العدد 182 -

السنة السادسة عشرة – ربيع الأول 1423هـ – أيار وحزيران 2002م

(مُحَـمَّدٌ رَسُـولُ اللّهِ)

(مُحَـمَّدٌ رَسُـولُ اللّهِ)

قال الله سبحانه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً)  [الفتح].

===========================================

          نسمع ونرى هذه الأيام احتفالات يرعاها هذا الحاكم أو ذاك بمناسبة ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنشد الأناشيد الدينية والمدائح النبوية، ثم يتكرَّم! هذا الحاكم أو ذاك بإعلان إغلاق الملاهي الليلية ومحلات الخمور تلك الليلة احتفاءً بالمناسبة، وتُلقى الخطب والكلمات يُمدح فيها الحاكم الذي يرعى الاحتفال ويُثنى على مواقفه بحب الله ورسوله، ثم ينفض السامر ويعود الحاكم إلى سيئاته بل يستمر فيها فهو لم يتركها. هكذا هم الحكام في بلاد المسلمين يوالون أعداء الله ورسوله ويبطشون بحملة الإسلام، ثم هم يرعون! احتفالات بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

          إن الله سبحانه يبين في هذه الآيات الكريمة الخصال الحميدة، والصفات العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وصحبه رضي الله عنهم الذين اهتدوْا بهديه، واستنوا بسنته، وبهذه الخصال والصفات يعرف من يحب الله ورسوله ممّن هو عدو لله ولرسوله، ويميَّز بين من وليّه الله ورسوله والمؤمنون، وبين من وليه الشيطان الرجيم، كما يُعرف بهذه الصفات والخصال من هو على صراط مستقيم ممَّن هو فاجر كذاب أثيم.

          يبين الله سبحانه في هذه الآيات البينات:

          1 ـ  إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام أشداء على الكفار رحماء بينهم، أعزة على الكافرين أذلة على المؤمنين. هكذا هم أحباب الله ورسوله: إذا لقوا الذين كفروا ضربوا الرقاب ووجد الكفار فيهم غلظة، وإذا لقوا الذين آمنوا قابلوهم بأطيب لقاء، ووجدوا فيهم ودّاً ورحمةً. أمَّا إذا انقلبت الصورة فاتخذ الحكّامُ الكافرين أولياء حتى إذا دخل أعداء الله حجر ضب دخلوه وراءهم، مسبحين بحمدهم، فإنَّ هؤلاء الحكام لا تنفعهم رعاية احتفال، ولا يمحو نفاقُهم ما صنعوه من سوء الفعال. إنَّ قول الله سبحانه هو الحق وهو يميز الخبيث من الطيب فالذين يحبون الله ورسوله يكونون أشداء على الكفار رحماء بالمؤمنين، والذين يعادون الله ورسوله تكون الصورة عندهم منقلبة يكونون أشداء على المؤمنين وأذلاء أمام الكافرين، هذا هو ما تنطق به الآية الكريمة ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) هذا هو الحق (فماذا بعد الحق إلا الضلال) [يونس/32].

          2 ـ  ثم يبين الله سبحانه وتعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم، يحافظون على الصلاة لا يفتُرون، راكعون ساجدون خاشعون لله، تعلو جباههم أنوار صلاتهم وآثار رحمة الله، فعماد الدين الصلاة وهي الفارق بين الإسلام والكفر كما يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، الذي رواه أحمد وغيره: «العهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها كفر» للدلالة على عظم فضلها وعلو شأنها، فتاركها جحوداً كافر، وتاركها تقاعساً وكسلاً فاسق عاصٍ عذابه كبير. هذا هو شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن صحبه رضوان الله عليهم، يقيمون الصلاة ويخشعون لله، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، فمن أحب الله ورسوله كان شأنه شأنهم محافظاً على الصلاة قائماً بها، آثارها عليهم بادية، وعلاماتها فيهم ظاهرة، ينتهون عن الفحشاء والمنكر (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت/45]، أتقياء أنقياء، أماكن الخير لهم مقاماً، ومنازل الشر عليهم حراماً.

          أما أولئك الذين يحاربون الصلاة وأهلها، ويمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ويسعون في خرابها، فإنهم أعداء لله ولرسوله، لا ينفعهم نفاق لرسول الله يمارسونه في ذكرى مولده، ولا احتفال يرعونه يظهرون فيه ما ليس في قلوبهم، فمن يمنع مساجد الله، ولا يأتي الصلاة إلا رياءً، هذا إن أتاها، فهو عدو لله وللرسول حتى وإن رعى احتفالاً أو احتفالات، أو نافق مرات ومرات. (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) [البقرة].

          إن حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل عليه المسارعة إلى رضوان الله وإلى إقام الصلاة وإلى الإخلاص لله وابتغاء الفضل من الله والرضوان ( تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود) .

          3 ـ  لقد ضرب الله سبحانه مثل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم في الكتب المنـزلة السابقة، التوراة والإنجيل، فهم كمثل زرع نما واشتد وقوي بعد ضعف، ثم أصبح ممتلئاً حباً عظيماً ناضجاً، فكان زرعاً يدخل البهجة لمحبيه عندما يشاهدونه، ويدخل الغيظ والبؤس للكفار الحاقدين. وهو مثل حي محسوس للرسول وصحبه حيث هم قوة في الحق، كالبنيان المرصوص، يحبهم ذوو الفطرة السليمة، والعقول الحكيمة، ويمتلئ منهم غيظاً أعداء الله ورسوله.

          وهذا المثل خبر في معنى الطلب من المؤمنين أن يكونوا، على الدوام، في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، يزدادون قوةً مع الأيام، تمتلئ قلوبهم بالخير والرحمة لبعضهم، والشدة والعظمة على الكافرين، فيغبطهم بذلك أهل التقوى والصلاح، ويمتلئ غيظاً منهم أهل الشر والطلاح. (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) .

          شطأه أي فراخه وفروعه النابتة منه، آزره أي قواه وأعانه.

          4 ـ  إن الله سبحانه قد وعد عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجراً عظيماً، فإنَّ الله سبحانه لم يكرمهم فقط في الدنيا بأن جعلهم كمثل زرع أخضر ناضجاً ممتلئاً حباً، أي قوة في الحق ومصدراً للخير حيث حلّوا، بل زادهم خيراً على خير في الآخرة فأكرمهم بالمغفرة والأجر العظيم، وذلك هو الفوز المبين. ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً) .

          ومن هنا للبيان، فكلهم فازوا بوعد الله، والله لا يخلف الميعاد.

          نسأل الله سبحانه أن نكون ممن آمنوا وعملوا الصالحات فيفوزوا بالعز والنصر في الدنيا، ورضوان الله وجنته في الآخرة (وبشر المؤمنين) [البقرة] .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *