فتاوى تتجرأ على دين اللّه
2001/12/11م
المقالات
2,002 زيارة
صدرت في بلاد المسلمين وأميركا وغيرها من بلاد الغرب فتاوى مستنسخة عن بعضها بأسماء مختلفة تجيز مشاركة الجنود الأميركيين المسلمين في القتال ضد المسلمين في أفغانستان. وعمدة هذه الفتاوى فتوى وقَّعها السادة: (الشيخ يوسف القرضاوي، محمد سليم العوَّا، طارق البشري، هيثم الخياط، فهمي هويدي). وقد ذكر السيد فهمي هويدي الفتوى والموقعين عليها، في مقاله المنشور في جريدة “الشرق الأوسط” الصادرة بتاريخ 08/10/2001م. وقد نشرت المقال المذكور، أيضاً، جريدة “المحجة” المغربية الصادرة بتاريخ 20/10/2001م.
واعتماداً على الفتوى المذكورة، مع بعض الحذف اليسير، صدرت فتوى باسم السيد طه جابر العلواني رئيس ما يسمى بالمجلس الفقهي لأميركا الشمالية والشيخ محمد الحانوتي عضو المجلس المذكور، وقد أعلنا ذلك في مؤتمر صحفي عقداه في واشنطن بتاريخ 11/10/2001م. وحيث إنّ هذه الفتاوى تتعلق بأمر خطير وكبير عند الله وهو قتال المسلم للمسلم، فإن « الـوعــي» ستتناول ما سمّاه أصحاب الفتاوى (أدلة) أجازوا بموجبها قتال الجندي الأميركي المسلم للمسلم في أفغانستان وغيرها من البلاد الإسلامية، ثم بعد ذلك تبين الحكم الشرعي في المسألة لتتضح الصورة، فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة:
============================================
تقول الفتاوى في أبرز جوانبها:
(الواجب على المسلمين كافةً أن يكونوا يداً واحدةً ضد الذين يروعون الآمنين ويستحلون دماء غير المقاتلين بغير سبب شرعي… فمن خالف النصوص الإسلامية الدالة على ذلك فهو عاصٍ مستحق للعقوبة… ولو أن الأحداث الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة عوملت بمقتضى نصوص الشريعة وقواعد الفقه الإسلامي لكان الذي ينطبق عليها هو حكم جريمة الحرابة الوارد في سورة المائدة… وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبل ممكنة تحقيقاً لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة/2). ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين مصدره أن القتال يصعب أو يستحيل التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث وأن الحديث النبوي الصحيح يقول: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال قد أراد قتل صاحبه»… وهو، أي الحديث الشريف، لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة. يتبين من ذلك أن الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما أنه مرفوع وإما أنه مغتفر بجانب الأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الأميركي بل وفي الولايات المتحدة بوجه عام إذا أصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم الذي يحملون جنسيته… وأما الحرج الذي يسببه كون القتال لا تمييز فيه فإن المسلم يجب عليه أن ينوي بمساهمته في هذا القتال أن يحق الحق ويبطل الباطل وأن عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول إلى مرتكبيه لتقديمهم للعدالة وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديه حرجاً شخصياً لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها… والقواعد الشرعية تقرر أنه إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما، فإذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم، وهم ملايين عديدة، وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذىً روحياً ونفسياً فإن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام كما تقرر القاعدة الفقهية).
ثم تختم الفتوى: (والخلاصة أنه لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة ضد من يظن أنهم يمارسون الإرهاب أو يؤوون الممارسين له ويتيحون له فرص التدريب والانطلاق من بلادهم مع استصحاب النية الصحيحة على النحو الذي أوضحناه دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم ومنعاً للضرر الغالب على الظن وقوعه وإعمالاً للقواعد الشرعية التي تنص على أن الضرورات تبيح المحظورات وكذلك التي توجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد والله تعالى أعلم وأحكم).
إن المتدبر لهذه الفتاوى يجد أن أصحابها قد لووا عنق النصوص وحرفوا الكلم عن أحكام الله، وكأنهم يريدون بذلك إرضاء أميركا وبريطانيا وحلفائهم في عدوانهم على المسلمين في أفغانستان، وهؤلاء الكفار لن يرضوا إلا كما قال سبحانه: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) (البقرة/120) .
لقد قال أصحاب الفتوى إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما» لا ينطبق على الجندي في الجيش النظامي كالجندي المسلم الأميركي في الجيش الأميركي عند مقاتلته للمسلم الأفغاني، وقالوا إن وعيد الرسول صلى الله عليه وسلم للقاتل بأنه في النار إما أنه مرفوع (لا ينطبق على الجندي النظامي) وإما أنه مغفور له، علماً بأن النص ليس خاصاً بل عاماً لم يستثنِ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «فالقاتل والمقتول في النار» فهو ينطبق على الجندي النظامي وغير النظامي. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «في النار» للدلالة على عظم الجريمة.
ومن تحريف الكلم عن مواضعه كذلك ما ذكرته الفتوى عن حد الحرابة وأن الذين قاموا بالأعمال الإرهابية في أميركا ينطبق عليهم حد الحرابة وطلبوا من المسلمين المشاركة في إيقاع حد الحرابة وجعلوا ذلك من باب التعاون على البر والتقوى. أليس هذا النفاق بعينه وترضية لرؤوس الكفر؟ أإذا وقع حادث قتل في أميركا وجب على المسلمين أن يشاركوهم في إقامة الحد على القاتل؟ ومن باب التعاون على البر والتقوى؟ وهل الحدود لها واقع عند أعداء الله الكفار في بلاد الكفار؟ أيعقل أن من أصدروا الفتوى ضلّوا في هذه على غير علم؟ إنها لإحدى الكبر. والكبيرة الأخرى ما جاء في الفتوى من أن الجندي المسلم الأميركي الذي يشترك في قتال المسلمين الأفغان عليه أن ينوي، وهو يقاتل المسلمين، ينوي أنه يقاتل ليحق الحق ويبطل الباطل وبعد هذه النية لا شيء عليه في ما ينتج عن القتال. أي أن النية الحسنة، بمفهوم أصحاب الفتوى، تكفي لجعل العمل المحرم حلالاً. أليست هذه مغالطة؟ إن النية الصالحة في الإسلام طريق لجعل العمل الصالح مقبولاً عند الله ولكنها ليست طريقاً لجعل العمل المحرم مقبولاً، فالمسلم الذي يذهب لقتال المسلمين، وهو يعلم أنهم مسلمون، يكون قد ارتكب إثماً عظيماً ولا يبرئ ذمته أن ينوي أنه يقاتل لإحقاق الحق ما دام يعلم أنه ذاهب لعملٍ باطلٍ وليس لعملٍ حقٍّ.
أما ما ذكرته الفتوى من استدلال بالقاعدتين (الضرورات تبيح المحظورات)، و(أخف الضررين) فهو استدلال في غير محله.
إن (الضرورات تبيح المحظورات) استنبطها واضعوها لحالة الاضطرار الملجئ للحفاظ على الحياة، فمن كان لا يجد طعاماً حلالاً يأكله للحفاظ على حياته فإنه يجوز له أن يأكل من الشيء الذي يحرم أكله كالميتة مثلاً وبالتالي فهذه القاعدة لا علاقة لها بجواز قتال المسلم للمسلم.
ولا يقال إن عدم مشاركة الجندي المسلم الأميركي في أفغانستان سيجعل ولاءه لبلده الذي يحمل جنسيته مشكوكاً فيه، وبالتالي قد تتأثر مواطنته في أميركا، وإن حاجته للعيش في أميركا دون مضايقة أو ارتياب تدخل في حالة الاضطرار وتطبق عليها قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، لا يقال ذلك لأن المسلم إذا كان مجبراً على فعل الحرام في بلد فإن عليه أن يتركه إلى بلد آخر يأمن فيه على عدم الإجبار على فعل الحرام، فقد توعد الله سبحانه أولئك الذين تذرعوا بمثل هذه الأعذار (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً @ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً) (النساء) فمن فعل الحرام متذرعاً بأنه مجبر على فعـله في بلده وهو قادر على تركه فإنه داخل في وعيد الله.
وأما (أخف الضررين) فقد اشترط واضعوها لاستعمالها تزاحم الضررين على الشخص بحيث لا مندوحة له عن استعمال أحد الضررين، فأجازوا له، في هذه الحالة، أخذ الضرر الأخف ليمنع عن نفسه الضرر الأثقل. فما هما الضرران اللذان تزاحما على الجندي المسلم الأميركي حتى أجاز أصحاب الفتوى له أن يشترك في القتال ضد المسلمين في أفغانستان؟
إن أصحاب الفتوى اعتبروا الضرر الأثقل هو الأذى المتوقع حدوثه من الحكومة الأميركية على الجندي الأميركي المسلم إذا رفض الاشتراك في القتال، واعتبروا الضرر الأخف هو مشاركته في القتال لقتل المسلمين وتدمير بلادهم لمصلحة الكفار، فأجازوا له المشاركة (الضرر الأخف بزعمهم) ليدفع عن نفسه (الضرر الأثقل بزعمهم) وهو أذى الحكومة الأميركية بسجنه وطرده من وظيفته المتوقع نتيجة عدم المشاركة في القتال والشك في ولائه لأميركا. فكيف برروا لأنفسهم هذا القول؟ إن مشاركة المسلم في قتل المسلم لهو من أعظم الأمور وأشدها حرمة:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» ويقول صلوات الله وسلامه عليه مخاطباً الكعبة: «والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم منك ماله ودمه وأن لا نظن إلا خيراً» .
إن تطبيق قاعدة (أخف الضررين)، كما استنبطها واضعوها، يؤدي إلى الصبر على أذى الحكومة، وهو الأخف، وعدم الذهاب للمشاركة في قتل المسلمين وهو الأثقل.
وعليه فإن القاعدتين المذكورتين كما استنبطها واضعوها لا تجيزان قتال المسلم للمسلم.
هذا مع العلم أنه إذا ورد نص صريح في المسألة فإن الحكم يؤخذ من النص ويوقف عنده. فما هي النصوص المتعلقة بقتال المسلم للمسلم؟
إن تحريم قتال المسلم للمسلم هو أمر معلوم من الدين بالضرورة، أدلته كثيرة مستفيضة:
l يقول تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) (الحجرات/10) أي أوقفوا القتل بين المسلمين، وامنعوه بينهم فهم إخوة.
l ويقول صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وهذا قرينة على عظم جريمة اقتتال المسلمين.
l ويقول صلى الله عليه وسلم : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا هذا القاتل فما بال المقتول قال كان حريصاً على قتل صاحبه» وهو نص صريح في التحريم الشديد للاقتتال بين المسلمين.
l ويقول صلى الله عليه وسلم : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» فكيف بمن يقتله؟
l ويقول صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: «وإن سلمهم واحدة وحربهم واحدة» فهم معاً في الحرب والسلم، وليسوا حرباً على بعضهم. فتحريم قتال المسلم للمسلم أمر مؤكد معلوم من الدين بالضرورة، فكيف إذا كان قتال المسلم للمسلم تحت راية الكفار ولمصلحة الكفار فهو آكد وأشد، لأن تحريم قتال المسلم للمسلم، في هذه الحالة تشمله الأدلة المذكورة بالإضافة إلى أدلة تحريم موالاة الكفار، والقتال لمصلحة الكافر هو من أعظم صور الموالاة للكفار:
l يقول سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) (النساء/144).
l ويقول سبحانه: (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة/5).
l ويقول سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (التوبة/71).
l ويقول سبحانه: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) (الأنفال/73).
l ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: «ولا ينصر مؤمن كافراً على مؤمن».
فقتال المسلم للمسلم حرام، وقتال المسلم للمسلم نصرةً للكافر وموالاةً له أغلظ وأشد تحريماً، وكل قول على جوازه اتباع للشيطان وقول بالهوى وجرأة على دين الله.
وعليه فإن الواجب على الجنود المسلمين الأميركيين أن يرفضوا المشاركة في قتال إخوانهم المسلمين في أفغانستان مهما تحملوا من أذىً حتى لا يقعوا في الحرام فعذاب الآخرة أشد، وقد سبق أن رفض بعض الجنود الأميركيين القتال في فيتنام وتحملوا ما نتج عن ذلك بسبب قناعاتهم الشخصية فكيف بالمسلم الذي يعلم أن المشاركة حرام؟ فليصبر على الأذى في سبيل الله، والله سبحانه سيجعل له مخرجاً (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً @ ويرزقه من حيث لا يحتسب) (الطلاق/2ـ3).
وكلمة أخيرة نقولها لأولئك الذين أفتوْا ويفتون بجواز مشاركة الجندي المسلم الأميركي في قتال المسلمين في أفغانستان، أن يتقوا الله ويتوبوا إليه ويرجعوا عما قالوا ويعلنوه على الملأ، وإلا باؤوا بوزر فتواهم ووزر من أخذ وعمل بها.
هذه نصيحة والدين النصيحة «قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» .
2001-12-11