العدد 86 -

السنة الثامنة محرم 1415هـ, حزيران 1994م

العدو الحقيقي والأدوات

بقلم: عبد اللطيف صلاح الدين

في جريدة الدستور الأردنية والصادرة يوم 17/05/1994 كتب الدكتور الفاضل محمد على الفرا مقالاً تحت عنوان: «وداعاً لذكرى الخامس عشر من أيار» قارن فيه بين ما أعطاه وعد بلفور لليهود في فلسطين، وما أعطاه اتفاق غزة ـ أريحا.. أولاً «الحكم الذاتي» لأبناء فلسطين أنفسهم وحدهم في الميدان يقاومون الانتداب البريطاني ويحاربون الصهيونية والتي تمكنت من التغلغل في أوساط القوى الغربية ومراكز النفوذ العالمية وارتبطت مصالحها ووسائلها معها رغم اختلاف الأهداف والغايات» انتهى كلام الدكتور.

إن منطوق كلام الدكتور فضلاً عن مفهومه هو أن الصهيونية قوة غير قوى الغرب ومختلفة عنها. ولكنها أي الصهيونية تمكن من التغلغل في مراكز النفوذ العالمية وارتبطت مصالحها ووسائلها معها رغم اختلاف الأهداف والغايات!! ولما كان ذلك غير صحيح. كان لا بد من بيان أن الصهيونية لم ولن تكون أكثر من أداة من جملة الأدوات التي استخدمتها الدول الكافرة المستكبرة، والتي هي العدو الحقيقي لأمتنا الإسلامية ومنها الشعب العربي. فالعدو الحقيقي هو الدول الكافرة المستكبرة والتي خططت ونفذت بدهاء لاحتلال وتمزيق منطقتنا وبلادنا. وأن القول عن الصهيونية أنها قوة تغلغلت في مراكز النفوذ وأثرت فيها هو من تلبيس تلك الدول الكافرة المستكبرة الذي أربأ بالدكتور الفاضل أن ينطلي عليه: وهو من النخبة المثقفة التي يجب عليها أن تقرأ الخط الممحي كما يقول المثل العراقي فالصهيونية كانت وما زالت أداة من أدوات الدول الكبرى. والدليل على ذلك هو أنه «بعد أن احتل نابليون مصر وواصل حملته لاحتلال سوريا نشر الإعلان التالي في الجريدة الرسمية الفرنسية سنة 1799م «إن بونابرت يدعو جميع يهود آسيا وأفريقيا ليحضروا وينظموا صفوفهم تحت لوائه لإعادة تأسيس أورشليم كما كانت في الماضي». وتقول الكاتبة السوفياتية ـ سابقاً ـ جالينا نيكيثينا: «إنه في وقت الحملة على فلسطين جند نابليون في جيشه عدداً من يهود آسيا وأفريقيا وأنه صاحب ذلك فكرة استعادة المملكة اليهودية في أورشليم تحت رعاية فرنسا» ويقول الكاتب اليهودي الإسرائيلي أودي افنيري في كتابه «إسرائيل بدون صهاينة». «إن الصهيونية لدى نشوئها من حيث المكان والزمان لم تكن فقط جزءاً من آخر موجة للقومية الأوروبية، وإنما كانت أيضاً موجة للتوسع الإمبريالي الأوروبي(1).

ولقد تبنت الحكومة البريطانية الفكرة الصهيونية واستخدمتها لتحقيق أهدافها الشريرة. «فقد راع أهل الغرب عامة والإنجليز خاصة ما بلغته الدولة العثمانية من مكانه وشوكة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ووجدوا فيها عقبة كأداء تقف في طريق توسعهم واستعمارهم، وكذلك هال أهلَ الغرب قيامُ الخلافة الإسلامية في استنبول وبعث نفوذها العظيم في ديار المسلمين التي كانوا يطعمون في الاستيلاء عليها واستعمارها، فثارت في نفوس الغربيين «العصبية الصليبية» والروح الاستعماري وصار هدفهم تقويض تلك الدولة والقضاء على الخلافة الإسلامية»(2).

ويقول المرحوم صالح مسعود أبو بصير. ما نصه بالحرف: «على أن هذا العدوان المبيت لم يكن مرتجلاً بل لقد أسهمت كل الدول الصليبية في دراسته والأعداد له منذ تاريخ بعيد ولعل ذلك المؤتمر الاستعماري الذي عقد عام 1907م ونتج عنه تقرير خطير يسمى «كأمثل باتران» رئيس وزراء بريطانيا آنئذ لعل ذلك التقرير يوضّح لنا صورة المؤامرة وفداحتها، فقد تنادت الدول الاستعمارية المعروفة في تلك الأيام، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وهولندا وأسبانيا وبلجيكا والبرتغال وإيطاليا إلى مؤتمر دولي دعت إليه الحكومة البريطانية واقترحت أن يكون على مستوى الحلقات الدراسية، وأن تمثل فيه الدول المختلفة بخبرائها وأساتذتها الجامعيين وقد تضمن تقرير ذلك المؤتمر:

أن الخطر الذي يهدد الاستعمار الغربي يكمن في البحر المتوسط والذي يقيم على سواحله الشرقية الجنوبية شعب واحد يتميز بكل مقومات الوحدة الترابط، وبما في أراضيه من كنوز وثروات تتيح لأهلها مجال التقدم والرقي في طريق الحضارة والثقافة. وأوصى التقرير لمواجهة هذا الخطر بأن تعمل الدول الاستعمارية على تجزئة هذه المنطقة والإبقاء على تفككها.. واقترح كوسيلة عاجلة العمل على فصل الجزئين الأفريقي والآسيوي في هذه المنطقة أحدهما عن الآخر، وإقامة حاجز بشري قوي وغريب في نقطة التقاء الجزئين، يمكن للاستعمار أن يستخدمه أداة في تحقيق أغراضه»(3).

وتقول اللجنة الملكية البريطانية في تقريرها المنشور عام 1937م: «عندما صحت النية على زحف الجيوش البريطانية على فلسطين شهر فبراير شباط 1917م فتح باب المفاوضات الرسمية بين الصهيونية والحكومة البريطانية وتلتها مفاوضات أخرى بينهم وبين الحكومة الفرنسية والإيطالية، فتمت الموافقة رسمياً على المشروع الصهيوني في باريس وروما كما تمت في لندن وأرجئ نشر هذه الموافقة حتى أواخر تشرين الثاني نوفمبر 1917م. وكان نص تصريح بلفور قد عرض قبل نشره على الرئيس الأميركي واقترن بموافقته»(4).

ولقد تبنت الحكومة البريطانية الفكرة الصهيونية فكتب ونستون تشرشل يقول: «إذا قيّض لنا وشهدنا قيام دولة يهودية لا في فلسطين وحسب بل على ضفتي نهر الأردن، فإننا نكون قد عاصرنا حدثاً ضخماً في مصلحة الإمبريالية»(5).

ومن هنا كان زعماء الأوساط الحاكمة في الدول الاستعمارية الصهاينة الأول، وبناء على مطامع الدول الأوروبية وبالذات بريطانيا التي استطاعت أن تكسب العرب إلى جانبها في الحرب العالمية الأولى، بعد الوعود التي قطعتها لهم على نفسها بالدول العربية الكبرى الواحدة المستقلة إن هي انتصرت على دولة الخلافة الإسلامية العثمانية. التي كانت البلاد العربية تحت رايتها وحكمها، والتي رفضت التفريط بفلسطين لليهود رغم العروض المغرية التي عرضها زعيم اليهود هرتسل على الخليفة عبد الحميد رحمه الله. لقد كان رد الخليفة عام 1901م من القوة والصد بحيث سجله زعيم الصهيونية هرتسل في مذكراته: «انصحوا هرتسل بأن لا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، وأن لا أستطيع التخلي عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني، بل ملك أمتي، لقد ناضلت أمتي في سبيل هذه الأرض. وروتها بدمها، فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا مزقت دولتي يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بترت من دولتي، وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة»(6).

نعم كسبت بريطانيا العرب الذين حملوا السلاح وحاربوا معها بناء على وعدها لهم بالدولة العربية الكبرى الواحدة المستقلة. لقد كان وعد بريطانيا للعرب تماماً كوعد الشيطان. ]وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا[ [الإسراء: 64].

وفي نفس الوقت أعطت اليهود وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917م وكانت قبل ذلك قد اتفقت مع فرنسا على تمزيق البلاد العربية وتقاسمها (اتفاقية سايكس ـ بيكو) وعندما تم النصر لبريطانيا وفرنسا بفضل العرب كشفت الدولتان عن حقدهما. وذلك عندما دخل الجنرال اللنبّي القدس وقال: «الآن انتهت الحروب الصليبية» وأكثر حقداً وخسّة كان الجنرال الفرنسي غورو عندما ذهب إلى قبر البطل المسلم صلاح الدين رحمه الله ووضع قدمه على قبره وقال: «ها نحن عدنا يا صلاح الدين». ومن ذلك يتضح أن العدو الحقيقي لأمتنا الإسلامية ومنها الشعب العربي هو الدول الكافرة المستكبرة المتسلطة على الأمم والشعوب سواء بقيادة بريطانيا سابقاً، أو بقيادة أميركا في الوقت الحاضر. كما يتضح أن الحركة الصهيونية ليست أكثر من أداة من الأدوات للدول الكبرى. ]ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ[ [آل عمران: 112]. ولعل من أوضح الأدلة على ذلك العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م فقد استخدمت الدولتان بريطانيا وفرنسا ما يسمى بدولة «إسرائيل» في فلسطين المحتلة جسراً عبرتا عليه إلى احتلال بور سعيد بعد تأميم قناة السويس. والذي أحبط هدفهما ـ بريطانيا وفرنسا ـ هو الرئيس الأميركي ايزنهاور. ليس ذلك فحسب بل هذه حرب الخليج الثالثة والتي ما زال العراق وغير العراق يعاني من آثاره المدمرة. فقد منع الرئيس الأميركي بوش قادة الدولة اليهودية الصهيونية في فلسطين المحتلة من الرد على العراق بالرغم من ضرب العراق لهم في فلسطين المحتلة وذلك من أجل تنفيذ المخطط الأميركي المرسوم في احتلال شبه الجزيرة والخليج. (راجع كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل. «خرب الخليج أوهام القوة والنصر»). وعليه فالدول الكبرى هي العدو الحقيقي، لا فرق بين أوروبا وروسيا وأميركا. ولكن أميركا الآن وبعد أن انفردت بمحاولة قيادة العالم هي العدو رقم واحد للأمم والشعوب ومنهم أمتنا المناضلة للتحرر والانعتاق من ذل العبودية لتلك الدول. وقد استطاعت وللأسف الشديد التلبيس «من تلبيس إبليس» على الكثير من المثقفين فضلاً عن الناس العاديين بأن العدو لنا هو اليهود فقط، وذلك حتى تأخذ هي دور الحَكَمْ النزيه والشريك الكامل، كما يسمونها في هذه الأيام. والحقيقة أنها هي الخصم والحَكَمْ!! إن عدونا الحقيقي هو الدول الكافرة المستكبرة الحاقدة على الإسلام والمسلمين ومن يقف معها من أدوات. ومن تلك الأدوات الحركة الصهيونية ومشروع دولتها في فلسطين المحتلة المسماة «بإسرائيل».

نعم اليهود ليسوا أكثر من أداة من أدوات الدول الكبرى مثل باقي الأدوات الأخرى الذين يُستخدمون لتنفيذ المخططات الشريرة للدول الكبرى العدو الحقيقي لأمتنا.

وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالتأكيد، كان لزاماً على النخبة من المثقفين الواعين المخلصين الذين لا يمارسون الدعارة السياسية أن يعرفوا القواسم المشتركة لتلك الدول وهي من الثوابت عندها. وهذه القواسم المشتركة أو الثوابت ثلاثة: الأول: الحيلولة بين الأمة الإسلامية أو أي شعب من شعوبها وبين العودة إلى الحكم بالشريعة الإسلامية أي الحكم بما أنزل الله. الثاني: الحيلولة دون وحدة أبناء الأمة الإسلامية الواحدة حتى لو كانت بين قطرين. وقاعدتهم المشهورة ـ فرّق تسد. الثالث: الحيلولة بين الأمة أو أي جزء منها ـ مصر، أو العراق، مثلاً ـ وامتلاك القوة.

نعم هذه الأمور الثلاثة هي من الثوابت أو القواسم المشتركة عند الدول الكافرة المستكبرة: العدو الحقيقي لأمتنا. وهذه الأمور الثلاثة هي نفسها من قضايا الأمة الإسلامية المصيرية التي لا يتخذ تجاهها سوى إجراء الحياة أو الموت.

(1)  [ص 264 من كتاب المحامي: الأستاذ إبراهيم بكر. «مؤتمر السلام والمفاوضات المباشرة مع إسرائيل» الطبعة الأولى شباط 1992م عمان].

(2)  ص18 من كتاب «المؤامرة الكبرى واغتيال فلسطين وسحق العرب» أميل الغور: القاهرة 1955م كما نقله صالح مسعود أبو بصير كتاب «جهاد شعب فلسطين في خلال نصف قرن» ص66 الطبعة الأولى 1968م].

(3)  المصدر السابق.

(4)  المصدر السابق ص 67.

(5)  [ص272 الملحق رقم (4) من كتاب المحامي إبراهيم بكر «مؤتمر السلام والمفاوضات المباشرة مع إسرائيل» 1992م].

(6)  [ص31 من كتاب «جهاد شعب فلسطين في خلال نصف قرن»].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *