العدد 169 -

السنة الخامسة عشرة صفر 1422هـ – أيار 2001م

مفهوم التجديد في أصول الفقه

           ينبغي للمسلم أن يكون واعياً على الثقافة الإسلامية، واقفا على علومها، لا سيما وأن الأمة تعيش تحت مطارق الغزو الرأسمالي، وتصطلي بنيران جيوشه، وأن بلاد الإسلام أصبحت مسرحاً لإمامة الكافر الفكرية، وولايته الأيديولوجية. لقد أدرك الكافر خطورة مفاهيم الثقافة الإسلامية على مساعيه، فركز ضربات معوله عليها حتى سقط بعض المسلمين أمام هذه الضربات، وتأثروا بالأفكار الموبوءة الغازية، وصاروا يؤولون الثقافة الإسلامية ويخرجون عليها، وصار بينهم وبينها فراغٌ لا بد من ردمه ورأب صدعه.

=====================================

          ولا يزال أزلام الكافر ـ من أشباه المفكرين ووعاظ السلاطين ـ مستمرين في هجومهم السافر وضربهم لفروع هذه الثقافة، ولا أجد أدل على ذلك من خروجهم المستمر على وسائل الإعلام بآراء تحمل في طياتها السم الزعاف وفي مضامينها الموت الزؤام والتي يكون ضحيتها أصحاب العقول المعقولة عن الفهم من أبناء المسلمين، وما نريد أن نعرضه في هذه الوريقات: مفهوم حاول شياطين الإنس أن ينفذوا من خلاله لدك صرح علم أصول الفقه ـ وهو صرح شاده علماء المسلمين الأساطين وأعلوا من بنائه ـ والإتيان عليه من القواعد وهو مفهوم تجديد أصول الفقه.

          إن عملية استخراج الأحكام الشرعية واستنباطها، تتطلب عدة أمور هي:

          الأول: وضع الإصبع على أدلة التشريع الراشدة بوحي الله، ورشاد الأدلة بوحي الله: يعني أن يقوم الدليل القطعي على اعتبارها في التشريع من الخالق.

          الثاني: تحديد القواعد اللازمة للتعامل مع هذه الأدلة سواء على مستوى أقسام الكتاب والسنة، أم على مستوى أقسام اللغة.

          الثالث: شخص محصل لآلة الاجتهاد وجامع لشرائطه يستطيع الولوج في هذا البحر دون أن يغرق، وصعود العقبة الكؤود دون أن تزل قدمه، ومن هنا اشتمل علم أصول الفقه ـ كما عرفه الإمام سيف الدين الآمدي في إحكامه على [أدلة الفقه، وجهات دلالاتها على الأحكام الشرعية، وكيفية حال المستدل بها، من جهة الجملة، لا من جهة التفصيل].

          وقد أولى علماء المسلمين أصول الفقه عنايتهم، وصرفوا فيه جهودهم، لأنه هو الضامن لبقاء التشريعات الإسلامية صافية لا تشوبها الشائبات ولا تكدرها الكدورات من غير جنسها، لا سيما وقد بعد العهد بفجر التشريع ولم يبق اللسان العربي على حاله سليماً، يقول صاحب الفحول: [فإن هذا العلم ـ أي الأصول ـ هو قطاط الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه].

          وفي عصرنا هذا، يحاول الكافر وأزلامه ضرب هذا العلم والإجهاز عليه من خلال الدعوة إلى أصول فقه جديد يتواءم مع متطلبات العصر، وظروف الحياة، يقول الترابي في كتابه (تجديد الفكر الإسلامي): [وفي يومنا هذا أصبحت الحاجة إلى المنهج الأصولي الذي ينبغي أن نؤسس عليه النهضة الإسلامية حاجة ملحة، لكن تتعقد علينا المسألة بكون علم الأصول التقليدي الذي نلتمس فيه الهداية لم يعد مناسباً للوفاء بحاجتنا المعاصرة حق الوفاء…] ا.هـ.

          وتظهر ملامح المنهج الأصولي الذي يدعو الترابي إليه من تصفح لكتابه هذا، فهو يرى أن النصوص في مجال الحياة العامة أقل عدداً وأوسع مرونة، وهي نصوص مقاصد أقرب منها إلى نصوص الأشكال، ويرى ـ أيضا ـ أن الإجماع هو: الاستفتاء الشعبي أو رأي الأكثرية أو الأغلبية البرلمانية، ويرى أن القياس: هو القياس الفطري ودعك من المقيس عليه ومن العلة ومن مسالك العلة، وأن الاجتهاد حق لكل الناس حتى العوام وغير ذلك.

          إن دعوتهم هذه هي في حقيقتها محاولة لنسف أساس من أسس البنيان التشريعي الإسلامي، وهذا يعني: أنها محاولة لتقويض الشريعة ووأد محاولات العاملين على إعادتها سيدة المجتمع، أي: أن تكون الشريعة هي الحاكمة للعلاقات بقوة الكيان التنفيذي، وهي أيضا تكريس لداء الواقعية والذي يجعل الأمة تركن إلى واقعها الذليل، ولا تنهض من رقدتها المعاصرة، لذا: كان لا بد من رفض هذه الدعوة، بل الهجوم عليها هجوماً يكشف عوارها ويظهر سوأتها أمام الناس.

          وإننا إذ ندعو علماء الإسلام الأفذاذ وفقهاء المسلمين الأساطين إلى التنبه إلى هذه الدعوة، والقعود لها كل مرصد، والقيام بواجبهم في بيان زيف هذه الدعوات وخطورتها، نغتنم الفرصة لنذكرهم بما عليهم من عبء وبما في رقابهم من مسؤولية في عدم السكوت عن المنكر الأكبر وهو غياب الشريعة عن سدة الحكم، ووجوب العمل على تغييره وإعادة بناء صرح الخلافة لوضع فقههم موضع التطبيق، فهم في الأرض بمنزلة النجوم من السماء، وحاجة الأمة إلى وقفتهم أعظم من حاجتها إلى الماء والهواء .

أبو البيان “عمار” ـ بيت المقدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *