العدد 176 -

السنة السادسة عشرة رمضان 1422هـ – كانون الأول 2001م

الحكام الظلمة وقارص الكلام

          قال الله سبحانه: (ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً * قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً)  [الإسراء].

          يقول بعض الناس للذين يقفون في وجه الحكام الظلمة بقوة وصلابة، وينكرون سوء فعالهم بقارص الكلام وصريح العبارة، دون أن يخشوا في الله لومة لائم وفي قلوبهم وعقولهم يستقر قوله صلى الله عليه وسلم        : «إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان جائر» ، يقول بعض الناس لهؤلاء العظماء عندما ينكرون على الظالمين بقارص الكلام يقولون لهم: هلاَّ لنتم للحكام قليلاً، وداريتموهم شيئاً يسيراً بالليِّن الهيِّن من الكلام، ثم يستشهدون بقوله تعالى عندما أرسل موسى وهارون عليهما السلام للطاغية فرعون: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) (طه).

          لهؤلاء، سواء أكانوا صادقين في نصحهم أم مضللين في قولهم، نورد هذه الآيات البينات من كتاب الله العظيم ليعلموا أن قوله تعالى: (فقولا له قولاً ليناً) هو جانب من الصورة وليس كل الصورة وأن الصورة لا تتضح جلياً إلا إذا كانت جوانبها كلها مضاءة ضوءاً مليّاً:

          إن الله سبحانه قد أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون الطاغية وقال له سبحانه: (فقولا له قولاً ليناً) ، وأمد الله موسى بتسع آيات من عنده لإقامة الحجة على فرعون، إلا أن فرعون كذب وطغى واعتبر موسى مسحوراً جاء بالسحر (ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً) (الإسراء).

          لقد كانت تلك الآيات بصائر (قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر)  أي واضحة جلية قاطعة بصدق موسى عليه السلام وأنه رسول من رب العالمين. فكانت (اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل والضفادع والدم والطمس ونقص الثمرات) لكنَّ فرعون أبى وطغى وازداد طغياناً وضرب بالآيات عُرض الحائط، فلما أصر على كفره وطغيانه رغم الدلائل الواضحة والحجج القاطعة، عندها قال له موسى عليه السلام (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) أي هالكاً ملعوناً ولم يقل له قولاً ليناً كما بدأه به.

          وهنا تتضح الصورة جلية واضحة في كيفية الدعوة، فإنها تبدأ بالقول الليّن (فقولا له قولاً ليناً) ، بالحكمة والموعظة الحسنة (إلا الذين ظلموا منهم) (البقرة/150)، فإذا قدمت الحجج والدلائل القاطعة البينة ومع ذلك أصر الطغاة على طغيانهم وأصر الظلمة على ظلمهم، عندها لا يكون موقع الكلام هنا (فقولا له قولاً ليناً)  بل يكون (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا).

          إن قول الحق يكون كما يقتضيه، فهو لمن تبدؤه بالدعوة غيره لمن يصر على الطغيان والكفر والخيانة، فتبدأ الأول بالحسنى وتقدم له الحجج والبراهين، فإذا لم يستجب وولى مدبراً واستكبر كأن لم يسمعها، فعندها لابد من الإنكار عليه بقارص الكلام الواضح الصريح الذي يبين جرائمه وخيانته لله ولرسوله والمؤمنين.

          أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال جاء العاصي بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم   بعظم حائل ففتّه فقال يا محمد أيبعث هذا بعدما أرم؟ قال نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم، فنزلت الآيات (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) فالرسول صلى الله عليه وسلم   لم يكتف بإجابته بنعم بل بين له مصيره الأسود.

          فمثل هؤلاء الطغاة الذين لا يعبأون بالحجج المقدمة لهم ويستهزئون بالحق ويلبسون الحق بالباطل، هؤلاء يزيدهم اللين استكباراً ويظنونه ضعفاً أو خواراً، فيخاطبون، والحال هذه، بقوة تصعقهم ليدركوا ضعف موقفهم وهوانهم على الله وعلى عباد الله.

          إن المتدبر لأحوال الحكام في بلاد المسلمين يجدهم قد تركوا كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم         وراء ظهورهم، ثم يوالون الكفار وهم يعلمون علم اليقين أنهم أعداء لله ولرسوله والمؤمنين، وينفذون مؤامراتهم على البلاد والعباد عدواً بعلم، سلّموا المقدسات ليهود ومكنوهم من إقامة كيان لهم على الأرض المباركة وبين ظهراني المسلمين، عطلوا الجهاد وحالوا بين المسلمين وقتال عدوهم، يحتل الكفار بلاد المسلمين ويعلنون الحرب عليهم في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير وأفغانستان والحكام، لا نقول، يقعدون عن نصرة المسلمين بل هم يمدون الكفار بمقومات الحرب على الإسلام والمسلمين وجعلوا بلاد المسلمين مستباحة للأعداء براً وبحراً وجواً، فهل هؤلاء الحكام الطغاة الظالمون يستحقون (فقولا له قولاً ليناً) أم (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *