العدد 172 -

السنة الخامسة عشرة جمادى الأولى 1422هـ – آب2001 م

دولة الخـلافة … ونقـل التكنولوجيـا

          لا شك أن العائق الكبير الذي يقف أمام عملية تغيير واقع الأمة الإسلامية اليوم هو هؤلاء الحكام النواطير الذين وضعهم الغرب الكافر على سدة الحكم ليحافظوا على مصالحه ويمنعوا هذه الأمة العظيمة من أية محاولة للنهوض واقتعاد المكانة اللائقة بها والتي اختارها لها رب العالمين ألا وهي: (خير أمة أخرجت للناس) ولكن الأمة بتأييد الله وعونه قادرة على التغلب على هذا العائق الكبير، فقد أدركت الأمة تفاهة هؤلاء الحكام، وعمالتهم للغرب الكافر، ووقوفهم سدّاً منيعاً أمام تطبيق الإسلام كنظام حياة للأمة والدولة، ولن يصمُد هؤلاء الحكام الرويبضات طويلاً أمام تحرك هذه الأمة التي إذا تحركت خرت لها الجبابرة، وفرت من أمامها الأسود.

          ولكنَّ هناك سؤالاً جديراً بأن يطرح في هذا الوقت بالذات لأن عملية التغيير باتت وشيكة بإذن الله، والسؤال هو: هل يمكننا ردم الهوة السحيقة بيننا وبين الغرب في الناحية العلمية التي يسبقنا الغرب فيها بمراحل شاسعة جداً وهل يستطيع الغرب أن يمنع عنا كل مقومات التقدم التكنولوجي والعلمي كما يدعي البعض؟!

          صحيح أن هناك الكثير من المؤتمرات والندوات التي تعقدها الحكومات القائمة في العالم الإسلامي لبحث ما يسمى «بنقل التكنولوجيا» إلا أن الواضح أن هذه الدول غير جادة في سعيها للحصول على هذه التكنولوجيا، فما يسمى «بنقل التكنولوجيا» ما هي إلا خرافة فالتكنولوجيا ليست بضاعة يمكن شحنها على ظهر سفينة أو طائرة، وإنما هي عملية معقدة تُبنى وتنشأ ويستخدم في بنائها العلم والمال والطاقة والمادة والخام، وتحتاج إلى إرادة حقيقية لامتلاك القاعدة التكنولوجية. ثم إنه من الملاحظ أن هذه الحكومات عندما تتكلم عما تسميه تضليلاً «نقل التكنولوجيا» إنما تعني إيجاد الأوضاع والظروف في بلادنا التي تمكّن الغرب الكافر من جعل البلاد الإسلامية مجرد سوق استهلاكية للمنتجات الغربية. «فالمكان الذي لا توجد فيه كهرباء لا يمكن أن تُباع فيه الثلاجات والأجهزة الكهربية». إذاً لا بد من أن يُعلمونا كيف نستخدم هذه الأجهزة «المعقدة» حتى يمكن أن نشتريها. إذاً فالأبحاث التي يتم تداولها في هذه المؤتمرات تصب في اتجاه واحد وهو عملية «التشغيل» وفي أحسن الحالات عملية الصيانة أيضاً… والنتيجة هي بقاؤنا سوقاً مفتوحة للغرب يكنـز من ورائها الملايين بل المليارات، أما نحن «فنحتاج إلى عقود طويلة حتى يمكننا اللحاق بالغرب المتقدم عنا بقفزات كبيرة جداً». هكذا يقولون ويزعمون.

          السؤال الآن: هل تستطيع الدولة الإسلامية عند قيامها اللحاق بهذا الركب؟ وهل صحيح أنهم لديهم القدرة على حجب هذه التكنولوجيا؟!

          الذي يجب أن أقوله في البداية إن قيام هذه الدولة هو في حد ذاته الذي سيُغير هذا الواقع وسيقلب تلك الموازين رأساً على عقب، وسيكون الفضل الأول لله سبحانه وتعالى، فالشيء الذي يجب أن يدركه المسلمون جيداً أن النصر إنما هو من عند الله وحده لا شريك له، يؤيد بنصره من يشاء. والنصر ليس فقط في إقامة الدولة، إنما باستمرار تلك الدولة. وهذا ليس نوعاً من التواكل أو «الدروشة» كما يقولون. إنما هو ثمرة الإيمان الحقيقي الذي يعطي الفضل كله لله. فالدولة الإسلامية الموعودة هي دولة مبدئية تمتلك فكرة مبدئية دافعة ولديها وجهة نظر خاصة للحياة. فالعقيدة الإسلامية التي تقوم عليها الدولة عقيدة عالمية، والمسلمون مكلفون بإيصال هذه العقيدة لكل الشعوب والأمم بشكل مؤثر ولافت للنظر، وهذا لن يتم إلا بامتلاك تكنولوجيا نوعية تستخدمها الدولة في نشر الإسلام. وقد استطاع المسلمون في السابق التغلب على التفوق العلمي والعسكري الذي كان للروم والفرس على المسلمين، ذلك لأنهم أدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه البشرية، فهم حَمَلَة رسالة عالمية ابتعثهم الله ليخرجوا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان لعدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ثم بعد ذلك تسلم المسلمون زمام المبادرة وقاموا بموجبات الخـلافة الحقة في الأرض فعمروها وسخروا ما فيها لخير الإنسان فأبدعوا في استخراج مكنونات هذه الأرض وكشف القوانين العلمية التي تحكمها، وحققوا إنجازات رائعة في مجال الطب والهندسة والفلك والجغرافيا وغيرها من المجالات العلمية المختلفة. وكانت أوروبا ترسل طلابها ليتلقوا العلم عند المسلمين. ولكن وكنتيجة طبيعية للانحطاط الفكري الذي أصاب المسلمين في القرنين الأخيرين توقف المسلمون عند هذا الحد وتسلم الأوروبيون الراية من بعدهم وأكملوا ما توصل إليه المسلمون فكانت هذه الثورة العلمية الهائلة التي نشاهدها اليوم. إذاً فكما استطاع المسلمون سابقاً أن يتسلموا هم قيادة العالم في كل المجالات، يستطيعون الآن. وهذا ليس بالأمر المستحيل كما ـ يصوره الغرب لنا ـ إنما هو أمر ممكن ونحن لسنا أقل من الصين الدولة الزراعية المتخلفة ـ التي لا تملك مبدأً كمبدئنا ـ والتي دخلت «اللعبة الكونية» في ظل ثورة تكنولوجية لم تكن متوقعة، وها هي اليوم من أكبر المنافسين الذين يشكلون خطراً يتهدد الولايات المتحدة.

          إن دولة الخـلافة يمكنها التغلب على هذا التفوق العلمي مع الغرب بما يلي:

          1 ـ التكنولوجيا اليوم ليست حكراً على أميركا والدول الغربية ولهذا يمكن أخذها من غيرهم، صحيح أن دولة الخـلافة دولة جهادية، ولكن هذا لا يعني إعلان الحرب على العالم، فلا مانع من إقامة علاقات متميزة مع بلد كالصين مثلاً والاستفادة من الموقف الدولي. ثم إن الذي يحكم اليوم لغةُ المصالح لا الإيدلوجيات، والصين أو غيرها من الدول سترى أن في التعامل مع دولة الخـلافة مصلحة لها تدر عليها أرباحاً ومنافع طائلة.

          2 ـ الأمة مليئة بالعلماء المتخصصين في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والكمبيوتر… وجزء كبير منهم يشكل عنصراً مهماً من عناصر تقدم الغرب العلمي، وقد تكونت لديهم خبرات هائلة ومعلومات قيمة، ولديهم مؤلفات وأبحاث في شتى ميادين العلوم. وهؤلاء العلماء هم جزء لا يتجزأ من الأمة، هاجروا من بلادهم لأنهم لم يجدوا الرعاية الكاملة من قبل حكومات بلادهم. وكثير منهم على استعداد كامل للعودة إلى بلادهم بما لديهم من خبرات طويلة، وبخاصة عندما يرون أن الخـلافة توفر لهم الرعاية الصحيحة والأمن الكامل.

          3 ـ توفير الإمكانيات المادية اللازمة لعملية امتلاك التكنولوجيا سواء من أموال الملكية العامة أو من خلال فرض ضرائب على المسلمين لأن هذا فرض يقع على عاتق الأمة وإلا حصل ضرر بالأمة والدولة.

          4 ـ إيجاد خطة شاملة لاستيعاب العدد الضخم من حَمَلَة الشهادات العلمية الذين غلبت الناحية الأكاديمية على دراساتهم والذين تحولوا إلى قطاع ضخم من العاطلين عن العمل.

          5 ـ يجب على السياسيين في دولة الخـلافة أن يتمتعوا بالحنكة السياسية التي تمكنهم من إنشاء هذه القاعدة التكنولوجية والمحافظة عليها من الأذى والهدم، فمن المتوقع أن تتعرض الدولة أثناء محاولتها تلك إلى أزمات ومصاعب جمة وفخاخ تنصبها لها الدول الصناعية التي لا ترضى عن هذا التوجه من الدولة.

          6 ـ كما أنه يجب أن تقوم الدولة بعملية توعية للأمة للمرحلة الخطيرة التي ستعيشها الأمة في هذا الوقت،… والأمة قادرة بإذن الله على تجاوز تلك الصعاب والوقوف سدّاً منيعاً أمام أية محاولة لضرب هذه الدولة. لأن الأمة ستشعر شعوراً حقيقياً بأن هذه الدولة هي دولتها وأن واجب الحفاظ عليها يقع على عاتقها، وأنها يجب أن تبذل الغالي والثمين في سبيل المحافظة على وجودها واستمرارها دولة مرهوبة الجانب يٌحسب لها ألف حساب بين الدول. والله على كل شيء قدير، نعم المولى ونعم النصير .

أبو عبد الله الشريف ـ مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *