العدد 181 -

السنة السادسة عشرة – صفر 1423هـ – أيار 2002م

أساليبُ السياسةِ الأميركيةِ في العالَم

أساليبُ السياسةِ الأميركيةِ في العالَم

         إن ـ أميركا ـ منذ الحرب العالمية الثانية خرجت إلى العالم كاستعمار جديد له عقيدته وأفكاره وسياسته وطريقته وخططه وأساليبه ووسائله، نعم، خرجت فتغيرت ملامح الحلبة الدولية إثر الحرب العالمية الثانية تغيراً كبيراً فاندفعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى وسط الحلبة واهتزت مكانة كل من بريطانيا وفرنسا عليها، بينما غابت كل من ألمانيا واليابان عنها، وكان وقوف الجيش الأميركي والسوفيتي على انقاض أوروبا المهدمة يؤذن بميلاد عالم جديد، وموقف دولي جديد، ويؤذن بميلاد نظام دولي جديد، لكن الموقف الدولي تغير بسقوط الاتحاد السوفيتي، وتربعت أميركا على عرش الدولة الأولى من غير منازع، ولم لا، وهى تملك 70٪ من احتياطي العالم من الذهب، وتنتج 50‏٪ من سلع العالم وخدماته، ولها ترسانة عسكرية نووية متطورة ضخمة، وسيطرتها على المنظمات الدولية، كل ذلك جعلها تتصور العالم مقطورة ملحقه بالقاطرة الأميركية تقودها أنّى تشاء، ولقد أصبحت الأسلحة الذرية والدولار هما رمزي العظمة الأميركية وأداتي هيمنتها، وساد العالم المبدأ الرأسمالي وتحكم به وسقط المبدأ الشيوعي، وأصبح الإسلام هو العدو الأوحد والبعبع المخيف والمرعب ـ كما صوره الغرب ـ نعم؛ خرجت إمبراطورية الشر إلى عالم الغاب، فأشعلت الحرائق وأثارت الفتن والحروب والقلاقل ونشرت الرعب وصدرت الأمراض والأوبئة وابتلعت الثروات النفطية والمعدنية ومصت دماء الشعوب وخيراتها وأبدعت في تجويع العالم ونشر الفقر وأوجدت المافيا والمخدرات، وهلم جراً من الشرور والفساد في العالم، وغيرت الأنظمة والزعامات وقامت بالثورات والانقلابات عن طريق أجهزة مخابراتها.

==========================================

         لقد كانت الثورات والانقلابات العسكرية في العالم الإسلامي هي السمة البارزة في الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت، حيث سقطت أنظمة وتغيرت وتبدلت أخرى، وتعددت الزعامات.

         كانت تلك التغيرات تحت شعارات ومسميات كثيرة، منها الوطنية والقومية والعدالة والسلام، وإخراج الناس من التخلف والرجعية إلى التقدم والنهوض والحضارة والحداثة، والمحافظة على إنسانية البشر وإعطاؤهم حقوقهم، ورفعت شعارات المساواة والحرية والمشاركة في الإنتاج والاستهلاك، وإحلال النظام والقانون بدلاً من الفوضى والاضطراب، وإبعاد كل الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية والقمعية وإزالة الطغمة المتجبرة، والعراقيل التى تقف أمام النهوض والتقدم، والعمل على ترسيخ الديمقراطية وإزالة الإرهاب، وإسقاط الأنظمة التى تهدد السلام العالمي والتى لا تخضع للشرعية الدولية ومنظماتها المختلفة.

         نعم تحت هذه الشعارات رفعت أميركا عصا الحرب الغليظة، وبدأت تقمع بها كل من تسول له نفسه الخروج عن الأسباب والدوافع والأهداف الأميركية، وجعلتها شماعة لتغيير النظام الذي تريد، واستعملت أساليب مختلفة في الدخول إلى البلد الذي تريد أن تغير نظامه، منها:

         1 ـ  المساعدات الاقتصادية:

         الغاية من ذلك هو ربط البلد بالعجلة الأميركية وإفقار البلد المسَاعَد، بحيث تكون المساعدة وسيلة للإفقار ووسيلة لبسط السيطرة الاقتصادية والسياسية على البلد المسَاعَد، وإنهاكها بالقروض، وتجويع الناس، وبالتالي يؤدي ذلك إلى قيام الناس بالمظاهرات والاحتجاجات والثورة ضد النظام، وهنا تتدخل أميركا لرفع الجوع والمعاناة والفقر، وتسعى لتغيير نظام الحكم كما حدث في الأرجنتين، وتستخدم لهذا الغرض المنظمات المحلية والإقليمية والدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

         2 ـ  الحصار الاقتصادي:

         والهدف من ذلك هو عزل البلد عن العالم، وجعله في حاجة إلى المواد المهمة والأساسية كالغذاء والدواء، وإبعاد الشعب عن النظام الحاكم، أي جعل هناك انفصام بين النظام الحاكم والشعب، مما يؤدي إلى إثارة الناس وجعلهم يتحركون تجاه المنقذ، عندها تقوم المخابرات الأميركية بالاتصال بالقوى المؤثرة والفاعلة، واستقطاب العملاء منهم، ومحاولة زعزعة النظام وإجباره على التخلي عن الحكم أو إسقاطه بالقوة أو عبر الانقلاب العسكري.

         3 ـ  المساعدات والبعثات العسكرية:

         ويقصد من ذلك ثلاثة أمور الأول: إيجاد أسواق للمصانع الأميركية والثاني: هدر أموال البلد المسَاعَد على سلاح يتحول إلى حديد خردة، ويستهلك ثروة البلد المسَاعَد، وإيهام أهل البلد أنهم يملكون ترسانة من الأسلحة ولكنها في حقيقتها أسلحة بالية قديمة، وتستعمل هنا عدة أساليب لتحقيق ذلك منها إيقاع البلد في حالات قلق دائم، وإيجاد حروب مصطنعة بشكل دائمي لدوام توريد السلاح وإيجاد محاولات انقلابية وإيجاد حركات تخريب وتدمير. والثالث: استقطاب عملاء في الجيش والقوات المسلحة يكونون تابعين لأميركا يأتمرون بأمرها، وتعمل من خلالهم على قلب نظام الحكم أو القيام بمعارضة ضد النظام، وتقوم بالاستقطاب تحت شعارات كثيرة منها (المناورات العسكرية وبعثات التدريب ومراكز نزع الألغام والبعثات الدراسية إلى معاهدها ومراكزها وإرسال الخبراء والمختصين إلى البلد المساعد) وتتم هذه الأعمال السياسية عن طريق سفارات أميركا في عاصمة البلد المساعَد.

         4 ـ  المشاريع الإنتاجية:

         إن هذه المشاريع تجعل لأميركا سيطرة كبيرة داخل الدول التي تستثمر فيها وهذا يتم عبر مشاريع لشركات أميركية ضخمة، كشركات النفط والغاز والصيد البحري، أو كشركات السيارات والموتورات والمحركات، وقد وضعت أفكاراً لتحقيق هذه السياسة كفكرة الامتيازات للشركات النفطية وفكرة الخصخصة والشريك الاستراتيجي وفكرة حماية الملكية الفكرية من أجل احتكار السوق والسلع والخدمات، وفكرة إلغاء الجمارك وآخر إفراز لها هو العولمة، وباسم هذه المشاريع تدخل الجواسيس وتزرع العملاء وتقوم بعمل البعثات الدورية لهم إلى أميركا، بلد المنشأ والصنع، وبالتالي توجد من يخدم مصالحها ويحقق أهدافها من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وعلى المدى الطويل والتفكير المستمر والخطط الدائمة ستحشد جيشاً من العملاء في كل مفصل من مفاصل الحياة المختلفة، وعندها ستعمل على تغيير النظام الحاكم. وهكذا تكون البداية جميلة، استثمارات ومشاريع وإنتاج وتجارة وصناعة، ثم تكون النهاية وخيمة انقلابات واغتيالات وحروباً وفتناً وقلاقل وتخريباً.

         وبواسطة هذه المشاريع تستطيع أن تخفي عملاءها، وتجعل تلك الشركات غطاءً لها ولأعمالها النجسة وهنا تدخل الأمور الدبلوماسية، وما اكثر البعثات والمبعوثين الأميركيين إلى بلادنا، فما أن يذهب وفد حتى يأتي آخر وكأن المنطقة منطقة مبعوثين أميركيين، فما أن يذهب تشيني حتى يأتي زيني، وكل ذلك وفق مخططات أميركا لإيجاد الحلول التي تخدم مصالحها عن طريق المشاريع الإنتاجية والأعمال السياسية.

         5 ـ  الديمقراطية والانتخابات:

         إن فكرة الديمقراطية التي تجعل حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، والتي لا تجعل السيادة للشرع ولا لله، وإنما للناس والتي بنيت على عقيدة (فصل الدين عن الحياة)، وأعطت للناس الحريات (حرية المعتقد والتشريع وحرية الرأي وحرية الملكية والحرية الشخصية) وجعلتهم بهذه المفاهيم يعيشون كالأسماك (الكبير يأكل الصغير) والغلبة للأقوى والحرمان للضعيف. هذه الفكرة الخبيثة جعلتها أميركا طريقاً لتثبيت الحكم الذي تريد، وزعزعة النظام الذي لا تريد، فإن أفرزت الانتخابات نظاماً لا تريده تكون الانتخابات مزورة غير نزيهة، وإن أفرزت من تريد كانت انتخابات حرة متقدمة نموذجية.

         بهذه الفكرة وبالانتخابات تتدخل أميركا لتغيير الأنظمة وإسقاط النظام الذي لا تريده وتثبت النظام العميل لها، وبالتالي تجدها ترسل المندوبين لمراقبة الانتخابات، وتدعم بالمساعدات المالية، وتنشئ مراكز ومعاهد الديمقراطية، وتصدر التقارير بأن الانتخابات نزيهة أو مزورة حسب ما تريد.

         إن هذه الديمقراطية والانتخابات وكذلك حقوق الإنسان والحريات ومكافحة الإرهاب ما هي إلا شعارات للحملة الأميركية على الإسلام والمسلمين ولإيجاد أنظمة عميلة لها في البلاد الإسلامية. لهذا اتخذت أميركا ذلك حجة وذريعة لإسقاط أنظمة ومنع أخرى من الوصول إلى سدة الحكم، وقد يتهم النظام المراد تغييره بعدم تطبيق الشرعية الدولية، وهذا المبرر هيأ لأميركا التدخل في الشئون الداخلية للبلدان، فأي بلد لا يمتثل لقوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن والهيئات والمنظمات المنبثقة عنهما، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرها من المؤسسات التي تقف أميركا وراءها، فإنها تعتبر في العرف الأميركي من (الدول المارقة). وتصنفها في قائمة الإرهاب والمروق ومحور الشر، وتكون مخالفة للقانون الدولي وتستحق إيقاف المساعدات والحصار وقطع العلاقات معها، وتهديدها، فإن لم ترجع فلا بد من الحرب والقوة والغزو كما حدث في أفغانستان.

         6 ـ  صناعة العملاء في مجالات غير اقتصادية وغير عسكرية:

         إن استقطاب العملاء أمر شاق وتستخدم له أساليب ووسائل كثيرة وكبيرة، فالحاجة إلى المساعدات وبروز العظمة لدى الشخص المراد صنعه، والثأر والانتقام من خصمه، والصراع على السلطة، والصراع على البلاد المهمة، وحب الشهوات، وحب السيادة، والجري وراء المنافع المادية، والطمع، هي عوامل مهيئة للعمالة.

         لذا يدرس الغرب عن طريق مفكريه وباحثيه ومعاهد ومراكز الأبحاث العلمية النفسية، نفسيات وعقليات من يريدون أن يجعلوهم عملاء لهم، إنهم استخدموا سفاراتهم لهذا الغرض، لذا تجد سفراءهم في اجتماعات متواصلة ودائمة مع الحكام، وكأنهم الحكام الحقيقيون لهذه البلاد، وما نشرهم لمعاهد اللغات الأجنبية، وكذلك الاستثمارات الكبيرة عبر شركاتهم إلا لجعل البلاد ترزح تحت العمالة والعملاء، وما الأحزاب والجماعات والمراكز التي تحمل فكرهم ببعيدة عن هذا المخطط.

         وهؤلاء العملاء الفكريون يتم استخدامهم عندما يرفض الحاكم أن ينفذ ما يريدون، فيضعون له الشروط ويطلبون منه الطلبات، ويهددونه بأن البديل موجود وأن من يحل محلك جاهز، فقد تداولت الأوساط السياسية بأن الأميركان في حربهم على (الإرهاب) طلبوا من أحد الحكام أن يعتقل كل من يشتبه أنه من تنظيم القاعدة، وأن يزودهم بمعلومات استخباراتيه وأمنية حول الإرهابيين، وأن يزود حاملاتهم بالوقود مجاناً من أجل التعاون لمكافحة الإرهاب، وأن يحمي حاملاتهم في حدوده البحرية، وأن يرجع المعارضين له إلى البلاد، وإلا فالمعارضة موجودة لتحل محل ذلك الحاكم الذليل، فما كان منه إلا أن شن حملة اعتقالات واسعة وأعطاهم ما عنده من معلومات أمنية واستخباراتية، وزودهم بالوقود، وحمى ناقلاتهم وحاملات طائراتهم التي تقاتل المسلمين، وفتح لهم حدوده البحرية وموانئه، وأعلن عن إرجاع المعارضة والعفو عنهم، كل ذلك من أجل كرسي الحكم.

         إضافة إلى ذلك فالحكام لا يقدمون وجهة نظرهم عند اللقاء بالغرب، ولكنهم يكونون في موضع العبد المأمور الطائع لسيده، يتلقون الأوامر وينفذونها على أكمل وجه، لأنهم لا يحملون وجهة نظر معينة، والذي وضعهم في سدة الحكم هو الغرب.

         7 ـ  التحالف واستخدام القوة:

         وعندما لا يجدي كل ما سبق أي أن المساعدات الاقتصادية أو الحصار الاقتصادي أو المساعدات العسكرية أو المشاريع الإنتاجية أو الديمقراطية والانتخابات أو الدبلوماسية يجدونها كلها ليست مجدية ولا نافعة، فإنهم يستعملون العصا الغليظة، والحرب وإعلان مبدأ القوة، ورفع راية الغزو، وهذا الأسلوب هو آخر “رصاصة أميركية لم يعد هناك بديل عنها” هذا السيناريو الجديد لم تكن أميركا تلجأ إليه سابقاً بمثل ما تسعمله الآن فقد جعلته معلناً نظاماً وقانوناً، إنه منطق القوة والجبروت والفرعنة والطغيان.

         وبسبب إدراك الأميركان بأنهم لو دخلوا الحرب في بلد ما وحدهم لتعرضوا لخسائر فادحة، ولقتل منهم عشرات بل مئات الآلاف ولأسر منهم الكثير أيضاً، وبخاصة وهم يعلمون أن العالم كله عدو لهم، فأوروبا تريد التخلص من سيطرتهم وكذلك في آسيا “الصين واليابان وروسيا”، وكذلك في إفريقيا، فإنهم يسعون لضم العالم تحت رايتهم وتحقيق أهدافهم ومصالحهم، بإقامة ما يسمى (بالتحالف). وهكذا أقاموا تحالفاً عام 90م إبان غزو العراق للكويت، تحت شعار (هل أنت مع الشرعية الدولية أم مع الغزو)، وتحالفاً آخر للحرب على أفغانستان تحت شعار (هل أنت مع أميركا أم مع الإرهاب).

         إن أميركا لها أعراف سياسية وهي الاستعمار والاعتماد على ثروات الغير واستغلال الشعوب الأخرى، وإيجاد منظمات تهيمن عليها واستخدام سياسة الجزرة والعصا، وديكتاتورية القيادة وحرية التجارة.

         وهنا لا بد من ضرب مثالين على التجبر والغطرسة والبلطجة الأميركية، باستعمال القوة المغلَّفة شكلياً بمسمّى تحالف تقوده هي وتكون القوة الفاعلة فيه. وقد اعتمدت في هذين على تحالفات وقوىً إقليمية ودولية. والمثالان هما:

         الأول:  الحرب على أفغانستان:

         فقد أجمع العالم على حرب المستضعفين في الأرض، وما ذلك إلا أنهم قالوا: (ربنا الله)، قال تعالى: (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) [البروج].

         إن أفغانستان بعد الحرب العالمية الثانية كانت حزاماً أمنياً من توسع الاتحاد السوفيتي جنوبا باتجاه إيران والخليج وشبه القارة الهندية، وتحول هذا الحزام إلى منطقة محايدة بعد مؤتمر فينا بين خروتشوف وكندي عام 1961م لكن السوفيت استغلوا فرصة تخلخل نظام الحكم في أفغانستان وقاموا بغزوها عام 1979م فردت أميركا على الغزو بدعم (المجاهدين) بكل أنواع الأسلحة، وكذلك فعلت الدول التابعة لأميركا كالباكستان والسعودية وإيران ما جعل الغزو الروسي ينقلب وبالاً على الروس حيث أوقع المجاهدون ما يزيد على خمسة عشر ألف قتيل وخسائر طائلة في النواحي العسكرية والاقتصادية واهتزت مكانة الروس الدولية.

         وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي ووجود عدة قوىً متصارعة في أفغانستان أرادت أميركا لخدمة مصالحها أن توجد دولة قوية معترف بها دوليا توجد الاستقرار والأمن في تلك المنطقة، ولكن التركيبة العرقية والسياسية والمذهبية للفصائل الأفغانية حالت دون ذلك فقد وضعت المخابرات الأميركية العديد من الخطط لكي توجد دولة مستقرة، ولكنها في كل الأحوال لم تنجح.

         إن أقوى وأكبر تجمع عرقي في أفغانستان ويحكمها منذ قيامها عام 1747م هم البشتون ونسبتهم ما يزيد عن 60‏٪ والطاجيك ويشكلون ربع السكان 25‏٪ ويعيشون في الشمال الشرقي، والأوزبيك ويشكلون 7‏٪ ويعيشون في الشمالي الغربي والفرس ويشكلون 5٪ ويعيشون في المناطق المحاذية لإيران، والهزارا ويشكلون 5‏٪ من السكان ويعشون في الوسط وهم شيعة ومجموعات عرقية صغيرة مثل الإيماق والمغول والتركمان والقرغيز والبلوش والنورستان والهنود والسيخ واليهود والعرب والكوهستان والجات والبراهين والبامير.

         أما التركيبة السياسية فقد تدخلت العديد من الدول في أفغانستان وأصبحت التدخلات الأجنبية تتم على المكشوف وبشكل واضح للمتابعين وللسياسيين، فأنشئت حركات وجماعات وجمعيات تدعمها دول عدة (أميركا، روسيا، الهند، الباكستان، السعودية، إيران، الصين،…الخ) واشتد الصراع بين هذه الحركات والجماعات واضطربت الأمور ثم جاءت طالبان. وطالبان هي جمع طالب (حسب اللغة البشتونية) ويقصد بها طلاب المدارس الدينية المنتشرة في أفغانستان، وهي امتداد للمدارس الدينية في الباكستان والتي تحاول أميركا الآن إغلاقها أو تغيير مناهجها وإداراتها والقائمين عليها، حيث ظهرت هذه الحركة ولأول مرة عام 1994م بعد جولة لوزير الداخلية الباكستاني الجنرال نصير الله بابل، واختير الملا محمد عمر رئيساً لها وهو شاب لا يتجاوز الأربعين سنة من قندهار وقندهار في جنوبي أفغانستان هي أهم معقل لحركة طالبان لأنها قريبة من باكستان وقبائل البشتون متركزون فيها ولها امتداد عرقي في باكستان. ولم تعترف بحكومة طالبان غير ثلاث دول (السعودية ـ الإمارات ـ وباكستان). أما الدور الذي لعبته باكستان في إنشاء ودعم طالبان فهي الدولة الإقليمية الوحيدة المهيأة والقادرة على التأثير في الخريطة السياسية لأفغانستان، وذلك لأن البشتون كما ذكرنا سابقاً هم أكثرية سكان أفغانستان ولهم امتدادات قبلية في باكستان، ولأن أفغانستان هي العمق الطبيعي والاستراتيجي لباكستان، ولولا الباكستان لما استطاع المجاهدون إلحاق الهزيمة بالروس ولما استطاعت طالبان أن تسيطر على 90‏٪ من أفغانستان. أما سبب تخلي باكستان عن المجاهدين والتخلص منهم، وعن تبنيها لحركة طالبان وتمكينها من السيطرة على أفغانستان بمفردها فيعود إلى رغبة أميركا في إيجاد دولة مستقرة وقوية في أفغانستان بعد فشل المجاهدين في إقامة هذه الدولة بسبب اختلافاتهم القبلية والعرقية والمذهبية والتي لم تمكنهم من تحقيق الهدف، والذي يدل على ضرورة إيجاد دولة قوية في أفغانستان من وجهة النظر الأميركية هو محاذاة بلاد الأفغان لدول (طاجكستان وأوزوبيكستان وتركمنستان) التابعة لروسيا والداخلة في مجالها الحيوي وهذا الموقع أكسبها أهمية استراتيجية بالغة، بالإضافة إلى المجاورة لباكستان وإيران والمطلة على المخزون النفطي الهائل في بحر قزوين. وهذا يقتضي وجود دول مستقرة في هذه المنطقة وقوية لضمان استغلال مصادر الطاقة الغنية فيها.

         مساعد وزير الخارجية الأميركية لشئون جنوب آسيا (كارل أندرفورث) أكد في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 22/10/97م “أن استمرار النـزاع في أفغانستان سيزيد في صعوبات الهدف الأميركي” الداعم للاستقرار “في منطقة آسيا الوسطى” واستمرار القتال سيعرقل عملية تطوير موارد الطاقة وطرق التجارة ” سواء عبر أفغانستان أو عبر دول المنطقة.

         لقد حاولت وساطات إقليمية ودولية منذ عام 96م حتى قبيل إعلان الحرب على أفغانستان الجمع والتوفيق بين حركة طالبان والمعارضة الأفغانية ولكنها فشلت وبقيت طالبان هي اللاعب الأقوى على مسرح الأحداث في أفغانستان.

         ولأن باكستان هي التي كانت تمسك بزمام طالبان في أفغانستان، ولأن الحكم في باكستان، هو تابع وفيّ لأميركا، عليه فقد أصبحت طالبان مخترقة من قبل أميركا ومخابراتها المركزية. واستمر الأمر على هذا الحال حتى جاءت أحداث 11/09 وجاء رفض طالبان تسليم أميركا (رؤوس الإرهاب!) التي طلبتها ومن ثم إعلان الحرب على أفغانستان. إلا أن الولايات المتحدة لم تشرع في الحرب إلا بعد إعدادها تحالفاً من أهل أفغانستان (تحالف الشمال) ومن الدول الإقليمية المحيطة بأفغانستان (باكستان، طاجكستان، أوزبيكستان…) بالإضافة إلى تحالف دولي كذلك (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا…) ولولا هذه التحالفات وبخاصة القوى المحلية (تحالف الشمال) والإقليمية (وعلى رأسها باكستان) لكانت خسائر أميركا كثيرة واحتمالات فشلها كبيرة.

         وبذلك استطاعت أميركا عن طريق القوة والتحالف أن تأتي بحكومة في أفغانستان يرأسها عميلها (حميد كرزاي) الذي كان مستشاراً لشركة يونيكال النفطية الأميركية وبتخطيط من المخابرات المركزية الأميركية.

         أما المثال الثاني فهو العراق:

         إن حقيقة ما جرى ويجري بين أميركا والعراق هو أن أميركا عينها على الخليج ونفط الخليج، فقد حاولت أميركا استغلال الحرب بين العراق وإيران للسيطرة على دول الخليج، ولكنها فشلت في ذلك لوجود قطبين يحكمان العالم آنذاك، فخططت أميركا لحرب الخليج الثانية وكانت فرصتها في احتلال صدام الكويت، واتخذت من ذلك ذريعة للنـزول في الخليج.

         كانت قادرة سنة 1991م على دخول بغداد وإسقاط نظام صدام، ولكنها تركته عن قصد لتتخذ منه فزاعة لتخويف دول الخليج حتى تبقى قواتها فيها من أجل الوصول إلى الهدف وهو السيطرة على نفط الخليج.

         ولذلك فإن أميركا لا تكف، عبر لجان التفتيش، والطلعات الجوية التجسسية عن الإعلان عن وجود ترسانات هائلة من الأسلحة الكيميائية والبيلوجية والجرثومية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، لدى العراق.

         ففي 11/11/97م قام كلنتون بتحذير العراق من ضرب الكويت والسعودية، وفي التصريح نفسه خوف الأوروبيين بقوله “ماذا سيحصل لو كان لديه (العراق) صاروخ يصل إلى أوروبا”.

         وكانت أولبرايت في 09/11/97م قد حذرت الأوروبيين من تطوير العراق لصواريخ بعيدة المدى تستهدف باريس وأوروبا.

         إن أميركا تحرك الأزمة من جهتها، وتنقض الاتفاقيات، كما حدث مع ريتشارد بتلر رئيس لجنة التفتيش عن السلاح في العراق عندما نقض الاتفاقية المبرمة بين رالف أكيوس وحكومة العراق، حيث كانت اتفاقية أكيوس تتجنب الأماكن ذات السيادة مثل القصر الجمهوري، ولكن بتلر أراد أن تكون جميع الأمكنة مفتوحة أمام لجان التفتيش، وبتلر لا يقوم بمثل هذا التغيير لولا أن أميركا دفعته إلى ذلك، ثم تحركت الأزمة بين أميركا والعراق، وذهبت وفود دولية إلى بغداد وكان آخرها الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان).

         إن أميركا تريد أخذ الخليج كاملاً والبقاء فيه خاصة وهناك أصوات ترتفع هنا وهناك للمطالبة بإخراج الأميركان من الخليج سواءً هذه المطالبة من المخلصين أو من عملاء الإنجليز. حدث استطلاع للرأي الأميركي عام 97م حول ضرب العراق وكانت النسبة 84‏٪ تؤيد ذلك وارتفعت شعبية كلنتون حينها إلى 59‏٪ عندما صار يهدد العراق، والآن تعاد الكرة في عهد بوش الابن، حيث يؤيد ثلثي الأميركان ضرب العراق، وأرتفعت شعبية بوش الابن إلى 65‏٪، ولكن الحرب على أفغانستان تختلف عن الحرب على العراق، فالرأي العام الدولي أيد ضرب أفغانستان وتحالف وشارك في ذلك، لأن الحدث كان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م مباشرة، ولكن ضرب العراق ليس له مبرر، فالرأي العام الدولي رافض ضرب العراق حتى الآن سواءً عملاء أميركا أم غيرهم، سواءً أوروبا أو روسيا، والعراق من جانبه هدد بحرق كل آبار النفط في الخليج في حالة تعرضه لهجوم أميركي فمصر تنصح أميركا بعدم ضرب العراق، وسوريا وتركيا تخافان من حدوث مشاكل على الحدود، ودول الخليج لا تريد تهديداً من جديد، وأوروبا وخاصة بريطانيا لها مصالح حيوية في العراق، وروسيا لها علاقات حسنة مع بغداد، والكل يسأل ماذا فعل العراق حتى يتلقى ضربة؟ ولماذا تريد أميركا أن تسقط نظام صدام الآن وهي كانت قادرة عام 1991م؟

         لهذا تحركت الدبلوماسية الأميركية بقوة ونشاط كبيرين لتهيئة الظروف لضرب العراق وأصبحت المنطقة منطقة مبعوثين أميركيين.

         ويصعب على المتابع للأحداث أن يحصي عدد المبعوثين الأميركيين الذي يتوافدون ليلاً ونهاراً إلى المنطقة:

         l  كلنتون قام بزيارة مصر والسعودية والخليج.

         l  سفير أميركا لدى الأمم المتحدة (جان نغروبونتي)، قام بجولة شملت مصر وسوريا ولبنان والأردن ودولة يهود يوم 20/01/2002م.

         l  قام مساعد وزير الخارجية الأميركية وليام بيرنز بزيارة السعودية قادماً من اليمن في 17/01/2002م.

         l  تتبعه بعد أسبوع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف. بي. آي).

         l  وفد من الكونجرس الأميركي زار بيروت.

         l  وجوزف ليرمان (عضو بارز في لجنة القوات المسلحة) وعضو مجلس شيوخ ومرشح لنيابة الرئيس لعام 2001م زار آسيا الوسطى وأفغانستان في الأيام الماضية.

         l  ووصول كاولن باول إلى الهند في 17/01/2002م، ثم توجه إلى باكستان.

         l  زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه» إلى مصر واليمن وسوريا والأردن ودولة يهود.

         l  الجولة الكبرى لنائب الرئيس (ديك تشيني) والتي شملت 12 دولة.

         والهدف من كل هذا هو إقناع الرأي العالمي بضرب العراق، والوقوف مع الشرعية الدولية أو مع العراق. ومن ثم إيجاد تحالف دولي مثل التحالف الذي أوجدته عندما ضربت العراق في أوائل 1991 بعد غزو العراق للكويت، فإن لم تستطع إيجاد تحالف مثله فليكن شبيهاً به أو قريباً منه أو على أقل تقدير رأياً جزئياً مؤيداً ليكون هناك غطاء لحربها ضد العراق. فأميركا اليوم لم تعد تصر على حلف كبير كما كان في حربها الأولى ضد العراق، فقد غلب الغرور وسادت (البلطجة) على تصرفات أميركا فقد صرحت علناً جهاراً نهاراً أنَّها إذا قررت الحرب على العراق فلن تعبأ بوجود تحالف كالذي سبق بل ستشن الحرب وحدها إذا لزم الأمر.

         والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى متى سنظل ننتظر هل سيضربوننا؟ متى سيضربوننا؟ كيف وأين سيضربوننا؟ ومن سيسود علينا بعد ضربنا؟ هل الإنجليز أم الأميركان؟ وإذا عطفوا علينا ـ ولا عطف لديهم ـ ولم يضربونا فإنهم يحاصروننا، ويمنعوننا أن نبيع نفطنا، ويمنعوننا أن نسافر، ويمنعون عنا الغذاء والدواء، يعاقبوننا في العراق وفي السودان وفي ليبيا وفي إيران، ويسلبون أرضنا ويهدمون بيوتنا ويقتلوننا في فلسطين ولبنان وفي الجزائر وأفغانستان وفي البوسنة والشيشان، إنها إهانة وإذلال لا يرضى بها حرُّ عزيز.

         وماذا بعد، ليعلم المسلمون وليعلم الجميع أن لا بد من تغيير الأوضاع الحالية السائدة في البلاد الإسلامية من أنظمة علمانية، وأفكار وأذواق غربية فاسدة، وحكام كفرة وفسقة عملاء لدول الغرب الاستعمارية الكافرة.

         إن هذا التغيير هو لإنقاذ الأمة الإسلامية من حال التمزق والإذلال المفروض عليها من الدول الاستعمارية، ومن حال الضياع والتيه والتبعية لتلك الدول المتكالبة على المسلمين.

         التغيير المقصود هو إعادة الثروات للمسلمين بعد أن نهبتها الدول الاستعمارية التي تتمتع بهذه الخيرات والمسلمون أصحابها في الفقر المدقع يرزحون تحت مليارات الديون لهذه الدول الجشعة.

         التغيير المقصود يكون بنهضة الأمة الإسلامية على أساس الإسلام، ونبذ كل فكر غير إسلامي، ويكون بإزالة الفرقة والتمزق وإزالة الحكم بغير ما أنزل الله، وذلك بإقامة الخـلافة الراشدة على منهاج النبوة، فقد آن أوانها ودقت ساعة الصفر أن تقترب، وأذن لليل إلبهيم أن يسفر، وللظلام الدامس أن ينقشع، وتظهر شمس الإسلام، وينبثق فجره من جديد، فجر مؤذنٌ بولود عالم آخر، عالم يسوده الإيمان والرحمة والسعادة والنور والخـلافة على منهاج النبوة.

     روى أحمد في مسنده عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خـلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»

المهندس ناصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *