العدد 193 -

السنة السابعة عشرة – صفر 1424هـ – نيسان 2003م

كلمة الوعي: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)

في 20/03/2003م غزت أميركا وبريطانيا العراق بعدوان وحشي عليه لاحتلاله، ونهب ثرواته، وصياغة المنطقة من جديد. وهم أعلنوا، ويعلنون ذلك جهاراً نهاراً دونما لفّ أو دوران. وكان من عظم الجريمة البشعة التي اقترفوها أنّ المؤسسات الدولية التي أنشأتها أمريكا لم تستطع أن تسعفها بقرار هزيل أو ضئيل، غطاءً لعدوانها، لا شكلاً ولا مضموناً.

          ومن المفارقات العجيبة، ولعلها عند أميركا ليست مفارقات وليست عجيبة، أنّ أميركا احتجت بمخالفة العراق للقرارات الدولية، فأعلنت الحرب عليه دونما قرارات دولية بل تحدياً لها. واحتجت بمظنة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وعدَّت الصواريخ التي زاد مداها عن (150) كلم ببضعة كيلومترات، عدَّت ذلك أسلحة دمار شامل، ومع ذلك هاجمت العراق بصواريخ عابرة للبحار والقفار مداها آلاف الكيلومترات. وادّعت أنها جاءت لتحرير الإنسان فقذفته بأسلحة تهلك الحرث والنسل. وعدَّت مجازرها في قتل الشيوخ والنساء والأطفال دفاعاً عن النفس، أمّا مقاومة العراق للدول الغازية فقد عدَّتها إرهاباً. كأنها تعيد سيرة ربيبتها دولة يهود في فلسطين شبراً بشبر وذراعاً بذراع.

          إن اعتداء الكفار على الإسلام والمسلمين وبلادهم ليس أمراً غريباً، فمنذ أن بُـعث رسول الله رحمةً للعالمين، والكفار يجيِّـشون الجيوش للعدوان على الإسلام وأهله. والحروب الصليبية السابقة، وغزوات التتار شواهد على ذلك. كما أن مؤامرات الكفار وحروبهم ضد الخــلافـة الإسلامية (العثمانية) والقضاء عليها ليست بعيدة. ثم إن إنشاء كيان يهود فـي قلب بلاد المسلمين، أرض الإسراء والمعراج، وجرائم هذا الكيان، ومجازره فـي فلسطين لا زالت حيةً تنطق بعداوة الكفار للإسلام والمسلمين.

          إلا أن الغريب الذي يدمي القلب أن بوش يغزو أرض المسلمين فـي العراق منطلقاً من بلاد المسلمين، جواً وبحراً وبراً. والحكام فـي بلاد المسلمين يرقبون وينظرون لا بل يساعدون أميركا وبريطانيا فـي الدعم والإسناد، وأمثل الحكام طريقةً من اكتفى بالوقوف على الحياد! كأن العدوان الأميركي يقع فـي جزر الواق الواق وليس فـي أرض العراق، حاضرة الخــلافـة فـي الزمن المضيء:

          والغريب الثاني، فصمت الأمة على حكامها الذين أسلموها لعدوها، ومنعوها من نصرة أبنائها فـي أماكن العدوان عليهم، وهي تعلم أنَّ العدوان على بلد من بلاد المسلمين هو عدوان على بلاد المسلمين كلها، وهذا ما فعله بوش ويفعله، فهو قد أعلن حربه صليبيةً على الإسلام والمسلمين. ومع ذلك يغزو الكفار بلادنا قطعةً قطعةً فإذا فرغوا من واحدة انتقلوا لأخرى، والحكام فـي بلاد المسلمين يهيئون لهم ذلك ويمهدون لهم السبيل. اعتدوا على أفغانستان ثم على العراق، ومن قبل مكّـنوا يهود من فلسطين، ومخططاتهم مستمرة للعدوان على بلاد المسلمين، ومع ذلك فالأمة صامتة، ساكتة عن حكامها الذين يسلمونها لعدوها، وهي ترى وتسمع، فلا تثور فـي وجههم، أو تنقض عليهم، بل إنها تعد (تكرّم) الحاكم عليهم بالتظاهر دون منع أو بطش، داخل الجامعة أو فـي شارع معين، تعد ذلك صنعاً من الحاكم جميلاً أو فوق الجميل، فإذا سمح لها أن تجمع مساعدات طبية أو غذائية كان ذلك عندها خطواتٍ إيجابيةً محمودةً! والجميع يدرك أن البلد المعتدى عليه يحتاج وقوف الحاكم معه لرد العدوان بقوة السلاح أكثر مما يحتاج هتافاً باسمه أو شتماً لعدوه. فالمطلوب قرار الحاكم وتنفيذه بخوض الحرب معه ضد المعتدي وطرد العدو من قواعده وسفاراته ومصالحه. هذا هو المطلوب من الحكام لو كانوا أمناء صادقين لا خونةً مارقين.

          أما الأمر الغريب الثالث، فجيوش المسلمين التي ترى المجازر ترتكب أمام سمع هذه الجيوش وبصرها فـي فلسطين من يهود، وفـي العراق من أميركا وبريطانيا، ومع ذلك تبقى الجيوش فـي ثكناتها لا تنطلق، والجيش أهل قوة، وعنده القدرة المادية للتغيير، ومع ذلك ترى الجيوش جرائم الحكام فلا تغيرها، وترى منع الحكام لها من نصرة المسلمين المعتدى عليهم، فلا تثور الدماء فـي عروقها لإزالة الحكام، والتحرك للجهاد طلباً للنصر أو الشهادة.

          وبعد:

          أليست مصيبةً أن يغزو الكفار المستعمرون العراق منطلقين من بلاد المسلمين حوله؟

          وأليست مصيبةً أن تصمت الأمة على حكامها الذين باعوا البلاد والعباد لأميركا وبريطانيا واليهود؟

          ثم أليست مصيبةً كذلك أن الجيوش التي أعدت للقتال ترى المجازر ضد أهلها ثم لا تبدي حراكاً ولا نصرةً؟

          ألا تكفي هذه المصائب لتدفع الأمة لأن تثور على حكامها، وأن تتمرد الجيوش على قادتها، فتدوس الخونة بأقدامها، وتنطلق لنصرة العراق وأهل العراق، وفلسطين وأهل فلسطين، وكل بلد إسلامي يعتدى عليه؟

          ثم ألا تكفي هذه الصدمات الفظيعة لأن تعيد الصواب للأمة، والرشد لأهل القوة، فيُـبذل الوسع، كل الوسع، لتوحيد بلاد المسلمين فـي دولة واحدة، يحكمها خليفة واحد، يعلي فيها راية الإسلام وذروة سنامه، فتنتصر الأمة على عدوها، وتشرد به من خلفه، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله؟

          إن الأمة الإسلامية أمة مجاهدة، لا تقهر بإذن الله، فالجهاد من مفاهيم الأعماق عندها، وشواهد ذلك كثيرة، فإذا كان العراق يقاتل دولاً كبرى وحده، وقد أنكى العدو وأدماه، ومنع العدو من تحقيق هدفه بعد مضي أكثر من أسبوعين من القتال الشرس، فـي الوقت الذي كانت أميركا تقدر لذلك أياماً قليلة، إذا كان هذا فعل العراق وحده، وهو يغزى من بلاد المسلمين حوله، فكيف لو كان جزءاً من دولة الخــلافـة، تقاتل الأمة معه، ويقاتل معها تحت راية واحدة وخليفة واحد؟

          إن الواجب المحتم أن تعود بلاد المسلمين إلى أصلها بلداً واحداً، الاعتداء على جزء منه اعتداء عليه كله. وأن تعود جيوش المسلمين جيشاً واحداً ينفر معاً لقتال عدوه. وأن يقضى على الحكام العملاء وتزول الدويلات المتناثرة فـي بلاد المسلمين، ومن ثَـمَّ يكون للمسلمين دولة واحدة، الخــلافـة الراشدة، تطبق الإسلام وتعلي الجهاد ذروة سنامه، وعندها لن يتمكن بوش ولا غير بوش أن يعلن الحرب الصليبية ثم يخرج منها يلوي على شيء، بل مثبوراً مدحوراً.

          هذا هو الواجب وإلا حقَّ قول الله: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *