العدد 193 -

السنة السابعة عشرة – صفر 1424هـ – نيسان 2003م

إمبراطوريةُ الشرّ وخـلافـةُ الخـير

إمبراطوريةُ الشرّ وخـلافـةُ الخـير

         لعل ما يحدث على الساحة العالمية اليوم من أحداث بشير خير لهذه الأمة التي تنتظر اليوم الذي يعزها الله فيه بدولة كريمة تعز الإسلام وأهله، وتذل الكفر والنفاق وأهله، وهي خـلافـة الخير. فالعالم اليوم يسطلي بنار إمبراطورية الشر – أميركا – التي انكشف عوارها وبان زيف ديمقراطيتها التي كانت تتغنى بها لأمد طويل، وظهر للعالم وللمسلمين خصوصاً انحطاط حضارتها وإيدلوجيتها، فلم تعد أميركا صاحبة الفكرة الجيدة «Good idea» التي تريد أن تجعل العالم يتدين بها، بعد أن يلفظ ما لديه من معتقدات وأفكار.

ـــــــــــــــ

         أميركا اليوم هي شر مطلق على العالم الإسلامي، وحتى على حلفائها الغربيين، شركائها فـي المبدأ الرأسمالي العفن، فهي اليوم تدير ظهرها لهم، ولا تحسب لهم حساباً، فهي تريد أن تضرب العراق لتستعمره فتستولي على مقدراته، وبالأخص نفطه الذي يشكل أكبر احتياطي فـي العالم. ثم بعد ذلك تصوغ المنطقة صياغة جديدة تحقق مصالحها دون أن تحسب أي حساب لمصالح حلفائها فـي الغرب. بل هي تريد أن تخنقهم وتجعلهم تابعين خانعين لها، فهي ترى نفسها الدولة الأولى المؤهلة لقيادة العالم، بلا منازع، لما تحبه هي وتراه. وهذا ما جعل دولاً فـي الغرب مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا تقف بقوة أمام العدوان على العراق، طبعاً ليس حرصاً على دماء الشعب العراقي المسلم، إنما خوفاً من هيمنة أميركا على المنطقة بما فيها من خيرات، ومن ثم هيمنة أميركا على العالم كله. وأميركا اليوم تراهن على الانقسامات داخل أوروبا، ولكن بريجينسكي المعروف أنه مهندس كل المصائب التي حلت بمنطقتنا، يحذر الإدارة الأميركية من هذه المراهنة التي يرى أنها ربما تؤدي إلى انهيار حلف الناتو. كما أنه يحذرها من ضرب العراق. ولكن يبدو أن أميركا سائرة فـي غيها إلى أبعد مدىً، متصورةً أنها قادرة فـي خلال شهر على ضرب العراق وإسقاط نظامه، والاستيلاء على مقدراته غير عابئة بما تسميه «الشرعية الدولية»، حيث يعلن بوش أن إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بشأن العراق أمر جيد ولكنه لا يحتاج إليه للعدوان على العراق، غير عابئة بمواقف بعض الدول كروسيا وفرنسا وألمانيا، وغير عابئة بتلك المظاهرات التي اندلعت فـي معظم بلدان العالم حتى فـي أميركا نفسها. غير عابئة بما يمكن أن تفعله الأمة الإسلامية إزاء حكامها الذين باعوا أمتهم ودينهم وشرفهم بثمن بخس رخيص، وهو أن ترضى عنهم اميركا التي يسبحون بحمدها آناء الليل وأطراف النهار لعلها ترضى، التي إذا عطست أصابنا البرد كما قال أحدهم.

         إن الذي يجـُـر أميركا لهذه الحرب قد أعمى الله بصيرته. ولعل الله يجعل تدميرهم فـي تدبيرهم، فقد بان الحقد الصليبي وظهر على تصرفات حكام أميركا «بوش وزمرته» الذي أعلنها منذ اللحظة الأولى حرباً صليبية. وأدركت الأمة أن الحرب القادمة حرب عقائدية بين الإسلام والكفر، بين الخير والشر، بين الشر ودُوَله التي تدافع عن مصالحه، وبين الخير الذي لا دولة له تحمي بيضته وتصد كيد أعدائه، وتنشره فـي ربوع العالم. فـي الوقت الذي فيه أمة الخير، الأمة الإسلامية، قادرة بإذن الله على إعادة استئناف الحياة الإسلامية بإعادة خـلافـة الخير، دولة إسلامية تملك زمام أمرها وتضع مقدرات الأمة وطاقتها كلها فـي سبيل خير البشرية جمعاء.

         وهنا لا بد من أن نضع العالم كله فـي مقارنة بين ما قدمه الإسلام له على مدار أربعة عشر قرناً، وما سيقدمه بعد تمثله فـي دولة الخــلافـة، وبين ما قدمته أميركا للعالم وما يمكن أن تقدمه. إن المبدأ الرأسمالي الذي تمثله أميركا جعل من العالم غابةً كبيرةً يأكل القوي فيها الضعيف… جعل العلاقة بين الأفراد علاقة رغيف الخبز آكله أنا لا غيري .. فـي ظل هذا المبدأ اشتعلت الحروب، وحصدت ملايين البشر .. لا تضع إصبعك على خريطة العالم إلا وتجد بؤرةً للصراع يذهب ضحيته آلاف بل ملايين من البشر. هذا ما قدمته أميركا للعالم .. قتلت آلاف الفيتنامين فـي فيتنام .. غزت دولةً مجاورةً «بنما» وخطفت رئيسها وحاكمته وأودعته السجن عندها. أسقطت طائرةً إيرانيةً مدنيةً فـي الخليج سنة 1988 فقتلت جميع ركابها البالغ عددهم أكثر من ثلاثماية. ضربت هيروشيما ونكازاكي بالقنابل النووية .. استعملت اليورانيوم المنضب فـي حربها فـي العراق وفـي أفغانستان…الخ.

         حتى العلوم والصناعات والتكنولوجيا التي يمكن أن يقال إن أميركا رائدة فيها، حتى هذه التكنولوجيا وهذه الطفرة العلمية الكبيرة ما هي إلا حلقة من سلسلة طويلة من الأبحاث والدراسات على مدار تاريخ البشرية، ساهم المسلمون فـي جزء كبير من حلقاتها. ومع ذلك فإن أميركا تحتكرها لنفسها، ولبضع دول فـي العالم، وتمنع الآخرين من حيازتها حتى يظلوا سوقاً استهلاكيةً تُـرضي جشع أصحاب رؤوس الأموال والشركات العملاقة التي تهيمن على دوائر صنع القرار فـي أميركا.

         إن أميركا وحضارتها المادية النفعية البغيضة لم تقدم للعالم سوى الشقاء والتعاسة والانحلال الأخلاقي والعري والفساد. حتى داخل الولايات المتحدة نفسها تتمتع فئة قليلة من المتنفذين وأصحاب رؤوس الأموال بمعظم الثروة والكثرة الكثيرة من شعبها مشرد فقير، ففي تصريح للرئيس الأميركي السابق كلينتون يقول إن 1٪ من الموظفين الأميركيين يملكون 70٪ من الثروة القومية فـي حين يعيش 50 مليون أميركي تحت خط الفقر.

         أما المسلمون فهم حملة رسالة عالمية لخير البشرية لأنها من رب العالمين، ولذلك فإن المسلمين عندما يحاربون فإنهم لا يحاربون من أجل استعمار الشعوب وإذلالها، ونهب خيراتها وثرواتها، وإنما لحمل هذا الدين للناس كافةً لإخراجهم من الظلمات إلى النور، لإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. والمسلمون لم يكونوا فـي يوم من الأيام مستعمِـرين يذلون شعوب البلدان المفتوحة ويسترهبونهم، وإنما كانوا وأهل البلدان المفتوحة سواء بسواء لهم ما لنا وعليهم ما علينا. ولهذا فإن أهل هذه البلاد لم يلبثوا أن تركوا ما كانوا عليه من معتقدات وأفكار وعادات، واعتنقوا العقيدة الإسلامية، ثم ما لبثوا أن حملوا هم راية الجهاد. ولهذا عاشت البشرية فترةً طويلةً فـي ظل حكم المسلمين، لم يقتل فيها الناس لأجل القتل، ولم يقتل فيها الناس لأجل استعبادهم، ونهب ثرواتهم، ولم يقتل فيها الناس لأجل نشر الفساد والإفساد بينهم كما حدث عندما هيمن المبدأ الرأسمالي وغيره من المبادئ الفاسدة على الساحة الدولية.

         لا ملاذ للعالم من هذا الشقاء الذي يعيش فيه اليوم إلا فـي دولة مبدئية، ولا مبدأ صحيحاً فـي العالم سوى الإسلام الذي إذا تمثل فـي دولة الخــلافـة قاد العالم إلى ما فيه خير البشرية جمعاء مسلميها وغير مسلميها .

شريف عبد الله – مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *