العدد 188 -

السنة السابعة عشرة – رمضان 1423هـ – تشرين الثاني 2002م

تداعت علينا الأمم

تداعت علينا الأمم

 

تتولى الفواجع والنكبات التي تصب على رؤوس المسلمين في شتى بقاع الأراضي. فقد تكالبت قوى الكفر والشر والطغيان من بني اليهود ومن الصليبية الحاقدة وعبدة البقر ومن أبناء الملل المفحلة والمنحرفة للقضاء على الإسلام وأهله، واستئصال جذوره ومحو معالمه، فلا يكاد يمر يوم من الأيام إلا نسمع ونرى بطش غير المسلمين من الكفرة وأتباعهم وأعوانهم بالمسلمين. فتقام لهم المذابح وتجتاح أراضيهم وتخرب ديارهم وتنتهك أعراضهم وتضيع حقوقهم وتداس مقدساتهم ويوجه لهم التهديد والوعيد بالحرب والتدمير وإعادة الاحتلال العسكري الاستعماري كما يعلن بوش تجاه العراق جهاراً نهاراً، وليس ببعيد ما حدث في أفغانستان ولبنان ناهيك عن بورما، ناغورنوكارباخ، البوسنة والهرسك ولا ننسى مذابح المسلمين في فلسطين، وكشمير المغتصبة والأندلس وقرطبة الحمراء وما حدث في كوسوفا وألبانيا ومذابح المسلمين في الجزائر وغيرها من بلاد المسلمين. والمسلمون يئنون من وطأة ما يفعل بهم وجراحهم التي تنزف غزيرةً لا يجدون من يضمدها وصراخ ونحيب الأطفال واستغاثة النساء والشيوخ، كل ذلك كأنه صرخة في وادٍ أو نفخة في رماد، يسترجع أحدنا في ذهنه واقعة المرأة التي استنجدت بالمعتصم فجرد من أجلها جيشاً أرغم به أنف من أسرها وأتى به مكبلاً. نسترجع ذلك، ثم نتساءل ماذا كان المعتصم سيفعل إذا وصلته استغاثة المسلمين اليوم؟ ولكن المعتصم ليس مخلداً ولا بد أن يموت، وقد كان، فماذا يفعل معتصمو «عفوا مغتصبو» هذا الزمان؟ أتراهم سيجردون الجيوش لرد بأس الذين كفروا، ولنصرة المسلمين المعتدى عليهم من الكفار المستعمرين؟ كلا تلك شهامة عزت على أمثالهم ومكرمة أبت أن يتحلوا بها ولله در القائل:

لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيّاً وَلكِنْ لاَ حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي

         فاروق هذه الأمة يخشى أن يسأله ربه عن تعثر دابة في العراق، لأنه لم يمهد لها الطريق. ودماء المسلمين الزكية تراق اليوم ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل عبد مؤمن، فهل يخشى حكامنا اليوم من أن يسألهم الله أو تسألهم الشعوب عن ذلك؟ لقد عزم أهل الشرك والباطل في شتى بقاع الأراضي على القضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين، بل أن الكثيرين من قادة الباطل ينادون صبح مساء: «دمروا الإسلام وأبيدوا أهله» ولذلك نراهم يتحينون الفرص ويحيكون المؤامرات والدسائس للانقضاض على المسلمين حتى لا تقوم لهم قائمة ولا يعودوا إلى دينهم أو حقهم والنهوض من جديد لقيادة الركب، لعمارة الأرض ونشر النور وإعلاء كلمة الله في الأرض.

         أيها المسلمون، إن الكفار المستعمرين قد وضعوا خطة للحيلولة بين المسلمين وبين الوصول إلى الحكم وإعلان الدولة الإسلامية وهذا ظاهر في تصرفاتهم، وما تخفي صدورهم أكبر، كل ذلك يدل على عدائهم الأبدي للإسلام والمسلمين ومدى حرصهم على الحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحكم لأنهم يدركون مدى خطورة ذلك عليهم وعلى حضارتهم.

         ويقول الله تعالى في كتابه العزيز: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) [الصف] وهم بعدائهم هذا لا يقبلون من المسلمين إلا أن يتبعوهم ويتبنوا حضارتهم البالية وأن يتبعوهم في كل جحر ضب دخلوه يقول الله سبحانه وتعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) [البقرة/120].

         إن ما نراه اليوم من ذل وهوان واستباحة للإسلام وأهله ما هو إلا نتيجة إبعاد الإسلام عن واقع الحياة بتحويله إلى دين كهنوتي داخل المساجد وجعل علماء المسلمين يقتصرون على أمور الوعظ والإرشاد والحيض والنفاس والطلاق وما شاكل ذلك من قضايا، ولا يهتمون بالنهضة والتغيير. والمسلمون ما أن غابت عنهم شمس الخلافة في آخر معقل لها في استنبول على يد اليهودي المتأسلم مصطفى كمال (أتاتورك) حتى تكالبت عليهم قوى البغي والظلام واتجهوا لأخذ النظم من الشرق والغرب فأصبحوا يقتاتون من موائد اللئام، لقد تخلوا عن الجهاد واثّاقلوا إلى الأرض وأحاط بهم الذل والهوان والصغار، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قائلاً: «يوشك أن تداعى عليكم الأممُ من كل أفق كما تداعى الأكلةُ على قصعتها، قال: قلنا يا رسول الله أمن قلت بنا يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذٍ كثيرٌ ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن، قلنا وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» رواه أحمد في كتاب باقي مسند الأنصار…

         لا يخفى على أحد الغليان في المجتمع الإسلامي وسيتحول بإذن الله إلى قوة دافعة، وليحدث حركة واندفاعاً وانبعاث الدولة الإسلامية التي تحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكماً انقلابياً كاملاً غير مجزأ مهما تنوعت وسائل الإغراء. نعم فانبعاث الدولة الإسلامية من أحد الأقاليم سيكون نقطة ارتكاز لاستئناف الحياة الإسلامية للعالم ليظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون والكافرون، نعم إننا نريد حاكما يعامل دوابنا كما عاملها عمر ابن الخطاب، نعم إننا نريد حاكما يضع الزكاة على نواصي الأزقة لا يأخذها أحد لأن الله قد أغناهم عنها كما كان ذلك أيام حفيد الفاروق (عمر بن عبد العزيز) نعم إننا نريد حاكماً يكرر القول إني لا ستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض. فهي ليست ملك لي وليست ملك يميني بل ملك شعبي، إني لا أستطيع الموافقة عل تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة كما قالها الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد. لا نريد أن يقولوا لنا: «دين الدولة الإسلام» ثم لا نجد للإسلام في واقع الحياة أي أثر. نعم لن يوجد لنا أي أثر إلا بوجود دولة الخلافة وجوداً مؤثراً يؤدي إلى قيادة العالم، هذه هي أمنية الأمة الإسلامية المتعطشة لمجد الإسلام ولإعادة رفع لوائه وراية العقاب فوق ربوع العالمين وبذلك يرضون ربهم وتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، نعم تكون على منهاج النبوة ولقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون حكماً عاضاً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون حكماً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة...» رواه حذيفة بن اليمان.

         (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [الأنفال/24] .

جميل السمامرة

– بيت المقدس –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *