المالي والعمولات، وذلك بسنّ قانون يخالف الشرع يقضي بأنه يجوز لوزارة الداخلية كفّ الملاحقة والمحاسبة وحفظ التحقيق.

– بالرغم من وجود النفط في السعودية بكمياتٍ هائلة، وبالرغم من أن النفط جعله اللَّه ملكيةً لعامة المسلمين، توجد في السعودية نسبةٌ كبيرةٌ من الفقراء، الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم، من المطعم والملبس والمسكن، حتى بلغت بهم الحاجة أن تجمع لهم الملابس من المساجد، ومن المحسنين!!

l بالنسبة للجيش والتسليح والإنفاق العسكري فإن السعودية تقوم على:

– عدم بناء الجيش بناءً عقائدياً، وعدم تربيته على الجهاد.

– الإنفاق عليه إنفاقاً هائلاً بعشرات البلايين سنوياً في حين لا يتجاوز عديده عشرات الآلاف. ويذهب جزءٌ كبيرٌ من الإنفاق في توفير وتغطية الخدمات والمرافق اللازمة لحشود الأميركيين في السعودية. ويذهب قدرٌ هائلٌ منه كذلك في بناء المدن العسكرية الضخمة، والقواعد الجوية، وما يتبعها من منشآت. ويذهب قسمٌ كبيرٌ على صفقات تعد من أحدث النظم العسكرية المتقدمة من مثل نظم التجسس والمراقبة والتحكّم، المعروف باسم الأواكس والطائرات (إف15)، وحاملات الوقود لتزويد الطائرات في الجو. (هذه النظم لا تستخدم من قبل القوات السعودية، وإنما بواسطة ما يعرف بقوات الانتشار السريع الأميركية). ومعلومٌ أن بناء هذه المدن العسكرية والقواعد الجوية، تعطى عقوده لشركات أميركية، بأسعار باهظة، وهذا ما يفسر إنفاق مئات البلايين من الدولارات على جيشٍ لا يتجاوز بضعة عشرات من الآلاف.

– الدخول في اتفاقات أمنية عسكرية مع أميركا بما يتصادم مع أوامر الشرع، غير عابئةً بالشرع ولا المسلمين، وربط السياسة السعودية بالسياسة الأميركية وأهدافها.

l السعودية والهيئات الدولية والعربية:

– إن السعودية تفخر بأنها من الأعضاء والمؤسسين لهيئة الأمم المتحدة. فقد مثّل الأمير فيصل بن عبد العزيز الذي كان وزيراً للخارجية ورئيساً لوفد بلده، المملكة العربية السعودية في مؤتمر سان فرنسيسكو، الخاص بالتنظيم الدولي سنة 1945، الذي وضع أساس إنشاء هيئة الأمم المتحدة. وقد ألقى خطاباً جاء فيه: «ولنطبّق ونلتزم بالمبادئ التي دونّاها هنا على الورق… وليكن هذا الميثاق هو الأساس الذي سنبني عليه عالمنا الجديد الأفضل» ومعلومٌ أن ميثاق الامم المتحدة عبارة عن قانونٍ وضعته الامم المتحدة ليؤمن به، ويدين له، ويتحاكم إليه، كل عضوٍ فيها. وكله وضعيٌّ غير شرعي، وتحاكم لغير ما أنزل اللَّه. ومما جاء في هذا الميثاق: «نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب… وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلّها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي»… نعم من مصادر القانون الدولي وليس من مصادر الشريعة الإسلامية التي هي كتاب والسنّة وما أرشدا إليه.

– وكذلك فإن السعودية عضوٌ في محكمة العدل الدولية التي تعتبر الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وقضاتها «من المشرعين المشهود لهم بالكفاية في القانون الدولي» كما نصّت المادة الثانية من نظام المحكمة. وجاء في المادة (38) أن «وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها، وفقاً لأحكام القانون الدولي العام» وجاء في المادة (55): «تفصل المحكمة في جميع المسائل برأي الأغلبية من القضاة الحاضرين، وإذا تساوت الأصوات رجح جانب الرئيس».

– هذا عدا عن المنظمات التابعة للأمم المتحدة من مثل اليونيسكو، ومنظمة العمل الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، فإن السعودية قدمت وتقدم لها المساعدات والمساهمات المالية بملايين الدولارات من أموال المسلمين.

– كذلك تعتبر السعودية عضواً مؤسساً في جامعة الدول العربية التي تأسّست في 8/4/1364هـ الموافق 22/3/1945م، والتي قام ميثاقها على «أساس احترام استقلال تلك الدول وسيادتها» وجاء في المادة (8) منه «تحترم كل دولةٍ من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهّد بأن لا تقوم بعملٍ يرمي إلى تغيير ذلك النظام بها» وليس أوضح من ذلك في بيان مخالفة هذا الميثاق للأحكام الشرعية من حيث أنه يقرّ التجزئة والتقسيم ويدعو إلى المحافظة عليه تحت اسم الاستقلال، ومن حيث احترام أنظمة الحكم للدول المشتركة في الجامعة، مع أنها أنظمة حكم طاغوتية.

– وهناك منظمات منبثقة عن الجامعة، قامت على لوائح وأنظمة لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، وكأن للسعودية مساهماتها التي تذكر فيها من مثل: مجلس وزراء العدل – مجلس وزراء داخلية العرب، الميثاق العربي لحقوق الإنسان…

إن أخطر ما تقوم به الدولة السعودية، هو سنّ قوانين غير شرعية، والدخول في مؤسسات لا يقرّها الإسلام، والمشاركة في تأسيس هيئات دولية لا تقوم أنظمتها على الإسلام بل تُصادمه، ومن ثم تطبيق ما سنّوه مما هو مخالفٌ للشرع على المسلمين وتقوم الدولة السعودية بعملية تلبيس على المسلمين فلا تطلق على ما تشرّعه، كلمة (قانون) أو (تشريع) أو (شريعة) بل تسمّيها: (أنظمة) أو (مراسيم) أو (تعليمات) أو (أوامر) أو (لوائح) أو (سياسات) وقد جاء في كتاب: «الأحكام الدستورية للبلاد العربية» تاليف نخبةٍ من رجال القانون، تحت عنوان «دستور المملكة العربية السعودية»: «وكلمات (قانون) و(تشريع) و(شريعة)، لا تطلق في السعودية إلا على الأحكام الواردة في الشريعة الإسلامية، وما عداها من أحكام وضعية، فيطلق على تعبير (أنظمة) أو (تعليمات) أو (أوامر)…».

ومن القوانين الوضعية المختلفة في السعودية

– صدر مرسومٌ ملكي حظر تملّك الأرض الموات إذا أحياها صاحبها بعد سنة (87). وهذا مخالفٌ للشرع.

– صدرت أنظمةٌ مخالفةٌ للشرع في ما يتعلق بزواج السعودية من غير سعودي أو السعودي من غير السعودية.

– تشريع المكوس.

– فرض الضرائب بغير وجه حق…

l أما الجانب السياسي، فإن سياسة المملكة العربية السعودية لم تكن مستقلةً يوماً، فقد نشأت على العمالة ولا زالت، وكانت عمالتها ابتداءً للإنكليز، وما دعم الإنكليز لآل سعود دون سواهم إلا من أجل النفط ولو لم يكن آل سعود مستعدين لتأمين مصالح الإنكليز لما دعموهم. إلا أن السعودية تحولت من العمالة للإنكليز إلى العمالة لأميركا عن طريق الملك فهد، وصارت، على مسرح السياسة الدولية والإقليمية حجراً بيد أميركا، وسهماً توجهه بحسب مصالحها. ويعتبر تدخلها في مختلف قضايا المسلمين من اجل تحقيق مصالح أميركا السياسية فحسب، وذلك كما حصل في أفغانستان، والشيشان، وكشمير، وكوسوفا، والبوسنة، والهرسك… وما ذكرنا في العدد السابق من الدعم المالي والعسكري واللوجستي لأميركا في حربها على العراق، كذلك ما يوجد في السعودية من وجود عسكري طاغٍ ومقيم، كذلك وقوف السعودية مع أميركا ضد الإسلام والمسلمين تحت شعار محاربة الإرهاب… كل ذلك وغيره يدل على تبعيةٍ ظاهرةٍ لأميركا، لم يستطع آل سعود إخفاءها في الفترة الأخيرة بسبب وجود إدارةٍ أميركيةٍ أصولية غير مسبوقة في الحكم، تعمل على المكشوف.

هؤلاء هم حكام السعودية ماضياً وحاضراً. لا يقوم حكمهم على الإسلام، يقفون في الصف المعادي للإسلام والمسلمين. في السابق، شقوا عصا الطاعة، وخرجوا على الخلافة الإسلامية، وتعاملوا مع الإنكليز في القضاء عليها. أما اليوم، فإنهم كما بينّا يشرّعون ما لم يأذن به اللَّه، ويعطلون ما أمر اللَّه به أن يحكم، ويقفون في صف أميركا في حربها على الإسلام والمسلمين ومن نفس منظورها.

هذا هو واقع الحكم في السعودية، فهل يجوز بعد هذا العرض لهذا الواقع الذي لا يختلف عليه أحد، أن تعتبر المملكة العربية السعودية دولةٌ إسلامية وحاكمها ولي امر المسلمين فيها؟

نعم، هناك من يعتبرها كذلك! إنهم علماء السوء الذين حذّرنا الإسلام منهم، إن هؤلاء العلماء يعمون أبصارهم عن كل تلك الحقائق، ويعرضون عن الحق، ويستغلون مناصبهم الشرعية، التي استحدثها لهم حكامهم، ليضفوا الشرعية على كل ما يتصرفون به بحجة أنهم ولاة أمر وتجب طاعتهم. وليهاجموا كل من يقف في وجههم من المسلمين واصفين إياهم بالجهل، والبغي، وعدم التوفيق بين النصوص، وعدم التفريق بين الجهاد والإرهاب، وإساءة الظن بالعلماء وبولاة الأمور، والغلو.

كما صرح بذلك مفتي عام المملكة العربية السعودية، رئيس هيئة كبار العلماء، رئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء، في 21/8/2003م.

وصرّح بمثل هذا الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، عضو هيئة كبار العلماء، عبد المحسن التركي، في 20/8/2003م. وكذلك فعل رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان في 13/8/2003… أنظروا إلى هذه المراكز، وهذه الألقاب التي آثر أصحابها أن يبيعوا بها ويشتروا، انظروا إلى هؤلاء كيف يتبعون الحكام، وكأن كلامهم وحيٌ لا يرد، وإذا سمعه المسلم، فما عليه إلا أن يفهمه، ويلتزم به، وصدق رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه أحمد عن أنسٍ رضي الله عنه: قيل لرسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم): متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم». قالوا وما ذاك يا رسول اللَّه؟، قال:«إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحوّل الملك في صغاركم، والفقه في رذّالكم».

إنكم، أيها العلماء، تذكرون الميثاق الذي واثقتم آل سعود عليه، حين جعلتم حكمهم وراثة ومشيختكم وراثة، وتنسون الميثاق الذي واثقكم اللَّه عليه وواثقتموه عليه، وأين الخشية من اللَّه في علمكم؟! على كل حال، إنكم لستم بدعاً، فقد اتخذ كل حاكم، من الحكام المفروضين على المسلمين، علماء عملاء له، يوالونه في الخير والشر، وجعلهم مطيةً له، ليصل من خلالهم إلى ما يريد، وليستر بهم سوءته، وليلبس على المسلمين بهم الحق بالباطل. إنهم بمواقفهم هذه وتصريحاتهم شهود زورٍ على أفعال الحكام، مما يجعلهم شركاء لهم ينالهم من الإثم بقدر ما يخوضون وذلك كما أخرج الحاكم في «تاريخه» عن معاذ رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم): «من قرأ القرآن، وتفقّه في الدين، ثم أتى صاحب سلطان، طمعاً لما في يديه، خاض بقدر خطاه في نار جهنم».

ولو أخذنا أمثلةً من الواقع لشهد لنا الواقع بما نقول. فابن باز مثلاً، لما كانت السعودية، هي وباقي الدول العربية، تتظاهر بأنها ضد دولة يهود، كانت الفتوى بتحريم الصلح مع اليهود. ولما تغيّرت الأوضاع الدولية، وصارت السعودية تتهيّأ للصلح مع اليهود، أمرت ابن باز، فأصدر فتوى منكرة، وتتصادم مع الشرع يجيز فيها الصلح مع اليهود والاعتراف بوجودهم وبكيانهم في فلسطين. ومثل ذلك فتواه في الاستعانة بالمشركين. فقد كانت عدم الجواز كما ذكر في كتابه «نقد القومية العربية» ثم لما أمرت أميركا السعودية أن تقدم لها أراضيها ومطاراتها وأموالها من أجل ضرب العراق سنة 1991م أوعزت السعودية لابن باز بإصدار فتوى تجيز ذلك، وتشكل غطاءً دينياً تأمن به نقمة المسلمين، لأن المسلمين بنظرها كقطيع الغنم تسوقه برنة جرس. وبالفعل تغيّرت الفتوى السابقة بفتوى لاحقة تعارض صريح الإسلام، وتناقض ما أفتى به سابقاً.

هذا واقع الحكم في السعودية، من بعد عن الحكم بما أنزل اللَّه، وهذه هي حال علمائها المرتبطين بالحكم، بميثاق ما أنزل اللَّه به من سلطان. وإن العجب ليأخذ المسلمين، أن يروا علماء، يتربعون على سدة السلفية، ولديهم مثل هذه النظرة للدولة السعودية وحاكمها! إننا لا ندري من أين جاءت فكرة وراثة المشيخة، وفكرة وراثة الحكم، وفكرة فصل المشيخة عن الحكم، التي هي شكلٌ من أشكال فصل الدين عن الدولة. أليس هذا ابتداعاً في الدين وإحداثاً مردوداً في الشرع. قال رسول اللَّه ((صلى الله عليه وسلم: «ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه مسلم.

إنه من المعلوم شرعاً، أن المسلمين، وعلى الأخص علماءهم، إذا رأوا من حاكمهم المسلم، الذي يحكمهم بالإسلام، حكماً قطعياً واحداً، يحكم به على غير أساس الإسلام، وجب عليهم إشهار السلاح في وجهه، فعن جنادة بن أبي أمية قال: «دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك اللَّه، حدث بحديثٍ ينفعك اللَّه به، سمعته من النبي ((صلى الله عليه وسلم، قال: «دعانا النبي (صلى الله عليه وسلم) فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، قال: وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من اللَّه فيه برهان» متفقٌ عليه. هذا في حال إذا كان خليفة يحكم بالإسلام، ثم لم يحكم، ولو بحكمٍ واحد، بالإسلام، من غير تأول، فكيف بآل سعود الذين يتملّصون من الإسلام ويظاهرون أعداء الإسلام على المسلمين! فأين محاسبتكم أيها العلماء، لآل سعود، على تركهم الجهاد في سبيل اللَّه؟ وعلى موالاتهم المعلنة لأميركا، والسير معها في حربها ضد الإسلام والمسلمين؟ وأين صوتكم الذي ارتفع في وجههم بسبب تعاملهم بالربا وإجازتهم لذلك؟ وأين إنكاركم لهم بسبب إنشاء لجانٍ قوانينها وضعية، مع ما في وجودها من تعطيلٍ للشرع؟ أين محاسبتكم لهم على اشتراكهم في منظماتٍ دولية قائمة قوانينها على غير الإسلام، وإعلان احترامها، والتقيّد بها؟… أين الميثاق الذي أخذه اللَّه عليكم؟ أستبدلتموه بميثاقٍ آخر أخذه عليكم آل سعود: أن تحموهم، وتغطوا على جرائمهم، وتضفوا الشرعية على كل تصرفاتهم… هل أصبح الدين قسمة بينكم؟ تلك إذاً قسمةٌ ضيزى… لقد جعلتم الميثاق الذي واثقكم عليه آل سعود، من المسلمات التي لا تمس في الدين، وامتلأت كتاباتكم به حتى صدقتموه… ما لكم أيها العلماء كيف تحكمون؟ أم لكم كتابٌ آخر فيه تدرسون.

أيها العلماء الرسميون

إن الأحاديث الشريفة التي وردت في طاعة ولاة الأمر والخلفاء، ومن سماه الرسول بالأمير، لا تنطبق على حكام السعودية، بحالٍ من الأحوال، بل هي تنطبق على خليفة المسلمين ومن يؤمّره على المسلمين، وهذه الأحاديث من مثل ما رواه مسلم «فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن اللَّه سائلهم عما استرعاهم» و«من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه» و«من رأى من أميره شيئاً من معصية اللَّه، فليكره ما يأتي من معصية اللَّه، ولا ينزعنّ يداً من طاعة» والاستشهاد بها على أنها تنطبق على حكام السعودية مخالفٌ مخالفةً شرعية واضحة للإسلام، وتحكّم بالنصوص الشرعية، وتقوّل على الشرع. إن في الإسلام مزيّة فريدة: إن مصادر التشريع فيه محددة عند العالم، وطريقة الاستنباط منضبطة، والعالم هو الواسطة لذلك ليس أكثر. فإن أحسن عرف إحسانه، وإن أساء عرفت إساءته. ومن غير تبيان دليل، وطريقة استدلال لا يقبل من أحدٍ شيئاً. وإننا نأسف أن يصل الحال بأمثال هؤلاء العلماء أن ينزلوا النصوص على غير واقعها. حقاً إن فتنة العالم بعلمه، وأن العلم لا يكون حجةً لصاحبه، إلا أن يتقي به اللَّه ويخشاه وإننا نحذركم أن تكونوا من علماء السوء الذين خوّفنا رسول اللَّه ((صلى الله عليه وسلم منكم.

وهذه طائفةٌ من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر العلماء الدنو من الأمراء.

l أخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من بدا فقد جفا، ومن اتبّع الصيد غفل، ومن اتى أبواب السلاطين افتُتن، وما ازداد عبدٌ من السلطان دنواً، إلا ازداد من اللَّه بعداً».

l أخرج ابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم): «إن أبغض القرّاء إلى اللَّه تعالى الذين يزورون الأمراء».

l أخرج الديلمي في «مسند الفردوس»، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن أناساً من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرؤون القرآن، ويقولون نأتي الأمراء، فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك. كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا».

l أخرج الترمذي، قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم): «سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بواردٍ عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو واردٌ عليّ الحوض».

l أخرج ابن ابي شيبة، والطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم): «إنها ستكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن ناوأهم نجا، ومن اعتزلهم سلم أو كاد، ومن خالطهم هلك».

l أخرج البخاري في «تاريخه»، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «يدخل الرجل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء».

l روى أحمد، عن ابن هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم): «من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه اللَّه، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة» .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *