العدد 178 -

السنة السادسة عشرة ذو القعدة 1422هـ – شباط وآذار 2002م

كلمة الوعي: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)

يقولون إن الظروف الدولية والإقليمية الحالية تجعل العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولة الخلافة، عملاً صعباً بعيد المنال، ويضيفون أن الوقوف في وجه الدول الكافرة وبخاصة أميركا وعملاؤها أمر لا تستطيعه الأمة بعد هذا (التجييش) الذي صنعته وتصنعه أميركا وحلفاؤها وعملاؤها في المنطقة، ثم يخلصون من بعد ذلك إلى القول: إن العمل لتغيير الأوضاع الفاسدة في بلاد المسلمين أمر متعذر وأن ليس في الإمكان أحسن مما كان.

 ويضربون على ذلك الأمثلة، فيشيرون إلى المجازر التي تصنعها دولة يهود في فلسطين دون أن يحرك أي حاكم جيشه لنصرة أهل فلسطين، لا بل إن السلطة هناك تصنع صنيع اليهود فتعتقل وتقتل، وتَعَدّ الذي يقف في وجه يهود خارجاً على القانون. ويضيفون أن ما جرى ويجري في أفغانستان يؤكد قولهم كذلك، فأميركا تقصف حممها يمنةً ويسرةً على المسلمين في أفغانستان حتى إن الأسرى تقتلهم، والدول القائمة في بلاد المسلمين المجاورة وغير المجاورة لا تحرك ساكناً لنصرة أهل أفغانستان، بل تفتح بلادها لأميركا في البر والبحر والجو لتنطلق منها قاذفاتها، لا بل إن حكاماً من أهل أفغانستان يساعدون أميركا فيما تقوم به من أعمال بشعة وحشية. ويشيرون كذلك إلى ما يجري تهيئته في كشمير من أميركا والهند للقضاء على كل مقاومة لعدوان الهند واحتلالهم لكشمير، بل إن باكستان التي منذ أن قامت وكشمير قضية أساسية عندها، ومع ذلك فالحكم في باكستان الآن يساعد الهند في مطاردة المقاومة في كشمير واعتقالها وقتلها.

 هذه الأمثلة وغيرها يضربها أولئك القائلون بعجز الأمة ويأسها عن الوقوف في وجه أميركا وحلفائها وعملائها، حيث إن أميركا تَعُدّ الذي يقف في وجهها إرهابياً، وبحجة الإرهاب الذي أصبح سيفاً مصلتاً على رقاب المسلمين، تقوم أميركا ويهود والهند ومن سار سيرهم بهذه الحجة بالبطش أو التنكيل.

 فهل حقاً إن هذه الأحداث هي مبعث يأس للمسلمين وعجز كما يقولون، أو هي مبعث قوة في العمل وجِدٍّ في الحركة، وحافزٌ للأمة أن تُمسِّك بدينها وتنطلق مسارعة إلى الخير لتقيم دولتها وتبني عزتها وتعود خير أمة أخرجت للناس؟

إن المرور العابر على هذه الأحداث قد يؤكد الصورة التي رسموها للمسلمين من يأس وعجز، ولكن الوقوف عند الأحداث والنفاذ إلى أعماقها وما حولها يثبت أن تلك الصورة التي رسموها للمسلمين هي صورة زائفة خادعة، وجملة من الحقائق تنطق بذلك:

فأولاً: إنَّ العقيدة الإسلامية التي يحملها المسلمون هي عقيدة حية فاعلة، ما حملها قوم وآمنوا بها وأخلصوا لها إلاّ جعلتهم طاقة تضعف أمامها الراسيات، وليس هذا كلاماً نظرياً محلّقاً في الخيال، بل هو واقع عملي استظل به المسلمون قروناً عدة، كانوا خلالها مشاعل نور، وأركان حضارة، وقوة يحسب لها ألف حساب. والأحداث الحالية التي أصابت المسلمين ليست بِدْعاً من الأحداث، فقد أصاب الأمةَ مثلُها فيما مضى خلال الحروب الصليبية الأولى التي سبقت حرب بوش الصليبية الحالية، وكذلك خلال حقبة غزو التتار، ثم بعد أجيال وأجيال في وقت ظن الكفار فيه أن بريق الأمة قد انطفأ، وإذ هي تضيء من جديد وتنقل مشعل الهداية إلى أبواب أوروبا ومداخلها بالدعوة والجهاد، وتعود الدولةُ الإسلامية الدولةَ الأولى في العالم، ويعود الجهاد، ذروةُ سنام الإسلام، قائداً للأمة تحت لوائه، ويعود الجيشُ الإسلامي الجيشَ الذي لا يقهر. وهذا كائن بإذن الله، فكما نهضت الأمة بعد كبوتها الأولى ستنهض ثانية من جديد، فإن العقيدة الإسلامية التي حركت المسلمين في الأيام المظلمة السابقة، موجودة هي هي في قلوب المسلمين، وستحركهم من جديد ليعودوا القوة القاهرة للشر والحاملة للخير إلى ربوع العالم.

  وثانياً: إن الأمة الإسلامية هي الأمة الوحيدة التي تعمل وتدرك أن الأزمات لا تُدخل اليأسَ إلى قلبها بل تزيدها قوة… تعمل وهي تدرك أنها مبشَّرة بفتح روما كما فتحت القسطنطينية… تعمل وتدرك أن دينها العظيم، الإسلام، سيبلغ ما بلغ الليلُ والنهار بعز عزيز وذل ذليل.

 وكل هذه حوافز للعمل والجد لا تتوفر لأمة غيرها في الدنيا.

 وثالثاً: إن الأخذ بأسباب القوة والإعداد وامتلاك وسائل التقنية والعلم والصناعة على وجهها، كلها واجبة على الأمة، وهي آثمة إن قصّرت فيها، فهي تندفع لتحصيلها ليس من باب الدافع الدنيوي لتحصيل القوة المادية فحسب بل بدافعٍ أقوى من ذلك وأشد وهو طاعة اللهِ سبحانه ورسولِه صلى الله عليه وسلم في تحصيل أسباب القوة لتطبيق الإسلام ونشره وحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد.

 ولقد كان هذا واقع الأمة الإسلامية ودولتِها منذ أن أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم   في المدينة وامتلك في بضع سنين المنجنيق وهو سلاح ثقيل في عصره، مروراً بإرسال خليفة المسلمين ساعة من صنعهم هدية إلى شارلمان ملك الإفرنج فهربت حاشيته منها ظناً منهم بوجود الجن والعفاريت فيها، إلى فتح القسطنطينية ودكها بمدافع متطورة لم تكن أوروبا تعرفها آنذاك.

 هذه الحقائق تُبيّن أن الأمة الإسلامية أمة قوية بعقيدتها وقوية بوعد الله سبحانه لها وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم  ، وقوية بالتزامها الشرعي بالأخذ بأسباب القوة ما وسعها ذلك.

هذه هي الأمة الإسلامية التي لا تهزها الأحداث ولا تلجئها الأزمات إلى اليأس والعجز والقنوط، لأنها تحمل أسباب قوتها كامنة في داخلها، وهي وإن فترت همتها لحظة لا تلبث أن تعود، وإن وجود العاملين المخلصين في الأمة لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض وإصرارهم على السير قدماً دون كلل ولا ملل في هذا الطريق، وصحوة الأمة وتطلعها المميز لتحكم بشرع الله، كل ذلك مقدمات لنهضتها من جديد.

 أما الدول الكافرة فهي تحمل أسباب هُزالها وضعفها في داخلها. فالمبدأ الرأسمالي الذي يحملونه قائم على الاستعمار والمنافع المادية وامتصاص ثروات الآخرين، وفضلاً عن ذلك فإن رأس الكفر أميركا تحمل استكباراً وطغياناً (وعنجهية) متزايدة تجعل ليس فقط أعداء أميركا بل كذلك حلفاؤها يكنون لها العداوة والبغضاء ما يعجل بتفكيك هذا المعسكر البغيض (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى) (الحشر/14).

 هؤلاء أنتم أيها المسلمون، وأولئك هم الكافرون، وما تجييش قوى الكفر ضدكم إلاّ دليلُ قوة بأسكم لا دليل هوان وزنكم، ودليلٌ أنكم أقوياء تخيفون لا ضعفاء تخافون، فالغلبة لكم بإذن الله ولو بعد حي (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (آل عمران) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *