العدد 177 -

السنة السادسة عشرة شوال 1422هـ – كانون الثاني 2002م

الخمار والحضارات

   عندما وصلت القوات المسماة «تحالف الشمال إلى مزار الشريف ثم إلى كابول فإن أول ما وقعت عليه كاميرا الصحفيين ورجال الإعلام هو صورة أفغاني يقص شعر لحيته، وصورة امرأة أفغانية تتحدى طالبان وتخلع البرقع أو الخمار غير آسفة عليه، ثم صورة صبية مراهقين يقفون لشراء أشرطة غناء وموسيقى. نعم هذه هي الصورة التي عممتها وسائل إعلام أميركا الناطقة بالإنجليزية والوسائل الناطقة بالعربية واللغات الأعجمية الأخرى.

   الكاميرا الملعونة لم تر الجرحى والأسرى والجوعى والعراة واللاجئين والمشردين والمشوهين والمطمورين تحت أطنان القنابل الأميركية في الأيام الأولى لانتصار ما يسمى بقوات التحالف الشمالية على إخوانهم المسلمين. الكاميرا نفسها لم توصل لنا أنات الثكالى واليتامى والجرحى والجوعى لأنها مبرمجة أميركياً ومؤقتة على التوقيت الأميركي متى تصور؟ وماذا تصور؟ ومن تصور؟

   هذه الكلمات لا تعني الدفاع عن آراء البعض أو أخطاء مورست من قبل البعض بقدر ما تسلط الضوء على زاوية من زوايا الصراع الذي يتبرأ منه الغرب لفظاً، ويمارسه فعلاً، ألا وهو «صراع الحضارات» فالغرب هم الذين أطلقوا هذه الفكرة، بل مفكرو أميركا ومنهم «صمويل هنتنغتون» ثم شرعوا يتبرأون من هذا المصطلح ويهاجمون من يتمسك به، وأصبح تهمة تلصق بكل من لا يعجبهم قوله أو لا تروق لهم مواقفه.

   إذا طبقنا «صراع الحضارات» على ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية بعيد سقوط مزار الشريف وسقوط كابول وتسليط الأضواء والكاميرات على اللحية والخمار وأشرطة الموسيقى فإن هذا التسليط يدينهم ويؤكد أنهم يخوضون صراع حضارات، ويريدون من المسلمين أن يقلدوهم في كل شيء حتى يصبحوا من عالمهم، ولكي يُعترف بهم ويعترف بانسجامهم مع حضارة هذا العصر. فماذا يسمى ما جرى تلك الأيام إن لم يكن ضمن صراع الحضارات؟!

   لقد أكملوا مسرحيتهم الهزلية بتمثيلية سخيفة حاولوا من خلالها إظهار أنفسهم بأنهم المنقذ للمرأة الأفغانية وكأنهم أفرجوا عنها من سجنها الكبير ثم جلبوها بين السفور والغطاء إلى مؤتمر بون لكي تمثل بوزيرتين لكي يقال إن المرأة الأفغانية أصبحت منذ الآن مشاركة في إنقاذ البلد، وأن كل رجال أفغانستان لم يستطيعوا إنقاذ أفغانستان خلال عشرين سنة من الصراع بسبب غياب المرأة عن الساحة السياسية. هذا هو استصغار العقول بكل معنى الكلمة!! 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *