العدد 177 -

السنة السادسة عشرة شوال 1422هـ – كانون الثاني 2002م

كلمة الوعي: حكامٌ لا يستحيون من الله ولا مِن عِباد الله

         إن الموقف الذي اتخذه حاكم باكستان برويز مشرف تجاه أفغانستان من تخلٍّ عن طالبان وتحالف مع أميركا في حربها الصليبية على المسلمين، هذا الموقف كان له أبلغ الأثر في الإطباق على طالبان قبل أن يطبق عليها الأميركان. وعلى الرغم من سوء هذا الموقف وفظاعته إلا أن مشرف علله بقوله إن مصلحة باكستان العليا تقتضي ذلك. فما هي مصلحة باكستان العليا التي يراها مشرّف حتى يتخذ مثل هذا الموقف المخزي والمجرم بحق شعبه، وبحق طالبان صنيعة باكستان في الأصل، وبحق المسلمين أجمعين.

         لقد ظهر للعيان أن موقفه كان لمصلحة أميركا العليا، وليس لمصلحة باكستان العليا. فالكل يعرف، والحاكم قبل المحكوم، أن أميركا تسعى جادة لكي يكون لها موطئ قدم في تلك المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لها: ومشرّف يعرف أنه حجر في يد أميركا في لعبة شطرنج الصراع الدولي في تلك المنطقة. وليس له نظرة خاصة لبلده في السياسة الدولية. والذي أتى به هو الذي يحدّد تصرفه. ومصلحة باكستان العليا بحسب برويز مشرّف لا تتعدى كونها مصلحته الشخصية العليا. ومصلحته الشخصية العليا هذه لا تتحقق إلا بتحقيق مصلحة أميركا العليا حتى ترضى عنه ويبقى في الحكم.

         إن كل ما قاله مشرف وادعاه من أن باكستان إن لم تقف مع أميركا؛ فستقف هذه الأخيرة إلى جانب الهند عدوتها التقليدية في المنطقة، وإنها ستقضي على سلاحها النووي بينما تبقيه لدى الهند، وكذلك حاول أن يقنع شعبه أن باكستان ستحصل، من جراء موقفها هذا، على مليارات الدولارات وهذا من شأنه أن يخرج باكستان والباكستانيين من الضائقة الاقتصادية التي تلم بهم…

         إن كل هذا الكلام، وأمثاله مما قيل هو ذر للرماد في العيون وتلبيس على الناس وتبرير أوهى من خيوط العنكبوت، ليغطي على جريمته، وليقنع الذين يسيرون معه بصواب عمله.

         إن سياسة أميركا في المنطقة ليست آنية ولا هي تتغير بتسارع غير محسوب. وأميركا لن تنتقل إلى التحالف مع الهند وتترك الباكستان هكذا من جراء ردة فعل؛ بل هي تعمل على أن تمسك الباكستان، والهند، وأفغانستان، وأوزبيكستان، وكازاخستان… وكل دول المنطقة لتحقق أهدافها الاستعمارية الاقتصادية والسياسية. أما السلاح النووي، فإن الدول تسعى إلى امتلاكه من أجل أن تحمي به شعبها، ومن أجل أن تمنع أيّاً كان من ضربها، ومن أجل أن تخيف به غيرها فلا يجرؤ على الاعتداء عليها، ومن أجل أن يكون لها كلمة في الموقف الدولي… لذلك كان هذا العذر أقبح من الذنب الذي اقترفه بحق شعبه وبحق المسلمين. ثم متى كان المال والمساعدات المادية سبباً في وقوف الدول موقف الذل كالذي وقفه مشرّف. إن لكل دولة كرامتها، فهي تخوض الحروب ضد كل من يمسّها. فكيف يكون حال دولة ديست كرامتها مقابل مليار دولار أو أكثر أو أقل ثم رضيت بذلك؛ ما هو وضعها الدولي ونظرة الدول إليها… إن الذي ينظر إلى موقف مشرَّف يجده غير مشرِّف، بل هو لم يبق له ماء وجهه فقد حادَّ شرع الله صراحاً بواحاً وخان الله ورسوله والمؤمنين. أما الزعم بأن مشرّف قد سار مع مقتضيات العقل في تقرير مصلحة باكستان فهي فرية ساقطة، فأي عقل هذا يجعل مشرف يقف ضد أفغانستان العمق الاستراتيجي لباكستان؟ وأي عقل هذا يجعله يقف ضد قبائل البشتون التي تمتد جذورها إلى باكستان، وأي عقل هذا الذي يجعله يقف ضد ثوار المسلمين في كشمير وهم تابعون لباكستان، وأي عقل هذا الذي يجعله يقف ضد إرادة شعبه… إنه الكرسيُّ فقط. وهل يستحق هذا الكرسي هذا الكمَّ من الضحايا؟! وهل تتقزم القضايا حتى تصبح عند الحكام مسألة البقاء على الكرسي… لقد قام بتغييرات في المناصب العسكرية ونشر جيشه في أنحاء البلاد تحسباً من أي عمل يخلعه عن الحكم. هذا هو همه، وهذا هو ديدنه. ولكن هل هو مصيب حتى في هذه النقطة من حيث العقل؟ يخطئ كل من يظن أن لأميركا ديناً أو قيماً أو عهوداً. إن لها مصالحها ومصالحها فقط، وما عدا ذلك فإنها تدوس عليه ولا تقيم له وزناً وتتخلى عنه إذا تعارض وجوده مع مصلحتها. ألم تتخل أميركا عن كثير من عملائها بعد أن استنفدت أغراضها منهم؟ وماذا ستستفيد منه أميركا إذا كثرت مشاكله الداخلية وأصبح في موقف ضعيف لا يستطيع معه أن يخدم السياسة الأميركية في المنطقة. ألن تفكر بتغييره مثلما هي تفكر بتغيير غيره؟ إن أميركا تفكر بتغيير الحدود والحكام في أنحاء العالم في سبيل السيطرة الكاملة عليه ولن يكون حكام البلاد الإسلامية في مأمن من هذا التغيير، ولن ينفعهم كل مواقفهم المؤيدة لأميركا. إن هؤلاء الحكام ينتقلون من خيانة إلى خيانة خدمة لأميركا لعلها ترضى عنهم… ولن تنفعهم هذه ألـ «لعل» لا في الدنيا ولا في الآخرة.

         إن ما فعله مشرف مجبول بالذل والهوان، لقد تصرّف تصرّف من لا كرامة له. إن ما فعله كان جريمة فظيعة وعملاً خيانياً كبيراً. وعلى المسلمين في باكستان وخارجها أن يعوا عظم هذه الجريمة وفظاعتها، وأن يدركوا أن ما حدث ويحدث وسيحدث للمسلمين هو نتيجة طبيعية لإقصاء الإسلام عن الحكم وإن السبيل الوحيد لإيقاف كل هذه الخيانات وما يتولد عنها من أوضاع مؤلمة للمسلمين هو عودة الخلافة الراشدة التي تجمع كلمة المسلمين على الحق وتوحدها على  لا إله إلا الله  محمد رسول الله  وتجعلهم يعيشون بعز الإسلام.

         إن الشعب الباكستاني شعب مسلم كغيره من الشعوب الإسلامية. وتقوم قضاياه الأساسية والمصيرية على ما تمليه عليه عقيدته. وهو يرى أن كرامته من كرامة دينه. وأن ما تفعله أميركا يطعن الأمة في الصميم. إن إعلان أميركا الحرب على المسلمين باسم الإرهاب إنما تعلنها حرباً على المسلمين في كل مكان. حرباً على التوجه الإسلامي نحو الحكم. فالقائمون عليه مطلوبون أحياءً بل أمواتاً عند أميركا. نعم إن أميركا تتوجس من الإسلام السياسي وتتحسب له لأنه الوحيد الآن المرشح لأن يرتفع صوته في وجهها، والمرشح لأن يضع حداً لجبروتها، والمرشح لأن يكون البديل الحضاري العالمي عن حضارتها الفاسدة… لذلك هي تفكر بالقضاء عليه قبل أن تكتمل قوته وترسخ جذوره وتنضح ثمرته. وإن أميركا ستجد من الحكام مساعدة طبيعية لضرب هذا التوجه الإسلامي المتنامي لوجود مصلحة مشتركة بينهما فأميركا تحارب هذا التوجه الإسلامي لأنه ينافس حضارتها ويصارعها والحكام يحاربونه من أجل أن يبقوا على عروشهم.

         أيها المسلمون:  لا يشك أحد أن خياركم إسلامي، وأن قضاياكم إسلامية، وأنكم تضحون وتبذلون من أجل دينكم. شاهدنا ذلك في كل مكان كان للمسلمين فيه قضية. شاهدناه ونشاهده في فلسطين حيث تعبر الأعمال الاستشهادية عن مدى التضحية التي يقدمها المسلمون هناك، شاهدناه في الشيشان، شاهدناه في أفغانستان، شاهدناه في جنوب لبنان… ولكن هذه التضحيات يقضي عليها الحكام أو يسخرونها لمصلحة أسيادهم. وما حدث في باكستان من تظاهرات، ومن توجه للالتحاق بالمسلمين في أفغانستان لمواجهة الغزو الأميركي ليدل على أن الأمة حية، وعندها قضاياها، ولها مصالحها، ولها فكرها، ولها مشاعرها، ولها قيمها، ولها مصلحتها العليا. وهي قطعاً غير المصلحة العليا التي يراها مشرف وغيره من الحكام.

         أيها المسلمون:  إذا أردتم أن توقفوا حمامات الدم التي تراق ضدكم، والمجازر التي ترتكب بحقكم والخيانات التي تسلم رقابكم لأعدائكم ما عليكم إلا أن تنبذوا هؤلاء الحكام نبذ النواة من الحبة وتعطوا قيادتكم للمخلصين من الأمة الواعين على دينها ليتسلموا أمر هذه الأمة فيحكموها بالإسلام ويخوضوا الجهاد معها. وعندها يصبح موتانا شهداء نزال وقتلى جهاد لا صرعى خيانات ومؤامرات. وبذلك وحده تتحقق مصلحة الأمة العليا بعودة الإسلام للحياة وعودة العزة للأمة فترتفع راية  لا إله إلا الله  محمد رسول الله  بعز عزيز وذل ذليل، هذه هي مصلحة الأمّة العليا التي أرادها الله وليست مقولة مشرف الناطقة بالذل والهوان. هذه هي قضية المسلمين المصيرية، وهذه هي مصلحة الأمّة العليا وإنها لكائنة بإذن الله  (ولتعلمن نبأه بعد حين)  .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *