العدد 170 -

السنة الخامسة عشرة ربيع الأول 1422هـ – حزيران 2001م

أحداث منطقة القبائل في الجزائر

          لقد تلاحقت الأحداث بشدة في منطقة القبائل (البربر) بالجزائر وبخاصة في ولايات (تيزي وزو)، (بجاية)، (البويرة) وذلك على أثر مقتل طالب من البربر في مخفر للدرك قرب تيزي وزو في بني دوالة يوم 18/4، وقد نتج عن هذه الأحداث مقتل نحو (70) شخصاً وجرح (700) آخرين.

          لقد استمرت الأحداث على مدى أسبوعين في أواخر شهر (4) وأوائل شهر (5) بشكل شبه مستمر يومياً، وصاحبتها مطالبات داخلية وتصريحات خارجية.

          أمّا المطالبات الداخلية فكانت اعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة بجانب اللغة العربية، بالإضافة إلى المطالبة بتحسين أوضاع البربر في المنطقة لشعورهم أن الدولة لا تهتم بهم كما تهتم بالمناطق الأخرى. كذلك طالب حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية بتدويل القضية، كما أن سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أعلن انسحابه من الحكومة، وهذان الحزبان هما الحزبان الرئيسان للبربر ويتنافسان على زعامتهم.

          أما التصريحات الخارجية فكان أبرزها تصريح وزير خارجية فرنسا (فيدرين) في 2/5 أمام الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) الذي قال فيه “لا يمكننا أن نبقى صامتين اليوم أمام هذه الأحداث وعنف هذا القمع للتظاهرات في الجزائر”. وفي محاولة للمسئولين الفرنسيين في تبرير هذا التدخل قالوا إن (جوسبان) رئيس وزراء فرنسا، وهو مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لا يستطيع الصمت لأنه بحاجة إلى أصوات الفرنسيين من أصل جزائري الذين هم في غالبيتهم من منطقة القبائل (البربر).

          ولكي يمكننا فهم ما يجري من أحداث، ولماذا تحدث، وبخاصة أن شبيهاً لها يحدث في أماكن أخرى من بلاد المسلمين مثل الأكراد في العراق، أقول لكي يمكننا فهم ما يجري فإنه لا بد من استعراض الأمور التالية:

          الأمر الأول:  إن الإسلام قد قضى على الولاءات القبلية والعشائرية وأمثالها التي كانت سائدة في الجاهلية ومجتمعات الكفر الأخرى، وذلك عندما فتحها المسلمون وأضاءوها بنور الإسلام. لقد صهر الإسلام المسلمين في بوتقته وجعل ولاءهم له وحده يقول سبحانه: (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا) ، ولم تعد العشيرة والقبيلة إلا تعريفاً للشخص ليس غير، يقول سبحانه: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنتى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)  فليس هناك تفاضل بسبب جنس أو لون. يقول صلى الله عليه وسلم        : «ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى» ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «إنما بعثت إلى كل أحمر وأسود».

          وهكذا سار المسلمون معاً، إخوة في دين الله، يتفاضلون بالتقوى فطبقوا الإسلام معاً، وجاهدوا في سبيل الله معاً، وفتحوا الفتوح معاً، فسار موسى بن نصير العربي الشامي لفتح الأندلس جاعلاً في مقدمة جيشه طارق بن زياد (البربري) ليدخل الأندلس أول الداخلين، فاتحاً لها، ولا زال اسمه يزيّن المضيق الذي اجتازه.

          وفتحت القدس على يد أمير المؤمنين عمر وكان أبو عبيدة قائد جيشه، وشاء الله أن تحرر من رجس الصليبيين على يد صلاح الدين (الكردي)، ثم شاء الله سبحانه أن تفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح (التركي). وأمثال هؤلاء كثير من العرب والعجم يشدهم الولاء للإسلام ويجمعهم معاً في السلم والحرب دونما عصبية من لون أو جنس.

          إلا أن الكفار، في القرنين الماضيين، أدركوا أن سر قوة المسلمين هو هذا الدين العظيم الذي يحملونه والولاء الكبير للإسلام الذي تمتلئ به قلوبهم، وأدركوا من هزيمتهم في الحروب الصليبية أن الأسلوب العسكري لهزيمة المسلمين عقيم وأن الأقوى والأقدر منه هو خلخلةُ سر قوة المسلمين وهو خلخلةُ ولائهم، وإحلالُ الولاءات القومية والقبلية مكانه، وقد نجحوا في ذلك أوائل القرن الماضي عندما أثاروا الترك على العرب والعرب على الترك في الدولة العثمانية، الدولة الإسلامية آنذاك، فهُزمت الدولة في داخلها قبل أن تُهزم في الحرب العالمية الأولى.

          وقد شجعهم نجاحُهم هذا على أن يستمروا في مخططهم فجزّأوا بلاد المسلمين ونصبوا عليهم حكاماً عملاء لهم ينفذون رغبات الغرب الكافر بإثارة القوميات والعصبيات في البلد، الواحد فبرزت الولاءات القبلية والعصبية من جديد بعد أن أزالها الإسلام منذ زمن بعيد، يقول صلى الله عليه وسلم    عنها: «دعوها فإنها منتنة» ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «ليس منا من دعا إلى عصبية».

          الأمر الثاني:  أنزل الله سبحانه القرآن الكريم باللغة العربية، وكذلك فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم    باللغة العربية، فكانت اللغة العربية هي الأداة لفهم الإسلام واستنباط أحكامه، ولقد اعتز المسلمون بهذه اللغة وحملوها واهتموا بها لأنها لغة القرآن الكريم وليس لأنها لغة قومية للعرب، لذلك فقد نبغ في العربية رجال عظماء من المسلمين غير العرب، فكان منهم المجتهد والفقيه وعالم اللغة والتفسير، وكانوا ينافحون عنها لأنها لغة الإسلام. لكن الكفار كما أدركوا أن الولاء للإسلام هو سر قوة المسلمين أدركوا كذلك أن اللغة العربية هي الأداة الرئيسية لفهم الإسلام، فأخذوا في التشويش عليها والتركيز على اعتبارها لغة قومية للعرب حتى يوجدوا رد فعل عند الآخرين بأن يتعصبوا للغتهم كأقوام، وصار المثقفون بثقافة الغرب يركزون على هذا الأمر بشكل يحيي العصبية للغة، هذا يقول لغتي وذاك يقول لغتي. وكما نجح الكفار والمثقفون بثقافتهم في خلخلة الولاء للإسلام نجحوا كذلك في خلخلة مركز اللغة العربية كلغة القرآن الكريم إلى جعلها لغة قومية للعرب. ليوجدوا بذلك ردود فعل عند المسلمين غير العرب لإبراز لغتهم مقابل العربية سواء بسواء؛ وساعدهم في ذلك عملاء لهم قاموا بهذا الأمر بشراسة، كما صنع مصطفى كمال ومجموعته في تركيا في حربهم ضد الإسلام ولغته العربية، بعد أن نفذ مخططات الإنجليز في القضاء على الخلافة.

          لقد كان نجاح الكفار وعملائهم في حربهم ضد الإسلام والعربية في تركيا حافزاً لهم على الاستمرار في مخططاتهم بالتركيز على أن العربية لغة قومية للعرب، ليثيروا المسلمين من غير العرب كي يبرزوا لغاتهم كلغات قومية لهم في مواجهة العربية، وساعدهم في ذلك عملاؤهم من العرب وغير العرب بالتركيز على أن اللغة هي لغة قومية عند أجناس المسلمين وليست لغة القرآن الكريم والحديث الشريف. وهكذا صرنا نسمع مطالبة بعض المسلمين الأكراد بلغتهم الكردية كلغة رسمية في مواجهة العربية، وصرنا نسمع كذلك مطالبة بعض المسلمين البربر بلغتهم الأمازيغية كلغة رسمية في مواجهة العربية.

          الأمر الثالث:  إن من الجرائم الكبرى في الإسلام أن يسمح للكفار أن يتدخلوا في شئون المسلمين أو أن يكون لهم سلطان عليهم. يقول تعالى: ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) .

          إن المتتبع للمشاكل التي تُثار بين المسلمين يجد أن أصابع الكفار تمسك بمعظم خيوطها إن لم تكن كلها، إما مباشرةً منها وإمّا مباشرةً من عملائها.

          إن الأصل أن يستفظع المسلم تدخل الكفار في شئون المسلمين، فكيف تُسمع أصوات تطالب بتدويل قضايا المسلمين أو تسمع تصريحات من الكفار بالتدخل في شئون المسلمين، دونما موقف صلب جاد من الأمة تجاه هذه الأصوات والتصريحات؟ إن الكفار هم سبب البلاء، وعملاؤهم هم أس الداء وأولئك وهؤلاء وراء كل مصيبة وفساد وإفساد.

          إنَّ هذه الأمور يجب أن تكون مدركة تماماً لكي نفهم ما يجري:  إن الواجب أن يكون ولاء البربر والعرب في الجزائر للإسلام وليس لجنسهم وقبيلتهم، وأن يكون الاهتمام باللغة العربية كلغة رسمية للدولة نابعاً من كونها لغة الإسلام وليس من كونها لغة قومية للعرب، وأن يكون الوقوف في وجه التدخل الكافر وقوفاً واحداً صلباً. إن فرنسا مهما زيَّنت للأطراف أنها مع هذا أو ذاك، فإنها لا تقيم وزناً إلا لمصالحها وتنفيذ مخططاتها، وهي وإن أظهرت أنها مع البربر في تحركهم فليس إلا لمصلحتها هي، انتخابيةً أو غير انتخابية، فإذا قضيت هذه المصلحة انتهى الدور وانتقلت لمصلحة أخرى ولاعبٍ آخر. إن فرنسا لاحظت توجه الدولة الجزائرية صوب أميركا دونها، فهي لذلك تستغل كل قضية ليعود نفوذها كما كان وليس من أجل مصلحة أية فئة أخرى.

          إننا ندرك أن إقصاء الإسلام عن التطبيق في واقع الحياة هو السبب في فقدان الرعاية العادلة المتوازنة للعرب والبربر في الجزائر، وندرك كذلك أن الحكام في الجزائر لا يضعون اللغة العربية موضعها المطلوب كلغة القرآن الكريم والحديث الشريف ليجمعوا المسلمين حولها، كما ندرك أن تصارع الولايات المتحدة وأوروبا على النفوذ في الجزائر وانغماس الحكام في الجزائر فيه هو الذي فتح الباب للتدخل الأجنبي تلميحاً وتصريحاً.

          إن حل كل مشاكل المسلمين في الجزائر وغير الجزائر هو أن يوضع الإسلام موضع التطبيق بإعادة دولته، دولة الخلافة، التي ترعى شئون الناس رعاية عادلة متساوية للعرب والبربر وكل من يحمل التابعية الإسلامية، وهي التي تعلي من شأن اللغة العربية كلغة لفهم الإسلام وأحكامه، وهي التي ليس فقط تمنع تدخل الكفار في بلاد المسلمين بل هي التي تفتح بلادهم وتقضي على سلطانهم وتنشر الهدى والنور في البلاد وللعباد (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيئ قدرا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *