العدد 198 -

السنة السابعة عشرة – رجب 1424هـ – أيلول 2003م

البيعة على النصرة (4)

البيعة على النصرة  (4)

إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ

لما انصرف وفد العقبة الأولى عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث معهم مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، وكان منـزله على أسعد بن زرارة.

وفيما ذكره ابن اسحاق: دخل أسعد بن زرارة بمصعب حائطاً من حوائط بني ظفر… واجتمع إليهما رجالٌ ممن أسلموا. وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير يومئذٍ، سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه. فلما سمعا به قال سعد لأسيد: انطلق إلى هذين الرجلين فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا. فلولا أن أسعد مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدّماً. فأخذ أسيد حربته، ثم أقبل إليهما. فلما رآه أسعد قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق اللَّه فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه. فوقف أسيد عليهما متشتماً، قال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره؟ قال أنصفت. فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن… فقال أسيد ما أحسن هذا الكلام وأجمله! فاغتسل، ثمّ تشهّد شهادة الحق، ثمّ قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلّف عنه أحدٌ من قومه: سعد بن معاذ، وسأرسله إليكما الآن، ثمّ أخذ حربته وانصرف إلى سعد… فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فواللَّه ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك (لينقضوا عهدك). فقام سعد مغضباً، ثم خرج إليهما؛ فلما رآهما سعد مطمئنين، عرف أن أسيداً إنما أراد منه أن يسمع منهما… فحدث مع سعد ما حدث مع أسيد فدخل في الإسلام فعاد إلى قومه، فلما وقف عليهم قال: با بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبة. قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرامٌ حتى تؤمنوا باللَّه وبرسوله. قالا (سعد وأسيد): فواللَّه ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مسلماً ومسلمة.

«الـوعــي»:  كان الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه في مكة يؤمنون بأن النصر من عند اللَّه وحده. ولكن كيف يأتي؟ ومتى؟ فلا يعلم ذلك إلا اللَّه. ولما أتاهم نصره لم يكن لهم فيه سوى سعي العبد المطيع لأمر ربه، السائر على دربه. أما فتح القلوب، وتهييء الظروف، وتحديد الوقت، فهو بيد اللَّه وحده، الذي إذا أراد أمراً هيّأ له أسبابه. فإسلام أسيد وسعد تمّا في ساعةٍ من نهار، ما كانت في حساب أحدٍ من البشر.

كذلك نحن اليوم، كيف يأتي أمر اللَّه؟ ومتى؟ فإننا نؤمن بأن ذلك بيد اللّه وحده. وإننا ننتظر تلك الساعة التي يتجلّى فيها رضى اللَّه علينا بنصره وإعزاز دينه، فيفتح على قلب أمثال سعد وأسيد. إنه على ما يشاء قدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *